سمير عبد الحميد
مفاهيم قرآنية عن :الشيطان و الجبت والطاغوت
لكي نصل الى حقيقة مفاهيم الشيطان والجبت والطاغوت، والتي تبدو طلسما او لغزا مطلسما، بسبب ما يكتنف معاني هذه الالفاظ من الغموض الشديد ،يستلزم العلم بمعاني تلك الالفاظ ثم العلم بمفهوم كل منها باعتبارها مصطلحات قرآنية ذات مدلول شرعي خاص.
الشيطان:
إن لفظ الشيطان يدل على كل من بعد عن رحمة الله تعالى ،بسبب بعده هو عن الحق ومجاوزته الحد في المعصية ، ومثل هذا لا يكون عاصياً لله عز وجل بجهالة ، بل يكون إماماً من أئمة الكفر والدعوة إلى الفسوق عن أمر الله عز وجل، فلفظ أو اسم شيطان يصدق على كل داعى للكفر وكل مضلل للناس ومزين للشر سواء أكان إنسياً أم جنياً ، لكنه إذا أطلق بدون تحديد أو تعيين لإنسي أو جنى بعينه ، فإن الذهن ينصرف عند سماعه إلى إبليس الجنى ،لأنه أول من كفر ودعي للكفر ولأنه زعيم شياطين الجن ،اما اذا نظرنا اليه باعتباره لفظا كليا، فإنه يصدق على كل دعاة الضلالة وكل من يزين الشر بزخرف القول من الجن والإنس على حد سواء. قال تعالى :(وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه ) ۱۱۲ (الانعام) وقال تعالى في وصف الشيطان : ( الوساس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ) فكل من يزين الشر موسوساً في ذهن ووعى البشر أو الجن وكل إنسي يزينه بالقول ويدعو إليه بالكتابة وبالإعلام وبالفن ، هذا وذاك شيطان من الجنة والناس...
الجبت:
إذا أردنا أن نستوعب معنى الجبت فعلينا أن نبدأ بالتفسير اللغوى، .
قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة ( جبت : الجيم والباء والتاء كلمة واحدة . الجبت : الساحر ، ويقال الكاهن ) وقوله ( كلمة واحدة ) أي ليس لها أصل في العربية وإنما هي وافدة ، ومن ثم ليس لها مشتقات أو تصريفات أخرى ، وتفسير الجبت بالساحر أو الكاهن هو من تأويل المفسرين لكلمة الجبت في القرآن الكريم وليس من قول العرب،
ويؤكد أنها ليست من العربية ما كتبه ابن منظور فى لسان العرب تحت مادة جبت ، قال :( الجبت : كل ما عبد من دون الله ، وقيل : هي كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ، ونحو ذلك .قال الشعبي في قوله تعالى :( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ( قال : الجبت السحر والطاغوت الشيطان ، وعن ابن عباس : الطاغوت كعب بن الأشرف ، والجبت حي بن أخطب . وفي الحديث ( الطيرة والعيافة من الجبت).
وفي التهذيب عن ابن الأعرابي : الجبت رئيس اليهود والطاغوت رئيس النصارى. والخلاصة أن لفظ الجبت ليس عربياً ، وأما ما قيل فيه أنه السحر والساحر إنما هو إجتهاد المجتهدين وهو ما يدور حول دلالته وليس هو دلالة المطابقة ، أي أنها من صفات الجبت وخصائصه ، وليس واحداً منها هو الجبت ، وليس شخصاً بعينه هو الجبت ، وإنما هو ممن يتصفون ببعض صفاته ، أو يقومون ويزاولون بعض أعماله ، كما أن العيافة والطيرة من أعماله ، وليست هي الجبت ،ويعتبر قول الجوهرى بأن لفظ الجبت ليس من العربية دليل على أنه وافد من خارج الجزيرة العربية ، ويؤكده قول القائل بأنه رئيس اليهود إذ يشير إلى أنه وفد إلى الجزيرة مع هجرة اليهود إليها ويثبت هذا برهانان الأول : أن الآية الكريمة تثبت إيمان بعض الذين كفروا من بني إسرائيل بالجبت والطاغوت.
الثاني : تفسير بعض السلف الجبت بأنه حي بن أخطب أحد زعماء اليهود وأشدهم كفراً وعداء لله ولرسوله ، هذا علاوة على من فسروه بأنه رئيس اليهود، لكن بالإضافة إلى إثبات هذه الصلة بين الجبت وبين كفرة اليهود أو رؤسائهم ، يجب أن نضيف إلى معنى الجبت أقوال بعض السلف بأن الجبت هو السحرولقد عرف بنو إسرائيل السحر والسحرة منذ كانوا في مصر الفرعونية ، وشهدوا أحداث منازلة كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام آنئذ - هؤلاء السحرة- والذين لم يعرف في تاريخ الأمم البائدة أو المعاصرة شعباً فشا فيه السحر وكثر فيه السحرة مثل كثرتهم ومثل شيوعه في حياة هذا الشعب المصري القديم في ظل حكم الفراعنة . لكن المصريين القدماء لم يعتمدوا في حياتهم على السحر فحسب ، وإلا لما قامت لهم حضارة لا زالت آثارها المعمارية والعلمية والفنية الباقية ، شاهدة على تقدمهم في
الفلك والمساحة والكيمياء والطب والهندسة وغير ذلك من مظاهر التقدم العلمي والتقني في شتى مناح الحياة.
والجبت هو من شرار الخلق ،وهو انسي شيطاني: احد حفدة (قابيل)- اول من عصى الله تعالى من أبناء ادم عليه السلام- ،والذي خسر آخرته بسبب اخته الوضيئة، الذي زاول معها الزنى البغيض النجس(زنى المحارم) وهو أحط ما يمكن أن يتسفل اليه البشر.وقد غلبت على قابيل نفسه الإبليسية ، فأبلس أي فيئس من رحمة الله تعالى ولا رجاء له في التوبة،
فليستمر وليوغل في الفسوق والعصيان والكفر إرضاء لهواه وشهواته ،وطاعة لزميله إبليس ، ومن ثم تحول إلى شيطان مثله ، فصار في الوجود الدنيوي شيطانان : الشيطان الجنى ابليس ، والشيطان الإنسي قابيل .
لقد إعتزل قابيل مجتمع أبيه آدم الطيب وعاش مع أخته زانيان وأنجبا ذرية توالت جيلاً بعد جيل. ومن قابيل ومن ذريته ظهر عازفو العود والمزامير والآلات النحاسية ، وما يصاحب هذا من الغناء والرقص ، لقد ظهر من هذا المجتمع القابيلى حزب الشيطان الذى سيعادي بقيادة مشتركة من إبليس وحفدة قابيل حزب الله أبناء آدم من شيث .
فمن يكون هذا والذي من بعده من ذرية قابيل الذي وردت اخبار احدهم في زمن الرسالة وكذلك من ستظهر اخبار من بعده كلما طال الزمان ومستمرة إلى آخر الزمان .
انه ( ذوالنفس الابليسية) او ما يسمى (الجبت) والذي ورد ذكره في حديث تميم الدارمي المشهور ،قال تميم:(انه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين من لخم وجذام ،فلعب بهم الموج شهرا في البحر ،ثم ارفأوا الى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس،فجلسوا في اقرب السفينة(أي قوارب معدة بالسفينة ينزلون بها الى الشواطئ)،فدخلوا الجزيرة ،فلقيتهم دابة اهلب كثيرة الشعر لايدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر
، فقالوا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ، قالوا : وما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق . قال : لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة . قال : فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً ، وأشده وثاقاً ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا : ويلك ، ما أنت ؟
قال : قد قدرتم على خبرى ، فأخبروني من أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ، ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين إغتلم ، فلعب بنا الموج شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا فى أقربها ، فدخلنا الجزيرة ، فلقينا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا : ويلك ! ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة
قلنا : وما الجساسة ؟
قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فأقبلنا إليك سراعاً ، وفزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة .
فقال : أخبروني عن نخل بيسان . قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له : نعم . قال : أما أنه يوشك أن لا يثمر.
قال أخبروني عن بحيرة الطبرية ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ؟ قال : هل فيها ماء ؟ : قالوا : هي كثيرة الماء. قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب.
قال : أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب ، قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم ، قال : كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه انه قد ظهرعلى من يليه من العرب واطاعوه قال لهم قد كان ذاك-يعني او قد حدث هذا فعلا-قلنا نعم قال اما ان ذاك خير لهم ان يطيعوه
، وإنى مخبركم عنى ، إنى أنا المسيح ، وإنى أوشك أن يؤذن لي في الخروج ، فأخرج فأسير في الأرض ، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة ، فهما محرمتان على كلتاهما كلما أردت أن أدخل
واحدة منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدنى عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها .
وما يمكن إستنباطه من خبر الجساسة برواية مسلم هذه أن تميماً الدارى الذى شاهد الدجال وخاطبه كان نصرانياً قبل أن يسلم ومن ثم يغلب على الظن أنه كان قد سمع عن المسيح الدجال المذكور في الانجيل باسم المسيح الكاذب أو المسيح الضد ، سواء قبل أن يشاهده في دير الجزيرة أو بعد أن شاهده. ومن ذرية هذا الجبت من يقود -بمعية ابليس- الطواغيت منذ عهد الرسول الخاتم وحتى عصرنا الحالي.
الطاغوت
المفهوم اللغوي لكلمة الطاغوت في القرآن الكريم : قال ابن فارس (طغی » وهو مجاوزة الحد : يقال هو طاغ، وطغى السيل إذا جاء بماء كثير، قال الله تعالى ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ) ( ١١ / الحاقة ) .يريد ، والله أعلم ، خروجه عن المقدار . وطغى البحر : هاجت أمواجه. قال الخليل : الطغيان والطغوان لغة . والفعل منه طغيت وطغوت وقال الفيروز أبادى في قاموسه : طَغَى كَرَضى طغياً وطغياناً بالضم والكسر : جاوز القدر وارتفع وغلا في الكفر وأسرف في المعاصي والظلم . والماء إرتفع ، والدم تبيّغ ، والبقرة صاحت .. والطاغية الجبار والأحمق المتكبر والصاعقة وملك الروم وطغا يطغو طغواً وطغواناً بضمها كطغى يطغى . والطغوى الإسم ( كذبت ثمود بطغواها ) ( ١١ الشمس ) .والطاغوت اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام ، وكل ما عبد من دون الله ومردة أهل الكتاب .
ذكر الطاغوت في القران في ثمانية مواضع1-( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٥٧ البقرة﴾
(2-أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴿٦٠ النساء﴾
(3-الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴿٧٦ النساء﴾
4-قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴿٦٠ المائدة﴾
5-وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴿٣٦ النحل﴾
6-وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿١٧ الزمر﴾
7-لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٥٦ البقرة﴾ . والاخيرة وردت كلمة الجبت مع كلمة الطاغوت ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا النساء:51
فما معنى كلمة الطاغوت؟ وما صلتها بالجبت والطاغوت؟
يقول المفسر محمد عزة دروزة رحمه الله في التفسير الحديث:((الطاغوت: الراجح انها صيغة مبالغة من الطغيان على وزن جبروت وملكوت واستعملت في القران في معان متعددة متقاربة حيث استعملت في معنى الاصنام وفي معنى الشرك وفي معنى الشيطان وابليس وفي معنى الشخص الشديد الكفر والبغي .والجامع في هذه المعاني شدة الطغيان والبغي والشر واسبابها..
ويلاحظ من الآيات ان كلمة الطاغوت وردت بصيغة المفرد المذكر كما في قوله تعالى :(والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور ) فجمع خبر((الطاغوت))بقوله (يخرجونهم )والطاغوت واحد ويجمع طواغيت. وقد يأتي الطاغوت مؤنثا كما في قوله تعالى((وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿١٧ الزمر﴾ وهذا يثبت انه ليس الشيطان من ناحية، باعتباره مذكرا وكذلك ليس هو الدجال من ناحية أخرى.
والطاغوت وفق الآيات السابقات كائن متأله في مملكة الشر وقد جعل من نفسه ندا لله عز وجل وكفؤا له بالالوهية من دون الله تعالى. بيد أن هذه النتيجة القرآنية الناصعة تواجه مسألة تحتاج إلى بيان ألا وهي أننا لا نجد في أخبار أهل الجحيم الواردة في الكتاب أو في السنة ذكراً للطاغوت مع المعذبين بالرغم من ادعاءه للألوهية وسعيه لكي يكون معبوداً من الثقلين وهذا يستتبع أن يكون في الدرك الأسفل من دركات الجحيم بل تحت أقدام أهلها المضللين، ألم يقل الله عز وجل في كتابه الكريم (ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزى الظالمين ) (الأنبياء / ۲۹ ) بلى . وألم يقل رب العالمين سبحانه (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ) ( الأنبياء ۹۸ - ۱۹۹ بلى فأين ذكر الطاغوت بين أهل الجحيم إ ؟ ليس له ذكر بينهم لا في الكتاب ولا في السنة · لقد ورد ذكر الشيطان حيث سيقوم خطيباً في أهل الجحيم ( وقال الشيطان لما قضى الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إلى كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ) إبراهيم / ٢٢ . فإذا علمنا أن الطاغوت قد ورد ذكره في القرآن في ثمانية مواضع لم يتضمن موضع واحد منها خبراً عن عذابه في جهنم تبين لنا أن الطاغوت هذا أشبه بلغز مطلسم يحتاج حلا ، إذ أنه من المفروض أن يكون أشد الخلق عذاباً في الآخرة ، كما أنه من المفروض أن يكون في أسفل دركات الجحيم ، وكلما اقتربنا منه ابتعد عنا او كالزئبق لا ندري اسائل هو او معدن، وكلما امسكنا به تفلت من أيدينا. وللوصول الى حل يؤدي الى فهم صحيح للعلاقة بين المفاهيم الثلاثة (الشيطان والجبت والطاغوت) وهي غاية بحثنا فنقول: انه نتيجة البحث الاحصائي في آيات الذكر الحكيم عن الشيطان او ابليس انه ليس وحده من اضل اهل الجحيم ، بل معه قرين انسي.
قال تعالى حاكيا لنا طلب أهل الجحيم ودعاءهم بأن يريهم الأثنين اللذين أضلا الانس والجن جميعاً وهما أيضاً جنى وإنسي وذلك حتى ينتقموا منهم باعتبار أن كل واحد منهما كان سببا في ضلال بني نوعه ، قال تعالى :( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول فى أمم قد خلت من قبلهم من الجن والانس إنهم كانوا خاسرين وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ، ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت اقدامنا، ليكونا من الأسفلين ) فصلت / ٢٥ - ٢٩
إذا هما اثنان :جنى وإنسي، كل واحد منهما أول من ضل من نوعه ،فتسبب في ضلال كل من ضل بعده من الإنس والجن ، فهما اذن قرينان وقد علمنا الضال الأول الجنى وهو إبليس اللعين فمن يكون الضال الانسي الأول ؟ وإذا كان الضال الجنى الأول قد عصى وكفر استكبارا وأصر فتشيطن، ثم ازداد كفراً وتوعد بنى آدم بإضلالهم فتأبلس ، فما هو حال قرينه الانسي ، وما علة كفر الشيطان الجني وما علة كفر الشيطان الانسي ثم ما علاقة كل منهما بالطاغوت من ناحية ثم بالجبت من ناحية أخرى، اما عصيان الجني الأول ابليس اللعين واستكباره فقد أورده القران بقوله تعالى:( ولقد خلقنا الإنسان مِن صلصلٖ مِّنۡ حماٖ مسنونٖ (26) والجان خلقنه مِن قبل مِن نَّارِ السموم (27) وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ للملائكة إِنِّي خلق بشرا مِّن صلصلٖ مِّنۡ حماٖ مسنونٖ (28) فَإِذَا سويته ونفخت فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ ساجدين (29) فَسَجَدَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ كلهم أجمعون (30) إِلَّآ إبليس أبى أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ (31) قَالَ يَٰٓإِبۡلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ (32) قَالَ لَمۡ أَكُن لأسجد لِبَشَرٍ خلقته مِن صلصلٖ من حماٖ مسنونٖ (33) قَالَ فأخرج منها فَإِنَّكَ رَجِيمٞ (34) وَإِنَّ عليك اللعنة إِلَىٰ يوم ٱلدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فأنظرني إِلَىٰ يَوۡمِ يبعثون (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلۡمُنظَرِينَ (37) إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡوَقۡتِ ٱلۡمَعۡلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَأُغۡوِيَنَّهُمۡ أَجۡمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنۡهُمُ ٱلۡمُخۡلَصِينَ (40) قَالَ هَٰذَا صِرَٰطٌ عَلَيَّ مُسۡتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوۡعِدُهُمۡ أَجۡمَعِينَ (43) لَهَا سَبۡعَةُ أَبۡوَٰبٖ لِّكُلِّ بَابٖ مِّنۡهُمۡ جُزۡءٞ مَّقۡسُومٌ ).هذا عن عصيانه واما عن استكباره فقوله تعالى (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين) فقوله تعالى (ابى واستكبر)أي رفض مستكبرا ،فالعلة هي الاستكبار. واما علة كفر الشيطان الانسي فقد أورد الحافظ بن كثير في تفسيره ما رواه بهذا الصدد ( محمد بن اسحق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول : أن آدم أمر ابنه قابيل أن ينكح أخته، توأمة هابيل ، وأمر هابيل أن ينكح أخته توأمة قابيل فسلم لذلك هابيل ورضى ، وأبى ذلك قابيل وكره تكرماً عن أخت هابيل ، ورغب بأخته عن هابيل وقال : نحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض وأنا أحق بأختى ، ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول : كانت أخت قابيل من أحسن الناس فضنّ بها على أخيه وأرادها لنفسه والله أعلم ). هذه الرواية تثبت الصلة بين قابيل وتوأمه وبين الجنة ، وقول قابيل لأخيه هابيل أنه أحق بتوأمته منه لأنهما من حمل الجنة وهما من حمل الأرض أو لأنهما من ولادة الجنة وليسا من ولادة الأرض مثلهما، إنما هو استكبار واستعلاء بهذا العهد السماوي فى أصل وجودهما . وهو استكبار له ما بعده كاستكبار إبليس ، إذ هو الذي أوصله إلى أن يصبح من الخاسرين في الآخرة، بقتل أخيه والزني بتوأمته. وهكذا كما ابتلى الله تعالى إبليس بتفضيل آدم عليه السلام عليه فكشف ما في نفسه من كفر ، وابتلى الله تعالى قابيل بأخته وأخيه فكشف ما بنفسه ، ومن ثم تحول مثل إبليس من حزب الله إلى حزب الشيطان بل إلى زعيم هذا الحزب مبرراً جريمته بأنه خير منه كما فعل ابليس تماما ،ورضي ان يكون هو وذريته ، صوت ابليس المستفز للمؤمنين الجالب عليهم بخيله ورجله، والذي تدرعت نفس ابليس الخبيثة وذريته بجسد قابيل وذريته البشري فنتج عن هذا الاتحاد او الحلول النجس الشرير ما ورد ذكره مرارا في الذكر الحكيم باسم الطاغوت. وكما ذكرنا سابقا ان اسم الطاغوت قد ورد في ثمانية مواضع في القرآن الكريم، في حين أن اسم الشيطان بصيغة المفرد قد ورد سبعين مرة وهذا الاختلاف العددي بينهما في حد ذاته ينفى أنهما لمسمى واحد ويؤكد المغايرة بين مدلولي الاسمين. ونكتفى هنا بذكر موضع واحد ورد فيه ذكر الاسمين وهو قوله تعالى ( الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) ( النساء / ٧٦ ، فالغاية العليا لجهاد المؤمنين ولقتالهم للذين كفروا هي ابتغاء وجه الله تعالى ولإقامة سبيله أي شريعته في واقع الحياة والذين كفروا جعلوا لله تعالى نداً يقاتلون في سبيله وهو الطاغوت الذى له شريعته وله منهجه الذي يرسمه لحياتهم حتى أنهم ارتضوا هذه الشريعة وأحبوا هذا المنهج ومن ثم يقاتلون المؤمنين في سبيله، لأن المؤمنين يريدون أن يقيموا شريعة الله ومنهجه والكافرون يريدون أن يحافظوا على منهج الطاغوت وشريعته ، ومن ثم يقاتلون المؤمنين لمنعهم من إقامة شريعة الله عز وجل فالكافرون يقاتلون المؤمنين في سبيل الطاغوت بهذا المعنى أيضاً ولكن جاء الأمر الإلهي في الآية للمؤمنين تحريضاً لهم على قتال الكافرين الذين عندما ينفذون الأمر الصادر لهم بقتال المؤمنين لا ينفذون أمراً صادراً لهم مباشرة من الطاغوت ، بل لأنه يكون صادراً إليهم من الشيطان ، أي أنهم لا يتلقون أوامر من الطاغوت ، وإنما يتلقونها من الشيطان ومن ثم فهم وإن كانوا يؤمنون بالطاغوت ويقاتلون في سبيله ولإقامة ما يشرعه لهم ، إلا أنهم لا يتلقون التشريعات والتعليمات والأنظمة والخطط الإفسادية الكفرية ، وكذلك الأمر بالقتال من الطاغوت مباشرة ، وإنما من الشيطان ومن ثم فهم أولياء الشيطان ، لأن ولى غيره هو الذي ينفذ أمر غيره له ، أو ينفذ طلب غيره منه ، لأنه هو الذى أمره ، ومن ثم فإن الشيطان هو حلقة الوصل بين الطاغوت وبين الكافرين ، وبتعبير آخر الشيطان هو رسول الطاغوت إليهم المبلغ شريعته وتعليماته وقائد الكافرين التنفيذى لأوامره ، ومن ثم نسب قتال الكافرين لسبيل الطاغوت ونسب طاعتهم المباشرة للشيطان ، فصاروا بها أولياءه، وهذا يفيد أن الطاغوت هو قمة الهرم الاداري في مملكة الكفر والظلمات ، وأن الشيطان دونه في المرتبة والدرجة ، وهذا يصدق على الشيطان الجني الأول إبليس وعلى الشيطان الإنسي الأول قابيل او من ذريته فالنتيجة المؤكدة أن الطاغوت غير الشيطان ، وأن الطاغوت أعلى من الشيطان رتبة في البناء الإداري الهرمي لمملكة الشر ، وإن كان أهل هذه المملكة جميعاً في أسفل سافلين في جهنم تحت أقدام أهلها أجمعين.
الجبت ثالث الثالوث النجس
اما كيف اصبح الشيطان الجني والشيطان الانسي ذاتا طاغوتيه واحدة
فهناك موافقات بين النوعين جعلت امكانية التوحد بينهما قائمة ، أما الذي جعل هذا التوحد مطلباً حقيقياً واقعياً ممكناً فهو اختلاف كثافة مادة الجن المخلوق من نار عن كثافة مادة الإنس المخلوق من طين ، ومن ثم أمكن للمخلوق الأقل كثافة أن تتخلل خلاياه وأعضاؤه خلايا وأعضاء المخلوق الأكثر كثافة فكل منهما من ذكر وأنثى ، وكل منهما يملك نفس الأعضاء التي للآخر ، ومن ثم يمكن للجنى منهما أن يتوحد مع الإنسي ،إذ تتخلل خلايا مخه خلايا مخ الإنسي وخلايا قلبه خلايا قلب الإنسي وخلايا سمعه وبصره خلايا سمع وبصر الإنسي ، فإذا تم هذا صارا كائناً واحداً بعقل واحد وقلب واحد وفقه واحد وسمع واحد وبصر واحد ، وكل جهاز منهما مضاعف ونزعة الاستكبار والشر مضاعفة ، ومن ثم صارا ذاتا واحدة طاغية بل طاغوتيه.
ولكن أليس تخلل إبليس الجنى قرينه الإنسي وتلبيسه به دليلاً على خضوع الإنسي للجنى وسيطرة الجني على الإنسي ، ومن ثم لا يصير للإنسي نفس سلطة وحقوق الجني ، ومن ثم يخرق هذا مبدأ المساواة المطلقة بينهما ؟! وهل وافق ابن قابيل(الدجال) ابن آدم الأول على أن يلبسه أو يمسه أو يتخلله أو يسكنه إبليس الجنى ، وفى هذا ما فيه من الخضوع ؟! لرد هذا الاعتراض نقول : إن تلبس شخص جنى بشخص إنسى بعامة غير توحد هذا الإبليس الجني بقرينه الإبليسي الإنسى ، إذ يمكن أن يتم بينهما هذا التلبس بسبيلين . الأول : أن يكون هذا إغتصاباً أى رغم أنف الشخص الإنسى فيكون هذا عدواناً من الجنى على الإنسى ، ومن ثم يصبح الإنسى فى هذه الحالة خاضعاً للجني ، عندما يتلبس هذا الأخير بالأول فإن شخصية ووعى الإنسان تنعدمان ، وهذا هو الذي وصفه الله عز وجل بقوله : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) البقرة / ٢٧٥
أما السبيل الثاني فهو أشبه ما يكون بالزواج الذى يتم بين الذكر والأنثى بموافقة وإختيار حر لكل منهما ، ومن ثم تقوم بينهما العلاقة الز وجية على أساس الندية في الحقوق والواجبات الإنسانية وفى حالة توحد الإبليس الجنى بالإبليس الإنسى فهو حالة تتم بموافقة الإثنين ، فلا إغتصاب أو عدوان فيها لأحد الطرفين على الآخر ، ومن ثم فليس في هذه الحالة خضوع من أحدهما للآخر أو سيطرة أحدهما على الآخر ، لأنها. تقوم بينهما باختيارهما وعلى أساس الندية المطلقة بينهما.
فحالة التوحد التي بينهما يتم فيها تفاعل عقلاهما فيصيرا عقلاً واحداً وفكراً واحداً ، ويندمج فيها قلباهما فيصيرا إرادة واحدة وينتج عنها خططا للشر متفق عليها يرضى بهاكل واحد منهما ، بعد الانفصال ، ويعمل بأقصى جهده لتحقيقها . وفي حالة التوحد السمعان سمعاً واحداً والبصران بصراً واحداً . فهي حالة مخالفة لحال الممسوس من الجن ، إذ تغيب شخصية وإرادة الإنسى المعتدى عليه كما لو إحتل مجرم بيت غيره وطرده منه ، لكن الحال الطاغوتية لا نقول أنها تزاوج بين ذاتين إنسية وجنية فحسب ، بل هي حالة توحد إذ تصير الذاتان ذاتا واحدةومن ثم يكون الناتج من الفكر المدمر والتشريع الخبيث والخطط الشريرة طاغوتاً فكل إبليس جنى يتحد بإبليس أنسى فهو طاغوت ، والعمل الناتج عن الذات الموحدة طاغوت ، وأول الطواغيت ورأس الطواغيت جميعاً هو الطاغوت المتولد من توحد الشيطان
الإنسى -الدجال- مع الشيطان الجنى الأول إبليس والذي يوحدهما ويفرقهما أمران ولهذا ما أن يتم توحدهما حتى ينفران ويفترقا ، فالتوحد حالة مؤقتة وليست دائمة .
يتضح لنا إذا علمنا أن الأمرين هما : وحدة المنطلق والغاية بينهما أولاً ، ثم إختلاف خلقة كل منهما وطبيعته عن الآخر ثانياً. .
أما الأول وهو منطلق كل واحد منهما وهو الفسوق عن مقتضيات العبودية إستكباراً واستعلاء ومن ثم فغاية كل واحد منهما أن يكون معبوداً من غيره.
أي أن الغاية هي التأله . وهذا المنطلق وهذه الغاية يوحدان بينهما معا ويفرقان بينهما معا ، أما عن تعليل التباعد والتفريق بينهما ، فلأن الذات المستكبرة المتألهة ترفض الخضوع لغيرها وتأبى طاعة غيرها، لأنه إذا كان كل واحد منهما قد قبل اللعنة الأبدية بسبب هذا الإستكبار فعصى الله عز وجل الذي خلقه ، فكيف يطيع غيره ، وعلى هذا فمن المؤكد بل من المحتم أن تكون هذه الغاية منفرة لكل منهما من الآخر ومباعدة بين كل منهما وبين الآخر ، وبالتالي مفرقة بين كل منهما وبين الآخر . وهذا يعنى أن كلا منهما لابد أن يعيش مستقلاً . عن الآخر متخذاً لنفسه من الوسائل ما يتمكن بها من إضلال قبيله أي أفراد نوعه لكى يخرجهم من النور إلى الظلمات ، حتى يعبدوه من دون الله عز وجل.
ولكن كل واحد منهما يحتاج إلى إمكانات الآخر التي ليست عنده لكي يضل قبيل الآخر ، فإبليس الجنى يريد عقلاً إنسانياً بما فيه من كنز علم الأسماء، ولساناً بشرياً يكلم به البشر وأعضاءاً ، بشرية يستفز بها البشر ويحرك بها جيوش البشر ضد المؤمنين منهم ، والدجال الإبليس البشرى يريد الإستعانة بالنفس الجنية الخفية وبجيوش من الجن لكي يضل بها البشر من خلال الأعمال الخفية لهؤلاء الشياطين من الجن وعلى رأسها السحر والكهانة والعرافة والأصنام ، وعلى هذا ، إذا صح القول بأن وحدة الغاية لكل منهما أى الرغبة في التأله قد فرقت بينهما ، فإنه يصح القول أيضاً بأن حاجة كل منهما إلى الوسائل التي عند الآخر لتحقيق هذه الغاية قد وحدت بينهما .
علمنا ان شيطان الجن الأول ابليس لعنه الله هو الجانب الباطني الخفي الخبيث للطاغوت في عالم الجن،وان شيطان الانس الأول قابيل لعنه الله هو الجانب الظاهر المرئي للطاغوت في عالم الانس، ومن ثم فان للطاغوت في كل عصر بطانة هي خلاصة شر البرية،وان بطانة الفساد والافساد هذه اتخذها الطاغوت في العصور الأخيرة من بني إسرائيل.
علمنا أن شيطان الجن الأول إبليس لعنه الله. هو الجانب الباطني الخفي الخبيث للطاغوت في عالم الإنس ، وأن شيطان الإنس الأول قابيل لعنه الله هو الجانب الظاهر المرئي للطاغوت فى عالم الإنس، ومن ثم فإن للطاغوت في كل عصر بطانة هي خلاصة شر البرية ، وأن بطانة الفساد والإفساد هذه إتخذها الطاغوت في العصور الأخيرة من بني إسرائيل. .
وحيث قد علمنا أن الشر والإفساد متبادل بين شيطان الجن الأول وشيطان الإنس الأول مجتمعين من خلال هذه الذات المستكبرة المتألهة النجسة التي هي ذات الطاغوت ، فإن الشر الوارد من شيطان الإنس إلى عالم الجن عبر الطاغوت ربما يكون أعظم من الشر والإفساد الواردين من شيطان الجن إبليس إلى عالم الإنس عبر الطاغوت.
كيف وإبليس هو أول كافر في الوجود ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول للتذكرة ما سبق قوله من أن إبليس هو الشيطان الجنى وان أحدا من ذرية قابيل هو الشيطان الإنسي. وقد وصف الله عز وجل كيد الشيطان بأنه ضعيف بقوله :(الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً ) ( النساء / ٧٦ ، فلم يقل سبحانه إن كيد الطاغوت كان ضعيفاً لإنه إجتماع الشيطانين . أما كيد الشيطان الواحد منهما منفصلاً عن الآخر فهو ضعيف ، وهذا يفسر لنا كيف أن إبليس وحده هو وجميع جنوده من شياطين الجن لا يمكنهم أن يشنوا حرباً بجيش على فئة قليلة من المؤمنين فيقتلون منهم ، وإنما يكون الاستفزاز والجلب على المؤمنين بالجيوش الجرارة مشاة وركباناً من خلال صوت إبليس البشرى فى عالم الانس ألا وهو المسيح الدجال الشيطان الانسى او من ذريته.
كذلك للشيطان الانسى تأثير إفسادى خطير فى عالم الجن من خلال الطاغوت لأنه نبع الإضلال العـقـدي الفكري ، وذلك لأن عالم الجن ، كما دلت على هذا
النصوص والآثار يأخذ العقيدة والدين والفكر من عالم الانس وليس العكس ، فكما أن الرسل المبعوثين للجن هم رسل الإنس، وليس العكس ، فإن فلاسفة الضلالة ومنظرى الكفر والشركيات هم أيضاً من عالم الإنس ، فالجن تابع للإنس في الهدى أو الضلال ولذلك أثبت القرآن الكريم على لسان الجن ، أن منهم اليهود الذين يعرفون التوراة وموسى ومنهم الذين أسلموا لما سمعوا القرآن الكريم حسب ما جاء في سورة الجن وكفروا بديانة التثليث النصرانية بقوله تعالى ( قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً وأنه كان يقول سفهينا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الانس والجن على الله كذبا ) الجن / ۱ - ٥، فتدبر قولهم لما سمعوا القرآن الكريم مسلمين بأن الله لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، لتعلم أنهم كانوا نصارى أو فيهم نصارى ثم تدبر قولهم ( وأنا ظننا أن لن تقول الانس والجن على الله كذبا ) بتقديم الانس على الجن في القول على الله الكذب ليتأكد لنا أن الجن يأخذون عقائدهم من الانس الذين يضعون هذه العقائد لهم أولاً ، ثم تتبعهم الجن فيما يدينون به من أديان الضلال ، كما أن الهدى يأتى للانس أولاً عن طريق الرسل فيتبعهم مهتدو الجن أيضاً ، والدليل على أن فى الجن يهودا واسلم منهم من أسلم قوله تعالى :(وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) الأحقاف / ۲۹ - ۳۰ ) فالأنس هم موردو عقائد الهدى إلى الجن ، وهم أيضاً بالتالي موردو عقائد الضلال ، وهذا من مقتضيات ولوازم تكريم الله تعالى الإنس على الجن بالخلافة ، ولأنه من الثابت تاريخياً أن عقيدة التثليث التي تنسب لله عز وجل الصاحبة والولد هي من نتاج التاريخ أو الفكر الإنساني ، ومن ثم فوجودها فى عالم الجن مصدرها عالم الإنس من خلال الطاغوت.
أما ما يصدره عالم الجن إلى عالم الإنس عبر الطاغوت فهو يدور حول محور إختفاء الجن عن أعين الإنس فيضلونهم بالتأثير على مخيلتهم ، إذ يتمكن الجن من التغلغل في الأجهزة السمعية والبصرية والعصبية للإنس فى المنام بأضغاث الأحلام وفي اليقظة بالسحر حتى استطاعوا أن يجعلوا آلاف الناس يخيل إليهم من سحرهم أن الحبال والعصى تسعى كأنها حيات وثعابين.
هذا كله هو ما يصدره عالم الجن والشياطين إلى عالم الانس من خلال الوجه الإنسى للطاغوت ، فماذا يكون اسم هذا الوجه منفرداً ؟ إنه الجبت ، فالجبت هو ثالث الثلاثة الأشرار : الشيطان إذا ما أطلق ينصرف لإبليس الجني ، ثم الجبت وهو اسم للشيطان الانسى قابيل وذريته ولكل ما نشره وعلمه وعممه من وسائل السحر والكهانة والتنجيم. فالطاغوت ماهوالا الذات الجامعة بين إبليس والجبت.
وهذا الثالوث غالباً هو مصدر عقائد التثليث فى الأرض متحدثاً عن نفسه باعتباره إلها ذا ثلاثة أحوال الأول : الحال الإبليسية الجنية الخفية ، والثاني : الحال الجبتية البشرية الظاهرة والناتج عن تدرع الذات الشيطانية الخفية الباطنية بجسد بشري ظاهر مرئى جبتی يتولد من إجتماعهما معاً الحال الثالث وهو الطاغوت وهوالنبع الأول للإلحاد والمصدر الأساسى لوجود الشر في الأرض.
ولأن في هذا الاسم الجبت- بياناً لأسلوبه ومنهجه في الاضلال الذى يعتمد على استخدام خوارق السنن الطبيعية والحياتية والانسانية ليناهض بها معجزات الرسل وكرامات الانبياء والأولياء ليلبس الحق بالباطل إضلالاً للناس حتى يخرجهم من النور إلى الظلمات مستغلاً في هذا ميزة الإختفاء عند الجن والظهور في صورمختلفة عن صورته التي خلقه الله تعالى عليها لاحداث أفعال شبيهة بمعجزات الانبياء فى الظاهر دون الحقيقة ، وهذا هو السحر والكهانة والعيافة والتنجيم والطيرة التي يتلقاها من الطاغوت ويصدرها إلى عالم الانس. هذا التخطيط الطاغوتى أنتج آلية شيطانية جنية إنسية من تعاون وتآزر صغار الطواغيت للعمل بحسب قوانين وأنظمة وضعها الطاغوت الاكبر لاضلال البشر من خلال ما يظهره هؤلاء الطواغيت باعتباره معجزات وكرامات يلبسون بها على الناس باعتبارها أحداث وظواهر وآثار ليس لها علل طبيعية أو أسباب ظاهرة فيزعمون للناس أنهم أنبياء أو أولياء ومبعوثون من عند الله تعالى ويلبسون عليهم دينهم فيضلونهم ويوقعونهم في الشرك هذه الأعمال يقوم بتنفيذها هؤلاء الطواغيت الصغار تنفيذ الأمر الطاغوت الرئيسي وبقيادة تنفيذية للشيطان الانسى أى الدجال الذى حين يزاول هذا العمل بالذات وفق أنظمته الطاغوتية يكون اسمه الجبت ، كما أن هذه الأعمال وما يناظرها هي من الجبت فالجبت ابن الطاغوت ذاتا وأفعالاً . لأن الطاغوت هو إبليس والجبت متحدين والثالوث النجس هذا مكون من اثنين ، كل واحد منهما منفرداً مستقلاً عن الآخر : ابليس والجبت وثالث الثالوث هو الطاغوت المتولد من اتحادهما فى ذات واحدة ، هي أكثر من كونها مجموع الذاتين الشيطانيتين ، تماماً مثل تفاعل مادة الكلور ومادة الهيدروجين إذ ينتج عنهما مادة حامض الهيدروكلوريك ، وهو شئ جديد تماماً في خصائصه ومختلف عن مجموع خصائص المادتين وزائد عليهما.
ومن ثم يجوز على سبيل الكناية والتشبيه القول بأن إبليس والجبت يلدا الطاغوت حين يتوحدا ، فهو مولود لهما معا باعتباره ذاتا مختلفة : عن ذات كل منهما ، وإلا لما استحق أن يطلق عليه رب العالمين سبحانه اسماً ثالثاً مغايراً لاسم كل منهما ، فإذا ما انتهت حالة التوحد بينهما ، ولدهما الطاغوت مرة أخرى ذاتين مستقلتين بالانفلاق مختفيا هو من الوجود كما هو حال الخلية الواحدة التي تتوالد بالإنفلاق حين تصير خليتين فتنعدم على أثر هذه الصيرورة الخلية الأصلية وتختفى من الوجود ، وهكذا كرة بعد كرة كلما توحد إبليس والجبت صارا الذات الطاغوتية الكبرى ، ثم بالإنفلاق يتولد منها الإبليسان : الجني والإنسى أى إبليس والجبت ولكن عند تفرقهما يعود كل منهما بما تولد عن توحدهما الطاغوتى بمخططات الشر التي يحملها إبليس إلى بطانته من الجن ، ويحملها الجبت الدجال إلى بطانته من الانس ، ومن ثم يمكن القول تحديداً بأن ابليس هو خليفة الطاغوت في الجن ورسوله اليهم والجبت هو خليفة الطاغوت في الانس ورسوله اليهم ولذا نقول أن الله تعالى خلق الانسان خليفة فمن آمن بالله وحده وعبده وحده واجتهد في طاعته وحده ، وسلم بوجوب إقامة شرعه وحده ، فقد جعل نفسه خليفة لله عز وجل ولا يتحقق له هذا إلا بالكفر بالطاغوت. أما من كفر بالله وآمن بالطاغوت وأطاعه وأقام مخططاته الافسادية ، وآمن بوجوب إقامتها ، وجاهد في سبيل إقامتها بهدم دين الله وشرعه ومحاربته فقد جعل نفسه خليفة للجبت الذي هو خليفة للطاغوت ، ومن ثم يكون خليفة للطاغوت عابداً له ولما كان عمل الشيطان الانسى أى الدجال او ذريته تنفيذاً لمخططات الطاغوت قائماً على التقدم العلمي وعلى استخدام الأمور والأحوال والأسباب الخفية الجنية معا صار اسمه الجبت وصار عمله ومشتقات عمله كلها سحرا وكهانة وغير ذلك من الجبت. فإبليس يعود بعد انقسام الطاغوت إلى عالمه الجنى بعقائد وأديان وملل وأفكار ومذاهب الشر الطاغوتية ، والجبت يعود إلى عالمه الانسى بمخططات وبرتوكولات وتشريعات وأنظمة وعادات الافساد والشر الطاغوتية ، لأن هذه العقائد والتشريعات الطاغوتية قد تولدت من تفاعل الخبث الإبليسي بالخبث الجبتي . فصار كل شيطان في ذاته حين عودته إلى عالمه بمخططات شريرة جديدة يواجه بهذا المرحلة الزمنية في صراعهم ضد حزب الله بعد كل حالة توحد طاغوتية. فالطاغوت باعتباره ذاتاً طاغية فى الشر متولدة عن توحيد الشيطانين ، والطاغوت باعتباره عقائد وملل وأنظمة شريرة غايتها العليا تعبيد الانس والجن له ،هو الأب الذي يصدر عنه الذات الابليسية والذات الجبتية وكلاهما حامل لهذه العقائد الالحادية والأنظمة الإفسادية إلى بني جنسه. لذلك اختلط الأمر عند المفسرين ، ففسروا الجبت بالشيطان ، والشيطان بالجبت والطاغوت بالشيطان ، والشيطان بالطاغوت ، وفسروا السحر بالجبت ، والجبت بالسحر وهكذا غاب عن تفسيرهم بيان الفروق الدقيقة بين هذه الأسماء والفروق بين مدلول كل منهما وما يصدق على كل واحد منها والصلات القائمة بين كل واحد منها وبين الأخريات ، وما هذا الخلط إلا لعدم التميز بين حالة التوحد وحالة الانفصام الطاغوتيتين ولعدم التمييز من ناحية أخرى بين الشيطان الجنى إبليس والشيطان الانسى قابيل أو الدجال او ذريتهم .
والخلاصة :ان الطاغوت موجود منذ بدأ الصراع او على الأقل منذ بدأ الوجود الابتلائي الأرضي ،وهو رئيس مملكة الشر، وليس هو ابليس ،بدليل ان النهي عن الايمان بالطاغوت ورد في مقابل الايمان بالله عز وجل:(لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم ،الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون).ويظهرعبر الزمان في دياجير الظلمات ينفث سموما صادرةعن نفس شريرة نجسة حاقدة ،عبر اندماج مسخ بين ابليس شيطاني وجبت انسي شرير .
1229 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع