خواطر وأفكار

المحامي المستشار محي الدين محمد يونس

خواطر وأفكار

في عصر أحد أيام هذا الشهر اللهاب في حره وبشكل لا يطاق وفي ظل كهربائنا الوطنية اللاوطنية حيث الانقطاع المستمر والترقب وكنت منهمكا في مطالعة كتاب للكاتب البارع والمؤرخ والسياسي (جرجيس فتح الله المحامي) والصادر في عام (2012) تحت عنوان (رجال ووقائع في الميزان) عن دار آراس في محافظة أربيل،

 



ووصلت في القراءة الى المقطع الذي يتحدث فيه الكاتب عن سيرة السياسي اللامع والرجل الوطني الشجاع (سعيد قزاز) وإذا بذبابة رعناء تزيد من معاناتي وتقطع سلسلة أفكاري وتركيزي على القراءة عندما كانت تحط على مختلف أجزاء جسمي وحسب رغبتها واختیارها وتقلع منه ببراعة تفوق قابلية وإمكانية أرقى أنواع السمتيات في عالم الطيران،



استعملت مع هذه الذبابة ما املكه من عقل وتفكير وتدبير لغرض الإيقاع بها والقضاء عليها والتخلص من شرها وأذاها وقذارتها بالاعتماد على قدراتي الذهنية والبدنية وقد قررت وعزمت القضاء عليها من خلال وضع الخطط التعبوية الدقيقة في الرصد والاستمكان ووضع الكمائن إلا أن هجماتي المباغتة كانت تبوء بالفشل بعد أن كانت تنسحب مسرعة قبل أن تطالها ضربتي التي كانت نتائجها في بعض الأحيان تسبب لي الألم على الأماكن التي كانت مستقرة عليها على كل حال ما أطولها عليكم استمرت محاولاتي مع هذه الذبابة البارعة في الاختفاء والتملص والهروب من ارض المعركة وانا معها في الكر والفر لفترة زمنية تقارب العشرة دقائق حيث جاءت نهايتها أخيراً عندما وضعت لها كمينا محكماً من خلال وضع قطعة حلوىٰ أجبرتها رائحتها ومذاقها على إهمال مخططاتي الهجومية والوقوع في شرك هذا الكمين ونجحت في تحييدها بضربة قاضية، في هذا الصراع غير المتكافئ بين قوة الأنسان وضعف قدرات هذه الحشرة الواهية لقد أشار الله سبحانه وتعالىٰ في محكم كتابه الكريم في سورة الحج في الآية (73) الى مواصفات هذه الحشرة وصفاتها المعقدة حيث تقول الآية ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ﴾ وهنا أود أن أبين اعتقادي الشخصي الراسخ بأن الحيوانات والطيور والحشرات لها كم من العقل والكلام في أنها تتصرف بالغريزة المطلقة لا يمكن أن اصدقه عندما ترىٰ من خلال أفلام عالم الحيوان الصراع الدامي والمستمر بينها واستعمال الأساليب المتاحة لكل نوع منها للدفاع عن النفس والتغلب على الخصم في سبيل التهامه بعد شعوره بالجوع والحاجة الى الغذاء وللدلالة على وجود العقل لابد أن نلمس ونشعر بالأساليب الفنية المتبعة للسيطرة على الخصم أو التخلص منه وأحسن مثال نورده هنا عندما يحاول الأسد السيطرة على الضحية (الجاموس) فأول خطوة يخطوها من أجل أسقاطه أرضاً ومن ثم قطع أنفاسه عندما يطبق بفمه وأسنانه على رقبة الضحية من الأسفل لغاية استسلامه وفرشه ونهشه منفرداً أو مع بقية القطيع في وليمة تازة وحارة وما دمنا نتحدث عن الحيوانات والصراع فيما بينها والتهام بعضها للبعض الآخر عندما أخبرني أحد الأصدقاء بأنه لا يستطيع ولا يفضل مشاهدة هذه الأفلام لما تحتويه من مناظر ومشاهد مقززة للنفس وتصرفات عدوانية وحشية من الحيوانات القوية تجاه الحيوانات الضعيفة في تقطيع أوصالها جميعاً للنهاية عدا العظام والباجه، فكان ردي على هذا الصديق لماذا تعتب على الحيوانات والأنسان أكثر قساوة وظلما عندما لا يكتفي بقتله وتقطيع أوصاله وثرمه في ماكنة الثرم وصنع أنواع الطعام منه وشويه وحمسه وتناوله تشريبا و باجه واستخدام جلودها وفروها في الملابس والأحذية حيث لا يبق الأنسان منه شيئاً. اللعنة على الذبابة ومنغصاتها أنستنا إكمال الحديث عما أورده الكاتب (جرجيس فتح الله) في كتابه عن السياسي (سعيد قزاز) عن بدايات علاقته به عندما تم تعينه متصرفاً (محافظا) في لواء (محافظة) الموصل وكانت علاقة متشنجة وغير مريحة ألا أنها تحولت بعد ذلك الى علاقة صداقة ومحبة متسمة بالثقة المتبادلة بين الطرفين،



سعيد قزاز

يتذكر عنه أحداث ووقائع كثيرة ألا أننا فضلنا اختيار هذه الحكاية المعبرة عن قوة شخصية الرجل ورجاحة عقله حيث يقول كاتبنا (جرجيس فتح الله) ونتركه يتحدث بنفسه فيقول: "ذات يوم استجار بي خريج ثانوية كانت الشرطة قد رفضت تزويده بوثيقة حسن السلوك وهو يروم التقدم الى وظيفة في مديرية السكك الحديد، لا أدري أن كان قد علم بعلاقة لي مع (القزاز) ألا أن أمثاله كانوا عادة يلجأون اليّ، قلت لنفسي فلأجرب (القزاز) لأرىٰ مقدار ما يفعل وما اذا كان يتجاوب، وكانت مني قفزة طائشة عالية في الهواء لم أحسب فيها حساب سقوطي وكيف ستتلامس قدماي الأرض بعدها، وجئت بالشخص الى (القزاز) وشرحت أمره فأمر بإدخاله عليه،



سعيد قزاز مع الوصي عبد الإله في الموصل عام 1952

فدخل خائفاً وجلاً وأدرك (القزاز) ما به فسأله بلطف عن اسمه فأجاب (سنحاريب) فراح يمازحه (أتعرف من هو سنحاريب، أنه ملك أشوري عظيم القدر هل أنت أشوري؟ عليك أن تفتخر بنسبك. هيا فاحك لنا قصتك مع هؤلاء الشرطة الأشرار)
فروىٰ له قصة أجزم أنها لا تحتوي على شيء من الحقيقة لفقها باعتبارها من أسباب حبس الشهادة عنه. وعلق بذاكرتي تحقيق للقزاز أثر ذلك يشبه هذا: أن كان هذا التلميذ فعلاً عنصر هدم وتخريب، فهو كذلك موظفاً كان أم عاطلاً، وقد تكون الوظيفة سببا في صلاحه. ثم أليس أسهل للدولة مراقبة سلوكه وهو موظف تحت ضبطها. من تعقيب حركته وهو حر؟



سعيد قزاز مع الملك فيصل الثاني في السليمانية عام 1954

ثم تناول الهاتف وخاطب مدير الشرطة بشأنه وأشار عليه بمراجعته إلا أن (سنحاريب) جاء مساء اليوم نفسه الى مكتبي لنبأني بفشل المسعىٰ وقال إن مديرية الأمن في بغداد لم توافق. عدت الى (القزاز) في اليوم التالي فقال له: " سأكون في بغداد نهار السبت القادم وسأحل في فندق (سميراميس) فالحق بي وتعال في الساعة العاشرة صباحاً لآخذك معي الى مديرية الأمن وسأحصل لك على الشهادة"

وفعلها (القزاز) وعاد (ذو الآراء الهدامة) من بغداد وبيده شهادة بحسن السلوك فتحت به باب الوظيفة وكان مثله ثان وربما ثالث ولم تعد شرطة الموصل بحاجة الى الاستئذان من بغداد، بل كان يكفيها توصية المتصرف (المحافظ). وفي الختام رأيت من الصواب أن أعرف القارئ الكريم بشخصية الكاتب والسياسي (جرجيس فتح الله المحامي) لمن ليست لديه الدراية الكافية عن هذا الرجل والذي ولد عام (1921) في مدينة الموصل وأكمل الدراستين الابتدائية والإعدادية فيها والتحق بكلية الحقوق جامعة بغداد في عام (1939) وبعد تخرجه زاول مهنة المحاماة في نفس مدينته الموصل وذاع صيته وشهرته من القضايا التي كسبها ودفاعه عن المتهمين بالقضايا السياسية ومن مختلف التوجهات الفكرية،



جرجيس فتح الله المحامي

أنتقل الى رحمه الله في اليوم أحد المصادف (23 تموز 2006) ووري جثمانه الثرىٰ في مقبرة (عينكاوة) في مدينة أربيل،



تشيع جنازة جرجيس فتح الله

له نتاجات مهمة في الترجمة والتأليف فأصدر عدة كتب أتحف بها المكتبة العراقية والعربية نذكرها هنا رغبة منا في اطلاع القارئ عليها وعلىٰ الجهود الثمينة التي صرفها في مجال الثقافة السياسية والتاريخية للمنطقة والعراق وكردستان بتجرد وشفافية وحياد ولم نتطرق لتعريف الشخصية السياسية (سعيد قزاز) لانتفاء الحاجة لكونه غني عن التعريف ومعروفا من الجميع وهو صاحب الموقف الرجولي في محكمة الشعب (محكمة المهداوي) عندما خاطب هذه المحكمة قائلاً (سأصعد على حبل المشنقة وأرىٰ أناساً تحت أقدامي لا يستحقون الحياة) في النهاية أترككم في رعاية الباري وحفظه وأن ينال مقالي هذا الرضا والاستحسان والقبول من السادة المعجبين والمطلعين على كتاباتي والله من وراء القصد...

الكتب المؤلفة والمترجمة من قبل الكاتب جرجيس فتح الله


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

769 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع