زيد الحلي
شكرا لخطى .. وعذرا لربانها الحطاب !
حين طلب د.علاء الحطاب ، رئيس وربان مؤسسة "خطى" لرعاية رواد الثقافة والفنون في العراق ، من مجموعة ضيوف المؤسسة وكادرها الرائع الذين رافقوه في زيارة مدينة المثنى ، لتكريم الرواد فيها ، في اليوم الاول للزيارة الخميس الماضي ، ان يكونوا مستعدين في غبش الجمعة للذهاب الى بادية السماوة .. وعند سماعنا هذا الطلب ، تململنا وتهامسنا بعدم الرغبة بهذه الجولة الصحراوية ، فالاستيقاظ المبكر جدا ، فيما لا يزال الليل يرخي سدوله ، يحمل صعوبة ، ولاسيما اننا كنا بالأمس ضيوفا على مائدة عشاء اقامها محافظ المثنى السيد مهند العتابي على شرف المؤسسة وضيوفها ، استمرت الى وقت متأخر ..
وبين نوم متقطع ، ونهوض متكاسل في غبش الصباح ، تجمعنا في بهو الفندق لتناول الفطور وسط تثاءب ملحوظ ، وبعد وقت قصير ، كنا في سيارات الدفع الرباعي متجهين الى جوف بادية السماوة .. حيث الطبيعة على سجيتها ، عذراء من غير مكياج ، النوق وأنواع المواشي، تسرح بين الأدغال بحراسة كلاب ، والرمل والحصى المتناثر ، وعيون الماء ترسم لوحات من السحر ، وامام ما ذكرت ، كانت أحاديث البهجة والجمال ، والتناغم الاخوي بين من يستقل عربتنا هي الاجمل ، فمن غمزات ولمزات د. طه جزاع ، الى طرفات الزميل حمزة مصطفى ، الى صياد اللقطات المبهرة الزميل محمد خليل كيطان ، كانت سهام الطرفات التي يطلقها الزميل ستار الشمري ، مثل ضوع الورود .. لقد قضينا ساعات فرحة في المسير الطويل بين الرمال .. عيوننا رأت الفتنة بأجمل صورها .. فها هي الأرض تبعث من مسامات تربتها الوان تتغير بين مدة واخرى ، ، فهذه من حجر اسود، وتلك من رمل لا يختلف عن الزجاج الناعم إلا بلونه الأحمر الفاتح، وتلك تلال خلفها واد ، اما رائحة نبات الصبار الغريبة المتميزة فكانت تملأ الجو..
ونحن في هذه الاجواء ، وبعد نحو 150 كيلو متر قطعناها في السيارة ، بدأنا نلاحظ ان سيارات فريق " خطى" وبقية الضيوف ، تتجه الى تلة بُنيت عليها ما يطلق عليه ( القلعة) وهو سجن كبير من طابقين ، وقد تجولنا في اروقته المهجورة ، ثم توجهت الارتال الى موقع سجن ( نكرة السلمان) سيء الصيت .. وكان معنا ، ضمن المجموعة الشاعر ناظم السماوي ، الذي كان سجينا فيه ، وهذا السجن تم انشاؤه في العام 1928 ، وضمت جدرانه عدد من السياسيين المعارضين للحكم الملكي ، وقد حدثنا عنه السماوي بإسهاب ، ومن الغريب ان هذا السجن ، كانت ابوابه تفتح للسجناء ليلا ، ومن سوء حظ السجين ان يفكر بالهرب لأنه سيكون طعاما سائغا للذئاب الجائعة ، اما الطعام الذي يفدم للسجناء ، فلم يكن يتجاوز حساء اغلبه ماء مغلي وبقايا قشرة البصل . كانت جدران السجن خير مرآة لمعاناة السجناء ، فعليها خطوط السجناء التي تحمل ما كانوا يشاهدونه في هذا السجن الرهيب ، وعبرت عن حجم مأساتهم الانسانية ، فقد كتب احدهم ما يلي : ( في الوقت الذي لا نجد هنا ما نعتاش عليه ، فان القمل يعتاش علينا )
جولتنا بين ارجاء " نكرة السلمان" اكدت لي عظمة الحرية وقدسيتها ، فالحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس... ومع انتهاء الجولة ، توجهت بنا السيارات الى فضاء بلا مدى ، فبادية السماوة ومساحاتها الصحراوية ما يقرب من 90% من مساحة المحافظة الكلية البالغة أكثر من خمسين ألف كيلومتر مربع .. وبعد نحو مسير ساعة ، توقفنا في واحة ظليلة ، وفيها وجدنا خيمة كبيرة ، و على مبعدة امتار قليلة عنها ، لاحظنا عدة اشخاص ، يعدون طعاما ... وما الذ السمك المسكوف ، وقوزي اللحم اللذيذ ، والرز المهيل وخبز التنور الطيني ، وانواع الفاكهة ، والانتهاء بالقهوة العربية .. ثم قفلنا عائدين الى الفندق الجميل حيث مقر اقامتنا ، وفي نفوسنا كمية هائلة من كلمات الاسف ، لأننا لم نقدر اهمية زيارتنا لبادية السماوة ، ففعلا كانت من احلى سفرات العمر، فعذرا.. نقولها للدكتور علاء الحطاب ، رئيس مؤسسة "خطى"
وكان السبت الماضي ، آخر مطاف فعاليات المؤسسة ، بل هي الفعالية الاهم ، حيث تم تكريم عشرة من ادباء وصحفيي وفناني محافظة المثنى من الرواد ، وسط احتفالية رائعة حضرها محافظ المثنى ، واركان المحافظة ..
كلمة لابد منها : ان مؤسسة " خطى" تقوم بدور فاعل ، وفعال في تعزيز مكانة الرواد في المجالات الثقافية بمختلف اوجهها ، بإمكانيات ذاتية ، ودواعي وطنية ، وعلينا ان لا ننسى ، ان اصحاب المبادرات بشر ، وعندما يشعرون بالاهتمام من الجهات الحكومية بما يقومون به من عطاءات تنمي الثقافة ، وتعزز روح الامل في نفوس الرواد ، فلاشك أنّ هذا يترك أثرا إيجابيا عليهم والعكس صحيح ، وما أعنيه أن كثيرا من أصحاب المبادرات والتميز قد لا يواصلون مشوارهم ، لا سامح الله ، لأنهم لم يجدوا الدعم المادي والمعنوي، وبالتالي يفقد وطننا طاقات مهمة في البناء المجتمعي .
918 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع