د.عدنان هاشم
خاطرة العدد
ما أشد حاجتنا إلى التأسي بالقدوة في هذا الزمن الكالح العصيب الذي ندرت فيه القدوة. وقدوتنا اليوم هي أبو طالب عم النبي وخديجة بنت خويلد زوج النبي.
أبو طالب بن عبد المطلب هو عم النبي الذي كفله بعد وفاة جده عبد المطلب فأحسن كفالته وذب عنه وآثره على أبناءه قبل الإسلام وبعد البعثة حتى موته. زوجته فاطمة بنت أسد وهي هاشمية فعلي عليه السلام كان أول هاشمي لأبوين هاشميين. نصر أبو طالب النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم منذ بداية الدعوة في مكة، فعندما رأى النبي يصلي وعن يمينه علي قال لابنه جعفر "صِل جناح ابن عمك وصلِّ عن يساره".
كان أبو طالب رغم فقره سيدا مطاعا في قريش وشيخ بني هاشم لا يصدرون إلا عن أمره، تهابه وترهبه قريش فلم تكن تستطيع الإمعان في إيذاء النبي وعمه حي يرزق... جاءه رجالات قريش بعد أن أصحر النبي بدعوته في ربوع مكة فتبعه عدد غير قليل من فتيان قريش ومواليها فقالوا له " إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفَّه أحلامنا، فإما ان تكفه عنا وإما أن تخلي بيننا وبينه فنكفيكه".
ثم جاؤوه ثانية مهددين فقالوا " إما أن تكفَّه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين". فدعا أبو طالب النبي وبلَّغه تهديد قريش بالحرب وطلب منه أن يخفف من الدعوة حفاظا على نفسه وعلى بني هاشم من الهلاك بقوله " فَأَبْقِ عَلَيَّ وَعَلَى نَفْسِكَ، وَلَا تُحَمِّلْنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا لَا أُطِيق" فاستعبر النبي وقال " والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلك دونه". فأشفق عليه أبو طالب قائلا " إمض يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا اسلمك لشيء أبدا ".
اشتد أذى قريش عندما انتشر الإسلام في ربوع مكة وما جاورها إذ استشعرت قريش الخطر على مركزها وثروتها وتجارتها، فكتبت صحيفة المقاطعة في السنة السابعة للبعثة النبوية وعلقتها في الكعبة وهي بمثابة الحصار والتجويع كما نراه ورأيناه في زمننا المعاصر في العراق وغزة جاء فيها " أن لا يناكحوهم ولا يتزوجوا منهم، ولا يبايعوهم، ولا يبيعوا لهم ولا يشتروا منهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطلب صلحًا أبدًا" فجعلت قريش بني هاشم منبوذين بحكم هذه الصحيفة. وعلقت قريش الصحيفة في جوف الكعبة واستمر الحصار ثلاث سنين في شعب أبي طالب وبقي أبو طالب على صلابته في نصرة النبي وكان شاعرا يذب عن ابن أخيه بالقول كما هو بالفعل فأنشد قصيدته اللامية العصماء الشهيرة في مدح النبي والذب عنه ومنها ذلك البيت الشهير:
وأبيضَ يُستسقى الغمامُ بوجهه ثِمالُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ
أخبر النبي أصحابه أن الله قد سلط ألأرضة التي أكلت الصحيفة وكذلك اعترض على ذلك الظلم بعض من عقلاء قريش. انتهت المقاطعة في السنة العاشرة من البعثة، ولكن فجع النبي في تلك السنة بموت عمه أبي طالب كافله وحاميه وناصره، ثم فجع بعد ذلك بقليل بموت زوجه وحبيبته خديجة فاشتد به الحزن حتى سمي ذلك العام عام الحزن. ومرت أيام عسيرة على النبي حيث اشتد أذى قريش للنبي عندما غاب عنه عمه أبو طالب فكانوا كما قيل "خلا لك الجو فبيضي واصفري". حاول النبي نشر دعوته خارج مكة فذهب إلى الطائف ليدعو قبيلة ثقيف للإسلام فكانوا أخبث من قريش فلم يكتفوا برده ردا عنيفا بل سلطوا عليه صبيانهم وسفهاءهم فحصبوه بالحجارة حتى أدموا قدميه، ولكن حاشا لله أن يخذل نبيه فقد جعل له مخرجا وفرجا فلاقت دعوته قبولا في يثرب وانتشر الإسلام في ربوعها وسرعان ما بدأت صفحة جديدة في تاريخ الإسلام.
إسلام أبي طالب:
اختلف الشيعة والسنة حول إسلام أبي طالب، فأهل البيت والشيعة مجمعون تقريبا على إسلام أبي طالب، والسنة يرون أنه مات كافرا ويروون أحاديث موضوعة منها حديث المغيرة بن شعبة "أن أبا طالب في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه ويغلي منها دماغه " والمغيرة معروف بفسقه ونفاقه وبغضه لأهل بيت النبوة. وأنا أرى أن أبا طالب لم يسلم في بداية الدعوة دأبه في ذلك دأب الشيوخ في حذرهم وتريثهم لحين تتضح الأمور، ثم أسلم ولكنه أخفى إسلامه لحكمة كان يراها. فقد ورد أن الإمام الصادق عليه سأل أحد أصحابه " ما يقول الناس في إيمان أبي طالب" قال جعلت فداك، يقولون هو في ضحضاح من نار يغلي منها أُمّ رأسه، فقال "كذب أعداء الله، إنّ أبا طالب من رفقاء النبيّين والصدّيقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً"
أرى أن دعوى عدم إسلام أبي طالب روج لها بنو العباس نكاية بالعلويين ليظهروا أن جدهم العباس بن عبد المطلب مات مسلما أما أخوه أبو طالب فمات كافرا حسب ادعائهم، فدخلت السياسة في الأحداث السياسة وروجت ما هو لصالحها. وهناك قرينة قلما يتنبه لها الكتاب وهو أن الرسائل ترددت بين أمير المؤمنين عليه السلام ومعاوية إبان خلافته، وقد أحصيت خمسا وعشرين رسالة لمعاوية حاول فيها معاوية بكل ما أوتي من خبث ودهاء التهوين والحط من منزلة علي عليه السلام ولكنه لم يجرأ في واحدة منها باتهام علي أن أباه كان كافرا بينما أبو سفيان مات على الإسلام. ولو كان الأمر كذلك لكان ذلك من أقوى النقاط التي يتمسك بها معاوية لتهوين شأن أمير المؤمنين.
نأتي الآن إلى الدعامة الثانية في نصرة النبي (ص) والذب عنه ألا وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقد روي عن النبي ص قوله "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد". فبأي شيء وصلت خديجة درجة الكمال بين النساء؟
كانت خديجة رضي الله عنها في اللباب من قريش نسبا وحسبا وشرفا ومالا. آثرت النبي بمالها قبل البعثة وكانت أول من آمنت به من النساء ولم تنكل عن نصرته لحظة واحدة في حياتها وكانت معه في أشد أوقات محنته، وحتى تحملت معه سنوات الحصار الطوال التي توفيت على أثرها، وكفاها شرفا أنها أم أولاده وأم الصديقة الطاهرة الزهراء عليها السلام. فلا عجب أن النبي كان يذكرها كثيرا ويحن إلى أيامها ويترحم عليها مما أثار غيرة عائشة فقالت" ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت في الدهر قد أبدلك الله خيرا منها" فغضب النبي وقال " والذي نفسي بيده ما أبدلني الله خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء". وقال في حديث آخر "إني رزقت حبها". وقد أكمل الله علي نبيه النعمة بأن رزقه فاطمة من خديجة فكانت أم أبيها ورزق منها السبطين الحسن والحسين ريحانتي رسول الله. وفي كلام رسول الله عن خديجة ما يغنينا عن غيره والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1172 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع