المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
العلاج النفسي
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وما قبلها كانت مهنة صناعة الفحم رائجة في المحافظات الكردية الثلاثة (أربيل – السليمانية – دهوك) وبالذات في المناطق الجبلية منها وكان ممارسوا هذه المهنة يزاولون عملهم من خلال قطع الأشجار التي كانت تكسو سفوح الجبال والتلال بشكل كثيف، كانت توضع جذوع الأشجار بشكل فني ومتراصف داخل كور خاصة معدة لهذا الغرض وإشعال النار البطيء داخلها لفترة محددة لعدة أيام ويتم بعد ذلك نقل ما ينتجون من فحم بواسطة سيارات الحمل الى كافة المحافظات العراقية وبيعه في أسواقها المخصصة لهذا النوع من البضاعة التي كانت رائجة لمختلف الاستخدامات في المساكن والمطاعم والفنادق للطبخ والتدفئة لعدم توفر الوسائل الحديثة المتوفرة حالياً واستمرت هذه المهنة وكانت تمارس بشكل علني ودون قيود أو منع من قبل السلطات العراقية التي لم تكن تولى هذا العمل التخريبي أي اهتمام باستثناء وزير الداخلية حينذاك (سعيد قزاز) الذي كان ينظر الى هذه الظاهرة ومزاولي هذا العمل بعين الغضب وعدم الرضا والامتعاض بعد زيادة المقبلين على مزاولة هذه المهنة واتخاذها عملاً دائماً لهم وتداعيات ذلك في تناقص عدد الأشجار الطبيعية التي كانت تزين وتغطي معظم تضاريس المنطقة من جبال وتلال ووديان خضراء وكان الوزير يعتبر ذلك سلوكا وتصرفاً مشيناً يلحق الضرر بالبيئة وجمال الطبيعة ونمط الطقس السائد وتناقص في الثروة الحيوانية،
لقد استطاع هذا الرجل من خلال جهوده وإصراره في محاولاته من وضع حد لهذه الظاهرة ومنع استمرارها من خلال جهوده التي أثمرت عن إصدار الحكومة العراقية لقانون الغابات ذو الرقم ( 75 لسنة 1955) وبموجبه منع قطع الأشجار وفرض عقوبات على مزاولي مهنة صناعة الفحم بدنية ومالية ومصادرة ما بحوزتهم من هذه المادة مع وسيلة النقل خلال نقلها بين المدن والقصبات على ضوء تطبيق القانون المذكور والذي تضمن تشكيل المديرية العامة للغابات ومديرية شرطة الغابات وكان مقرهما في محافظة أربيل ولهما فروع في المحافظات الثلاثة المذكورة وقد أدت الإجراءات الوقائية والعقابية الى تخلي معظم ممارسي هذه المهنة الى تركها وإيجاد أعمال أخرىٰ إلا أن هذا لا يعني انقطاع جميع من كان يزاول هذه المهنة فقد استمر البعض منهم يزاولها بشكل سري عند صناعتها أو نقلها أو بيعها نتيجة ما كانت تحققه لهم من جني الأرباح المغرية بعد زيادة الطلب على هذه المادة وانخفاض كميات إنتاجها بعد تطبيق القانون وملاحقة ممارسي هذه المهنة والتي لازالت تمارس بشكل محدود وعلى نطاق ضيق تلبية للحاجات التي لا يمكن الاستغناء عن الفحم في بعض المجالات في المطاعم والمساكن والسفرات العائلية عند إعداد الطعام وخاصة المشويات منها وهنا لابد التأكيد على النتائج الإيجابية لقانون الغابات وانتعاش الأشجار والأحراش الطبيعية إلا أن هذا الانتعاش قد توقف في تسعينيات القرن الماضي عندما اضطر المواطنون لقطع الأشجار واستعمالها في التدفئة بعد قطع إمدادات النفط الأبيض عنهم من قِبل الحكومة العراقية بعد خروج المحافظات الكردية الثلاثة من إدارتها وتشكيل إقليم كردستان بعد انساحب الحكومة المركزية نتيجة الانتفاضة الشعبية وقرار مجلس الأمن في استحداث المنطقة الآمنة، ما دمنا نتحدث عن صناعة الفحم ودور وزير الداخلية (سعيد قزاز) في منعه قطع الأشجار والموضوع يقودني للحديث عن قصة طريفة يخص المرحومة جدتي وفحواها مزاولة خالي (شيخ محمد رسول خليفاني) لمهنة صناعة الفحم مع البعض من أقربائه في فترة شبابه وفي مرة من المرات بعد أن جهزوا شاحنة من الفحم وهو بصدد نقلها الى العاصمة بغداد لبيعها هناك ولغرض الاستئذان مر على والده ووالدته التي أمطرته بسيل من الأدعية كما وطلبت منه أن يراجع مرقد الشيخ (عبد القادر الگیلاني) ويأتيها بحجاب لتشده على رأسها بغية التخلص من الآلام التي تعانيها فيه فوعدها بذلك،
بعد أن قضىٰ في بغداد عدة أيام عاد الى أربيل مع من كان معه من أصدقائه بعد قضائهم على ما كانوا يملكونه من مال حصيلة بيعهم للفحم والمفاجئة كانت عند عودة خالي وقبل أن يدخل الدار تذكر ما أوصته به جدتي قبل سفره فلم يكن أمامه علاج إلا أن يلتقط قطعة صغيرة من القماش الأخضر من الأرض ويلفه بخيط رفيع ومن ثم يدخل الدار مرحباً به من ِقبل الجميع وبعد دقائق تسأله جدتي عن ما أوصته به فأخرج من جيبه قطعة القماش وناولها إياها وبادرت على الفور تشده على رأسها وبعد لحظات أخذت تردد (فدوة اروحلك شيخ عبد القادر الگیلاني شبساع طيبتني) وهذا هو العلاج النفسي الفعال.
1085 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع