حاتم خاني
آلام كوردستان ..عند الشاعر بدل رفو
يعود الشاعر بدل رفو في قصيدته ..( انت ) .. التي نشرها كآخر قصيدة له , ليحاول ان يوقظ فينا تلك الروح التي بدأت تخمد شعلتها ويكبت نورها وتفقد رونقها نتيجة الاوضاع التي آل اليها البلد ووصل اليها المجتمع وفقد فيها المواطن كل أمل بتحسن احواله , هذه الروح التي يحاول ان يتغنى بها الشاعر , لطالما كانت سببا للتضحية بالانفس والاولاد والاموال عن طيب خاطر , انها كوردستان التي اصبحت ارضها راحة ووسادة لجسد الشاعر الذي انهكه الغلو في التفكير وأتعبه السعي المرير من اجل ارضائها , فكل الاشعار التي يغزلها وكل الكلمات التي ينطق بها انما تفوح منها عطر كوردستانه , فهي اشهى من الاستحواذ بالقمر الذي يتغنى به الشعراء ويقصده العشاق في لياليه المقمرة , وهي كل الطرق وابوابها التي يدلف منها الشاعر للوصول الى الخلود . انها ملحمته وفاكهته التي يتلذذ بتناولها كلما داهمته الغربة باحزانها , فيعود ليسطر اسمها في دفتر اشعاره ويتأمل حروفها , كيف لا وهو الحالم بها عندما تتوشح قمم جبالها ببياض الثلج ، وتخضر ارضها في الربيع بازهار النرجس والياسمين, وتتستر ارضها في خريفها وتلبس غطاء اصفر من تساقط اوراق السنديان , وفي صيفها تشتعل جمرة كاوة من جديد وتتقد لتحرق اولئك اللصوص والوحوش الذين يحاولون ان يمرغوا اسمها ويستغلوه للكسب غير الشرعي عبر هذا الزمن وعبر تعاطف الدنيا مع الامنا وتعاستنا .
انت...
راحة الارض لجسدي المنهك ,
شهوة القمر وعطر كلماتي .....
انت الطريق وبوابة العبور
لملاحم عشق خالد ...
لقمم الاقدار ,
لفاكهة بستان غربتي ودفتر
اشعاري ,
انت الانثى لكل الفصول ,
وان تمرغت الدنيا وتمرغ الزمان في
خدر اللصوص والوحوش .....!!
كوردستان , هي كل شيء للشاعر , هي الارض التي نبعت منها حياته , وهي الخبز الذي تمده باستمرارية هذه الحياة , وهي العسل الذي يروي جوانحه ويمده بطاقة انتفاضته وثورة اشعاره , وهي غصن الزيتون الذي يصاحبه في حله وترحاله رغم الحروب التي لا تفارقها ورغم الموت الذي اصبح رفيقا دائما يتجول بيننا ويخطف ابنائنا , وقد اعتقدنا اننا قد حصلنا على ومضة سلام وبريق امل بزوال الالام .
لا زالت رغم كل الاعدامات والاغتيالات المنسية , تعشق انساننا وتضيء له دروبه المهجورة وتتلألأ اوتارها لتصدح بموسيقى واغاني الاحرار وتذكرنا بهدوء البحر وهيجانه ايضا . انها رفيقتنا في حياتنا ورديفتنا في خلود شهدائنا عند انعتاقنا واستشهاد اجسادنا و وهي الرائحة الزكية المنبعثة من تلك الارغفة التي كانت امهاتنا تخبزها وتوزع في احياءنا الفقيرة التي بدأت تزداد على اطراف مدننا كل يوم من جديد.
كوردستان حيث يمتزج الحزن والفرح , والنشوى والالم , والظمأ والارتواء عند اولئك المهاجرين من ابنائنا القابعين على حدود الاوطان الاخرى , وقد هربوا من وطنهم الذي اصبح معسكرا تكبله القوانين العرجاء وانظمة العيش الفاسدة .
انت ....
رفيقة النور والخلود والانعتاق ..
انت رائحة خبز امي والفقراء
والراقدين على حدود الاوطان في
الظلمات
هربا من معسكرات القوانين العرجاء
اسطورة كانت كوردستاننا وشامخة كانت جبالنا , ثم تحللت حروف هذه الاسطورة وتحولت الى صورة رحيل شعب نحو المجهول يثقل كاهله البؤس والبؤساء من ابنائها واصبحت قاب قوسين لتعود الى عهودها المظلمة وتلفظ انفاسها حيث تهب عليها الرياح العاتية . وقد تحولت ارضها الى ارض غربة بالنسبة الى ساكنيها , الحياة فيها من عدمه .
كل هذه الالام وكل هذه المعاناة التي تعاني منها فلا زالت هي , كما هي عطر الشاعر ومرآة لطفولته , ويعتقد ان صمتها وهمسها ان هي الا صرخة مدوية تمنح الروح وتعيد الحياة لتشعل المواقد التي انطفأت وهجرها اهلها , وهي بمثابة الشمس التي توقظ ذاكرته , وبذكراها تهدء النفس وتسكن الاوجاع . وهي ايضا المفتاح الذي يفتح ابواب مدينة الشاعر , تلك المدينة التي يغط سكانها ومواطنوها في سبات عميق واصبحوا يلعقون النعاس والنوم نهارا ويفترشون السهر ليلا ويلهون عقولهم بالعاب الدومينو والبوكر ويشهقون دخان الموت من نراجيلهم , لتنسيهم ضعفهم وعجزهم وخذلانهم لوطنهم حيث تطيح به الازمات والانكسارات .
انت ..
اسطورة رحيل متورمة باثقال
البؤساء...
تلفظين انفاسك رغم صفير ريح
عاتية ..
انت اغتراب ارض لا حياة فيها ,
انت العطر وعدسة انبعاث لطفولة همساتها صرخات مدوية لتمنح الروح
للمواقد المطفأة المهجورة
انت دفء الشمس
توقظ ذاكرتنا ..
وتهدئ اوجاعنا ..
انت مفتاح بوابة مدينتي ....
حيث يغط اهلها في نوم عميق
انهكهم النعاس والسهر ..
ولعبة الدومينو والبوكر ودخان
النرجيلة
في ازمنة الانكسارات والازمات ..!!
كانت قنديلا لثوار الامس ونورا لمنتفضي اليوم الذين لا يبيعون اقلامهم ولا يسخرون يراعهم لازلام السلطة حتى ينالوا من خلالها المناصب والمسؤولية ويحصلوا على الجاه واموال السحت .
ستظل كوردستان طائرا للحرية يحلق فوق ياسمينها ونرجسها حتى في ازمنة الخنوع هذه , وسيستمر انعكاس براءة الطفلة موناليزا الكورد شاهدا على عظمة جمع هذا الشعب بين سكونه وصبره وبين رفضه وانتفاضه ضد الطغاة .
هي ذلك الرداء الذي يحتوي قلب الشاعر وسكاكر الحلوى التي يتمتع بطعمها اطفال فقرائها .
انت ..
سر الامكنة وقناديل الثوار
والاقلام التي ليست للبيع
في مزاد المناصب ..
انت طائر الحرية في ازمنة الخنوع
انت نثار نرجس وياسمين ..
وعسل النمسا وبراءة وتين موناليزا
الكورد..
انت رداء قلبي وحلوى يحلم بها
اطفال الفقراء..
يؤمن الشاعر بان الجبل وشموخه هما هوية كوردستان وستظل هذه الهوية رابضة كالقلادة على صدر تلك الحسناء التي ستعيد احلامها الضائعة لتحكي عن صور الانسانية التي تملأ جعبة ديوان هذا البلد ولتعكس وجهه الحقيقي بعيدا عن الاوهام التي تغلف عقولنا ,وتجمد افكارنا , فيسعى اصوليونا ومنتفعونا وتجار قوتنا وبائعوا دمائنا لاعداء الامس لتمزيق اوصال بلدنا بدعوى اخلاصنا له. حيث يشبّه شاعرنا ذلك بمسرحية بريخت ( دائرة الطباشير القوقازية ) .
انت الجبل والشموخ وهوية الوجود ..
قلادة على صدر حسناء
ضاعت احلامها في مهب الريح !!
انت ..
حكاية ازلية لصور الانسانية
انت ديوان لحكايات صور الحقيقة ,
وهي تصارع الوهم
في دائرة الطباشير القوقازية
ثم يصل الشاعر لمنتهى حبه لوطنه الذي لا ينفك يعيش في وجدانه وتنغمس روحه بحروف كلمات وطنه
انت سحب احلامي واناشيدي وقصائدي
على مر الزمن..
انت غصون شعب وفجر حزن ..
انت نافذة الرحمة لدروب سفري ...
انت مواسم العمر رغم تبدلات المناخ
والمواجهات والصراع
والبحث عن المجهول ..
انت ستظلين انت
عطر الدنيا
كوردستان ..!!
فحتى احلامه واناشيده واشعاره تتدثر بسحاب كوردستانه , وعلى مر ازمانه التي عاشها . ودروب السفر التي سلكها بين الدول وفي منافيه وغربته بين الاوطان , فهي التي كانت النافذة التي يستمد منها الحنان والرحمة وهي المواسم التي مرت على اعماره بما فيها من افراح واتراح , مواجهات ولقاءات , صراعات وسلام , ثم في البحث عن المجهول الذي لا يعرف كنهه , تظل هي الهدف وهي المرام وهي التي يصبو حولها كل ابنائها واولهم الشاعر , لانها عطر الدنيا واريجها فهي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ,
انها كوردستان .. رفيقة الشاعر بدل رفو في منافي العمر بامتياز!!
997 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع