عائشة سلطان
ربيع جابر
يتحدثون كثيراً عن الأدب ويتصارعون حول تقييم وتقدير الأعمال الأدبية التي نشرت والتي تنشر كل يوم، بعضهم يزنها بميزان نظريات النقد الصارمة، وبعضهم بميزان الذوق والذائقة ومقاييس الجمال، ثم يخلصون إلى أن الأدب العظيم والحقيقي هو الذي يعبر عن هموم وطموحات ومشكلات وأسئلة الإنسان أينما كان، أي أن الأدب العظيم هو الأدب الإنساني، بينما قال آخرون إن الأدب لا يكون عظيماً إلا بمقدار التصاقه ببيئته وواقعه الذي خرج منه، ويستشهدون بنجيب محفوظ ابن الحارة المصرية التي حملها في كل رواياته، ما يعني عند هؤلاء أن الأدب العظيم هو الأدب المحلي الواقعي.
ما زلت أتذكر الأيام التي قرأت فيها أول رواية للكاتب اللبناني ربيع جابر، والذي انقطعت أخباره من ساحة الأدب منذ سنوات طويلة، عندما قدم إلى العاصمة أبوظبي في زيارة خاطفة وسريعة جداً ليتسلم جائزة حصوله على جائزة البوكر العربية عن روايته الرائعة «دروز بلغراد» عام 2012، ومعروف أن ربيع جابر رجل لا يحب الظهور، وميال للعزلة ويقضي معظم وقته بين الكتب يقرأ أكثر مما يفعل أي شيء آخر!
لقد أحببت ربيع جابر منذ قرأت روايته «دروز بلغراد»، فعرفت معنى أن يجد الإنسان صعوبة حقيقية في الخروج من تأثير رواية يمكنها أن تظل حاضرة في ذهنه طويلاً حتى إنه يستحضرها كلما تحدث عن الأعمال العظيمة والأدب العظيم، وقد كانت هذه الرواية مدخلي لعالم ربيع جابر، الذي قرأت له: «الاعترافات»، «أمريكا»، «بيروت مدينة العالم»، «يوسف الإنجليزي» وغيرها.
في حديث مسترسل عن الأدب تحدثنا أنا وصديقة كانت كلما أتت على ذكر رواية قالت لقد نسيت اسمها الآن، أو لا يحضرني اسم بطلها أو بطلتها، وهكذا، فتذكرت أننا قرأنا «الأيام» لطه حسين ونحن في سن المراهقة وما زلنا نحفظ اسمها واسم كاتبها، وقرأنا «آنا كارنينا» ونحن في مقتبل العمر ولا نزال نتذكر مقدمتها العظيمة واسم كاتبها، فما بال أعمال نقرؤها اليوم ثم لا يترسب منها شيء في الذاكرة؟ هنا عرفت أن الأدب العظيم هو الأدب الخالد الذي لا ينسى والذي تقرؤه أجيال تلو أجيال رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة.
1195 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع