الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
عالم الاتصالات وقصته.. الجزء الرابع
تُعد الإذاعة من أهم الوسائل الصوتية المسموعة، وقد لعبت دورا هاما في حياة الشعوب، وكانت أول إذاعة بُثت برامجها عام 1906.
يرجع اكتشاف التلغراف اللاسلكي (الراديو Radio) للإيطالي غوليلمو ماركوني والألماني كارل فرديناند براون اللذان تقاسما جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1909. وكان يوم ذلك الاكتشاف يوما عظيماً في تاريخ الاتصالات اللاسلكية.
لقد بدأ البث الإذاعي مطلع العشرينيات من القرن العشرين في الكثير من البلدان، ففي كندا انطلق أول بث نظامي عام 1920، وفي أستراليا افتتحت أول محطة في ملبورن Melbourne عام 1921، وفي إنكلترا أُحدثت شركة البث البريطانية BBC عام 1922، وفي فرنسا بدأ أول بث منتظم من برج إيفل Eiffel في العام نفسه، وتزامن ذلك أيضاً مع بداية البث في الاتحاد السوفييتي السابق. ومع نهاية عام 1923 كانت قد أسست محطات بث إذاعي في كل من بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا السابقة وألمانيا وإسبانيا، ثم في فنلندا وإيطاليا في عام 1924 والنرويج وبولونية والمكسيك واليابان في العام 1925 والهند في العام 1927، ثم بقية الدول تباعاً.
إذاعة قصر الزهور:
إذاعة قصر الزهور هي أول إذاعة في العراق وقد انشأها الملك غازي ونصبها في (قصر الملح) في أبو غريب لمقارعة الإنكليز. وكان يشرف على إدارة الإذاعة الملك غازي نفسه، كما كان الملك غازي يتولى مهمة مذيع المحطة في بعض الفترات.
وفي يوم الخامس عشر من حزيران 1936 كان موعد الافتتاح الرسمي لتأسيس الإذاعة، وحصلت تلك الإذاعة على موجة دولية من اتحاد البث اللاسلكي العالمي في سويسرا، وسُجلت في جمعية هواة اللاسلكي بأمريكا كمحطة هواة باسم (YounG IRAQ 5 KING Chazi)؛ أي (العراق الحديث رقم 5 الملك غازي).
لقد كانت تلك الإذاعة في بدايتها تبث الموسيقى فقط على موجتين مخصصتين للهواة في عالم اللاسلكي، وهما الموجتين 21 م و42 م. ولم يكن للإذاعة طابع سياسي أو دعائي، وقد اهتم الملك غازي بمتابعتها، وتطويرها وتحسينها.
وبعد مدة طلب الملك تحويلها إلى إذاعة خاصة وأعطاها أسم (إذاعة قصر الزهور) وأصبحت تبث الأغاني والأخبار، وبدأت تجتذب المستمعين لها من الشعب العراقي لأنها كانت إذاعة متحررة من قيود الرقابة الحكومية.
من أشهر المذيعين الذين عملوا في (إذاعة قصر الزهور) الرحالة العراقي الشهير يونس بحري (1900-1979) الذي كتب عن ذكريات عمله كمذيع في إذاعة قصر الزهور قائلا: "كنتُ أذيع تعليقا سياسيا عن الوضع في فلسطين وما يعانيه أهلها من عنت اليهود وطغيان البريطانيين، وبعد الانتهاء من التعليق طلبني على الهاتف رجل لم يذكر اسمه، وقبل ان أسال من المتكلم، انهالت عليَّ التوبيخات والشتائم، وبعد أن هدأ الصوت من حدته آخذ المتكلم يردد، آه لو كانت لدي إذاعة لأريتكم كيف تذيعون، ما هذه الميوعة المشينة في مخاطبة البريطانيين؟!".
لقد كان المتكلم الثائر هو (الملك غازي نفسه)، وكانت (إذاعة قصر الزهور) هي السبب في تدبير حادث سيارة مزعوم لقتل الملك غازي في ليلة الخامس من نيسان 1939.
ثم كانت إذاعة بغداد، وهي ثاني محطة اذاعية سُمِع صوتها في الوطن العربي بعد إذاعة القاهرة، حيث اُفتتحت رسميا يوم الأربعاء الأول من يوليو/تموز 1936، وكانت تُسمّى في أواخر الأربعينات (محطة بغداد للإذاعة اللاسلكية).
لقد كان افتتاح الإذاعة في بغداد حدثا تاريخيا، وكان بحضور الملك غازي، كما كان تحولًا سياسيًّا واجتماعيًّا مهمًّا وقتئذ، في ظل محدوديَّة التقنيات وشحّ اطلاع الناس على الموجود منها.
ففي ذلك اليوم ترك الناس بيوتهم وتجمهروا في الساحات العامة التي نُصبت فيها أجهزة الاستقبال لمشاهدة بداية هذا الإنجاز المثير. وزحفت جموع من الرجال والنساء والأطفال إلى منطقة الصالحية في بغداد ليشاهدوا المحطة التي ترسل ذلك الكلام والغناء والموسيقى، لكنهم لم يشاهدوا سوى مبنى صغير يقف شرطي واحد على بابه ولا شيء غير ذلك. ولم تكن المحطة سوى غرفة المدير واستوديو للمذيعين وآخر للموسيقى والغناء والقرآن الكريم، وكانت الإذاعة تذيع ثلاث مرات في الأسبوع أيام السبت والاثنين والخميس ساعة في الصباح وساعة في المساء وكانت مرتبطة بوزارة الأشغال والمواصلات.
لقد أسهم افتتاح الإذاعة في بغداد في شدّ الانتباه وأدّى لاحقا إلى نقلة كبيرة في الوعي الاجتماعي، وقد ساعدت الإذاعة على ربط العراق بمحيطه وبالعالم أجمع، وأنجزت كثيرا من النشاطات الإبداعية، وعززت أواصر التعليم، وجعلت المواطن العراقي ينظر بكثير من الشغف إلى دوره في المجتمع البشري.
https://www.youtube.com/watch?v=vV3AwmdqGG0
تلفزيون العراق:
تأسست أول محطة تلفزيون في العراق، وهي الأولى على مستوى الدول العربية، بعدما أهدت شركة بريطانية متخصصة محطة كاملة للعراق في العام 1956، ومنها انتشر التلفزيون في البلاد ببرامج منوعة وإدارات مختلفة وشاشة باللونين الأبيض والأسود، ثم الملون.
ففي العام 1956 حضرت شركة (باي) البريطانية للمشاركة في المعرض البريطاني التجاري في منطقة كرادة مريم ببغداد قرب الإذاعة، وكان من بين معروضاتها منظومة بث تلفازي باللونين الأسود والأبيض مع استديو تلفزيون، مما شَدَّ انتباه الملك فيصل الثاني الذي افتتح المعرض وطلب شراء المعدات من الشركة ونصبها في موقع الإذاعة في (البنگلة). لقد صارت (البنگلة) لاحقا مقرا لتلفزيون بغداد الذي يُعد أقدم محطة تلفاز في الشرق الأوسط والوطن العربي، وكان عدنان راسم النعيمي أول مدير للتلفزيون، فيما كانت صبيحة المدرّس أول مذيعة على الشاشة الصغيرة في بلاد الرافدين.
لقد جاءت الجزائر في المرتبة الثانية حيث بثت أرسالها في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1956 بمصلحة بث محدودة الإرسال كانت تعمل ضمن المقاييس الفرنسية عندما كانت تحت سيطرة الاستعمار الفرنسي، ثم تلتها مصر في المرتبة الثالثة عام 1959.
لقد واجهت الحكومة العراقية صعوبة في شراء المحطة بسبب معوقات مالية وفنية، وكان ثمن المحطة 65 ألف دينار، وهذا المبلغ يساوي تقريبا موازنة الإذاعة العراقية لسنة كاملة، وفي النهاية قررت الشركة البريطانية تقديم محطة التلفزيون هدية للحكومة العراقية.
لقد كانت المحطة مكونة من 3 كاميرات وآلة سينما حجم 16 ملم، وقد تم نصب المحطة في دار الإذاعة بمقرها الحالي، وارتفعت السارية التي تمكنت من إيصال البث إلى مدى 30 کم من بغداد.
لقد وُزعت بعض أجهزة التلفاز في مناطق ومحلات معينة في بغداد، لكي يتمكن الجمهور من مشاهدة البرامج والتعرف على "الجهاز العجيب"، ومن بين الأجهزة سيارة بث خارجي يمكنها نقل الأحداث التي تهم الجمهور من أي مكان في العاصمة العراقية.
لقد أدهش التلفزيون الناس وأثار انتباههم وغيّر نمط حياتهم، إذ جمع الأسرة ووحد المواقف وتصدّر المجالس، ثم أسقط حكومات وغيّر آراء واتجاهات. وعلى الرغم من وصول التلفزيون إلى العراق في منتصف خمسينيات القرن العشرين، فإن انتشاره على نطاق واسع في أرجاء البلاد بدأ في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات.
ثم كان دخول التلفاز الملون إلى العراق عام 1976م، وكان العراق أول دولة عربية قدمت التلفاز الملون، إذ شهد نظام التلفاز الملون فيها وفق نظام سيكام الفرنسي وكانت برامج الأطفال هي أولى المواد التي عرضت عليه بالألوان.
لقد أنتجت شركة الصناعات الالكترونية العراقية التلفزيون الملون حجم (26) بوصة ماركة (EIC) وقامت بتوزيع التلفزيونات الملونة على المقاهي الكبيرة في جميع المدن العراقية ومن ضمنها الموصل ليشاهد الناس البث الملون مع بداية ظهوره في العراق.
لقد كان أول مدير لقناة عراقية هو عدنان أحمد راسم النُعيمي، ومن المذيعون الرواد فيها سعاد أحمد عزت وإبراهيم الزبيدي وأمل المدرس.
لقد تميّز التلفزيون العراقي بعدد من البرامج الأسبوعية المُميزة، منها: (العلم للجميع) للأستاذ كامل الدباغ، و(الرياضة في أسبوع) للأستاذ مؤيد البدري، و(السلامة العامة) لعقيد المرور ابتهاج الياور، و(عدسة الفن) لخيرية حبيب.
تلفزيون الموصل:
بدأ تلفزيون الموصل البث رسميا يوم 26 شباط سنة 1968 وجرى افتتاح محطة تلفزيون الموصل يوم 28 شباط سنة 1968 برعاية الفريق طاهر يحيى رئيس الوزراء والذي أناب عنه الدكتور مالك دوهان الحسن وزير الاعلام. وفي بداية التسعينات ارتبط تلفزيون نينوى بالبث المركزي لتلفزيون العراق.
لقد كان البث يبدأ في الساعة السادسة مساء وبمعدل ست ساعات فضلا عن البث أيام العطل الرسمية والجمع والاعياد حيث يستمر البث الصباحي بمعدل ست ساعات اضافية.
لقد كانت برامج التلفزيون هادفة تجمع بين طياتها أفلام الكارتون وبرامج ولقاءات ومسلسلات محلية وعراقية ومصرية مثل (تحت موس الحلاق) و(بنت الحته) و(رأفت الهجان و(الشهد والدموع) و(خيّال المآتى). وكانت هذه المسلسلات تجمع شمل الاُسر، وكان الجميع يحرص على متابعتها.
لقد تولى إدارة تلفزيون الموصل عدد من المدراء كان أولهم محمد كريم رمضان وتولى من بعده عبد الجبار أحمد ثم إبراهيم الدوري ثم طارق علوان ثم أمجد محمد سعيد ثم معد الجبوري 1989 حتى 9 نيسان حين توقفت محطة تلفزيون الموصل سنة 2003.
ومن الأسماء التي اشتهرت في تلفزيون الموصل نورالدين حسين الذي كان يعمل مصورا ومخرجا، سعد البزاز، عصام عبد الرحمن، واثق الغضنفري، حسن فاشل، نجم الدين عبد الله، عبد الواحد إسماعيل، محمد الزهيري، واثق الأمين، عبد الله جدعان، مثنى إبراهيم، جسام فاضل، رائد معد، جمال عذاب، إبراهيم الحلو، صباح إبراهيم، محمد المهدي، أمجد كريم، فرقد ملكو وآخرون.
لقد تعرض المجمع الاذاعي والتلفزيوني في محلة الفيصلية للقصف خلال حرب الخليج الثانية 1991 ودُمرت البناية وانتقلت المديرية إلى بناية المتحف واستطاع المخلصون بعد ذلك من تعمير المجمع أواخر التسعينات واقتصر تلفزيون نينوى بعد التدمير على متابعة الاخبار المحلية.
763 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع