عبدالكريم ابراهيم
گراج النهضة و ضحكات هند رستم وبياض بانو الكان
اشراقة صباح ثمانينيات القرن الماضي تحاول ان يسرق بعض لحظات العشق من عيون الجنود العائدين والذاهبين الى مكان ما، وقد يكون آخر شيء تراهُ اعينهم. فهم لا يعرفون متى يعودون إلى ذويهم وأحبتهم محمولين على نعوش الموت. رغم قساوة تلك الايام الخوالي يحاول بعض الجنود أن يوهموا أنفسهم ببعض سويعات النسيان، وأنهم امتلكوا كنوز الدنيا وامتطوا بساط الريح من خلال استراحة قصيرة عند دور السنيما البغدادية حيث افلام هند رستم وهي تطلق دوي ضحكاتها لتسكر الشفاه رضابة وشهوة. وقد يشد هذه المشاعر المتعطشة بياض جسم بانو الكان لثلج القلوب حتى الثمالة.
يعمد بعض الجنود الملتحقين إلى الموت المجاني في أن يقضوا بعض النهارات النسيان مع النساء العالم الافتراضي بعيداً عن دوي المدافع وازيز الرصاص وسماجة رئيس عرفاء الوحدة، والموت الذي تربص مع كل طلقة أو شظية لا تجد سوى رأس احدهم كي تعانقه؛ عندها يشعر براحة الموت تسري في اوصاله لغمض عينه ،وقد كان يأمل ان ترى أمه عرسه قبل أن يأخذ الله امانته.
في حين ان بعض الجنود وجدوا في بعض بائعات الشاي عمّا يعوضهم عناء الذهاب إلى باب الشرقي ، وقضاء ساعات مع فتانات السينما. ربما قصير الوقت حال دون هذه الرغبة، فعوضت بنساء لا يقلن غناجةً عن نجمات السينما، فقد كان الجنود يجلسون على علب دهن الراعي لساعات طويلة وهم يتأملون تلك الوجوه الحسان ،وقد تبرجن بما يجذب الرجال الذين لا يعرفون غير احتساء الشاي، والنظر الى وجوه لا تعرف غير الابتسامة التي يعتقد بعضهم انه خُص بها دون زملائه الاخرين. أحياناً يحفظ بعض الجنود اسماء حسناوات كراج النهضة لدرجة انهم يوصي بعضهم الاخر في شرب الشاي عند تلك الجميلة دون غيرها لأنه خيل له أنها غمرت له، ووقعت في غرامه ، بل ان بعضهم اخذت به الاحلام الى اكبر مما يتصور فبني عليها آمال لا تسعها ارض ولا سماء . أحياناً تأخذ بعضهم الغيرة حين يخبره زميله ان بائعة الشاي الحسناء فعلت نفس الشيء معه. يبدو أن هؤلاء الحالمين بجزر النساء كهند رستم وبانو الكان لم يكونوا سوى محطة في كراج النهضة وعالم غاب عنه الاحساس بلذة الحياة .
822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع