المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
الزنا واعظمه الزنا بالمحارم - الجزء الأول
المقدمة
يعتبر الزنا من اقدم الظواهر الاجتماعية اللاخُلقية التي رافقت البشرية والنظر إليه يختلف باختلاف الشعوب وحسب مفاهيمها الأخلاقية المستمدة من طبائعها وتقاليدها وأديانها ومذاهبها ومعتقداتها المختلفة على مر العصور والزنا بالمحارم يعد رذيلة من الناحية الأخلاقية وإثما من الناحية الدينية وعيبا و عاراً من الناحية الاجتماعية وهناك إجماع في كافة الشرائع السماوية والسواد الأعظم من التشريعات الوضعية على تحريمه لكونه فعل بالضد من الفطرة الإنسانية السليمة وتعافه الأخلاق القويمة وتترفع عن إتيانه حتى الكثير من الحيوانات.هذا الفعل ولا نجانب الحقيقة حين نقول بأن وجوده مع وجود البشرية وفي كافة مراحله وكانت هذه الممارسة شائعة لدرجة كبيرة بين الأسر الملكية القديمة، كالفراعنة في مصر فكثيرا ما كان الملك يتزوج من أخته أو من ابنته والقناعة في ذلك هو أن يبقى الدم نقياً خالصاً من الشوائب الغريبة كما تشير المصادر التاريخية بأن ملك إسبانيا (كارلوس الثاني) كان مصاباً بإعاقة جسدية ونفسية نتيجة قرون من زواج الأقارب في (آل هابسبورغ) التي أدت لولادته ناقصاً لقواه العقلية والجسدية.
ملك إسبانيا - كارلوس الثاني
بعض القبائل في جنوب الهند وأستراليا كان الأخ الأكبر يتزوج باسمه وباسم إخوته مهما كان عددهم والأخوة يشتركون معه بنفقات الزواج والمراسيم وكل من يود بعد ذلك مواقعة الزوجة يتوجب عليه أن يضع على باب الخيمة علامة خاصة به تدل على وجوده في الداخل وعندما تلد المرأة فإن الطفل ينسب للأخ الأكبر فهو والده وبقية الأخوة هم أعمامه، وفي الجزيرة العربية قبل الإسلام كانت هناك أنواع وصور من النكاح يدخل ضمن تصنيف زنا المحارم ومن ذلك... (نكاح الرهط الأخوي) وهو اشتراك عدة إخوة في زوجة واحدة كما وكان هناك أيضا نكاح (المقت) وفيه ينكح اكبر الأولاد امرأة أبيه عند وفاة الأب إن هذه الجريمة التي ازدادت بدرجة ملحوظة وتناقلتها وسائل الإعلام المختلفة المقروءة منها والمسموعة والمرئية وظهرت في جميع طبقات المجتمع تنذر بعواقب وخيمة وخطيرة على الأسرة والمجتمع بأسره لما فيه من الحاق الأذى والقطيعة والاعتداء على الرحم المأمور بصلتها وضياع الأنساب وانتهاك الحرمات، إن الزنا بالمحارم يصيب الإنسان السوي بالنفور والاشمئزاز لأن الفطرة التي فطر الله الناس عليها تأبى هذا الفعل تماماً. هذه الجريمة البشعة ونتائجها المدمرة على الأسرة والمجتمع دفعني لاختيار بحثي هذا والكتابة فيه معتمداً على ما كتبه من سبقوني من الأفاضل والخيريين الذين أشرت الى كتاباتهم وأنا ممتن لهم جهودهم في التحذير من مخاطر هذه الظاهرة وبيان عواقبها وتداعياتها على البشرية جميعاً وسأتناول مفردات البحث بالشكل التالي: -
• المقدمة
• تعريف الزنا بالمحارم
• تحديد المحارم
• زنا المحارم والحجم الحقيقي للظاهرة
• العوامل المؤدية الى الزنا بالمحارم
• العوامل الفردية الشخصية
• العوامل البيئية الخارجية
• مكافحة الزنا بالمحارم
• الوسائل الوقائية
• الوسائل العقابية
• موقف الشريعة الإسلامية
• موقف القانون الجنائي العراقي
• الأمثلة على وقائع الزنا بالمحارم
• الخلاصة
تعريف الزنا بالمحارم
هناك اختلاف في تعريف الزنا بالمحارم اصطلاحا في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي ففي الشريعة الإسلامية نجد أن تعريف الزنا يختلف من مذهب الى آخر إلا أنه يمكن استخلاص تعريف عام للزنا بالمحارم وهو (اتصال جنسي بين الرجل وإحدى محارمه وسواء أكان مرتكبه متزوجاً أم غير متزوج) أما جريمة الزنا في القانون العراقي فله معنى اصطلاحي خاص به لا يشمل كل الحالات التي يطلق عليها هذا الاسم في الشريعة الإسلامية التي تعطي هذا الوصف لكل علاقة جنسية بين رجل وامرأة خارج الرابطة الزوجية أي أن فعل الزنا في الشريعة الإسلامية عام شامل العلاقة الجنسية غير الشرعية سواءً كان الزاني متزوجاً أو غير متزوج فكل اتصال جنسي كامل بين الرجل وامرأة بشروط خاصة هو زنا.
فوصف الزنا في القانون قاصر على حالتين هما: -
الأولى – جريمة زنا الزوجية التي وردت في حكم المادة (377 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969)
1- يعاقب بالحبس الزوجة الزانية ومن زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من جانبه انه لم يكن في مقدوره بحال العلم بها.
2- يعاقب بالعقوبة ذاتها الزوج إذا زنا في منزل الزوجية.
لذلك فان فعل الزنا لا يشكل جريمة في القانون مالم يكن أحد الطرفين متزوجاً وهناك تعاريف عديدة لجريمة زنا الزوجية اخترنا منها التعريف التالي (اتصال أحد الزوجين بغير زوجه بعلاقة جنسية غير مشروعة) ويلاحظ بأن المشرع العراقي قد فرق دون مبرر في تعامله مع الزوج الزاني والزوجة الزانية حيث اعتبر الزوجة مقترفة لجريمة الزنا في أي مكان زنت فيه بينما خص الزوج برعاية خاصة وسمح له إن رغب بالزنا في أي مكان يختاره دون أن تطاله أحكام هذه المادة باستثناء منزل الزوجية، المجلس الوطني لكردستان العراق وبموجب القانون رقم (9 لسنة 2001) عدل هذه المادة واستبدلها بمادة تساوي بين الزوج الزاني والزوجة الزانية وفي أي مكان ترتكب فيه هذه الجريمة وأصبحت الفقرة الثانية كالآتي (يعاقب الزوج الزاني ومن زنا بها بالعقوبة الواردة في الفقرة (1 من المادة 377).
الثانية – جريمة الزنا بالمحارم والذي تناولته المواد (385,393,394,369,397) من قانون العقوبات رقم (111 لسنة 1969) يمكن تعريفه (هو أي نشاط جنسي يكون بين شخصين من نفس العائلة تربطهما صلة القرابة تمنع العلاقة الجنسية بينهما) أما الحالات الأخرى والتي تدخل ضمن تصنيف جرائم الزنا في الشريعة الإسلامية فترد في متن المواد آنفة الذكر في قانون العقوبات العراقي بصيغة المواقعة أو الاعتداء على العرض أو الاغتصاب.
تحديد المحارم: -
تحديد المحارم في الشريعة الإسلامية يتقارب مع التحديد القانوني منها بسبب كون الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي من مصادر القانون العراقي، فالمحارم هُن النساء اللواتي لا يحل نكاحهن على التأكيد استدلالا بقوله تعالى في سورة النساء ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ حدد قانون الأحوال الشخصية في العراق الرقم (118 لسنة 1959) أسباب التحريم المؤبد والمؤقت وحسب المواد التالية الواردة فيه:
المادة الثانية عشرة / يشترط لصحة الزواج أن تكون المراءة غير محرمة شرعاً على من يريد الزواج بها.
المادة الثالثة عشرة / أسباب التحريم قسمان: مؤبدة ومؤقتة، فالمؤبدة هي القرابة والمصاهرة والرضاعة. والمؤقتة الجمع بين زوجات يزدن على أربع وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثاً وتعلق حق الغير بنكاح أو عدة، وزواج احدى المحرمين مع قيام الزوجية بالأخرى.
المادة الرابعة عشرة/
1- يحرم على الرجل أن يتزوج من النسب أمه وجدته وان علت وبنته وبنت ابنه وبنت بنته وان نزلت، واخته وبنت أخته وبنت أخيه وان نزلت، وعمته وعمة أصوله وخالته وخالة اصوله
2- ويحرم على المراءة التزوج بنظير ذلك من الرجال.
المادة الخامسة عشرة/ يحرم على الرجل أن يتزوج بنت زوجته التي دخل بها وأم زوجته التي عقد عليها، وزوجة أصله وإن علا وزوجة فرعه وان نزل.
المادة السادسة عشرة/ كل من تحرم بالقرابة والمصاهرة تحرم بالرضاع إلا فيما استثنيَ شرعاً.
المادة السابعة عشرة/ يصح للمسلم أن يتزوج كتابية، ولا يصح زواج المسلمة من غير المسلم.
المادة الثامنة عشرة / إسلام أحد الزوجين قبل الآخر تابع لأحكام الشريعة في بقاء الزوجية أو التفريق بين الزوجين، يتضح من قراءة المواد أعلاه من أن المحرمات نوعين حرمة مؤبدة وحرمة مؤقتة والذي يهمنا في هذا البحث الحرمة الأولى وتشمل محرمات بسبب القرابة (النسب) وثم المحرمات بسبب المصاهرة والقسم الثالث المحرمات بسبب الرضاعة
الزنا بالمحارم والحجم الحقيقي للظاهرة
هذه الجريمة تقع في نطاق الأسرة وبشكل مغلق وترتكب في الخفاء واحياناً برضا الطرفين ويصعب تحديد الحجم الحقيقي لهذه الظاهرة ورغم ذلك يجب الاعتراف بوجودها وهي تبدوا في الظاهر قليلة، ولكنها في الحقيقة كبيرة جدا ولابد أن نتطرق الى أسباب صعوبة تحديد الحجم الحقيقي للظاهرة وهي عدة أسباب: -
1- العزوف عن الإبلاغ عندما تكون الفتاة شابة ليست لديها القوة الكافية لمواجهة المعتدي أو حين يكون كِلا الطرفين مسئولاً جنائياً عما حدث وبالتالي يحرصان على إبقاء الأمر سراً.
2- التقدم العلمي والاكتشافات الطبية مثل أقراص منع الحمل ووسائله التي منها العازل الطبي للرجال واللولب للنساء وقد ساهمت هذه الوسائل في بقاء عدد كبير من جرائم زنا المحارم في طي الكتمان لعدم حدوث الحمل.
3- الأسباب الاقتصادية كأن يكون الجاني هو العائل الوحيد للأسرة فان الإبلاغ عما ارتكبه سيؤدي الى القبض عليه فتكون النتيجة أن تفقد الأسرة معيلها.
4- الأسباب الاجتماعية وفي مقدمتها نظرة الاستنكار الاجتماعي لزنا المحارم والناشئة عن عدم تصور المجتمع لإمكانية إقدام أحد على إقامة علاقة بواحدة من محارمه والأسرة تفضل عدم الإبلاغ لأن الفضيحة تصيب الأسرة كلها.
5- طبيعة القوانين الموجودة والتي تشدد العقوبة على مرتكب هذه الجريمة أو لا يوجد فيها ذكر نص صريح لزنا المحارم وإنما يعاقب باعتباره اغتصابا وفي بعض القوانين لا تعاقب الفتاة عن جريمة الزنا التي تجاوزت الثامنة العشرة من العمر وثبت إنها كانت راضية.
حجم الظاهرة في الدول المختلفة في القارات الأربع
أولاً – الولايات المتحدة الأمريكية وكندا
في عام (1974) أجريت دراسة تبين أن (15%) من أفراد العينية اعترفوا بأنهم كانت لهم علاقة جنسية مع أقارب كان أكثرهم من الأخوة والأخوات وفي عام (1954) قدر الباحث (ستارك) العدد الإجمالي لزنا المحارم بانها تتراوح بين (48) الف حالة و (250) الف حالة إلا أن هذا الرقم يفتقر الى الدقة وفي استفتاء أجرته صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) عام (1985) والذي شمل عينة من (2626) رجلا وامرأة وكانت النسبة (27% و 16%) من الرجال أجابوا أنهم كانوا ضحايا لاعتداء جنسي وقع عليهم وبالتطبيق على تعداد السكان في ذلك الوقت يتضح أن (38) مليون بالغ تقريباً كانوا ضحايا لاعتداء جنسي وقع عليهم في طفولتهم، ومن الملاحظ أن جرائم المحارم تزداد مع الأيام ففي عام (1988) تبين أن فتاة من بين ثلاثة فتيات يعتدى عليها جنسيا مقابل ولد واحد من كل سبعة أولاد. ومن اهم الأبحاث التي أسفرت عن نتائج بالغة الأهمية بحث أجرته (rassal) على أكثر من (900) امرأة تم اختارهن عشوائيا في طفولتهن فكانت إجابة (28%) منهن أنهن اعتدي عليهن جنسيا من أقارب بالغين أو من معارف الأسرة وان خمس حالات فقط من كل الحالات هن اللاتي أبلغن الشرطة، وأخيرا نود أن نشير الى ما نشرته صحيفة (الهيرالدترييون) الأمريكية في عددها الصادر في (29/6/1979) ملخصاً لأبحاث قام بها مجموعة من القضاة والأطباء الأمريكيين حول ظاهرة الزنا بالمحارم ووجهة نظر البعض منهم الى هذه الظاهرة وقبولها، إذ يشير هؤلاء الباحثون إلى أن هذا الأمر لم يعد نادر الحدوث، وإنما هو منتشر لدرجة يصعب تصديقها، فهناك عائلة من كل عشر عائلات أمريكية يمارس فيها هذا الشذوذ، والأغرب من هذا أن الغالبية العظمي (85%) من الذين يمارسون الزنا بالمحارم هم من العائلات المحترمة في المجتمع والناجحة في أعمالها، وهم ليسوا من المجرمين ولا من العتاة، وإنما هم في غالب الأحوال فنانين ورجال أعمال ناجحين في أعمالهم وحياتهم؛ ويشير الباحثون إلى أن (حالة واحدة من بين عشرين حالة) هي التي تصل إلى القضاء أو إلى الدوائر الطبية، ومعظم الحالات هي اعتداء الأب على ابنته، ولا يقتصر الاعتداء على الابنة البالغة، وإنما حصلت حالات كثيرة من اعتداء الأب على طفلته الصغيرة ابتداء من سن (ثلاثة أشهر) إلى سن البلوغ، ورافق ذلك تسجيل عدة (حالات حمل) نتيجة اعتداء الأب على ابنته، أما العلاقة بين الأخ واخته فيعتبرها الباحثون شاذة ولكنها ليست بذات ضرر وينبغي أن لا يهتم بها الوالدان إذا لاحظوها، بل يتركوها للزمن فهو كفيل بمعالجتها!! ولا يعتبرون أن في ذلك أية إساءة!! وحول علاج ذلك يشير الباحثون إلى ضرورة ألا ينام الأطفال مع والديهم في نفس السرير، والعمل على عزل الأولاد عن البنات، كما أن على الوالدين أن يتجنبا إقامة علاقات جنسية أمام أطفالهم (وهذا شبه شائع في أوربا وأمريكا الآن)، وفي مجلة (التايم) الأمريكية الصادرة في ( 14 أبريل 1980) ينقل عن باحثان آخران قولهما (بينما استطاع المجتمع الأمريكي التغلب على مشكلة الدين فلا ينظر إلى الإنسان بأنه مارق إذا خالف دين المجتمع، فأنه للأسف حتى الآن لم ينظر المجتمع بنفس التسامح لمن يقوم بنكاح أخته أو أمه أو ابنته) ويضيفان أيضاً (لقد أن الأوان لكي نعترف بأن الزنا بالمحارم ليس شذوذاً ولا دليلاً على الاضطراب العقلي نعم في الواقع قد يكون الزنا بالمحارم وخاصة بين الأطفال وذويهم أمراً مفيداً لكليهما!!) أما في كندا فتتقارب نسبة وقوع زنا المحارم مع نسبتها في الولايات المتحدة الأمريكية.
أمريكا الجنوبية
في أمريكا الجنوبية يعترف العلماء بوجود عدد هائل من النشاط الجنسي غير المشروع، ولكن لا تتوفر بيانات إحصائية دقيقة عنه، وفي اعتقادي أن نسبة هذا النشاط الجنسي (الزنا بالمحارم) في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وباقي دول أمريكا الجنوبية يتساوى مع نسبته في الولايات المتحدة إن لم يتجاوزه.
ثانياً – أوروبا
الإحصاءات السنوية للجريمة في بريطانيا يشير الى أن جرائم الزنا بالمحارم تضاعف عددها في الفترة ما بين (1940-1961) فما تم إبلاغه للشرطة في عام (1940) هو (101) جريمة فقط أما ما تم إبلاغه للشرطة في عام (1955) بلغ (293) جريمة ارتفعت عام (1961) الى (335) جريمة مع العلم بأن المجتمع البريطاني كان ينظر الى زنا المحارم نظرة احتقار مما ينعكس بلا شك على ما تم إبلاغه للشرطة ولكن بالرغم من هذه النظرة الى أنه ونتيجة رصد حالات زنا المحارم في فرنسا والكشف عن أرقام كبيرة تستدعي وضع خطة حكومية عاجلة لمحاربة هذه الظاهرة جاء ذلك في تقرير اللجنة المستقلة في تشرين الثاني (2023) حول زنا المحارم وحسب تقديرات اللجنة فإنها تشير الى تعرض حوالي (160) الف طفل لاعتداء زنا المحارم سنويا في فرنسا، بينما تحدث تقرير اللجنة عن وجود نحو (5.5) ملاين ضحية بالبلاد وقال التقرير أن أغلبية الضحايا من الإناث (9 من اصل 10 ) ومتوسط عمر الضحايا الآن (44) عاماً وواحدة من اصل (4) ضحايا تعرضت للاعتداء الجنسي وعمرها كان لا يتجاوز وقتها (5) سنوات وتحدث التقرير عن تفاصيل معاناة الضحايا مع التأثيرات السلبية للاعتداءات الجنسية على صحتهم النفسية والبدنية حيث يعانون من اضطرابات ومشاكل نفسية وصحية كثيرة وقد حاول الكثير منهم الانتحار ومعاناتهم تستمر معهم طيلة حياتهم. إلا انه لوحظ زيادة في الجرائم الجنسية ففي عام (1961) بلغت نسبة الجرائم الى (12.13) جريمة جنسية وهي أيضا لا تعبر بدقة عن الزيادة في الجرائم الجنسية لأن أغلبها لا يصل الى علم الشرطة وفي الدول الأوروبية أيضا لا توجد بيانات متاحة وتعبر بشكل دقيق عن حجم هذه الجرائم.
ثالثاً – آسيا
ونأتي في الحديث عن الهند حيث خلص أحد الباحثين الى أن زنا المحارم فيها يعتبر القاعدة وليس الاستثناء واليابان يصعب الحصول على معلومات دقيقة عن الحياة الجنسية لليابانيين والملاحظ فيها تفشي ظاهرة زنا المحارم بين الأم والابن حيث تصل الى (29%) يورد أحد الكتاب بعض المقولات الدالة على تفشي هذه الظاهرة مثل قول الأم لابنها (لن تستطيع أن تتذكر دروسك إن لم تمارس الجنس يمكن أن تستخدم جسدي).
رابعاً – أفريقيا
تشير الإحصاءات الى أن زنا المحارم في جنوب أفريقيا تبلغ (70% الى 80%) من إجمالي الجرائم الجنسية الواقعة في هذه الدولة ويعتقد البعض بتجاوز هذه النسبة ولا يختلف الحال في الدول الأفريقية الأخرى لتشابه ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
خامساً – الدول العربية
بالرغم من كون كل شعوب هذه الدول تدين بالدين الإسلامي وتستوجب أن تكون زنا المحارم فيها بنسبة ضئيلة مع نسبتها لدى الشعوب الأخرى لما للدين الإسلامي من تأثير رادع على مقترفي هذه الجريمة النكراء والعقوبات المقررة لها شرعاً وقانوناً في تلك الدول وهنا لابد أن نشير الى كتاب الدكتور (احمد المجدوب) والذي هو يعنوان (زنا المحارم...الشيطان في بيتنا) ويكاد يكون الكتاب الأول الذي يتناول دراسة جريمة الزنا بالمحارم بشكل مسهب ودقيق في العالم وفي منطقتنا ويعرض لمدى انتشار الظاهرة في مصر والصعوبات التي تواجه تحديد حجمها ولكنه يوكد حدوثها بدليل إجابات اكثر من مائة من ضباط الشرطة في مصر حيث قال معظمهم ...انهم صادفوا إثناء عملهم حالات كثيرة من الزنا بالمحارم ولكنهم كانوا يحفظون التحقيق حفاظا على الأسرة وهذه الإجابات لا يمكن الاعتماد عليها لتحديد الظاهرة في مصر كما إن الإحصاءات الرسمية أيضا لا يمكن الاعتماد عليها حيث يتم تسجيل أغلب الحالات تحت اسم مغاير لزنا المحارم. مثل الاغتصاب أو هتك العرض أو الزنا بالمفهوم العام ويشير الى تقرير نشر في لندن يشير الى حجم هذه الظاهرة في مصر حيث يذكر بوجود أسرة واحدة من بين كل أربع اسر يقع فيها زنا المحارم أي ربع الأُسر المصرية يوجد فيها زنا المحارم وطبقا لتعداد (1996) في مصر يوجد (مليون ومئتان واثنان وسبعون ألفاً وتسعمائة وأربعة وتسعون) حالة زنا محارم لأسباب عدة منها أزمة السكن والتأخير في سن الزواج ووسائل الإعلام ودورها السلبي في تأجيج الشهوات الجنسية لدى الجنسين. ولقد ركزنا على حجم الظاهرة في مصر على ضوء واقعها الاقتصادي والاجتماعي وربما تكون أحجام هذه الظاهرة في الدول العربية الأخرى بنسبة أقل أما في العراق يعتبر تداول الحديث عن زنا المحارم من المحظورات لكون المجتمع العراقي يتسم بالقبلية والأعراف الاجتماعية العشائرية ويدخل ضمن المحرمات الدينية إلا أن هذه المقومات يجب أن لا تكون سببا في عدم إيلاء هذه الظاهرة الاهتمام اللازم بكافة الطرق بعد أن بدأت بالانتشار بشكل ملحوظ خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والبطالة والوضع الأمني والسياسي في البلاد، على كل حال نختم حديثنا عن زنا المحارم في العراق فنؤكد عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة عن هذه الظاهرة بالرغم من وجود الاعتقاد المجزم بوجوده وبنسبة تحتم القلق منه ومحاولة التقليل من تأثيراته الفردية والأسرية والمجتمعية السلبية لأن القضاء على هذه الظاهرة ضرب من المستحيل وحاله كحال بعض الظواهر الأخرى كالبغاء والقمار مرهونة البقاء مع ديمومة الحياة البشرية كما وان اختلاف نسبة انتشار زنا المحارم في المجتمعات المختلفة مقيدة بالنظرة التي ينظرها المجتمع الى هذا الفعل وربما ليس من الضروري أن يعتبر هذا الفعل بنفس درجة الخطورة في نظر كافة الشعوب في هذا العالم الواسع باعتبار أن الشعور العام يختلف تبعا لتدرج المستوى الأخلاقي والرقي الاجتماعي والوازع الديني.
608 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع