أ. د محمد تقي جون
الزعيم يرثي نفسه
كنا نمشي أنا وكاظم الطعان في (الصالحية) فمررنا أمام مبنى الاذاعة والتلفزيون حيث أعدم الزعيم عبد الكريم قاسم، فأشار اليه وقال (هنا قتلوا الحسين بن علي): فقلت أو هو قال يرثي نفسه:
قتلوني فهذهِ الأرض طفّي
وكثيراتٌ في العراق الطفوفُ
لم يقتَّل فيه الحسينُ وحيداً
بل رأى ما رأى الحسينُ ألوفُ
ومصابي بكربلائي مصابٌ
سوف يبقى والدمعُ فيهِ ذروفُ
وصليبٍ للحب ظلتُ عليه
وقلوبٌ لها عليه رفيفُ
مات حانٍ - لمَّا قتلتُ - عليها
وعليها جنى جناةٌ صنوفُ
ودمايَ التي على الشَّعب سالت
هي منِّي وجسمه المنزوفُ
المساكين حينما قتلوني
ساكتون، ينظرون، وقوفُ
لم يقولوا كلا وفي كل شخص
ألف كلا تَخافُ وهي تخيفُ
نحروني كما الغزال المسجَّى
نحروه ولا أقول الخروفُ
لا لنفع لهم ولكن عليهم
هو شعبي وطبعه معروفُ
فحثثتُ الخطى تَصَبَّبُ جرحاً
حيث ألقى بيَ المصيرُ الرسيفُ
وحضنت الموتَ المقدَّر شوقاً
كحبيبٍ الى لقاء يشوفُ
حين ناديتُ بالحقيقة حاطتني كروبٌ وعاجلتني حتوفُ
وهوى سيفُ المجرمين برأسي
كي يظلَّ الخنا وتبقى السدوفُ
فاستحالتْ من بعد موتي حياة
لمماتٍ، وكلُّ شيءٍ يخيفُ
كان موتي بداية لا انتهاءً
أو كما يحجب الشموسَ كسوفُ
خاب ظن العدى.. وخيَّب شعبي
أن رأياً به استدلوا كفيفُ
وبذوراً زرعتها في الغدِ الهشِّ رعاها دون الربيعِ الخريفُ
قتلوني وفي العيون دموعٌ
وبنفسي حزنٌ عليهم منيفُ
واضطرابي ما زال نفس اضطرابي
حين أسعى لأجلهم وأطوفُ
وحياتي حياتهم قد فقدناها وكلٌّ معذبٌ ملهوفُ
فلتذرِّ العيونُ دمعاً على عمري التقضَّى وكلُّه تأفيفُ
ولتغنِّ الأيامُ ألحانَ أحزاني فيشفى بها سقيمٌ أسيفُ
ولتنادِ الرياحُ من جانب القبر: هوتْ راية وماتَ رفيفُ
وأريحَ الجهادُ واستوقفَ الزحفُ ونامتْ ملءَ الجفونِ السيوفُ
أيها القبرُ ما شفيتَ جروحاً
بفؤادُ ولا اختلاني النزيفُ
لا أقول الشعبُ الذي خانني بل
خانتِ الشعبَ والبلادَ الظروفُ
ذاتَ يومٍ سيستفيقُ ندائي
بين شعبي ويستجيبُ الشريفُ
فلتسجَّلْ هذي الحروفُ على قبري لتبقى عنِّي تقول الحروفُ
قتلوني فهذهِ الأرض طفّي
وكثيراتٌ في العراق الطفوفُ
لم يقتَّل فيه الحسينُ وحيداً
بل رأى ما رأى الحسينُ ألوفُ
1182 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع