د سعد ناجي جواد*
في ذكرى اليوم المشؤوم: يوم احتلال بغداد.. هل من علاقة بين ذلك الحدث الكارثي وما يجري في غزة؟ ولماذا يشعر كُل عربي أصيل بالراحة النفسية رغم كُل جرائم الاحتلال؟
لم أستطع رغم كل محاولاتي الجادّة في أن أبعد عن عقلي وأناملي فكرة الكتابة في ذكرى هذا اليوم (الأربعاء 9 نيسان 2003) الذي اعتبره من أسوأ أيام حياتي وأكثره إيلاما للنفس، والسبب هو إيماني المطلق ان كل ما يحدث في العراق والأمة العربية وفي فلسطين وغزة بالذات كان سببه ذلك الحدث المشؤوم. ولا أريد أن أكرر الحديث عن أسبابه، ولو ان هناك من سيعود ويتحدث عن ذلك، وللسادة الكرام الذين سيفعلون ذلك اطلب منهم ان يعودوا إلى ما كتبته في مثل هذا اليوم في السنين السابقة على هذه الصفحة حتى لا ندخل في جدال عقيم غير مجدي. ومع ذلك اقول ان تعاون القريب والبعيد، ذوي القربي والغرباء، على تنفيذ المخطط الشرير، عن وعي ودراية او عن سذاجة وجهل، كان السبب الرئيس فيما حصل. وسواء اتفق معي من يقرأ رايي المتواضع هذا او اختلف فاني على يقين بان احتلال العراق وتدميره (عن قصد وسبق اصرار) كقوة إقليمية وعربية سَهَّل بعد ذلك مسالة التلاعب الامريكي- الصهيوني -البريطاني- الغربي بالأمة العربية، وشجّع على تكرار ما جرى للعراق في دول عربية اخرى.
لقد حاولت آنذاك، ومعي كثيرون، ومن خلال الكتابة، وهو الأمر الوحيد الذي كنا ولا نزال نتقنه ونقدر عليه، ان نجنب العراق كارثة الاحتلال، ليس دفاعا عن النظام الذي لم نكن في يوم من الايام من اتباعه او من اعضاء الحزب الذي يقوده، ولكن لاننا كنا على يقين ان الغرض من احتلال العراق كان لتدميره حفاظا على أمن الكيان الاسرائيلي اولا وللسيطرة على ثرواته ثانيا، ولجعله عبرة لباقي دول المنطقة التي ترفض المخططات الصهيو-أمريكية ثالثا. وهذا ما حصل رغم كل الادعاءات بوجود اسلحة دمار شامل والتباكي على حقوق الانسان العراقي.
لما بدأت عملية طوفان الأقصى كتب اصحاب نفس الرأي ان الحال يستدعي إسناد المقاومة الفلسطينية من كل الأطراف المقاوِمة الأخرى، لان الاستفراد بغزة سيجعل الدور ياتي على الباقين، (وهذا ما يحصل الان)، واصبحت إسرائيل تهدد بتوجيه ضربة شاملة للمقاومة اللبنانية. ووصل التمادي إلى ان تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا بقواتهما وبصور مباشرة لتقديم خدمة تدمير اليمن حفاظا على الاحتلال الاسرائيلي، في وقت كان فيه مطلب قادة اليمن بسيطا جدا ومبني على فكرة منع مرور السفن الذاهبة إلى فلسطين المحتلة حتى يتم فتح المعابر والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. ولكن التحالف الأمريكي – البريطاني-الغربي رفض ذلك وصور الأمر بانه تهديد للملاحة والأمن الدولي كعادته، وبدا بشن الغارات الجوية التي اضافت إلى معاناة اليمن، (كما حدث في النموذج العراقي في عام 2003 وقبله). ورغم ذلك أثار، ويثير رد الفعل والصمود والثبات اليمني على مبدا دعم الحقوق الفلسطينية اعجابا منقطع النظير.
بالتاكيد لو كان هناك قيادات عربية وازنة لما استطاع الاحتلال الاسرائيلي ان يرتكب كل هذه المجازر، ولو ان عميلة الطوفان قد تبعتها عمليات مشابهة عن طريق فتح جبهات اخرى لما تمكن جيش الاحتلال ان يستفرد بغزة بهذه الوحشية التي تنم عن نفوس وعقول مريضة. وبالمناسبة فان من يعتقد ان نتنياهو ووزراءه المتطرفين هم وحدهم من يمتلك هذه النزعة الأجرامية الدموية فهو خاطيء، لان احدث استطلاعات الرأي التي جرت في داخل فلسطين المحتلة، تقول ان 88% من الإسرائيليين يؤيدون عمليات جيش الاحتلال والقتل والمجازر في غزة ويطالبون باستمرارها، وان 63% من الإسرائيلين لا يزالون يرفضون فكرة اقامة دولة فلسطينية. ( حسب الكاتبة الاسرائيلية Mirave Zonszein, والتي نشرت ذلك في مجلة Foreign Policy)
بعد مرور أكثر من ستة أشهر على الطوفان وصمود المقاومة فإن كل الدلائل تشير إلى أن المنطقة تعيش على كف عفريت ويمكن أن تنزلق إلى حرب إقليمية شاملة في أية لحظة، وبمشاركة التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وهو الهدف الذي ظل نتنياهو يسعى اليه بعد ان عجز عن تحييد مقاومة غزة بجيش الاحتلال الذي ظل يتبجح به. علما بان الولايات المتحدة وبريطانيا، لم يكونا بعيدين عن هذه الفكرة، بدليل أنهما سارعا منذ البداية إلى ارسال الأساطيل والأسلحة المتطورة والمقاتلين إلى فلسطين المحتلة والبحر المتوسط لبث الرعب في نفس كل من يفكر في توسيع ساحات المواجهة، ناهيك عن معارضتهم لاي مشروع يدعوا إلى وقف القتال. وعندما عجز الكيان عن مواجهة مُسيّرات اليمن قامت هذه الأساطيل بشن حرب مباشرة ومفتوحة داخل اليمن والعراق وسوريا، والان يعد التحالف الاسرائيلي -الأمريكي-البريطاني العدة للمشاركة في اي عدوان ترتكبه قوات الاحتلال ضد لبنان وايران، بالإضافة إلى اليمن والعراق. وكل ما يقال عن رغبة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في ايقاف الحرب في غزة هو كذب ودجل يراد منه تخدير الشعوب العربية والإسلامية. واكرر مرة اخرى ان هذا الاصرار والتمادي لم يكن ليحدث لولا نجاح التحالف الأمريكي- البريطاني- الصهيوني في اخراج اهم الدول العربية من معادلة الامن القومي العربي، وعلى راسها العراق، وجعلها اما دولا ضعيفة مفككة او خاضعة لارادة ذلك التحالف.
أما من حكم العراق بعد عام 2003 فلقد فشل فشلا ذريعا في بناءه كقوة إقليمية فاعلة، وما نتج عن الاحتلال هو كيان ممزق وبأكثر من راس، وبدعم من الاطراف التي خططت لاحتلاله (الولايات المتحدة-بريطانيا-إسرائيل)، وذهبت ثرواته الهائلة (ولا تزال تذهب) إلى جيوب الفاسدين، ولا يزال هذا التحالف حريصا على قتل كل بارقة امل تعطي الانطباع بان العراق بدأ باستعادة بعض من عافيته او قوّته، وسيظل الأمر كذلك حتى ينتبه أبناءه إلى هذه الحقيقة ويُطَهِرون بلدهم من كل الفاسدين والحريصين على تقسيمه او اضعافه، سواء عن جهل او عن دراية وتخطيط خارجي.
ومع كل ما قيل أعلاه فان كل عربي اصيل لابد وان يشعر بالفخر والاعتزاز اولا، وبالراحة النفسية ثانيا لأن الله قد امدَ في عمره إلى الوقت الذي وجد فية مقاومة عربية شجاعة وذكية استطاعت، وبعد اكثر من 75 عاما من الاحتلال والمشاريع التوسعية، ان تلقن الاحتلال دروسا لن ينساها، وان تنهي غطرسته. لقد اثبتت غزة ان كل المخططات الصهيونية والأمريكية قد فشلت فشلا ذريعا، وان طوفان الأقصى هو بداية الانتصار مهما حاول المشككون في ذلك، واكبر دليل على ذلك ان كل القوة الصهيونية، ومن خلفها اكبر قوى في العالم، الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وأقزام اخرين، لم ينجحوا في دحر مقاومة شعبية تقاتل بموارد وأدوات بسيطة وبإيمان كبير بالله تعالى ونصره. وهذا الكلام ليس عاطفيا او شعبويا وانما يستند إلى كتابات وتصريحات قادة جيش الاحتلال الاسرائيلي السابقين وبعض الحاليين وتحليلات بعض الصحف الاسرائيلية والغربية .
وإن يَنصُركُم الله فَلا غالِبَ لَكم.
*كاتب وأكاديمي عراقي
2044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع