المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
لعب القمار وتداعياته ومخاطره الفردية والجماعية
(الجريمة هو كل فعل أو امتناع عن فعل يقرر له القانون عقاباً) هذا هو تعريف الجريمة والذي وجد مع وجود البشرية علىٰ هذا الكون وأغلبه يأخذ طابع الديمومة والاستمرار مهما حاول الإنسان وبذل من جهد للقضاء عليه من المعلوم والثابت في اختلاف نسبة ارتكاب الجريمة تبعا لعوامل عديدة ومتنوعة في المكان والزمان وحديثنا هنا عن جريمة (لعب القمار) وتناولها قانون العقوبات العراقي رقم (111 لسنة 1969 المعدل في المادة 389) وعلى النحو التالي:
1 – يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على (225000) الف دينار أو بإحدىٰ هاتين العقوبتين كل من فتح أو أدار محلا لألعاب القمار واعده لدخول الناس. وكذلك كل من نظم ألعاباً من هذا القبيل في محل عام أو محل مفتوح للجمهور أو في محل أو منزل اعد لهذا الغرض.
2 – ويعاقب بالعقوبة ذاتها صيارفة المحل.
3 – ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على شهر أو بغرامة لا تزيد على (45000) ألف ديناراً من وجد يلعب القمار في المحلات المذكورة في الفقرة (1).
4 – تضبط النقود والأدوات التي استعملت في اللعب ويحكم بمصادرتها.
5 – وللمحكمة أن تحكم أيضا بإغلاق المحل لمدة لا تزيد على سنة.
صورة كاتب المقال أمام أكبر نادي لممارسة القمار في لاهاي.. هولندا عام 2018
لقد فرق المُشَرع العراقي في معالجة المسائل التي لها علاقة بجريمة لعب القمار وفرض العقوبات على ضوء دور الشخص في هذه الجريمة فقد اعتبر في الفقرة (1) من هذه المادة من يقوم بفتح أو إدارة محلاً لألعاب القمار وإعداده لدخول الناس أو من يقوم بتنظيم ألعاب من هذا القبيل في محل عام أو محل مفتوح للجمهور أو في محل أو في منزل أعد لهذا الغرض وكذلك صيارفة هذه المحلات وأعتبر جريمتهم من صنف الجنحة من حيث جسامتها وقرر لها الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد (225000) الف دينار أو بإحدىٰ هاتين العقوبتين مع ضبط النقود والأدوات التي استعملت في اللعب ويتم بمصادرتها كما وللمحكمة أن تحكم أيضا بإغلاق المحل لمدة لا تزيد على سنة. أما الفقرة (2) من نفس المادة فقد تطرقت الى من وجد يلعب القمار في المحلات المذكورة واعتبر جريمته من صنف المخالفة من حيث الجسامة وخصه بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على شهر واحد أوبغرامة لا تزيد على (45000) ألف دينار، الملاحظة الجديرة بالاهتمام هو موقف التشريعات القانونية في مختلف دول العالم ونظرتها الى هذا الفعل من حيث الإباحة أو المنع أو اعتباره جريمة وفرض عقوبة وإجراءات مشددة أو مخففة على مزاوليها وعندنا في العراق وكما أوضحنا موقف المُشَرع العراقي من هذه الجريمة لنا عليه الملاحظات التالية:
1- القصاص المفروض على مزاولي لعب القمار ومسهلي مزاولته في العراق يتصف بكونه ليس شديداً.
2- بالرغم من تجريم هذا الفعل حسب القانون العراقي وفرض العقوبات على من يلعب القمار ومن يؤمن مستلزماته المختلفة إلا أن الملاحظ هو انتشار مزاولة القمار في كافة مدن العراق وبنسب مختلفة وكأنه عمل وفعل مباح.
3- الإجراءات الوقائية والتعقيبية ليست بالمستوىٰ المطلوب وتتصف بالفتور والموسمية.
4- في أوج شدة الإجراءات الوقائية والتعقيبية على مزاولي لعب القمار والمحلات المُعدة لذلك في زمن النظام السابق في نهاية الثمانينات من القرن الماضي عندما كان وزير الداخلية العراقي (سمير عبد الوهاب الشيخلي) يولي جَل اهتمامه من ضمن المواضيع التي كانت محط متابعاته الشخصية المستمرة وتعقيب الإجراءات دون انقطاع ومحاسبة المهملين في جهاز الشرطة في هذا المجال إلا إنني لاحظتُ وتعقيبا على طلبه تشديد الإجراءات والاستمرار عليها في الحد من لعب القمار والتهديد بمحاسبة المتهاونين من ضباط الشرطة المعنيين في هذا المجال،
سمير عبد الوهاب الشيخلي
أثناء الاجتماع معه في وزارة الداخلية في عام (1989) وبحضور جميع نواب مدراء شرطة المحافظات وكنت حينها نائباً لمدير شرطة محافظة أربيل وعقب تأكيده على مواصلة الإجراءات وبحزم لعدة مرات، نهضتُ ولفتُ انتباهه الى ملاحظة مهمة بصدد لعب القمار وتشجيع الدولة على ممارستها وتأمين الأماكن لمزاولتها تفاجئ من استفساري هذا كما تفاجئ الضباط الحاضرون وتعجبوا من جرأتي في طرح هكذا استفسار، واستغرب الوزير من فحوىٰ ملاحظتي وردَّ عليَّ وهو يحدق النظر في وجهي غاضباً:
- أنت اشدت خربط شنو الدولة تشجع القمار وتأمين محلات مزاولته شنو قصدك؟
- أجبته سيدي على كيفك لا تصير عصبي لعد هاي شنو صالات القمار وبكافة أنواعها في الفنادق الضخمة في بغداد (شيراتون، مريديان، الرشيد، بابل... وغيرها)
وعندما أيقن من صدق ما طرحته وحقيقة وجود هذه الظاهرة بالرغم من كونها جريمة يعاقب عليها القانون.
- استفسر مني بعد أن تغيرت ملامحه... أنت منين؟
- أجبته من محافظة أربيل
- أجابني ضاحكا تعرف ليش الدولة سامحة لعب القمار في هاي الأماكن؟ هاي من أجل استرجاع المبالغ الضخمة اللي تصرفها الدولة على رؤساء أفواج الدفاع الوطني في رأس كل شهر بالگواني ويحضرون الى هذي الأماكن ويخسرون فيها.
يبدو لي من أنني قد استعجلت في تناول الحديث عن هذه الجريمة والدخول في صلب موضوعها دون الانتباه الى ذكر تعريف لهذا الفعل المنبوذ وموقف الشريعة الإسلامية منه والآثار والنتائج السلبية لمارسته وهذا ما نحن بصدد تناوله في الحال.
تعريف القمار ومعناه
(الأنشطة الترفيهية أو الألعاب بين متنافسين على مال يجمع منهم ويوزع على الفائز منهم ويحرم الخاسر) يطلق لفظ القمار على جميع الألعاب والممارسات التي تشمل المراهنات والنرد والألعاب الورقية يحصل الفائز من خلالها على كل الأموال.
موقف الشريعة الإسلامية من لعب القمار
لقد حرم الله سبحانه وتعالىٰ لعب القمار حيث ورد في الآية (90) من سورة المائدة قوله تعالىٰ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) كما ورد في الآية رقم (29) من سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ...) ويقول النبي محمد ﷺ (من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه) وتحريم لعب القمار يعود لأسباب وموانع كثيرة ومخاطر على الأنسان والمجتمع في النواحي الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية ونجمعها في النواحي التالية.
الآثار والنتائج السلبية لظاهرة لعب القمار
1- القمار يجعل الإنسان يعتمد في كسبه على المصادفة والحظ، والأماني الفارغة لا على العمل والجد وكد اليمين، وعرق الجبين، واحترام الأسباب المشروعة.
2- القمار أداة لهدم البيوت العامرة، وفقد الأموال في وجوه محرمة، وافتقار العوائل الغنية، وإذلال النفوس العزيزة.
3- القمار يورث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين بأكل الأموال بينهم بالباطل، وحصولهم على المال بغير الحق.
4- القمار يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويدفع بالمتلاعبين إلى أسوأ الأخلاق، وأقبح العادات.
5- القمار هواية آثمة تلتهم الوقت والجهد، وتعوّد على الخمول والكسل، وتعطل الأمة عن العمل والإنتاج.
6- القمار يدفع صاحبه إلى الإجرام لأن الفريق المفلس يريد أن يحصل على المال من أي طريق كان، ولو عن طريق السرقة والاغتصاب، أو الرشوة والاختلاس.
7- القمار يورث القلق، ويسبب المرض ويحطم الأعصاب، ويولّد الحقد، ويؤدي في الغالب إلى الإجرام، أو الانتحار، أو الجنون، أو المرض العضال.
8- القمار يدفع المقامر إلى أفسد الأخلاق كشرب الخمور وتناول المخدرات، فالأجواء التي يدار فيها القمار يقل فيها الضوء، ويكثر فيها دخان اللفائف، وتخفت الأصوات وترتفع الهمهمة.
كم رجل باع دينه وعرضه على مائدة القمار يدمر كل شيء وهوان كان هدفه المال ولكنه يشمل الخمر والتدخين ورفاق السوء والظلام والغش والكراهية والتربص والاختلاس وكل صفات الشر التــي ذكرناهــا آنفـــاً حصلنا عليها مــن كتــــاب (قضايا اللهو والترفيه) صفحة (388) وما دمنا نتحدث عن لعب القمار وتداعياته على سلوك الشخص المقامر في جعله ينحدر الى إتيان ممارسات قبيحة وسلوك شائن وانحطاط أخلاقي فضيع عندما تم رصد أربعة أشخاص يقامرون بزوجاتهم ويتم تبادلهن حين الخسارة على طاولة القمار وقد حصلت هذه الحكاية على لسان المحامية (هيرو عطار) من خلال قيام أربعة أشخاص بارزين في المجتمع في محافظة (السليمانية) بتبادل زوجاتهم فيما بينهم في حال خسر أحدهم في لعب القمار وتقول المحامية إن أحدىٰ الزوجات جاءت إليها وكشفت لها أن زوجها يلعب بها القمار منذ خمس سنوات وقد قام بتقديمها الى صديقه لعدة مرات من الليل الى الصباح بعد كل خسارة قمار معه وكشفت الزوجة بأنها لم تتمكن من الحديث أو كشف الموضوع خوفا من زوجها وما يمتلكه من نفوذ لكنها استطاعت أن تهرب منه مؤخراً.
الحديث عن لعب القمار يذكرني بحدث وقع في محافظة أربيل عام (1977) وحينها كنت مشاوراً قانونياً لمدير شرطة المحافظة المرحوم اللواء (جمال عبد الحميد الاتروشي) والذي أصدر أمراً لضابط شرطة مكافحة الإجرام الملازم (شهيم محمود) بمداهمة نادي الحقوقيين في أربيل بسبب ورود معلومات مؤكدة على ممارسة لعب القمار فيه ليليِّاً من قِبل البعض من أعضاء النادي وضيوفهم وفعلاً قام المذكور والذي استشهد في الحرب العراقية الإيرانية فيما بعد نعم قام بمداهمة النادي على غفلة من روادها واتجه صوب القاعة المخصصة لممارسة لعب القمار حيث اطبق على منضدة اللعب وما عليه من نقود وأوراق لعب ونظم محضراً بذلك رغم اعتراض واستياء ممارسي اللعبة وغيرهم من المتواجدين في القاعة وكانوا من الرجال ذوي المكانة والمقام المعروف اجتماعياً في هذه المحافظة (محاميين، أطباء، مهندسين، تجار، وغيرهم) في اليوم الثاني على هذا الإجراء اجتمعت الهيئة الإدارية لنادي الحقوقيين وأبدت استنكارها وشجبها لهذا التصرف من قبل مفرزة من شرطة المكافحة وبأمر من مدير شرطة المحافظة (جمال الاتروشي) شخصياً وأصدرت بيانا شديد اللهجة ضده وتصفه بالمتغطرس والمتجاوز على الحقوق الشخصية لأعضاء هذا النادي الاجتماعي الترفيهي في التمتع بأوقاتهم بحرية وأمان وكونه حجرة عثرة في هذا المجال لابد من إيقافه عند حده، تم تعليق البيان في لوحة إعلانات النادي وبشكل بارز وفي اليوم الثاني قام أحد المحاميين من الذين تربطهم صلة القرابة مع مدير الشرطة (جمال الاتروشي) برفع البيان وتسليمه له وعلى ضوء تصرفه هذا نعت بين زملائه المحاميين بـ (أبو رغال) وعند اطلاعه عليه أرسل في طلبي وكان في غاية عدم الارتياح والغضب على هذا البيان وموقعه رئيس هيئة إدارة النادي المرحوم المحامي (عبدالستار البرزنجي) وطالباً مني التصرف حيال هذا التجاوز عليه، طلبت منه أن يمهلني بعض الوقت القصير لكي اجهز نفسي لهذه المعركة حيث عدت الى غرفتي وبادرت الى الاطلاع على قانون العقوبات العراقي رقم (111 لسنة 1969) المعدل لإيجاد مادة قانونية تنطبق على ما قام به رئيس هيئة إدارة النادي ضد شخص مدير الشرطة وفعلا وقع اختياري على المادة (229) من القانون المذكور والتي تخص الاعتداء على الموظفين وغيرهم من المكلفين بخدمة عامة ونص المادة المذكورة كالتالي:
((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على (200) مائتي دينار كل من أهان أو هدد موظفاً أو أي شخص مكلف بخدمة عامة، أو مجلساً أو هيئة رسمية أو محكمة قضائية أو إدارية إثناء تأدية واجباتهم أو بسبب ذلك))
نظمتُ لائحة شكوىٰ أصولية باسم مدير الشرطة إضافة لوظيفته بعد توقيعها من قبله ضد رئيس الهيئة الإدارية للنادي المحامي (عبد الستار البرزنجي) وقدمت الى قاضي التحقيق المختص والذي قام بدوره بتدوين إفادة المشتكي مدير الشرطة لاحقاً وشاهده الوحيد الملازم (شهيم محمود) بعد فترة قاربت الخمسة عشر يوماً حددت محكمة الجنح موعداً للنظر في الدعوىٰ حيث حضرتُ للمحكمة بصحبة مدير الشرطة والذي كان يسير بخطىٰ ثابتة وسريعة وأتعقبه أنا وأحاول اللحاق به بصعوبة، هنا لابد لي من وصف أجواء ومراسيم هذه المحاكمة وما تخللتها من استعدادات واتفاقات من طرف المشكو منه للتأثير في نتيجة الدعوىٰ لصالحه، في تلك الفترة كان (منذر نصيف جاسم) بمنصب نائب محافظ أربيل بالإضافة الى كونه كان بدرجة متقدمة في صفوف حزب البعث وكان حقوقيا وبهذه الصفة الأخيرة كان يقف مسانداً للمشكو منه ضد المشتكي من خلال موقعه الوظيفي والحزبي،
منذر نصيف جاسم نائب محافظ أربيل
على كل حال وصلنا الى غرفة قاضي محكمة الجنح بصعوبة بسبب حضور جمع غفير من المحاميين للدفاع عن المشكو منه أحصيتهم فكانوا خمسة وخمسون محامياً توكلوا في هذه الدعوىٰ تبرعاً للوقوف الى جانب زميلهم المحامي (عبدالستار البرزنجي)، بدأت إجراءات المحاكمة الأصولية ابتداءً من الاستماع وتدوين إفادة المشتكي ومن ثم الشهود وقراءة نص بيان الهيئة الإدارية لنادي الحقوقيين وتحديد مضامينه ومن ثم الاستماع وتدوين إفادة المشكو منه (المتهم) وأخيراً أصدر قاضي محكمة الجنح قراره بالإفراج عن المحامي (عبدالستار البرزنجي) بدعوىٰ كون محتوىٰ البيان لا يشكل إهانة واعتداء على شخص مدير الشرطة، قبل أن ينتهىٰ القاضي من قراءة قراره إلا وتعالت أصوات المحاميين وأصوات تصفيقهم وهم يرددون تحيا العدالة...تحيا العدالة وهم في حالة فرح وانشراح وابتهاج من هذا القرار الذي صدر لصالح زميلهم وأما المشتكي مدير الشرطة فقد خرج من غرفة القاضي مسرعاً وهو في حالة انكسار نفسي وعدم ارتياح وأنا في أعقابه لغاية وصولنا الىٰ الدائرة وطلبت منه عدم التأثر والانزعاج من هذا القرار وأنا كفيل بالتدخل وتغيره من خلال تمييزه والاعتراض عليه وفعلا قمتُ بتمييز القرار طالبا نقضه بعد أن ذكرتُ الحجج وفندتُ ما استندت عليه المحكمة في الإفراج عن المتهم وعدم اعتبارها ما ورد في البيان أمور تشكل إهانة واعتداء على شخص مدير الشرطة وموقفه الوظيفي، أيدت محكمة التمييز ما ذهبت إليه من أسباب ومبررات وقررت نقض قرار الأفراج وطلبت إعادة محاكمة المتهم مجدداً لكون البيان يشكل إهانة واعتداء صريح على المشتكي بسبب قيامه بتأدية واجبات وظيفته. في اليوم المحدد لأجراء المرافعة مجدداً في هذه القضية توجهت صحبة مدير الشرطة الى المحكمة وجلب انتباهنا عند دخولنا غرفة قاضي المحكمة هو عدم حضور سوىٰ محامي واحد فقط لا غير للدفاع عن المتهم والذي كان حاضراً وبوضع يختلف تماماً عن وضعه في المرافعة الأولى وكان ذلك من تداعيات نقل نائب المحافظ (منذر نصيف جاسم) الى محافظة بغداد، صدر القرار هذه المرة دون شوشرة وضجيج وبهدوء وهو يقضي بحبس المتهم لمدة عشرة أيام أو دفع غرامة قدرها عشرون ديناراً.
لاهاي ... هولندا .... عام 2018
خرجنا من المحكمة وبعد توصيل مدير الشرطة للدائرة والذي كان منتشياً وفرحاً هذه المرة عدت إليها وحصلت على نسخة من قرار الحكم وأخبرني القاضي بأن المحكوم قد أختار دفع الغرامة بدلاً من عقوبة الحبس وهو الآن في دائرة التنفيذ من اجل ذلك وطلب مني مراجعة الدائرة المذكورة وفعلا راجعتها وأخبرني المسؤول فيها بأن المحامي (عبدالستار البرزنجي) قد حضر أمامه وأبدىٰ استعداده لدفع مبلغ الغرامة عشرون دينار على أن يقوم بدفعها بالتقسيط المريح لكونه لا يستطيع دفعها مرة واحدة ( من الجدير بالذكر كون المذكور كان محامياً مشهوراً وصاحب إمكانيات مادية لا يستهان بها وغرضه من طلب تقسيط مبلغ الغرامة هو الاستهزاء وإغاظة خصمه مدير الشرطة) والذي عدت إليه وأخبرته بقرار غريمه بتقسيط المبلغ، استغرب من تصرفه لكونه بحالة مادية جيدة وميسور الحال وعندما أفهمته من غايته من ذلك... استفسر مني وما هو الحل؟... فأجبته الحل في أن نقوم بوضع الحجز على أحد ممتلكاته وهي كثيرة في مدينة أربيل، وقع اختياره على وضع الحجز على الدار التي يسكنها إلا أنني فضلت أن نضع الحجز على السيارة الشخصية التي يمتلكها بعد التأكد من كونها مسجلة باسمه في دائرة المرور بعد الحصول على رقمها وتم ذلك وراجعت دائرة التنفيذ وقدمت طلباً باسم مدير الشرطة لوضع الحجز على السيارة الشخصية وتنفيذ ذلك في أحد الأيام وعندما يكون المذكور عائدا لمنزله بعد الانتهاء من عمله في المحكمة وبالضبط في شارع (باتا) المزدحم بالناس بعد إيقافه وأخذ السيارة منه للحجز لاسيما وأن قرار الحجز يعود لصالح مدير الشرطة وهو صاحب الإمكانيات المختلفة لتنفيذه،
أربيل شارع باتا
سلمتُ الطلب في نفس اليوم وعقب ذلك بوقت قصير اتصل بي مسؤول دائرة التنفيذ يبلغني بلزوم حضوري واستلام مبلغ الغرامة التي أحضرها المحكوم بها بعد علمه بما يدبر له في الخفاء ومما ننوي عمله من إجراءات فأختار أهون الشرين، المُهم استلمت المبلغ وراجعت مدير الشرطة قائلاً له ”سيدي هذا مبلغ الغرامة عشرون دينار ولا أدري إن كنت توافق على اقتسامه بيننا... أجابني ضاحكاً لا (محي الدين) أريد الاحتفاظ بالمبلغ كذكرىٰ‟ بهذا نكون قد انتهينا من الحديث عن هذا الحدث وغرضنا هو توثيق ما حصل وله صلة بموضوعنا الذي نبحث فيه عن لعب القمار لا غير وبالمناسبة كان المرحوم المحامي الشيخ (عبدالستار البرزنجي) صديقاً عزيزاً وشخصية محسوبة على أعيان مدينة أربيل وشخصياتها المعروفة وذو خلق وأدب ومكانة اجتماعية مرموقة وما قمت به في هذه القضية كان التزاماً مني بواجبات وظيفتي باعتباري مشاوراً قانونياً لمدير شرطة محافظة أربيل. في نهاية مقالي هذا حول ظاهرة الإقبال على ممارسة ألعاب القمار بكافة أنواعه ووسائله في جميع أرض المعمورة والتفنن من خلال التشجيع علىٰ الإقبال على ممارسة وإيجاد المحفزات المعنوية والترفيهية في المحلات المعدة لممارسة هذه الألعاب وخلق علاقة طوعية بينهم للاستمرار على هذا النمط من الحياة رغم المحصلة النهائية في الخسارة لأغلب الحالات. أرجو أن يكون مقالي هذا عند حسن وقبول القراء الأعزاء وما احتواه من معلومات حول ظاهرة لعب القمار راجيا من العلي القدير أن يبعدنا عن شره ومساوئه.
2543 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع