د. ضرغام الدباغ
العدد : 404
التاريخ : أيلول / 2024
ممر زانغزور كبؤرة توتر مرشحة للألتهاب
مرارا قلنا وكتبنا وبرهنا بالمعطيات المادية والعقلية، أن السياسة هي رياضيات، علم وليس طبخة دولمة، ولكن مع ذلك كثير من قرائنا يفضلون الخرافات. والعنتريات، وقيم الفزعات العشائرية على التحليل العلمي، (وهذه دارجة هذه الأيام بشدة). لا بأس أن نعيد تصفيف الوقائع والبيادق على رقعة الشطرنج ... وكنت قد كتبت قبل أكثر من سنة، عن بؤر توتر معروفة في العالم، ومنها ممر زانغزور، وحين تكون هناك بؤرة توتر في مكان ما، فستكون سبباً في نشوء سياسات بصددها، وزانغزور هي بين قوى قوية في المنطقة بتواجد مباشر : لروسيا وتركيا وأرمينيا (ومن معها ومن خلفها)، وأذربيجان(ومن معها ومن خلفها) وإيران.
قلنا أن إيران تزعم (تزعم، أي تدعي افتراء) أنها جمهورية إسلامية، وأنا أقول أن زمبابوي الافريقية لها علاقة بالإسلام أكثر بكثير من إيران. وهنا لا أقول هذا كلمات من لزوم المقال .. كلا .. بل هو وصف دقيق حقاً وفعلاً، وإليك التبرير العلمي: زيمبابوي دولة لا تكن للعرب والمسلمين العداء، قد لا تؤيدها كما نحب، ولكنها لا تقوم ضدها بأعمال عدائية، وهذا جيد تقريباً. أما إيران، فليس لها هدف لا في السر ولا في العلن عدا معاداة العرب والإسلام، باستثناء مسرب غزة نجحت في فتحه، ولم نوفق في غلقه ... وهذا مربط الفرس، وعن طريق هذا المسرب يحاولون الدخول لعقولنا وقلوبنا، بالحيلة والشطارة .
نقول للناس أن إيران منتوج بريطاني (Britsch protection) ونظام الملالي وقبله البهلوي، وقبله القاجاري، وقبله الصفوي، تابعون بدرجات متفاوتة من الإخلاص الصادق أو التكتيك، للغرب الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا، وحتى شاه إيران البهلوي كان أقل من الملالي التزاما بالخط البريطاني / الأمريكي. وشاه إيران أرسل جيشه إلى عمان لمحاربة قوى ماركسية، بإشارة من الغرب، لم يرسل جيشه لمحاربة الآذريين المسلمين الشيعة ..! الملالي المرتدين الجبة والعمامة فعلوها مرتين طبعاً ، قاتلوا المسلمين الآذريين الشيعة لمصلحة الأرمن .. السبب الظاهري والخفي معروف بالطبع.
أذربيجان تمثل حجارة سنمار وهو مهندس فارسي (البناء الذي يرتكز على حجارة/ صخرة واحد’ ينهار لو سحبته). وإيران تفضل التحول للهندوسية ولا تترك أذربيجان تفلت من يدها.، والإنكليز، بذكاؤهم المعهود، ربطوا الفرس برباط ناعم أنيق طويل جداً، وهذا الرباط يؤمن مربطهم، فبسحبة واحدة، يردونه لقفصة ينتحب باكياً، وهذا الرباط هو أذربيجان الجنوبية وعاصمتها تبريز درة التاج الإيراني. وإيران تفعل كل شيئ على أن لا يضيع منها (حجر سنمار) وتتفلش كامل المنضدة الموزائيكية المسماة (إيران) فيهرب في الحال: التركمان، والبلوش والعرب، والكرد، واللر، ويصبح دركي الشرق الأوسط في خبر كان. وتفقد بريطانيا وأمريكا السيطرة عليها.
إذا كان الرئيس التركي الأسبق عبدالله غول قال مرة كلمة شهيرة: سنعارض ونقف ضد إنشاء دولة كردية في الارجنتين. واليوم يقول خامنئي المخرف: إن أي خطوة تقرب الحلم الآذري بالوحدة سنقاومه بكافة الوسائل. ولكن الشعب الآذري سوف لن يتخلى عن حلمه، فنصف بلاده محتلة من الفرس، وأرجاء أخرى تحت السيطرة الأرمنية والممر زانغزور(Zangezur) الذي يربط أقليم ناختشيفان الآذري بالوطن تحتله أرمينيا لسبب واحد فقط : هذا الممر (الكوريدور) سيربط ناختشيفان بريا بالوطن، وتصبح أذربيجان الجنوبية (الإيرانية) مفتوحة أمامهم مثل ساحة كرة قدم. وإذا سحبت أذربيجان، فلا معنى لبقاء التركمان مرتبطة بإيران، ولا الكرد بالطبع، ولا دولة الأحواز العربية، ولا البلوش، فكل هذه البلدان مقتطعة من أيام الاستعمار ... واللر (الفيليون) وكل هذه الاقوام والشعوب ستبحث عن مستقبلها وسيجدون نفسهم، كل مرغم على تأسيس كيانه القومي.
ما هو الجديد الذي ألهب الموقف وغضب الفرس ..
الفرس مستعدون للحديث في كل شيئ، عدا تلك التي تمس كيانهم اللملوم، منها بحث موضوعة أرمينا وأذربيجان وممر زانغزور، فيصابون بصداع، يؤدي للصرع، واليوم وجد الأرمن (وهم بلد داخلي لا يطل على بحار) أن مكاسبهم من رقع متناثرة تربك خططهم في تقوية دولتهم، وارمينا سوف لن يكرس وجودها إلا بقدراتهم وليس بقدرات الداعمين الوهمية، والقيادة الأرمنية مضطرة لأن تناقش حلول واقعية وليست حلول هوائية خيالية. والأفضل أن يتفاهموا مع جارين قويين : تركيا المطلة على عدة بحار(الأبيض، وإيجة، ومرمرة، والأسود) وأذربيجان الشمالية، المطلة على بحر قزوين، البلدين القويين ... وخطوا خطوات كبيرة بهذا الاتجاه، لتفاهم المفضي إلى علاقات منفتحة تنطوي على مكاسب سياسية واقتصادية كثيرة.
الروس لاحظوا في هذا التوجه عين الصواب، وأيدوه ودعموه، لأنه منطقي، ولأن الأطراف الثلاثة: أذربيجان وأرمينيا وروسيا، ستجني المكاسب، فلماذا لا نوافق ونرحب، لأن فلاسفة المنطق في طهران شاهدوا فيه ضرراً، لأنهم مع الحلول الخنفشارية، وهاجت المشادة بين طهران وموسكو .. حين ورد ذلك في ختام زيارة قام بها الرئيس بوتين للعاصمة الآذرية / باكو، والصواريخ الخلبية والمسيرات، والعتاد، صار كله هواء في شبك ...
بقاء هذا الممر مضر بمصالح جميع الدول في المنطقة: روسيا، أرمينيا، تركيا، آذربيجان، ثم أن الممر وأرجاءه ليست أراض إيرانية، ولا ذريعة قانونية يمكن أن يستند إليها ملالي طهران.
قلب طهران ملئ بالهواجس، ومتى لم يكن الأمر كذلك ... وفي جميع الملفات ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ممر زانغزور، أو ممر زنگزور ( هو ممر النقل الذي في حالة تنفيذه، سيمنح دولة أذربيجان حرية الوصول دون عوائق إلى جمهورية ناخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي دون نقاط التفتيش الأرمنية،عبر مقاطعة سيونيك في أرمينيا، وبمعنى واسع، للممر الجيوسياسي الذي من شأنه أن يربط تركيا ببقية العالم التركي وبالتالي "توحيد الدول التركية". لم يكن هذا المفهوم جزءًا من اتفاق وقف إطلاق النار في ناغورنو قره باخ لعام 2020، ولكن قدم إلى المعجم الجيوسياسي لاحقًا من قبل إلهام علييف. وقد روج لهُ منذ ذلك الحين من قبل دولتي أذربيجان وتركيا، في حين اعترضت أرمينيا عليه بشكل ثابت، مؤكدة أن "مشروع الممر" ينحرف عن بيان وقف إطلاق النار، وأنه شكل من أشكال الدعاية
صارت الممرات والطرق المحتملة وطرق النقل منذ ذلك الحين نقاط خلاف بين أذربيجان وأرمينيا، اللتين لا تزالان تحافظان على حصار متبادل فيما بينهما منذ عام 1989. بدأت أذربيجان مشاريع بناء على أراضيها لتقديمها كجزء من تنفيذ ما يسمى بممر زنغزور وهددت بأنه إذا لم ترغب أرمينيا في ذلك فإن أذربيجان "ستنفذ المشروع بالقوة".
خلال المحادثات الثلاثية في عام 2021، أعربت أرمينيا عن استعدادها للمشاركة في إعادة بناء خطوط السكك الحديدية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية والتي كانت تربط تاريخيًا بين أذربيجان وناخيتشيفان، والتي فسرتها أذربيجان على أنها موافقة أرمينية على "ممر زنغزور". وبحسب روسيا الطرف الثالث، فإن ما يناقش هو فك حجب الاتصالات الإقليمية، وليس إنشاء "ممر".لقد وصف العديد من المراقبين الدوليين "ممر زانجيزور" بأنه أجندة قومية تركية، مستمدة من الفكرة الوحدوية، في حين أكد آخرون على حل الحصار باعتباره جانبًا رئيسيًا. وقد أكد بعض المحللين السياسيين اهتمام روسيا بتنمية هذا الطريق، نظرا لأنها ستكون ظاهريا الضامن الأمني للمسار.
خلفية تاريخية
زانغزور هو اسم المنطقة التي أنشأتها الإمبراطورية الروسية عام 1868 كجزء من محافظة يليزافيتبول، وتغطي مساحة تشمل ما يعرف اليوم بالجزء الجنوبي من أرمينيا. وسيونيك هو الاسم الأرمني لها، وهو مصطلح أقدم يعود تاريخه إلى العصور القديمة. كانت منطقة سيونيك (زنغزور) منطقة متنازع عليها بين جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان الأوليتين بين عامي 1918 و 1920، لكن بعد انهيار الإمبراطورية الروسية. في يناير 1919، وافقت بريطانيا على الولاية القضائية الأذربيجانية على الإقليم، لكن صمود المقاومة الأرمينية أمام الضغط العسكري حتى دمجت الجمهوريتين في الاتحاد السوفيتي.
فترة الاتحاد السوفيتي
في عهد الاتحاد السوفيتي، تأسس خطين للسكك الحديدية لربط جمهورية ناخيتشيفان الاشتراكية السوفياتية مع الأراضي الرئيسية لجمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية. شيد الخط الأقصر الذي يمر عبر منطقة سيونيك (المقاطعة الأرمنية في أقصى جنوب البلاد) في وقت سابق، في عام 1941، في حين أسس خط يريفان-إيجيفان-قازاكس إلى الشمال، في عقد الثمانينيات كطريق بديل، يربط يريفان بباكو وروسيا. وبعد ذلك استغني عن كلا الخطين منذ عام 1992 بسبب حرب مرتفعات قره باغ الأولى.
منذ عام 1989، منعت أذربيجان وصول شحنات المواد إلى كل من أرمينيا وقره باغ، وواجهت ذلك الحصار الذي فرضته أرمينيا على نخجوان. عانت نخجوان بشكل كبير من الحصار الاقتصادي الذي فرضته أرمينيا عليها، كما عانت دولة أرمينيا غير الساحلية من الحصار الاقتصادي الذي فرضته أذربيجان وحليفتها تركيا. كان لا بد من إجراء الاتصالات الجوية والبرية بين أذربيجان وجمهورية نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي عبر الأراضي التركية أو الإيرانية.
في عام 1992، أيدت تركيا "مفهوم الممر المزدوج" الذي قدمه لأول مرة بول أ. جوبل، والذي اقترح تبادل الأراضي بين أرمينيا وأذربيجان. وبموجب الاقتراح، ستتخلى أذربيجان عن مرتفعات قره باغ، التي ستربط بأرمينيا. وفي المقابل، ستسلم أرمينيا ممر زنغزور الجنوبي إلى أذربيجان، الذي يربط نخجوان بأذربيجان.
في عامي 2001 و 2002، ناقشت أذربيجان وأرمينيا اتفاقًا بشأن اقتراح سلام "تبادل الأراضي" تتنازل بموجبه أذربيجان عن سيادتها على مرتفعات قره باغ (بما في ذلك ممر لاتشين، الذي يربط جنوب أرمينيا بآرتساخ، وكان بحكم الأمر الواقع تحت سيطرة أذربيجان). (جيش الدفاع آرتساخ ولكن بحكم القانون في أذربيجان في تلك المرحلة) لأرمينيا مقابل تنازل أرمينيا عن السيادة على ممر ميغري لأذربيجان. لكن المقاومة في الدولتين كانت قوية ضد تبادل الأراضي، وبالتالي لم تنجح الخطة.
761 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع