الدكتور عدنان هاشم
خاطرة العدد
الإسرائيليات في التراث الإسلامي
يكثر الحديث بين أوان وآخر حول الإسرائيليات التي دخلت تراثنا الإسلامي، وأكثر الحديث يتناول كعب الأحبار وأبو هريرة الدوسي الذي أسلم في العام السابع للهجرة. ولكني أرى أن هذا الموضوع الحيوي والحساس يحتاج إلى توضيح أكثر لتكمل الصورة. لا شك أن كعب الأحبار اليهودي الذي جاء من اليمن وأسلم في خلافة عمر بن الخطاب كان السبب في دخول كثير من الإسرائيليات في تراثنا الإسلامي. وقد سمح له عمر بالجلوس في المسجد ليقص على المسلمين وفيهم خيرة الصحابة أخبار بني إسرائيل وفيها الكثير من الدس والخيال القصصي، فكان بينهم من يكذبه ومنهم من كان يستمع إليه ويبث قصصه بين الناس، فكان من أولئك أبو هريرة الدوسي وعبد الله بن عباس وغيرهما. ولكن كعب الأحبار لم يكن الوحيد في الصدر الأول من الإسلام بل كان هناك تميم الداري ووهب بن منبه وكانوا ملازمين للمسجد النبوي ويروون ما يطيب لهم من قصص الأقدمين. وكان الأنصار من أهل يثرب قبل الإسلام يلتقون بيهود يثرب ويسمعون منهم مواضيع شتى عن دينهم وقصصهم. وهذه القصص لم تختفي فجأة بمجرد إسلام الأنصار فلا شك أنهم كانوا يتناقلون هذه القصص في مجالسهم وليالي سمرهم. وقد نهى النبي عن مخالطة اليهود لحفظ تعاليم الإسلام من العبث. لم يكن كعب الأحبار وأمثاله الوحيدين ممن دسوا غرائب الحديث والقصص الأسطورية في التراث الإسلامي، فقد كان لكتاب المسلمين من مؤرخيهم ورواة الأحاديث عدد كبير جدا من الأحاديث الموضوعة الغريبة؛ وأضرب مثلا على هذه الأساطير مخاطبة ذئب لبعض الرعاة زمن النبي صلى الله عليه وسلم واسمه أبو عقبة وشهادة الذئب بصدق رسالة النبي مما أدى إلى إسلام ذلك الراعي، ومنها مخاطبة البقر في جنوب العراق للجيش الإسلامي أيام الفتوحات وكشفهم لمواقع فلول جيش الفرس المجوس حيث انتصروا عليهم بفضل بقر العراق رحمهم الله ووقاهم سكين الجزار. ومن غريب ما قرأت لكتاب ألفه كاتب سعودي بعنوان "معاوية بن أبي سفيان" أن عقبة بن نافع فاتح أفريقية أي بلدان المغرب العربي أراد أن يجتاز أرضا كانت كثيرة الحيوانات والحيات فأعطى إنذارا شديد اللهجة إلى كل سباع تلك الأرض وطيورها وأفاعيها وعقاربها وهوامها بإخلاء الأرض في مدة أقصاها ثلاثة أيام، وبعدها تحل للجيش دماء تلك الحيوانات المسكينة فتقتل أينما وجدت، فخرجت جميع الحيوانات والأفاعي والعقارب والطيور من تلك الأرض على التو حتى رآها مقاتلو الجيش الإسلامي وقد ملأت الأرض هائمة على وجهها باحثة عن أرض جديدة. فنرى من هذه القصص الغريبة وغيرها الكثير أن واضعيها لم يكن كعب الأحبار ولا تميم الداري ولكن واضعيها هم المسلمون أنفسهم. ثم أدلت المذاهب والطرق الصوفية بدلوهم لتأييد هذا المذهب أو ذاك أو هذه الطريقة أو تلك حتى غمرت الخرافات والأساطير تراثنا الإسلامي. ولأن الوعي الفكري ومستوى الثقافة ضعيف عند معظم المسلمين حتى يومنا هذا فقد راجت هذه الأساطير رواجا عجيبا وانتشر الفكر الأسطوري اللاعقلاني بين كثير من الناس وحتى بعض المتعلمين منهم. ولكن من المهم أن ندرك أن الكذب ودس الأحاديث والقصص الخيالي لم توضع فقط من قبل الزنادقة لمحاربة الدين بل في كثير من الأحيان كتبت والغاية منها نصرة هذا الدين بزعم أولئك الكذابين، وكأن هذا الدين ناقص يعوزه المنطق وقوة الإقناع فجاؤوا بأحاديثهم وخرافاتهم لينصروا هذا الدين. وهذا ما تنبه له ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات من الأحاديث المرفوعات" فذكر في مقدمته هذه الحقيقة وهي أن أكثر الأحاديث الموضوعة وضعت بحسن نية الراوي الكذاب لتأييد الدين أو المذهب الذي يدافع عنه أو بإيعاز من الخليفة أو الحاكم لتأييد سلطانه، وعلى سبيل المثال هناك حديث مكتوب في مدخل مسجد أيا صوفيا في استانبول " قال النبي عليه السلام لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" علما أن السلطان محمد الفاتح قد ابتدأ حكمه بقتل إخوته خشية أن ينافسوه سلطانه.
لابد من الحذر عند ذكر القصص والأحاديث فقد اختلط القوي منها بالضعيف والركيك بالفصيح والحق بالباطل والموضوع بالصحيح ، وزاد الطين بلة صعود كثير من أنصاف المتعلمين المنابر وكل غرضهم إثارة مشاعر الحاضرين وإبكائهم، وأغلب الجالسين لا يحسن من كتاب الله آيتين، فيعم الخطب وتفتح الثغرات للهجوم على هذا الدين الحنيف.
22 شباط 2024
994 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع