يوسف الصدّيق وقميصه - الجزء الأول


الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل

 

يوسف الصدّيق وقميصه -الجزء الأول

إن قصة يوسف هي قصة النجاح في الدنيا والآخرة، وهي تخاطب المؤمن وكأنها تقول له: أيُّها المؤمن، إن اللهَ تعالى قادر على كل شيء: فلِمَ اليأس؟! فقد كان يوسف من عائلة كبيرة مكونة من أب يرعى الماشية واثنا عشر ولدا واستطاع بفضل الله ثم بحكمته من التصدي لامرأة العزيز ورفض الفاحشة، ونجح في التعامل مع الملِك، وأن يُصبح عزيز مصر!!

يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (عليهم السلام)، هو حفيد نبي الله وخليله سيدنا إبراهيم (عليه السلام)، وهو ابن ابن أخ إسماعيل (عليه السلام). وقد وصفه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (الكَرِيمُ ابنُ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحاقَ بنِ إبْراهِيمَ).

يُلقب يوسف بالصّديق.. وكان صادقًا في كل شيء في تأويله للرؤيا واُتهم في عرضه ولصدقه لم يدافع عن نفسه.

خصص القرآن الكريم سورة تحمل أسمه (سُورَة يُوسُفَ)، وهي سُورَة مكَّية، تميزت بذكر قصة نبي الله يوسف عليه السلام كاملة في أسلوب قصصي رائع، وهي أطول قصة في القرآن في سياق واحد، وهي أول سورة نُقلت من مكة إلى المدينة، ترتيبها الثّانية عشرةَ بين سّور المُصْحَف وعدد آياتها مائةٌ وإحدى عشرةَ آيةً.

يرد ذكر كلمة (يوسف) في القرآن الكريم في سبعة وعشرين موضعاً، وقد روى أبو هريرة أن رَسولُ اللَّهِ (ﷺ) قالَ عنه: (فأكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ).

تميّز يوسف بالرّشد والفهم، قال تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ) (يوسف: ٢٢) بالإضافة إلى صدق المعاملة، والإخلاص لله في العبادة، والعدل، والإنصاف، والصّبر، والتحمّل، وعفّة اللّسان، وجمع من الأخلاق محاسنها واتّصف بها في كل أحواله.

تزوج يعقوب عليه السلام عدة نساء ورُزق منهم اثنا عشر ولداً، ومن زوجاته (راحيل) التي أنجبت يوسف وبنيامين الذين كانا أصغر أبناء يعقوب.

ولد يوسف بعد أن انتقل أبوه إلى خارج فلسطين بسبب مُضايقات أهلها، فخرج إلى فدان آرام على الحُدود السوريّة التركية ما بين نهر الخابور ونهر الفُرات. وتوفت أُمّه وهو صغير، وتميّز منذ صغره برجاحة عقله، وسلامة خُلقه وذكائه.

أحبه أبوه يعقوب ودلله، فعانى يوسف من حسد إخوته له، وقد افترق يوسف عن أبيه وهو يبلغ من العمر ثمانية عشر سنة، ودام فراقهما إحدى وعشرين سنة، وكان السبب في فراقهما حسد إخوة يوسف له وإلقائهم إياه في البئر.

جمال يوسف:
كان يوسف جميلا، وجمال يوسف عليه السلام ثابت كما في قوله تعالى: (وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف: ٣١)، قال الشوكاني: نفين عنه البشرية لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على أحد من البشر.
قال تعالى: (وَآتَت كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ سِكّينًا وَقالَتِ اخرُج عَلَيهِنَّ فَلَمّا رَأَينَهُ أَكبَرنَهُ وَقَطَّعنَ أَيدِيَهُنَّ) (يوسف: ٣١)، فقد ذهبت عقول النّساء حين رأين يوسف فقطّعن أيديهنّ دون أن يشعرن وذلك من شدّة جماله، وعمّ نور وجهه المجلس كاملاً حتّى كاد نوره يذهب بأبصارهنّ.

ثمّ وصفه الله تعالى في نهاية الآية فقال: (ما هـذا بَشَرًا إِن هـذا إِلّا مَلَكٌ كَريمٌ) (يوسف: ٣١)، وكما عُرف عند النّاس أنّ الجميل يأخذ وصف الملك، قال صفي الدين الحلي:

يا مَن لِجَمالِ يوسُفٍ قَد وَرِثا ... العاذِلُ قَد رَقَّ لِحالي وَرَثى
وَالناسُ تَقولُ إِذ تَرى حُسنَكَ ذا ... سُبحانَكَ ما خَلَقتَ هَذا عَبَثا

لقد عاش يوسف في أرض مصر تحت حُكم الرُعاة الذين يُسمّون بالهكسوس، الذين قاموا بحكم مصر أكثر من قرنٍ ونصف، وبقي يوسف في مصر إلى أن توفي، وكان المُجتمع الذي عاش فيه لا يعرف الله تعالى على وجه الحقيقة، ولكنهم كانوا يعرفون عنه بعض المعلومات مما سمعوه من خلال ما نُقل إليهم ممن حولهم.

محن يوسف الصديق:
لقد تعرض يوسف في حياته إلى ثلاثة محن كبرى، كانت المحنة الأولى محنة الرمي في الجب (لبئر) والتي جاءت نتيجة لغيرة إخوته منه، وقد عوضه الله تعالى بأن أخذه ناس طيبون إلى مصر وأكرموه هناك.

ثم كانت محنة امرأة العزيز، حيث وقعت امرأة العزيز بحب يوسف، واشتد لهيب عشقها له لما شبّ وكبر. ولما بلغ يوسف مبلغ الرجال، جعلت تُلمح له، فتتزين له وتتهيأ، فلم يلتفت إليها ولم يعطها بالا، فقررت أن تصرح له بذلك، فتأمره بالفاحشة أمر السيدة لعبدها وعليه أن ينصاع لأمرها ويذعن.

قال الله تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف: ٢٣)، فصرف الله سبحانه وتعالى عن نبيه السوء والفحشاء بإخلاصه، حيث قال: (كَذَٰلِكَ لِنَصۡرِفَ عَنۡهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلۡفَحۡشَآءَۚ إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ) (يوسف: ٢٤)، وكان قميص يوسف هو الشاهد على براءة بمشيئة الله تعالى.

ثم جاءت المحنة الثالثة، محنة السجن الذي دخله يوسف بسبب كيد النسوة وظلمهن له بعد أن رفض وأبى ما تريده امرأة العزيز منه من فاحشة. وقد أراد الله تعالى أن يُبعده عن الفتنة بخروجه من بيت العزيز وإبعاده عن امرأة العزيز.

لقد دخل مع يوسف فتيان من خدم الملك؛ حيث كانت التهمة الموجهة لهما المؤامرة على الملك. وقد رأى كلٌّ منهما رؤيا في منامه، وفسّرهما يوسف بما علّمه إيّاه الله تعالى.

لقد كان تفسير الرؤى التي رآها الفتيان أنّ أحدهما سيخرج من السجن ويصبح قريباً من الملك، حيث أصبح الساقي الخاص بالملك، وأنّ الآخر سيُقتل ثمّ يصلب. ثم طلب يوسف من الذي سيصبح قريباً من الملك أن يذكره أمام الملك بالخير، فنسيَ الفتى ذلك.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

841 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع