د. سعد ناجي جواد*
قمة عربية اخرى صادمة وبيان ختامي باهت.. ولكن يظل هناك من يُبقي الامل في النفوس
لم يحدث ان مر مؤتمر قمة عربي بدون ان ينتبه له احد كما مر المؤتمر الاخير. ولم يحدث ان مثل مؤتمر للقمة انفصالا عن ما يجري في الوطن العربي مثلما مثله هذا المؤتمر، بل ولم يحدث ان جاهر مؤتمر بلامبالاة لما يجري في المنطقة العربية، وفلسطين بالذات، كما فعل المؤتمر الاخير. واذا ما تركنا جانبا سرعة انعقاده وانفضاضه، وضعف تمثيل اغلب الدول المشاركة والكلمات الجوفاء التي قيلت، فان قرارات المؤتمر لم تصل إلى الموقف الحازم لإنهاء العدوان وجرائم الابادة على الشعب الفلسطيني وعلى غزة البطلة وأبنائها بالذات. وان المؤتمر جاء لرفع العتب او لإسقاط فرض كما يقال، عن الأنظمة العربية، او بالنسبة للبعض فانه كان فرصة لاتهام المقاومة بصورة غير مباشرة. وليس أدل على ذلك من كلمة رئيس السلطة الفلسطينية، الذي من المفترض ان تكون لممثل شعب فلسطين وللحقوق الفلسطينية، والتي وضع فيها اللوم على حماس معتبرا إياها السبب فيما يُرتكب من جرائم، وبانها (أعطت الذريعة للاحتلال لكي يرتكب المجازر!) هكذا وبدون اي احترام لضحايا غزة والضفة الغربية، وكأنما كان الفلسطينيون قبل طوفان الأقصى، في الضفة الغربية وغزة وكل الأراضي المحتلة يعيشون بأمان وسلام أفسدته عملية 7 اكتوبر الجريئة. وزاد على ذلك ان شدد على ضرورة اعادة عملية المفاوضات ومؤتمرات السلام، التي يعلم هو قبل غيره بانها لم تُسفِر سوى عن توسع المستوطنات ومصادرة الأراضي والإمعان في قتل الفلسطينيين وانكار وجود شيء اسمه فلسطين. واخيرًا ان يتحدث (وزير خارجية) حكومة اليمن في الخارج عن ان ما تقوم به المقاومة اليمنية عمل فارغ وليس له اي تأثير فهذا دليل على الحقد وحرف الحقائق.
من ناحية اخرى ان يقال ان اهم وأوضح كلمة قيلت في المؤتمر كانت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، وان كلمة امين عام جامعة الدول العربية الفارغة، والتي جاءت مليئة بالأخطاء اللغوية ولم تصل إلى مستوى كلمة غوتيرس، فهذه كارثة، وان يقال ان من أهداف المؤتمر الحفاظ على الملاحة الآمنة في البحر الأحمر والممرات المائية الأخرى في المنطقة، مما يعني ان تنعم إسرائيل بتدفق تجارتها بسلام وتتزود بأسلحة إضافية، لكي تمعن في قتل الفلسطينيين، فهذه مصيبة، وان لا يتحدث احد في المؤتمر عن ما يجري في العالم من تظاهرات عالمية، وخاصة التظاهرات والاعتصامات في الجامعات الأمريكية والاوربية فهذا منتهى اللامبالاة، ونكران لما حققته هذه الفعاليات من احراج لحكومات الدولة الداعمة للاحتلال.
هذه الكلمات السريعة والمختصرة يجب ان لا تعطي الانطباع بانه كانت هناك امالا كبيرة معقودة على هذه القمة، لان من عاصر مؤتمرات القمة يعلم جيدا انها لم تكن تنجح يوما ما في ان ترتقي إلى مستوى طموحات الامة العربية. لكن ما يحز في النفس ان يبقى الاصرار على هذا النهج اللامبالي في وقت فاضت فيه غزة والضفة الغربية بالدماء البريئة والمدن المدمرة ومئات الآلاف من الشهداء والجثث الطاهرة تحت الأنقاض.
من ناحية اخرى ان ما يُفرِح النفس ويُشرح القلب، بالإضافة إلى المقاومة البطولية التي تبديها غزة والمقاومة العربية في اليمن ولبنان والعراق، ان هذا المؤتمر قد تزامن مع ما تقوم به دولة جنوب افريقيا في محكمة العدل الدولية، والمرافعات الرائعة التي قدمها ويقدمها ممثلو هذه الدولة الشقيقة، (حتى وان كانت غير عربية او مسلمة)، عن الجرائم التي يرتكبها الاحتلال، واصرارها على استصدار ادانة واضحة للاحتلال، وكذلك أوامر اعتقال بحق نتنياهو ومساعديه من الصهاينة الذين يصرون على قتل الفلسطينيين ومن كل الأعمار منذ اكثر من سبعة اشهر. نعم هذا ما يُشعر الشارع العربي بالفرح، والممزوج بالألم في نفس الوقت. الم ناتج عن الشعور بان من يدافع عن حقوق الامة والفلسطينيين بالذات هي جنوب أفريقيا، وان من يقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان المحتل هي دول أمريكا الجنوبية وان من يستعد للاعتراف بدولة فلسطين هي دولا اوربية، وان من يعتصم وينظم المؤتمرات التي تستهجن ما يقوم به الاحتلال الاسرائيلي هي الجامعات الأمريكية بالذات ومعها جامعات اوربية.
كم تمنيت يوم امس، وكثيرون غيري، لو ان ادارة المؤتمر قامت بنقل مرافعات فريق جنوب أفريقيا في لاهاي داخل المؤتمر بدلا من العديد من الكلمات الجوفاء التي ألقيت، او لو ان ادارة المؤتمر عرضت على الحاضرين كلمات او تصريحات قادة دول العالم التي ادانت وتدين الاحتلال بأقسى الكلمات، بل كنت اتمنى لو ان الدول العربية ارسلت ممثليها إلى قاعة محكمة العدل الدولية لكي يجلسوا ويستمعوا ويتعلموا من الفريق القانوني لجنوب أفريقيا كيف يتم الدفاع عن فلسطين وعن الفلسطينيين بل وعن الإنسانية بالذات.
يجب الاعتراف بانه لم يحدث ان مر النظام العربي بمثل هذه المرحلة من الهوان، ولم يحدث ان مر الشارع العربي بمثل هذه الحالة من الاستكانة واللامبالاة والقبول بالذل. وصدق شاعرنا العربي المتنبي حين قال:
مَن يَهُن يسهُل الهوانُ عليه … ما لجُرحٍ بميتٍ إيلام
وصدق رسول الله ﷺ حين قال:
كَيفَمَا تَكُونُوا يُوَلَّىٰ عَلَيكُم
*كاتب واكاديمي عراقي
2466 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع