ضرغام الدباغ
محاولة اغتيال الرئيس ترامب : تراكمات تؤدي لحتميات
ليسوا كثرة من يقدرون ويدركون القيمة المادية للتراكم التاريخي ونتائجه التي يفضي لها، فهذا أمر معقد بدرجة ما، وأنا حين أكتب عن أحداث معينة، يصارحني بعض القراء، أنهم يعانون صعوبة في قراءة أكثر من صفحة ويريدون الاختصار ...! وبدورنا نقدر أن الاختصار مهم (وفي الألمانية يصفونه أسلوب البرقية / (Telegramm Stil:) ولكن دون ضياع الخط الذي يربط الاحداث
ومحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس دونالد ترامب، بجر ح بسيط في رأسه وإن كانت المحاولة السادسة الفاشلة في التاريخ الأمريكي، ففي يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر 1912، جرت محاولة اغتيال الرئيس السابق المرشح ثيودور روزفلت (بالضبط كحالة ترامب) أصيب بجروح في صدره، والرؤساء فرانكلين روزفلت(فبراير 1933)، وجيرالد فورد(أيلول / 1975) والرئيس جورد بوش الأبن (أيار/2005) تعرضوا لمحاولات اغتيال نجوا منها، والرئيس ريغان (آذار / 1981) أصيب بحرج شفي منها.
وهناك 4 رؤساء أمريكان تعرضوا لمحاولات اغتيال قتلوا فيها وهم: أبرهام لينكولن (نيسان / 1865)، والرئيس جيمس كارفيلد (تموز / 1881)، والرئيس ويليام ماكينلي (1901)، والرئيس جون كينيدي (نوفمبر / 1963).
إذن بمجموع 10 محاولات اغتيال تعرض لها رؤساء أمريكان، نجحت 4 منها، وخاب أثر ستة محاولات، منها محاولة الأمس : 13 / تموز / 2024 ضد الرئيس السابق دونالد ترامب. بيد أننا نعتقد أنها العملية الأكثر خطورة في تاريخ الولايات المتحدة، والجريمة بحد ذاتها ليست مسألة مهمة، فقد يتعرض لها أي إنسان مسؤول كان أم فرد عادي من شخص مختل عقلياً، أو من ساخط، أو معقد نفسياً، بحسب طبيعة المحاولة. ورغم أنه لم يرشح الكثير من المعلومات حول حادثة الرئيس ترامب، إلا أن درجة الاستقطاب الحادة التي يمر بها المجتمع الأمريكي، فريدة من نوعها، تمنح هذه المحاولة، وما قد ينجم عنها من مؤشرات إلى تفاقم الاستقطاب، ثم الاصطراع بين : تجمع قوى معسكر اليمين الأمريكي بقيادة الحزب الجمهوري الذي أوكل الرئيس ترامب ليمثله في المعركة الانتخابية للمرة الثالثة (فشل في المحاولة الثانية بطريقة تنطوي على شبهات أمام الرئيس بايدن)، في الصراع مع معسكر تجمع قوى معتدلة يمثلها الحزب الديمقراطي. وهذا الصراع الداخلي الأمريكي الذي نشهده لأول مرة بدرجة لنسميها (ملحوظة / واضحة) ولكنها في واقع الحال، تنبأ عن صراع اجتماعي/ ثقافي بين شتى القوى الأمريكية: التقليدية منها، البنوك، والجمعيات المحافظة، والتوجهات الدينية / البروتستانتية، وقوى صاعدة، واعدة بدأت تحتل مراكز في الحياة السياسية والثقافية يمثل المهاجرون واللاجئون، والعاملون، والباحثون عن فرص حياة أفضل، والملونون، وتشكيلات من وجوه الحياة الجديدة في الولايات المتحدة.
لن نستبق التحقيق الذي قد يكشف مستجدات، فالجاني قد قتل وهو شاب في العشرين من العمر، لا تاريخ كبير له، ولكن ربما علاقاته ستفصح عن جهات محرضة، دافعة، وربما مخططة، لإزاحة الرئيس ترامب الذي غدا رأس الثور في المناطحة الانتخابية المقبلة وشيكاً. وبالتالي فإن مؤشر تصاعد الصراع الاجتماعي يمنحنا معطيات جديدة تدل على عمق الصراع وتفاقمه.
العناصر الداخلية تتمثل : هناك ظاهرة اقتصادية / اجتماعية في الولايات المتحدة وهي شدة تمركز رأس المال المالي، وأن التراكم في الثروات وتقلص عدد العائلات في سلم الثراء، ويقابله تصاعد حجم الفقراء، والمحرومين في المجتمع الرأسمالي(تصاعد شروط السكن الصالح، التأمين الطبي، التعليم). وتصاعد القمع البوليسي لأي حركة معارضة واحتجاج.
أما العناصر الخارجية، فقد شكلت الحروب، وسياسة التدخل الأمريكية في قارات العالم، وما أنفقته الولايات المتحدة من تكاليف مالية باهظة، وما نجم عنها من مجازر، وهجرات بشرية بالملايين، كان لها آثارها الاقتصادية والثقافية الواسعة النطاق، وخاصة في أوربا، وأميركا الشمالية، أدت لبروز اتجاهات سياسية لم تكن معروفة في السابق، إضافة إلى إحياء أتجاهات كانت قد خمدت، أو تلاشت تقريباً (في أوربا خصوصاً) فهذه الظواهر سيكون لها تداعياتها المادية في الواقع الموضوعي,
فهناك اليوم من يتساءل، ماذا فعل هتلر وموسوليني، أكثر مما فعلته الولايات المتحدة والدول الاستعمارية من حروب ومجاز في كافة أرجاء العالم ومن محاولات هيمنة طغيانية اعتماداً مطلقاً على القوة المسلحة، وإدارة حروب وأشباه الحروب، وصراعات، وتجنيد أبناء المستعمرات في حروب استعمارية، وفي أعمال سخرة في بلدانهم، قضى فيها الملايين أرواحهم، واليوم يعاملون أبناء العبيد وأحفادهم معاملة تميز عنصري لا تتسم بالإنسانية .
اليوم وقد انتشرت معطيات العلوم والثقافة بشكل هائل لم يكن مقدراً، أدى إلى انحسار الجهل والتخلف، وباتت استعادة السيطرة على الشعوب المتحررة عملا محفوفا بالمخاطر والحروب العدوانية، هذا التراكم لابد أن تكون له نتائجه المادية على أرض الواقع. وقد بات بروز قوى واقطاب دولية كبيرة يمثل المقدمات المادية الموضوعية، لعالم جديد، والاستخدام الكثيف جداً للقوة المسلحة في العلاقات الدولية، سيجد له انعكاساته السلبية في الموقف الاجتماعي الأمريكي حين يلمس المواطنون الامريكان أنهم سيقوا لحروب فتوحات استعمارية نهابة ارتكبوا فيها جرائم ضد أمم وشعوب، ومارست الولايات المتحدة ما فعلته الدول الاستعمارية فرنسا وبريطانيا من تجنيد لقوى بشرية كمرتزقة مقابل المال أو الوعد بمنحهم الجنسية الامريكية في الجيش الأمريكي وفي جيوش مرتزقة (بلاك ووتر) ...!
لكل هذه الظواهر والأحداث والوقائع، وتراكمها أثارها الكبيرة في مرتسمات المرحلة المقبلة ... فلن تذهب أرواح ملايين الضحايا وألام الملايين دون نتائج مادية ملموسة.
2970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع