انتقالات سردية موفقة في ...صراع الروح دراسة نقدية

يوسف عبود جويعد


انتقالات سردية موفقة في...صراع الروح - دراسة نقدية

رواية "صراع الروح" للروائي طارق أحمد السلطاني، تقدم لنا رحلة سيرية أدبية، لبطل الرواية أيوب، منذ نشأته وحتى صراعه مع الحياة من أجل تحقيق ذاته، والوصول الى ما يطمح إليه، واضعاً الروائي في نظر اعتباره القارئ الذي سوف يرافقه في رحلته مع عالم أيوب المليئ بالأحداث والمفاجآت، فقد جعل عملية بناء النص الروائي تعتمد على الشمولية الحياتية في العملية السردية، وهو يسير بنمو شخصيته الرئيسة والمركزية، وأقصد هنا في الشمولية هو توظيف العناصر الاساسية التي يحتاجها الإنسان بشكل دائم في حياته، ولا يتوقف عن استخدامها كطاقة ضرورية للعيش مثل: الطعام، الشراب، حب المرأة وانعاش العاطفة الجنسية بين الطرفين، وهي شعلة وهاجة، قد تخبو قليلاً عند ممارستها، الا أنها تعود لتنتقد شأنها شأن العناصر الاخرى المتممة لمسيرة الحياة، فهو جزء خلقه الباري ليكون من تكوين الإنسان وضروراته، وهكذا فإن الروائي عمد على فتح أبواب الاحداث على مصراعيها، ونحن نتابع تفاصيل حياة أيوب، وهي مشرعة أمامنا بكامل تفاصيلها، ويتعاطف القارئ مع حركة حياة ايوب التي بدأها عامل نجارة في محل صغير، ثم يغادره ليكون هو صاحب محل نجارة لصناعة الأثاث المنزلية، وتكبر تجارته وتتوسع خطوة بخطوة، ليصبح صاحب شركة كبيرة لصناعة الأثاث المنزلية استيراد موادها الاولية من اخشاب ومستلزمات الصناعة الأخرى، وهنا يتعرف على شذى الباذخة الجمال فيعشق روحها وجسدها، ونتابع تفاصيل تلك العلاقة بشكلها الطبيعي، أي علاقة المرأة والرجل العاشقين للروح والجسد، ونعيش معهما لياليهما الحمراء، بينما تسير حركة السرد نحو نموها وحركتها الساخنة فيجري صفقات وعقوداً مع الفنادق الكبيرة لتغليف الغرف بالخشب الصاج ويستورد كمية كبيرة من تلك الاخشاب النادرة، الا أن حركة الثراء هذه لم تدم طويلاً، بعد ان ينفذ هذا النوع من الاخشاب، ويكون التاجر الوحيد الذي يمتلك كمية منه، مما حدا بأحد التجار الذي رفض بطل الرواية تجهيزه بالأخشاب، ان يشي به بتهمة تهريب الاموال الى خارج البلاد من خلال أحد أقاربه من الضباط، الذي اصدر امراً بإلقاء القبض عليه وايداعه السجن بتهمة مضللة هو بريء منها.

وهنا تنتقل الأحداث انتقال ثانية لنتابع حياة المعتقلين الذين زجوا معه من التجار في حينها والذين اعدم منهم وجبة اولى بسبب تجارتهم بمادة الطحين، الا أن الوجبة التي من ضمنها بطل الرواية يكون الحكم عليهم بالمؤبد مدى الحياة، ومصادرة موالهم المنقولة وغير المنقولة، وينقلنا الروائي الى تفاصيل قاسية من حياة المعتقلين في السجون، حيث صعوبة الحياة، وقلة الطعام، حتى احتساء الشاي يكون كل خمسة عشر يوماً، وفي انتقالة ثانية ننتقل الى عالم من الفنتازيا حيث ينام ايوب في احد اقفاص السجن والذي هو شبيه بأقفاص الحيوانات المفترسة، ليجد نفسه في قصره وعلى فراش دافئ، ليعود ثانية بعد ان هنأ بنوم عميق وتناول الطعام والشراب، أما الانتقالة الثالثة فقد كانت بنقل الاحلام التي تراوده في نومه، بتفاصيلها وما يحدث فيها، والانتقالة الرابعة هو زواجه في السجن من قبل فتاة جميلة وافقت ان تكون زوجته لثلاثة أشهر هي زهور التي تمتلك جمالاً خارقاً، ويعيش معها حياة هانئة، وعند انتهاء المدة المحددة ترحل من السجن، وتبقى ذكرياتها عالقة في ذهنه.
هذه الانتقالات السردية المتنوعة شكلت حالة من التدرج السردي المتماسك لسير الاحداث نحو نموها من التعريف الى الحبكة الى التأزم والى الذروة، وقد اعتمد الروائي على السارد العليم في إدارة دفة الاحداث.
وفي انتقالة أخرى وهي من أهم تلك الانتقالات، نتابع وبشكل تفصيلي حياة ناظم ادريس الواسطي، والعلاقة التي نمت وترعرعت بينه وبين نجوى وبتفاصيل كبيرة أخذت حيزاً كبيراً من الاحداث، حتى يخيل لنا أن بطل الرواية أيوب قد اختفى من النص الروائي، الا أننا نتفاجأ وبعد حادث وفاة ناظم الادريسي إثر حادث اصطدام سيارته التي تقله مع شاحنة كبيرة ووفاة السائق أيضاً، ونتابع ظهور براءة أيوب من التهمة الموجهة اليه بعد تقديم الاوراق الثبوتية وخروجه من السجن بعد أن امضى ثلاث سنوات، ليعود من الصفر في اعادة العمل في النجارة واستئجار محل صغير لتكبر تلك التجارة ثانية بسبب خبرته السابقة، وتكون الصدفة بلقائه مع نجوى زوجة المتوفي ادريس ونتابع تفاصيل تلك العلاقة بكامل تفاصيلها، التي انتهت بزواجه منها، ويصاب بمرض غريب واوجاع في بطنه الا أنه يشفى منه بأعجوبة، لكنه يعود ثانية لينتكس انتكاسة صحية قاتلة:
"تواصل صراع الروح داخل جسد أيوب طوال فترة احتضاره، وهو يئن، ويشكو في دهشة حالمة وفي النهاية تحقق انتصار الروح في الخروج من جسد أيوب بعد ان كانت مسجونة في اعماقه عبر الزمن من أجل البقاء محلقة في أعالي السماء أبد الدهر." ( ص 4311 )
وهكذا تتضح لنا بنية العنونة، في الصراع مع الروح، فيولد الانسان وهو يبكي عندما تدخله الروح بصراع مرير هو الولادة، وكذلك يكون الصراع عندما يموت الانسان لتنتزع منه الروح خارج جسده المسجي.
رواية "صراع الروح" للروائي طارق أحمد السلطاني، هي عصارة خبرته في فن صناعة الرواية، حيث قدم لنا احداثاً صادقة ومحسوسة ومليئة بالحياة.
من اصدارات فضاءات الفن للطباعة والنشر – بغداد – باب المعظم لعام 2024

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

725 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع