محمد سهيل احمد
سينما الرشيد .. من الألف الى الياء
افتتحت سينما الرشيد سنة 1936 وكانت ملكيتها تعود للسيد نزهت سعيد الملاك وكانت مؤجرة من قبل السيد سامي الصفدي ذي الأصول الفلسطينية . وفي هذه الصورة النادرة نشاهد مبنى سينما الرشيد في فترة زمنية مبكرة من نشاطها اواسط الثلاثينيات كما تنطق الصورة بذلك .
مدخلان
تنقسم الصورة على قسمين فجهة اليسار يبرز مبنى البنك البريطاني للشرق الأوسط الذي اعتدت المرور بين اعمدته اثناء اتجاهي لموقف سيارات ( الخورة ) مرورا بمناوي باشا حيث سكناي . ومن المؤسف ان هذا المبنى المتميز في عمارته قد جرى اقتلاعه في سنة من سني الستينيات . كما يلاحظ وجود عدد من النخلات كشأن العديد من اماكن المدينة التي كانت حافلة باشجار النخيل كمحلة ( بريهة ) و( الساعي ) وغيرهما ، غير انها سرعان ما اقتلعت مثلما اقتلعت الألوف من هذه الاشجار التي سحبت البركة مع جذوعها الهامدة !
في النصف الايمن من الصورة نشاهد سقيفة ( سينما الرشيد ) ومانشيت الفيلم المعلق على واجهتها الامامية ، التي ستمسي مع الزمن واجهتها الخلفية حيث المدخل الذي يتراواح عرضه بين الاربعة امتار وطوله بحدود الثمانية امتار . وعلى رغم من انتقال واجهة السينما الى الجهة المعاكسة الجنوبية ، الا ان جدران الواجهة الاسبق حفلت بفترينات عرض الافلام التي ثبتت الصور بداخلها بينما كانت كل فترينة تحمل لافتة تقول : يعرض حاليا ، او قريبا او قريبا جدا .
كنت في الصف الاول المتوسط حين شدت انتباهي تلك الواجهة السحرية بينما كان مانشيت الفيلم المعروض مثبتا على الواجهة الخلفية بالضبط أمام اعين جمهور (ابو اربعين ) الجائع لكل ساحر و خيالي وايروتيكي وغير مسبوق !
يمينا ولصق زقاق العروض السينمائية ما زلت اتذكر مبنى ( اوروزدي باك ) التي كانت تعرض شتى أصناف السلع لكن الدراجة الهوائية كانت حلمي الذي لم يتح لي نيله بحكم العوز المادي !
فرصة من ذهب
كان جدي الحاج فاضل ــ عم والدي ــ الذي فقد بصره منذ زمن بعيد يحب زيارة محل ابنه الكائن في شارع ( المطاعم ) القادم من ساحة ام البروم . ولما كنت اعيش في بيت جدي فقد اعتاد ــ من فترة لأخرى ــ ان يطلب مني اصطحابه لحي (البجاري) حيث محل البان ابنه والمسمى (البان باستور) . وما ان نغادر سيارة الاجرة بالقرب من فلكة اسد بابل حتى نسلك طريق الساحل حيث ضفة نهر العشار .وحين يخلد لراحة تستغرق بضع دقائق ،
اهرب من قيدي الى المعرض الخلفي لسينما الرشيد لتصافح عيناي وللمرة الاولى مانشيت فيلم و (هرقل الجبار) بطولة الممثل المتناسق العضلات (ستيف ريفز) أو احد افلام الكاوبوي او قراصنة البحر . وحين اعود لجدي اجده يدمدم غاضبا متلمسا دكة النهر باحثا عن هيكلي المغزلي الضئيل كيما نستأنف رحلتنا عبر ازقة (البجاري) الى مبتغانا الأخير في شارع المطاعم .
فيما بعد اتيحت لي فرصة مشاهدة العديد من افلام سينما الرشيد اما مع شرذمة من اتراب المحلة من صبيانها المشاغبين او وحدي حيث متعتي الكبرى بالتفرج على احداث الفيلم المعروض دون ان يرف لي جفن ، ايما جفن !
في عام 1967 تعرفت الى سائحين اثنين احدهما مهندس مقيم بالمانيا اسمه محمد اخطر والثاني كان دانماركيا واسمه دين Dean وكانا حينها يسكنان الفندق الملاصق للبنك البريطاني للشرق الاوسط .
كان زمن سينما الرشيد ذهبيا قبل ان يتحول الى زمن من غبار متهاو ٍ
شأنه شأن ازمنة السينما المحتضرة في شتى انحاء العالم حيث اكتسح التلفزيون دور العرض السينمائية ليكتسح هو الآخر من قبل أجهزة الفيديو الذي سيكتسح بدوره لصالح النقال .. انه دأب الثورة الصناعية التي أفسحت المجال لعصف الثورة الرقمية ( الديجيتال ) في يومنا الراهن الفاقد لدهشة الاكتشاف في يومنا المحتدم بالأحداث الكبرى !
1242 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع