عبدالكريم إبراهيم
سيارة الريم وكراج النهضة والكاسيت وأبو خليل جراحات العزف على مسجل السانيو
معادلةٌ لا يستطيع ان يحل طلاسم رموزها سوى من اكتوى بنيران تلك الفترة الزمنية المعقدة والمشوقة في نفس الوقت.
سيارة الريم وكراج النهضة والكاسيت الذي يصدح بأعلى صوت من مسجل السانيو وأبو خليل هو يحاول ان يجمع ما تبقى من قواه كي يتحلق بإحدى وحدات الجيش يضاف اليهم الانضباط العسكري ؛هي من خلق تلك المعادلة المركبة والحزينة على نفوس شباب لا يعرف من لذة الحياة ازير الرصاص واللافتات السوداء التي توشح جدران كل الحي وزقاق . ربما يكون لكل فترة زمنية ذوقها الاجتماعي والفني الذي ينعكس على ما يُسمع وما يُلبس ، احيانا ينجر الانسان الى ركوب موجة معينة تحت تأثير الدعاية والتقليد ومجاراة الاخرين دون ادراك ووعي عميق.
لعب الكاسيت الصوتي مع مسجل السانيو الياباني في السبعينيات والثمانينيات القرن الماضي دورا كبيرا في جعل الشباب ينجرون الى اقتناء هذه المعجزة الصوتية في وقتها. ربما عاصرت بعض فترات الخنافس والتشارلس حيث عمد بعض الشباب الى تأبط هذه الجهاز بواسطة حامل على اكتافهم مطلقين العنان لمطربي تلك الفترة ان يصدحوا بأغانهم ذات الوجع الجنوبي المخلوط ببعض الغزل العذري الذي ينساب على الافئدة كأنه نسائم الصباح تحرك كذلة الصبايا العاشقات.
خلقت موجة الكاسيت نوع من التمرد الرمزي المبطن، لا تكاد سيارة اجرة تخلو من مسجل السانيو مع مكتبة من كاسيات المطربين ، وربما يكون سائق سيارة الريم قد توسع وتفنن قليلا بان جمع هذه الكاسيات في صندوق خشبي مزين يتوسطه مسجل السانيو. وبما ان سيارة الريم هي صندوق هموم ابو خليل فان سائق يحاول قدر الامكان ان يكون ذا ذوق في اختيار الاغاني التي تبث الشجون وتقع على الجروح ،فما ان ينطلق من كراج النهضة ،لانفك هذا الصوت الجنائزي في النحيب متنقلا بين مطرب واخر حيث الحزن الجنوب هو من يلف اغلب الاغاني. هناك منغص يقطع هذه السمفونية السومرية في الاستمرار هو سيطرة الانضباط العسكري التي تحاول ان تقتنص احد الهاربين او جندي تجاوز على اجازته يوم او يومين . عندها لا تشفع توسلات كبار السن في العفو عنه واطلاق سراحه ،والمصير معروف. التسفير إلى الانضباط الحارثية والصوندات والقمل ومرض جلدي على اقل تقدير . بعد هذه الاستراحة الاجبارية يعاد السائق الى ممارسة هوايته في النقل بين الوان الطرب، في حين يغط ابو خليل في نوم عميق لعله يدرك ولو في الحلم لحظة امل تلوح في الافق تساعد على مواصلة الطريق .
انتقلت موجة الكاسيت من سيارة الاجرة الى الدراجات الهوائية والنارية حيث عمد اصحابها الى عمل قاعدة خشبية في مقدمة درجاتهم لتكون محطة استراحة لأنيس تلك الفترة مسجل السانيو الذي لا يتوقف عن نحيب كلما مر في درابين الثورة مطلقا نوعا من النداء لا يعرف سوى من عاش تلك الفترة .
1098 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع