ترجمة: د. رمضان مهلهل سدخان
"ابنة الشعب"، إيمان خليف، تحظى بالدعم داخل وطنها
مع تحوّل ملعب رولان جاروس المخصص للتنس إلى ساحة ملاكمة ليلة الثلاثاء، تدفق المشاركون عبر البوابات الأنيقة التي أُعِدّت سلفاً بتحدٍّ كبير، ومن ثم نزلوا درجات الملعب بعد ذلك في سعادة، بعد فوز إيمان خليف بقرار جماعي على جانجام سوانافينج من تايلاند لتتأهل للمباراة النهائية على الميدالية الذهبية.
"في الواقع، بدأت القصة عندما واجهت إيمان الظلم بسبب جنسها"، هكذا قالت ذكرى بوخافوبة، وهي شابة جاءت إلى باريس كطالبة والتي كانت تدرس أيضاً في واشنطن، بعد المباراة مباشرة. "يقولون بأنها كانت رجلاً لمجرد أنها امرأة أفريقية جزائرية قوية حقاً. وفي الحقيقة، الجزائريون معروفون بأن لديهم رابطة الدم، مما يعني بأننا ندعم بعضنا البعض، على الرغم من أننا بلد محافظ حقاً".
"لكننا نحترم النساء، وندعم بعضنا البعض، وخاصة عندما تكون بطلة مثل إيمان، وعندما رأينا هذا الظلم الذي تعرضت له، أردنا حقاً، في الواقع، أن ندعمها وأن نقول بأن كل الشعب الجزائري معها، ونحن هنا لدعمها حتى النهاية، سواء فازت أم خسرت. فنحن هنا من أجلها. ونحن هنا لدعمها لأنها مثال لمقاومة المرأة الجزائرية". واختتمت قائلة: "إنها ابنة الشعب".
هذه هي المرة الثانية في تاريخ الألعاب الأولمبية التي تشهد فيها الجزائر، تلك الأرض الواقعة في شمال إفريقيا والتي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة والتي سرقتْها فرنسا من عام 1830 إلى عام 1962، [تشهد] قصة بالغة الأهمية عن إحدى رياضياتها. ولا يزال معظم الجزائريين يرون حسيبة بولمرقة على أنها أسطورة، وهي عدّاءة سباق 1500 متر فازت بأول ميدالية ذهبية للجزائر في برشلونة عام 1992 تحت تهديدات بالقتل من متعصبين دينيين في البلاد، والتي اضطرت إلى التدرب مختبئة في برلين، والتي قالت لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في العام 2012: "عندما عبرتُ خط النهاية، رفعتُ قبضتي في الهواء. كان ذلك رمزاً للنصر والتحدي. كان ذلك بمثابة قول: "لقد فعلتُها! لقد فزتُ! والآن، إذا قتلتموني، فسيكون الأوان قد فات. لقد صنعتُ التاريخ!"
ولكن هذه المرة، انطلقت المشكلة من خارج البلاد، مما أدى إلى ظهور ديناميكية مختلفة. فقد نشأت من سياسات الملاكمة والقضايا الجيو-سياسية. وقد أدت إلى زيادة حدة التلميحات الصادرة عن الاتحاد الدولي للملاكمة المدعوم من روسيا خلال دورة الألعاب الأولمبية التي حظرت كلاً من ذلك الاتحاد (بسبب الفساد) وروسيا (باستثناء عدد قليل من الرياضيين). وقد حفزت كلمات المشاهير أفعال الناس العاديين، مما أدى إلى تغذية الشعور بأنهم بحاجة إلى التحرك.
"نعم، بالطبع، بالطبع"، قال رامي سيوالة، 23 عاماً، بجانب شقيقه هاني سيوالة، 21 عاماً، وهما يحملان علم الجزائر ويعيرانه لرجل آخر لالتقاط الصور قبل نزال خليف. "لأن العالم كان ضدها. كل هؤلاء الأشخاص كانوا سيئين جداً معها ونحن هنا لإثبات أنها ليست وحدها، ونحن هنا من أجلها". إن الحاجة إلى إظهار الدعم أثارت لديهما ما يكفي من الاهتمام لدرجة أنهما قاما برحلة لليلة واحدة من ستراسبورغ.
وداخل الأطراف الشمالية لباريس، في الدائرة الثامنة عشرة وحي باريس، حيث يقيم العديد من الجزائريين والفرنسيين الجزائريين، لا تتردد القصة كما يحدث في أماكن أخرى. ففي منطقة تتميز بطابع الطبقة العاملة بينما تزخر بالثقافات الإفريقية من شمال وجنوب الصحراء الكبرى، من الممكن أن تمشي لمدة ثلاث ساعات يوم الاثنين، مروراً بالأسواق وصالونات تصفيف الشعر ومتاجر الهواتف، دون أية إشارة إلى القصة. في مقهى قديم يرتاده الجزائريون، كتب رجل، رفض ذكر اسمه، في تطبيق ترجمة، "هناك العديد من المؤيدين [في المقهى] الذين قالوا بأنهم" يدعمون خليف.
وفي الجزائر، تستخدم الصحف بشكل روتيني كلمة "بطلة" في إشارة إلى خليف. وعرضت إحدى الصحف جولة بالفيديو في منزلها. واقتبست صحف أخرى من سيرتها الأولمبية مع الإشارة إلى كيف كانت تبيع الخبز والخردة المعدنية وكيف كانت والدتها تبيع الكسكس للمساعدة في دفع تكاليف تدريبها. وفي صحيفة "الخبر"، كتب محمد رابح بأن خليف "لم تنفجر في البكاء أبداً بعد أي نزال خاضته" قبل هذه الألعاب الأولمبية وهذا الضغط لكن "بطلتنا أظهرت للجميع بأنها عازمة على الوفاء بوعد قطعته قبل هذا التاريخ الرياضي المهم برفع العلم الوطني وعزف النشيد الوطني في سماء باريس من خلال الفوز بأول ميدالية ذهبية من نوعها في الملاكمة النسائية العربية والإفريقية والجزائرية في الألعاب الأولمبية، لوضع حد لجميع المشككين والتأكيد على أنها مثال يجب أن يُحتذى به".
وأشار وزير الشباب والرياضة عبد الرحمن حماد إلى الاتحاد الدولي للملاكمة عندما كتب على وسائل التواصل الاجتماعي: "إن بطلتنا العظيمة إيمان خليف تتعرض لهجوم تشنّه منظمة لا تتمتع بأية شرعية لدى اللجنة الأولمبية الدولية". وسنستخدم كل الإمكانيات القانونية المتاحة لملاحقة ومحاسبة أي شخص يجرؤ على تهديدها أو تشويه سمعتها. إن تصميمنا لا حدود له". وخاطبها قائلاً: "أنتِ فخرنا".
وصاحبَ ذلك "الفخر" الموسيقى التصويرية لهذه الألعاب الأولمبية، سواء في أول لقاء للملاكمة شمال المدينة أو هنا في الموقع الأكبر. لقد كان [الفخر] حاضراً قبل المباراة على الدرجات الأمامية، بالقرب من تمثال نصفي لرولان جاروس، الطيار الفرنسي، وتمثال ملك التنس العالمي رافائيل نادال في بطولة رولان جاروس، حيث تحدّث الرابر الجزائري المقيم في باريس، بومهرات عبد القادر كاكي، البالغ من العمر 49 عاماً قائلاً:
"في الرياضة، يمكن تقييم المستويات المرتفعة لهرمون التستوستيرون حتى لدى الرجال أيضاً. لذا فإن قضية إيمان، أعتقد هي قضية مسيسة – أي أنها سياسية أكثر من أي شيء آخر ... وموجهة إلى الجزائر أكثر من إيمان، لكن إيمان كانت مدار هذا الأمر، وهذا لا تستحقه هذه المسكينة، لأنها رياضية – فهي ليست بصدد السياسة. يا له من أمر مخز – بل هو عار كبير".
وفي مكان آخر وقف صديقان كانا قد انتهيا للتو من التقاط الصور، ياسين حراشيف، 31 عاماً، ونسيم سحنون، 38 عاماً. قال سحنون بأنه لا يعرف خليف ولا يهتم بالملاكمة ولكن كان عليه أن يكون هناك. "بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق بها فقط؛ بل بكل امرأة"، كما قال. "لا أحب التمييز بشكل عام، وفي هذه الحالة – لا يمكننا أن نعيش في عالم حيث يقرر الناس ما إذا كنتَ فتاة أو فتى [بالصورة أو الفيديو]. لقد أثر ذلك عليّ لأننا لا نستطيع أن نعيش في عالم كهذا العالم. ليس فقط لأنها جزائرية، بل لأنها امرأة و ..."
وقال حراشيف، "لا يمكننا أن نصدر آراء أو أحكاماً بشأن أجساد النساء اليوم، في هذا المجتمع الذي نعيش فيه. فهي شخص يمارس الرياضة. إنها محترفة. إنها رياضية. ... الوضع محزن للغاية، وكان عليهم أن يقدّموا الدليل على جنسها اليوم [كما فعل الأب في مقطع فيديو يوم الثلاثاء]، وبالنسبة لي، هذا ليس مريحاً. لذلك جئنا لهذا السبب".
وفي الداخل، بحلول الساعة 10:44 مساءً، عندما بدأت إعلانات أسماء المنافسة التي ستخوضها خليف، بدأت عواصف الضجيج معها. كانوا يهتفون "إيمان! إيمان! إيمان!". وتراقصت الأعلام. وهتفت ثلاث نساء محجبات على الحافة الأمامية من الطابق العلوي ورقصن. وعندما وقف الحكم مع الملاكمات في الساعة 10:59، وأعلن المذيع هوية الفائزة بدءاً بالملاكمة "باللون الأزرق ..."، سبقت ذلك لحظةٌ من التردد تلاها ضجيج عالٍ.
وبعد ذلك، ارتدت حياة سفيان وسهيل بوصافي في الخارج قميصين يحملان صورة خليف، واسمها في الأعلى، وكلمات "صنع في الجزائر" أسفل ذلك.
"لقد جئنا لدعم إيمان"، قالت سفيان، "ونحن نتألم كثيراً بسبب ما عانته، والمضايقات التي تعرضت لها على الإنترنت. ولهذا السبب أتينا إلى هنا اليوم لدعمها، ومن الصحيح أن العديد من الجزائريين أتوا إلى هنا اليوم، وخرجوا بقوة، وهي تستحق ذلك حقاً. لقد انتابتنا قشعريرة، وامتلأنا بالعواطف – ونحن حقاً نشعر بالسعادة".
وعلى الجانب الآخر من منطقة المشي أسفل الملعب، جلست خديجة براهيمي، وهي فنانة مكياج من ليون، بملابس أنيقة ونظارتها مدسوسة على جبهتها وحجابها. كانت هي وصديقتها تستمتعان بالمساء. فبحثتا في تطبيق ترجمة عن كلمة تصف أملهما في أن تلعب خليف دوراً في المجتمع، وتوصلتا إلى كلمة example، أي "قدوة".
"إنها تحتاج إلى ذلك، وهي تستحق كل شيء"، قالت براهيمي. "أعرف المدينة التي تنتمي إليها لأن لدي عائلة بجانبها. إنهم فقراء، لذا فمن المدهش أن نرى شخصاً من هذه المدينة يأتي إلى هنا في باريس ويفعل هذا".
عن صحيفة الواشنطن بوست، 8-8-2024.
1281 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع