د. وَائِلْ اَلْقَيْسِي
منظومة تاج الرَّأْس
مِمَّا لََا يَختَلِف فِيه اِثْنَان أنَّ الطَّبيعة المجْتمعيَّة والسَّايكولْوجيَّة لِلشَّعْب العراقيِّ ، هِي طَبِيعَة عَاطفِية مُندفعَة إِلى أقْصاهَا ،وَلَكنهَا لَحظِية وغيْر دَائِمة ، لذلك تَجدنَا عِنْد الفرح نُبَالِغ فِي اَلضحِك ، وعنْد اَلحُزن نُسْرِف فِي اَلبُكاء ، وحين الغضب نَفقِد لَواعِج العقْل ، وعنْدَمَا يَكُون لِلْكرم حديث يَكُون لَنَا القدْح اَلمُعلّى ، وهكذَا هِي طَبِيعَة المشاعر الحدِّيَّة ، لِذَلك نَنتَقِد بِعنْف ونحاور بِصورة فردية "جَمعِية" غَيْر مُجتمعَة ،ونجيب السَّائل بِاقْتضاب دُون الدُّخول بِالتَّفاصيل اِعْتمادًا على القاعدة التَّقْليديَّة القائلة " إِنَّ الشَّيْطان يَكمُن فِي التَّفاصيل ".
وهناك عاملَان خِلافيَّان فِي طَبِيعَة الشُّعور اَلجمْعِي لِلشَّعْب العراقيِّ كمجْتَمع ،وَهمَا خصْلتَان مذْمومتان :
اَلأُولى : إِنَّنا لََا نُؤْمِن بِأسْلوب المشورة وتلاقح الأفْكار، مِن خِلَال حِوَار أو نِقَاش مَوضُوعي يُؤدِّي إِلى التَّوَصُّل لِفكْرة نَتفِق او نختلف عليْهَا أو لمَشرُوع مُوحَّد يجْمعنَا ، وَكُل وَاحِد مِنَّا عِنْد اَلحدِيث والْحوار يُحَاوِل فَرْض رَأيِه والْفَوْز بِالزَّعامة والتَّميُّز ، حَتَّى عِنْد الإقْدام نَحْو عمل تَضحَوِي أو فِدائيٍّ، يَكُون السِّبَاق فِيه بِالرُّوح مُقَدما على الغاية أو تَحقِيق الهدف مِن وَرَاء الفعْل .
أنَّ عقيدتنَا البنْيويَّة لِلتَّرْكيبة الشَّخْصيَّة ، مَبنِية بِشَكل فطْرِي على حُبِّ التَّفَرُّد ، بِمعْنًى آخر أَننَا لََا نَستطِيع تَقبُّل الرَّأْي الآخر بِسهولة ، فَكُلنَا رُؤُوس ، لِذَلك نَجِد حَتَّى رفْضنَا لِلْعمليَّة السِّياسيَّة الحاليَّة المقيتة لَم يَتِم الاتِّفاق فِيه على تَوحِيد العمل والْجهود بِشَكل مُنظَّم وَواضِح مِن أَجْل تَخلِيص وإنْقَاذ العرَاق مِن مِحنَة الغزْو الأميركيِّ والاحْتلال الإيرانيِّ لِلْعرَاق بَعْد 2003 .
على أثر هذَا التَّشَظِّي فِي المبالغة بِعَدم قَبُول الآخر وَحُب الزَّعامة والتَّفرُّد بِالْقيادة ، أَدَّى إِلى ظُهُور دَكاكِين ما تسمى ب "المعارضة الوطنية" بِشَكل مُرْبِك ، كَانَت نتيجَته دوام واسْتمْرار مُعانَاة العرَاق وَشعبِه لِأكْثر مِن عقْديْنِ مِن الزَّمَان .
الثَّانية : هِي النَّمطيَّة التَّقْليديَّة المتوافقة مع مَنظُومة " تاج الرَّأْس " ، وَهِي نَتِيجَة حَتمِية لِلصِّفة العاطفيَّة فِي بِنَاء الشَّخْصيَّة التَّقْليديَّة لِلْإنْسان العراقيِّ ، " مادام عَاطفِيا فَإِن رَدَّة فِعْلِه تَكُون مُتَغيرَة وغيْر ثَابِتة أو مُمَنهجَة، ولَا تَحسُب حِسابًا لِلْمصْلحة العامَّة والْاسْتراتيجيَّة اَلتِي يَنبَغِي أن تَسعَى لِتحْقِيق أَهدَاف وطموحات مَشرُوعة يتمنَّاهَا ويعْرفهَا اَلجمِيع " .
وَثَقافَة تاج اَلرَّأْسِ بِاخْتصار هي عِبارة عن طَاعَة عَمْياء لِأشْخَاص يكونون فِي أَغلَب الأحْيان غَيْر مُؤهَّلِين لِلاحْترام أو الإتْباع، إِنَّما أغْلبهم كان نِتَاج غَفلَة مِن الزَّمن ،أو تمَّ التَّرْويج لَهُم مِن جِهَات خَفيَّة لِيكوِّنوا "مِرياعا" ، مِمَّا يَعقُبها اِتِّباع أَعمَى ك "شعُور اَلقطِيع" ، وَيتِم فِيه التَّخَلِّي عن العقْل والرَّأْي والاسْتقْلاليَّة الشَّخْصيَّة ، فَيصبِح بِذَلك مُقَاد كانْقياد المغيَّبة عُقولَهم ، فتنتِج هَذِه العقْليَّة رُويبضات مُتَسلطَة ومتنفِّذة تَستحْوِذ على كُلِّ شَيْء، مِن قَرَار ورأْي وَمَال ومصير ، كمَا هُو حَاصِل اليوْم مع مُعمَّمِين أو شُيُوخ عَشائِر، يعتاشون على الطَّاعة العمْياء لِأفْرَاد عشائرهم ، أو رُؤَساء أَحزَاب فَارِغة المعْنى والْجوْهر ،أو حَتَّى الطَّاعة العمْياء لِزعمَاء العصابات والْميليشْيات وَغيرِها .
وعلى سبيل المثال لا الحصر :
_ السَّيِّد اَلمُعمم "جدُّه رَسُول اَللَّه"!!، وَفِي حَقِيقَة الأمْر رُبمَا يَكُون هُو أخسُّ وأحْقر إِنسَان ، فيجْعلون مِنْه تاج الرَّأْس .
_ فَاسِد أَثرَى على حِسابِهم وَسرَق حُقوقَهم .
_ مَسؤُول جَاءَت بِه الأقْدار جُزَافا .
_ أَقارِب شَخصِية اِعْتباريَّة وبَارِزة رَاحِلة .
_ إِعْلامي مَشهُور صَنَّعتْه دَوائِر حُكومِيَّة أو دَولِية خَبِيثَة .
_ أَبنَاء أو أَحفَاد أو أَبنَاء عُمُومَة رئيس أو مَلِك أو مَرجِع دِينيٍّ أو قَائِد سَابِق .
وهكذَا دوالَيْك تَستَمِر عَمَليَّة تَرسِيخ هَذِه المنْظومة السَّالبة لِكلِّ حُقُوق الفرْد دُون مُسوِّغ عَقلِي أو رَسمِي .
ناهيكم عن مُداهَنة ومُجاملة أماكن ودول الإقامة وحكوماتها على حساب المبادئ والقيم.
بِنَاء على مَا تَقدَّم مِن تَوطِئة ، نَستخْلِص أنَّ الإنْسان العراقيَّ ، وَتَكاد تَكُون صِفة عَامَّة حَتَّى عِنْد بَقيَّة المجْتمعات ، لََا يُمْكِنه المبادرة بِشَكل جَمعِي إِلَّا مِن خِلَال شَخْص أو مَجمُوعة أَشخَاص تَقودُه هُو وغيْره ، ليُكوِّن فِيهَا هذَا الشَّخْص هُو القائد ومجْموع الآخرين يكونون هُم الجماهير .
مِن هُنَا نَستطِيع القوْل إِنَّ مَا يَعُوز الشَّعْب العراقيُّ الآن هُو القيادة سَوَاء تَمثلَت بِشَخص أو مَجمُوعة أَشخَاص .
إِنَّه تَشخِيص قَائِم على الأغْلبيَّة وليْس على اَلعموم .
وربَّ سَائِل يَتَساءَل مِن هُو أَخطَر مِن يُمثِّل مَنظُومة تاج الرَّأْس فِي المجْتمع؟! :
أنَّ أَخطَر جماعتيْنِ هُمَا الفئتان :
الجاهلة جِدًّا والْمثقَّفة جِدًّا ، فالثَّانية تُنظِّر وَتسُوِّغ لِلْأولى ،والْأولى تُرسِّخ وَتعطِي الشَّرْعيَّة الشَّعْبيَّة أو الجماهيريَّة لِلثَّانية، والْاثْنيْنِ فِي حَقِيقَة الأمْر هُمَا أداتَان وبيادق لِتحْقِيق أَهدَاف تاج الرَّأْس .
1202 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع