د .أنور أبوبكر الجاف
" انتخابات كردستان بين وعود السلطة والهيمنة المركزية: أزمة مستمرة دون أفق للتغيير "
إنَّ مايعانيه الشعب الكردي إلى اليوم نتيجة مؤلمة للسياسات الأنانية والمصالح الحزبية والانقسامات التي هيمنت على الساحة السياسية تاركةً الشعب الكوردي يواجه الفقر والعوز …
كان من المفترض في 20 أكتوبر 2024 أنْ يتوجه زهاء 2.9 مليون ناخب في إقليم كردستان إلى صناديق الاقتراع، بيدَ أن الإقبال كان اكثر من نصف هذا العدد، مما كان متوقعًا. وتعكس هذه النسبة المتدنية للإقبال حالة من اليأس وفقدان الثقة بالعملية الديمقراطية، حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة المشاركة العامة انخفضت بشكل ملحوظ خاصة بين المدنيين .
وفيما يخص القوات الأمنية التي يبلغ عددها 2,215,960 فردًا فقد أشارت التقارير إلى أن 98% منهم شاركوا في الانتخابات تحت ضغوط وتهديدات ضمنية بالولاء للأحزاب الرئيسة وابطال اصوات ١٦٪ ممن لم يصوت لصالحهم ما أدى إلى تشويه حرية الاختيار داخل هذه الفئة المهمة وبالتالي تشويه الجناحين الحاكمين .
تعطيل البرلمان والفوضى السياسية
هذه الانتخابات تأتي بعد تأجيلات متكررة وتعطيل مستمر للعملية الديمقراطية في كردستان. في عام 2022، تم تمديد مدة البرلمان بشكل غير قانوني بقرار من مجلس البرلمان نفسه مما أثار حفيظة المحكمة الفيدرالية العراقية التي أبطلت هذا التمديد واعتبرته غير دستوري. ونتيجة لذلك تعطلت العملية الديمقراطية تمامًا في الإقليم وتم إبطال العديد من القرارات والقوانين التي صدرت خلال تلك الفترة ، هذا الجمود السياسي ساهم في تعميق الفوضى وتأخير الانتخابات بشكل متكرر مما زاد من حدة الصراع السياسي الداخلي ولا سيما بين الحزبين الرئيسين التقليديين .
دور الحكومة المركزية في تفاقم الأزمة
منذ عام 2014 كانت الحكومة المركزية في بغداد عنصرًا رئيساً في تعميق الأزمات التي يمر بها إقليم كردستان. بدأت الأزمة بقطع حصة الإقليم من الموازنة نتيجة النزاع حول تصدير النفط بدون موافقة بغداد.
هذا الصراع بلغ ذروته بعد استفتاء الاستقلال في 2017، عندما فرضت بغداد عقوبات شديدة على الإقليم، فقد شملت استعادة السيطرة على كركوك ووقف صادرات النفط عبر تركيا. هذه الإجراءات أدت إلى أزمة اقتصادية خانقة، فتأخر دفع الرواتب وتراجعت الخدمات الأساسية، حتى زاد من معاناة الشعب اكثر فأكثر .
الوعود الكاذبة وصراع الأحزاب
مرة أخرى جاءت الانتخابات محملة بوعود كاذبة من الأحزاب الكردية الكبرى بتحسين الأوضاع الاقتصادية، إلا أن الشعب الكردي الذي عاش لسنوات تحت وطأة الصراعات السياسية لم يعد مستعدًا لتصديق هذه الوعود.
إنَّ الأحزاب التي تسيطر على القوات الأمنية وتستغل تلك السيطرة لفرض ضغوط على أفراد هذه القوات للتصويت لصالحها تواصل تشويه العملية الديمقراطية وتجعل من الصعب تحقيق أي تغيير حقيقي في هيكل السلطة أو تحسين مستوى معيشة المواطنين .
مستقبل تشكيل الحكومة: أمل ضعيف
على الرغم من اجراء الانتخابات يبقى السؤال الأهم والأكبر هو هل هذه الانتخابات الأخيرة تؤدي إلى تشكيل حكومة وطنية تعكس تطلعات الشعب الكردي. ام انها تبقى كسابقاتها ؟! إنَّ التوقعات تشير إلى أن تشكيل الحكومة يواجه تحديات بل عقبات كبيرة نظرًا لتقارب المقاعد بين الأحزاب ، وهذا قد يؤدي إلى تأخير طويل في تشكيل الحكومة.
في ظل هذه الظروف من الصعب تصور حكومة تلبي طموحات الشعب أو تعمل على حل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية .
فالشعب الكردي اليوم يجد نفسه محاصرًا في أزمة مستمرة حيث لم تقدم الأحزاب السياسية سوى الوعود الزائفة والتأخير المتعمد في معالجة الأزمات الحقيقية. في الوقت نفسه تواصل الحكومة المركزية في بغداد استغلال هذه الانقسامات لفرض سيطرتها على الإقليم.
يبقى السؤال الأساس: لماذا لا ينتظر الشعب لحكومة وطنية ترضيه ، وهل تتمكن القيادة الكردية الحالية من تجاوز هذه الأزمات وتشكيل حكومة تلبي تطلعات الشعب؟ الإجابة، للأسف: كلاّ!
1258 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع