الدكتور عبدالعزيز المفتي
اراء في اصل الاثوريين في كوردستان العراق
أن الشعب الذي يتأكد من أصله وأرومته ينفر من الأقوال المتضاربة المختلفة التي يذكرها المؤرخون والباحثون المحدثون في أصله سواء القريبين منهم أو البعيدين كالمشرقين وخير مثال على ذلك الشعب الكوردي ونحن الأكراد إذ نجد أنفسنا منزعجين عن الأقوال المختلفة الباطلة التي قيلت حتى وقت قريب في أصلنا وتاريخنا وجغرافيتنا ولكن الآن أشعر بأن للباحث له حقه أيضاً أن يبحث عن مسألة يشك في حقيقتها وان للإنسان حب الاطلاع واستثني من ذلك من يفتعل الكذب من المؤرخين والباحثين لغرض من الأغراض أو لمصلحة شخصية أو لكسب جهة معينة.
إني لست متأكداً من أصل الآثوريين كل التأكد مثلما أن بعضهم أنفسهم ليسوا متأكدين أو يعتبرون أصلهم بلا تردد من الأورمة الكوردية كما سيجد القارئ ذلك في مذكرة اتحاد الشباب المسيحيين إلى قائد الجبهة المسيحية في ثورة كوردستان خالد الذكر (هرمز ملك جكو) ومن رسالة هرمز ملك جكو الجوابية لذلك استميح عذراً من الآثوريين من ذكر الاختلافات في أصلهم حسب الآتي( ):
إن المصادر الكنسية المسيحية التي اعتمدت عليها بالدرجة الأولى في هذا الموضوع التي تعود إلى أواخر العهد الساساني والتي تعود بعضها إلى القرون الأولى من العهد الإسلامي لم تذكر أن المسيحيين في منطقة بهدينان وهكاري أي في منطقة (داسن)( ) وبابغيش من أحفاد الآشوريين الذين زالت دولتهم أثر احتلال عاصمتهم نينوى سنة (612) قبل الميلاد من قبل الميديين الكورد والدولة البابلية الحديثة في العراق مع أن تلك المصادر ذكرت مجتمعة الكثير عن كيفية انتشار الديانة المسيحية في المنطقتين وعن المسيحيين فيهما أي انتشارها بين سكان هاتين المنطقتين الكورديتين (هكاري وبهدينان) وكذلك بين سكان منطقتي الموصل وأربيل ولم نجد فيها أية إشارة بهذا الخصوص مع العلم أن (مشيحازخا) ألف في القرن السادس الميلادي كتابه (تاريخ قديم لكنيسة أربيل) في كيفية نشر المسيحية في سهول وجبال حدياب أي إقليم إربيل وأن (توما) أسقف منطقة عقرة (المرج ـ مركا) ألف في القرن التاسع الميلادي كتابه (كتاب الرؤساء) في تاريخ (دير عابي) القريب من مدينة عقره (ئاكرى) غرباً وهو تأريخ جليل للمسيحية في منطقتي داسن وبابغيش (بيت بغاش) وغيرهما مع العلم أن (توما) اسقف منطقة عقرة كان بالأصل من منطقة (شيروانامزن) من منطقة بارزان الحالية وكان أعلم من غيره بمنطقتي بهدينان وهكاري ويقع في الأخير الموطن الأساسي للآشوريين حتى أنه عندما ذكر (شليمون) رئيس قرية (زارنى) قرية رؤساء آشوريي منطقة (جيلو) وأخاه (مارنرساى) لم يذكر أصلهما ولا أصل سكان القرية هل كانوا من الآشوريين أو من الأكراد المسيحيين ما عدا جملة مفادها: (كان شليمون يقتل يومياً بعض الأكراد) أي الأكراد المسلمين كما لم يذكر أصل رئيس الكنيسة النسطورية الشرقية طيمثاوس البابغيش الذي عيّن جاثليقا في (7 آيار 780م) وكذلك عندما ذكر عمهُ كيوكيس أسقف بابغيش حتى أنه لم يذكر ولا مرة واحدة الأصل الكوردي القومي لسكان قريته (نحشون) وسكان مناطق رواندز وبارزان وبرادوست وخوشناو وغيرها مع ذكره لسكانها مراراً من مسيحيين ومجوس ووثنيين وسبقه في هذا النهج مشيحازخا وكان همه الرئيسي كباقي المؤرخين الكنسيين ذكر (المسيحيين) بدون الإشارة إلى أصلهم القومي فتركوا نقصاً كبيراً في مؤلفاتهم كنا بحاجة إليه حتى أن تعبيرهم (الوثني) أو (الوثنيين) أو (عباد الشياطين) أو (المجوس) لم يكن دقيقاً وغير علمي فكثيراً ما أطلقوا هذه التعبيرات على من لم يكونوا مسيحيين سواء أكانوا ميترائيين أو زرادشتيين الكورد.
ربط المؤرخون المسيحيون المحدثون الآثوريين بالأصل السامي فمنهم من قال أنهم من أحفاد الكلدانيين ومنهم من قال أنهم من أحفاد الآشوريين ومعظمهم اعتبروا خطأ الكلدانيين والآشوريين شعباً واحداً خلافاً للحقائق التي دونها الباحثون وعلماء الآثار.
أما تاريخ هجرتهم الاثوريين إلى جبال هكاري فاختلف فيه المؤرخون أيضاً فمنهم من قال أنهم هاجروا إليها أثناء الفتح الإسلامي ومنهم من قال في أواخر القرن الثامن عشر وقد حدد (رفائيل بابلو اسحق) في تاريخ نصاري العراق ص 137 تاريخ هجرتهم من سهول ما بين النهرين بسنة (1798م) أما (ميجر ميلينغن) فقال أنهم من أحفاد الكلدانيين الذين كان يعيش أجدادهم في تلك الجبال منذ خمسة وعشرين قرناً وقال (سير سايكس) أنهم هاجروا من الموصل وليسوا أكراداً ولكنه أشار إلى أن هناك رأياً يقول أنهم أكراد بالأصل( )، أما العالم (ويكَرام) الذين تجول في مناطق الآثوريين وكتب عنهم الكثير: فقال أنهم يتصلون بالآشوريين القدماء نسباً ويقول بعضهم أن أسرتهم من صلب (نبوخذ نصر) الكلداني( ). ويتهم العديد من الكتاب (لايارد) البريطاني أنه هو أول من قال أنهم من الآشوريين ليضخم بذلك خبر تنقيباته في نينوى.
أما لجنة عصبة الأمم التي أرسلت إلى العراق لتقصي الحقائق بخصوص ولاية الموصل(كوردستان العراق) وسكانها فكتب في تقريرها سنة 1925 ما يلي: "ربما لم يكن الآشوريون النسطوريون القاطنون في العمادية وجبال تياري والمناطق المجاورة كلهم من أصل واحد ... وهم يشبهون الأكراد كثيرا في حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم الاختلاف فقط في الدين"( ).
لقد كتب الدكتور أحمد سوسة في (مفصل العرب واليهود في التاريخ ص 593 – 601) معلومات عن الآثوريين وقال إنهم من أحفاد الأسباط العشرة) أي القبائل العشرة من اليهود الذين رحلهم الآشوريون من فلسطين إلى جبال كوردستان وأنهم من اليهود آمنوا بالمسيحية واعتمد بالدرجة الأولى على المبشر الأمريكي (الطبيب غرانت) الذي قضى عدة سنوات بين الآثوريين ابتداءاً من سنة 1835 والف كتاباً بخصوصهم بعنوان (النساطرة أو الأسباط المفقودة) وقال المبشر الامريكي الطبيب غرانت أنهم ليسوا من أحفاد الآشوريين وأضاف المبشر الامريكي (الطبيب كَرانت/غرانت) أنه شاهد كتاباً مخطوطاً يرجع إلى ما قبل أكثر من سبعمائة سنة لدى (مار شمعون) الرئيس الروحي للآثوريين وكانت بالسريانية يؤكد على كون النساطرة من اليهود. وأن البعثة التبشيرية الإنكليزية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر هي التي أطلقت عليهم الاسم (آشوري) وعرفوا بـ (النساطرة) بعد قبولهم بمذهب (نسطور) أسقف قسطنطينية في القرن الخامس.
ذكر (مارك سايكس) المقرون اسمه بـ (معاهدة سايكس بيكو) الشهيرة ـ في كتابه القبائل الكوردية في الإمبراطورية العثمانية ص 29: (أن العديد من وجهاء الكورد المتعلمين يرون أن نساطرة حكاري من الكورد الذين اعتنقوا المسيحية قبل الإسلام أما رجال الدين المسيحيين مقتنعون بقوة بأن المسألة ليست كذلك وقال إنه يشك في صحة النظريتين جزئياً وقال إن المسيحيين عندما هربوا من الموصل والعراق لجأوا إلى المسيحيين الكورد في حكاري وأن هذا سيجعل العوائل الأسقفية قادمين جدد بالضبط مثلما يرجع بعض العوائل الدينية الأسقفية القادمة من الموصل والعراق من أصل غير كوردي وأن الأستاذ عبد الرقيب يوسف يرى أن رأي (مارك سايكس) هذا هو الراجح.
لقد ذكر (ايشو مالك خليل) في (الآشوريون في التاريخ) ص 181: أن فريقاً من الجيش الأشوري أثر احتلال نينوى من قبل الميديين الكورد أقام في مقاطعة هكاري وقد تناقل الخلف عن السلف التقاليد التي جاء فيها قصص القتال الذي دار بين الآشوريين والميديين الكورد والفرس وفرق اسكندر المقدوني الكبير ... هنا عاش الآشوريون أجيالاً مستقلين في إمارة أو مملكة خاصة دافعوا عنها ضد الغزاة حتى عام 1915 وذكر إيشو مالك خليل احتمال وجود بعض الإمارات تتحدر فعلاً من الأصل الأكدي وأضاف أن المرويات تذكر أن الميديين الكورد بعد احتلال نينوى منحوا الأشوريين نوعاً من الاستقلال الذاتي فدعوها (أثور) وأضاف أن أعدداً كبيراً من الاشوريين التجأوا إلى جبل المنطقة عندما احتل الفرثيون منطقة آشور.
إن أقدم مصدر وجدت فيه اسماً قريباً من الاسم (آشوري) كان قد أطلق على الآثوريين كان (شرفنامه) الذي فرغ الأمير الكوردي شرفخان البدليسي من تأليفه في أواخر القرن السادس عشر فقد ذكر في ص 130 و510 أن مسيحي هكاري يسمون بـ "أسوري" فهذا يفند ما قاله الكثيرون من اسم "أثوري" أطلق عليهم في القرن التاسع عشر والقرن العشرين لاعتبارات سياسية.
أما بعض من المؤرخين الكورد فقد قالوا إن أصل الاثوريين من الكورد منهم السيد علي سيد الكوراني وأنور المائي( ).
أما الأستاذ عبد الرقيب يوسف أنه لا يستطيع أن يقول أنهم من أصل كوردي ولكنه يستطيع أن يقول إن قسماً منهم كانوا أكراداً مسيحيين اندمجوا بينهم فمثلاً إن قبيلة (بوتان) من القبائل الاثورية كما يعلم من اسمها كانت من المسيحيين الأكراد في بوتان قدمت في وقت ما إلى المنطقة الأثورية واندمجت معهم وكذلك حسب المعلومات التي نذكرها فيما بعد كما لا يستبعد اندماج بعض من اليهود المسيحيين بينهم أيضاً وقد ذكرنا راي (الطبيب كَرانت والدكتور أحمد سوسه) وندرج هنا قسماً من مذكرة اتحاد الشباب المسيحيين إلى قائد الجبهة المسيحية في الثورة الكوردية (هرمز ملك جكو) وقسماً من رسالة هرمز ملك جكو الجوابية وقد كتب عبد الرقيب يوسف سنة 1963( ) وإن أصحاب المذكرة وهرمز ملك جكو صرحوا فيها مراراً أنهم من الأكراد المسيحيين وأنهم من الأمة الكوردية وجاء في المذكرة أيضاً ما نصه: "وأننا جميعاً شباب المسيحيين الأكراد "وأن شبابنا قد يفهمون الآخرين كل الأشياء التي جرت على أمتهم الكوردية ويريد أن يجمعوا أمتهم الكوردية المتفرقة" و"أن الثورة الكوردية قامت من أجل تحرير كوردستان وأن تحقيق هذا التحرير سيشمل جميع الأكراد على اختلاف مذاهبهم" ويقصد بالأمة الكوردية المتفرقة الآثوريين وقد طلب أصحاب المذكرة من هرمز ملك جكو أن يأخذ من قائد الثورة الكوردية الملا مصطفى البارزاني تعهداً ومستنداً بجمع كافة المشردين من المسيحيين الآثوريين الأكراد في كوردستان المرتبطة بالعراق ولم يكن لهم مطلب آخر ولا يمكن أن يكتب هذا الموضوع إهمال المذكرة ورسالة هرمز ملك جكو الجوابية علماً أن ممثل اتحاد الشباب المسيحيين لم يكتب اسمه في نهاية المذكرة خشية وقوعها في يد السلطات العراقية.
لقد دونت المذكرة والرسالة في (ص 488 – 492) من الجزء الأول من كتاب الأستاذ عبد الرقيب يوسف الذي ألفه عن تاريخ الثورة الكوردية آنذاك الذي أتلفت نسخها الثلاثة ولم تبقى منه سوى نسخة مصورة بالفوتوغراف مشوهة لذلك لم يتمكن الآن من قراءة القسم الآخر من كل منهما.
( ) الأستاذ عبد الرقيب يوسف، المصدر السابق، ص 369.
( ) داسن يظهر من المصادر الكنيسة أن اسم (داسن ـ دسان) كان موجوداً في القرن الأول الميلادي وتردد بكثرة في المصادر الكنيسة التي لولاها لفقد قسم آخر من تاريخ كوردستان وكانت منطقة داسن تشمل جبال عين سفنى وكارى وجبال دهوك
حتى جبال عمادية وقسماً من منطقة الآشوريين: جيلو وبازي وتياري أو كلهاه أي كانت تشمل وادي الزاب الأعلى. قسم البعض داسان السفلي (أي بهدينان بصورة عامة) وداسان العليا أي منطقة هكاري على ما في مجلة النجم المجلد 12 ص 500 وتقلص مدلولهاه الجغرافي إلى أن انحصر في جبال عين سفني ودهوك وأطلق الاسم (داسان ـ داسن) عند الأكراد على اليزيديين الكرد ومازالت دهوك تعرف عند الأكرادبـ (دهوكا داسينا) لما كان معظم سكانها من اليزيديين ولا يعلم بالضبط فيما إذا انحدر هذا الاسم من (ديو يسنا) أي عبادة أو عبدة الديوزات أولاً؟ هناك معلومات أخرى بخصوص هذا المصطلح الجغرافي أو الديني أيضاً.
( ) بخصوص ما قاله ميلينغن وسايكس راجع تاريخ الكرد وكوردستان ص 122، 372 لمحمد أمين زكي.
( ) مهد البشرية الشرقية، ص 107.
( ) الدكتور فاضل حسين: مشكلة الموصل، ص 100 – 101.
( ) علي سيدو الكوراني من عمان إلى العمادية، ص 162، أنور المائي: الأكراد في بهدينان، ص 241.
( ) في ربيع 1964 زار عبد الرقيب يوسف جبهة بهدينان للثورة الكردية وأصبح ضيفاً على المناصل اليزيدي الكردي الراحل على جوخي مسؤول (منظمة كاوه) للحزب الديمقراطي الكوردستاني في قرية باعذرى (باعه درى) القريبة من مدينة عين سفني فأطلعه على وثيقتين هامتين إحداهما كانت مذكرة اتحاد شباب المسيحيين في بغداد إلى قائد الجبهة المسيحية هرمز ملكم جكو والأخرى رسالة هرمز الجوابية إلى اتحاد الشباب المسيحيين وذكر علي جوخى أن المذكرة كانت باللغة السريانية ترجمها قس مسيحي في الثورة فكتب نسخة على كل منهما وكان يعتز بها وأدخلت نصها في الجزء الأول من كتابه الخاص بتاريخ الثورة الكردية موضوع (الجبهة المسيحية) وكان يقع في (575) صفحة كبيرة كتبه بثلاث نسخ جاهزة للطبع ومن المؤسف أن النسخ الثلاثة أتلفت في خضم الأحداث وكان قد قضى ثلاث سنوات في تأليفه وتجول في مناطق الثورة لجمع وكتابة المعلومات بكل دقة وكان هذا الجزء يبدأ من بداية الثورة إلى مفاوضات 1963
كما جمع معلومات ووثائق كثيرة لتكون مواداً للجزء الثاني وقد صورت الجزء الأول بالفوتوغراف أيضاً وأخفى الفلم في مخدته مدة سنوات خوفاً من الوقوع في يد السلطات الحكومية في السليمانية إذا داهمت داره في أحد الأيام ولما أخرج الفلم وجده قد تعرق وشوه فطبعت عليه ولكن يصعب النقل من الصور المشوهة وتحكى من نقل قسم من كل من المذكرة والرسالة لكي يدرجها في هذا الموضوع لأهميتهما التاريخية لما أنهما تتضمنا رأي قسم من الاشوريين بخصوص أصلهم الكردي ولا يستبعد العثور على نسختهما في مكان ما وخاصة أرشيف البارزاني ولدى بعض الجهات أو الأشخاص من الجدير بالذكر أن الوثيقتين خاليتان من التاريخ ومن المحتمل جداً أن ناسخهما ترك كتابة التاريخ وهذا ليس بغريب منا نحن الأكراد فما زال العديد من الوثائق وغيرها من الكتابات تنشر في جرائدنا ومجلاتنا خالية من التاريخ وذلك بحذف التواريخ من قبل الناشرين نتيجة ضعف الثقافة وضعف الأمانة العلمية حتى صدر تقويم كردي خالياً من تاريخ السنة الخاصة به وقد نشر مقالين لحد الآن بخصوص هذا الداء.
الدكتور
عبد العزيز المفتي
3243 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع