د. سعد ناجي جواد
استشهاد يحيى السنوار أفرح حكومة الاحتلال كثيرا.. لكن كم ستدوم هذه الفرحة؟ وهل ان هذا الحدث سينهي المقاومة؟ ام سيوفر الأمن للإسرائيليين؟ وما هو الحدث الذي أزال سريعا هذه الأوهام؟
مرة اخرى تنجح اسرائيل في اغتيال قامة مُقاوِمة نضالية عربية كبيرة، ومرة أخرى يعتقد قادتها المتطرفون، ومن يقف معهم، المتعطشون لقتل كل ما هو عربي ومسلم، انهم على بعد خطوة او خطوتين من النصر النهائي. لا بل ان سعة الخيال وصلت بالبعض الى اعتبار العملية بداية نهاية الحرب في غزة، وتوقعوا ان يقوم نتنياهو في اليوم التالي بإعلان (النصر) على حركة حماس ووقف إطلاق النار كي يطالب الحركة بإطلاق سراح الأسرى، ولكي يركز على الجبهة الشمالية مع مقاتلي حزب الله. إلا ان هذه الفرحة والتخيلات لم تدم طويلا، خاصة بعد أن أعلن نتنياهو (ان الحرب ستستمر حتى يتم تحرير الأسرى بالقوة العسكرية المفرطة).
هذا التصريح قتل كل امل في داخل اسرائيل او بين حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، بالتوصل الى إنهاء الحرب المستمرة منذ اكثر من عام. طبعا قرار نتنياهو لم يكن مفاجئا او غريبا، لسببين الاول لانه يعلم ان وقف الحرب لن يعود عليه بالفائدة، خاصة من ناحية استمراره في الحكم، ولانه يطمح في زيادة شعبيته واسكات الأصوات المعارضة التي تطالبه بالتنحي، والثاني هو يريد ان يستمر بالقتل حتى يعزز من مكانته (كقائد تاريخي لإسرائيل). ويعتقد ان استهداف قادة مقاومة من طراز الشهيدين السيد حسن نصر الله ويحيى السنوار يمكن ان يوفر له ذلك.
ابتداءا روّجت دولة الإحتلال، ومعها كل أجهزة الإعلام الصهيونية والموالية لها، لفكرة مفادها ان هذا الاغتيال جاء نتيجة عمل وتعاون استخباري استمر لأكثر من عام بين اجهزة اسرائيلية وغربية كبيرة، لكي يبثون الرعب في نفس كل من ينتقد ما يجري من جرائم كبرى ضد الإنسانية في غزة. بينما في الحقيقة ان هذا النجاح جاء بالصدفة وعندما كان الشهيد يشارك في نصب كمين لدورية إسرائيلية. اما بالنسبة لحركة حماس، ومهما كانت الطريقة التي استشهد بها امينها العام، فانها تعاملت مع الامر كحدث عادي متوقع لأن الشهيد نفسه تحدث وتمنى ان تكون نهايته في مواجهة مع العدو الصهيوني. وكما لم يصح التوقع بان نتنياهو سيعلن النصر ويوقف الحرب، فان التوقع بان ترفع المقاومة الفلسطينية الراية البيضاء والإستسلام كان خاطئا هو الآخر. وهكذا يمكن القول ان النشوة الإسرائيلية بالانتصار كانت مبكرة جدا ومبنية عل أسس واهية وذلك لعدة اسباب:
ـ اولا: ان حركة حماس تاريخيا قد إعتادت على مثل هذه الجرائم التي ارتكبت ضد قادتها، ويُحسب لها انها ليس فقط لم تتأثر بكثرة الاغتيالات، ولكنها كانت دائما جاهزة لإيجاد القائد البديل وفي وقت قصير جدا. وسوف لن يكون مستغربا اذا ما اعلنت الحركة قريبا انها اختارت بديلا او اسما اخر من الداخل او الخارج . وربما تترك المسالة غامضة كما فعل حزب الله في لبنان. ومن يفكر بالطريقة الذكية التي خطط فيها الشهيد السنوار لعملية طوفان الأقصى لابد وان يستنتج انه بالأكيد وضع بدائل كثيرة بالنسبة للقيادة في حالة إستشهاده.
ـ ثانيا: وكما هو معروف، ان الهيكل القيادي لحماس، والعسكري بالذات، كان قد بني من قبل الشهيد السنوار على اسس لا يؤثر فيها غياب قائد للتنظيم او في الميدان، وذلك لان هذا الهيكل كان قد صُمِمَ على اساس ان يكون لا مركزيا، يتبع فيه كل فصيل او وحدة عسكرية أوامر قادتها الميدانيين. والدليل على ذلك ان الاجتياح الاسرائيلي ومسح المناطق السكنية وفصل محافظات غزة الواحدة عن الاخرى، على اساس ان ذلك سيشل عملية ايصال التعليمات والأوامر للوحدات المقاتلة من قبل القيادة العليا، لم يؤثر على طبيعة المعارك. نعم اسلوب الحصار الشديد على غزة ربما يكون قد اعاق وصول معدات وأسلحة للمقاومة، ولكن ذلك ايضا لم يمنعها من القتال بإمكانياتها، والتي لا يمكن ان تقاس بالإمدادات الهائلة التي تصل اسرائيل من اميركا وكل الدول الأوربية.
ـ ثالثا: ان الطريقة المُشرِفة التي استشهد فيها السنوار وقتاله حتى الرمق الاخير وفي ساحة المعركة وهو يحمل سلاحه وبين زملاءه من المقاومين، ولم يكن محتميا (بالرهائن) كما روج الاعلام الصهيوني، جعلت منه بطلا تاريخيا ونموذجا كبيرا للمقاوم الذي يصر على الاستشهاد في ارض المعركة. وهذا النموذج سيشجع بالتأكيد جيلا من الشباب على الاقتداء به. وكما علق احد العروبيين انه عندما شاهد صور الاستشهاد شعر بالفخر اكثر من شعوره بالحزن، والذي كان كبيرا هو الاخر. او كما علق آخر بالقول (لا خاتمة تليق بقائد 7 اكتوبر غير هذه، مقبلا غبر مدبر، ممتشقا سلاحه، مرتديا جعبته العسكرية ويقاتل كأي جندي فوق الارض مدافعا عن فلسطين والأقصى). هذه الصورة المشرفة ستظل خالدة في أذهان الجيل الفلسطيني الحالي والمقبل. واذا كانت هذه الصورة قد أثارت مشاعر إعجاب كبيرة بين اوساط وشخصيات غربية، فلماذا لا تفعل ذلك بين الشباب العربي الذين غابت عنهم، لفترة طويلة صورة القائد الذي يتقدم صفوف المقاتلين او يقاتل كواحد منهم.
هناك اوساط كثيرة مازالت تعتقد ان المشكلة في الشرق الاوسط هي وجود مقاتلين متطرفين يصرون على حمل السلاح، او ان المشكلة هي غزة واصرار ابنائها على الحل العسكري، او هي في إنتشار (التطرف) بين سكان الضفة الغربية، وان هذا التطرف هو ما يدفع اسرائيل للجوء للعنف المسلح [كذا]، وهذا النفر يغفل حقيقة ان الشعب الفلسطيني قد تعرض لظلم تاريخي غير مسبوق، وان المحتل لم يسلبه ارضه فقط وانما سلب كل حقوقه السياسية والإنسانية والتي اقرتها الشرائع والقرارات الدولية. وان المشكلة في غزة وفي جنوب لبنان هي ليست في اصرار المقاومين على مواجهة جيش الاحتلال، وإنما هي في اصرار الكيان الغاصب على الإمعان في القتل والتدمير، وعدم الإعتراف بشيء اسمه فلسطين والحقوق الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته.
لقد اثارت حادثة إستشهاد السيد حسن نصر الله وبعدها الشهيد يحيى السنوار مرة ثانية احاديث الابتهاج والتشفي بالمقاومة والتشدق بالإنجازات الاسرائيلية، وهذا امر ليس بالغريب، ولكن، كما تعلمنا من تجارب تاريخية سابقة، ان هذا الشعور المؤقت بالفرحة سوف لن يستمر طويلا، وسيتعرض الى صدمة اسمها حرب الاستنزاف المستمرة. وهذا ما يحصل داخل إسرائيل بصورة يومية. ففي وسط الاحتفالات بإستشهاد السنوار، وقبله السيد نصر الله، كانت محطات تلفاز إسرائيلية تنقل اخبار (أحداث صعبة) على جبهتي غزة وجنوب لبنان، واخبار عن مصرع اعداد من جنود الاحتلال على يد المقاومة. ويمكن القول ان ما قتل الفرحة الإسرائيلية مبكرا، واصاب المجتمع والاجهزة الامنية الاسرائيلية بصدمة كبيرة هو إستهداف منزل نتنياهو في منطقة قيسارية بمسيرة اطلقت من جنوب لبنان واصابته إصابة مباشرة. هذا الحدث الكبير، والذي صاحبه إستهداف وإصابة جنود وقواعد عسكرية إسرائيلية سواء في غزة او من جنوب لبنان، يثبت بما لا يقبل الشك خطل التفكير الإسرائيلي والأمريكي بشان قدرات المقاومة وبشان امكانية نجاح استراتيجية فرض الإحتلال الدائم على الفلسطينيين.
ختاما من المفيد التذكير بانه اذا إستمرت جرائم الإبادة للفلسطينيين واللبنانيين، فان الخطر الأكبر الذي قد يهدد المنطقة والعالم في الفترة القادمة، يتمثل في إحتمالية عودة ما جرى في فترة الستينيات وما بعدها، حيث ظهرت حركات متطرفة نقلت العمليات الاستشهادية الى عواصم الدول التي دعمت او تدعم الاحتلال الصهيوني بدون حدود. فهل سينصت العالم الى كلام العقلاء المطالبين بحل عادل لمعاناة الفلسطينيين وإقامة الدولة الفلسطينية، ام سيظل الحل بيد المتطرفين الصهاينة الذين تسببوا بحروب لا نهاية في الشرق الاوسط، والمنطقة العربية وفلسطين بالذات؟
كاتب واكاديمي عراقي
2002 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع