د.عدنان هاشم
خاطرة العدد:
كتب عبد العليم شداد مقالا قيما نشر عبر منصات التواصل الاجتماعي بعنوان " تحرير العالم من الأوربيين ". وقد أسهب الكاتب في سرد قسوة الغربيين عبر التاريخ ووحشتيهم في معاملة الشعوب المغلوبة، وفي حروب بعضهم بعضا بدءا بفظائع الرومان وقسوتهم الشديدة في معاملة العبيد إلى الحروب الأوربية في قارة أوروبا. ثم أشار الكاتب إلى إبادة الهنود الحمر في الأميركتين واستباحة أفريقيا في تجارة العبيد وامتصاص خيراتها إلى يومنا هذا. وقد توخى الكاتب الدقة في طرحه للوقائع التاريخية وهذا مما يحمد عليه. ولكن المقال نظر إلى التاريخ بعين واحدة وتناول جانبا واحدا من السلوك الإنساني الخاص بالإنسان الغربي والذي يضعنا في خطر تزكية الذات وكأننا بريئون مما ابتلي به الغربيون من القسوة والوحشية في معاملة بعضنا البعض.
والحق أن ظواهر السلوك الإنساني في استعمال القسوة والظلم والاستعباد تعم جميع الأجناس والشعوب منذ القدم وإلى يومنا هذا وما دام الإنسان يحيا على هذه الأرض. وقد تنبه شاعرنا الكبير أبو الطيب المتنبي إلى ذلك فأنشد يقول:
والظلمُ من شيمِ النفوسِ فإن تجد ذا عفةٍ فلعلٍ لا يظلمُ
والمثل الغربي يقول Man is Wolf to Man، ويعني أن الإنسان ذئب على أخيه الإنسان، وحتى في المجتمعات البدائية فنرى أن الغالب كان يأكل لحم المغلوب أو يسلخ فروة راسه كما كان يفعل بعض الهنود الحمر مع أعدائهم، أو يشرب الخمر في قحف جمجمته أو يحتفظ بأجزاء من بدنه في بيته.
ولو نظرنا إلى تاريخنا لوجدنا عجبا، فلم تمض على وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خمسين عاما حتى قاتل جيش الأمويين الحسين سبط النبي في كربلاء ونحروا وليده الذي كان يتلوى عطشا بسهم اخترق رقبته فقتله في الحال، وقد قطعوا عن الحسين وأهل بيته وأصحابه الماء وكان ماء الفرات يتألق أمام أعينهم تحت أشعة الشمس وتشرب منه الكلاب والخنازير، وقطعوا رؤوسهم بعد قتلهم ورفعوها على أطراف الرماح وساقوا نساءهم سبايا كأنهن الإماء إلى الشام.
وفعل زياد بن أبيه والي معاوية بن أبي سفيان على العراق وابنه عبيد الله ومن بعدهم الحجاج الأفاعيل الشنيعة بأهل العراق حتى كانوا يقطعون الأيدي والأرجل ويأخذون البريء بذنب المذنب ويصلبون المعارضين على جذوع النخل ويعرون النساء من ثيابهن أمام الأشهاد. كل هذا حدث ونحن في صدر الإسلام، ولم يمض على وفاة الرسول إلا بضع عقود من السنين. وما حدث بعده عبر القرون من الفظائع ما تقشعر منه الأبدان وتصاب النفوس بالغثيان.
لأضرب مثلا واحدا على القسوة التي تعدت كل الحدود فقد شك الخليفة الأموي الناصر لدين الله الذي حكم الأندلس خمسين عاما في أن ابناً له اسمه عبد الله سمت نفسه إلى طلب الخلافة وتابعه قوم من قرطبة، فقبض عليهم جميعاً وسجنهم إلى أن كان يوم عيد الأضحى سنة 339 للهجرة فأحضرهم بين يديه، وأمر ابنه أن يضطجع له فاضطجع، فذبحه بيده، والتفت إلى خواصه فقال: هذا أضحيتي في هذا العيد، وليذبح كل منكم أضحيته. فاقتسموا أصحاب عبد الله فذبحوهم عن آخرهم، فكانت مجزرة رهيبة في يوم الأضحى وفي بلاط أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه!
لا أريد أن أطيل عليكم لئلا أعكر أمزجتكم أو يصيبكم الملل وهذا ما لا أرتضيه، ولكنني أنصح لكم بالاطلاع على "موسوعة العذاب" بأجزائها السبعة لمؤلفها المرحوم المحامي والقاضي العراقي عبود الشالجي لتروا العجب العجاب من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وقد تناول الشالجي فقط طرق التعذيب في عالمنا العربي والإسلامي، ومن أراد الاطلاع على طرق التعذيب التي اتبعها الأوربيون فلينظر إلى Encyclopaedia of Torture ليطلع على أساليب التعذيب في تاريخ العالم الغربي.
لقد انخفضت ممارسات التعذيب في دول الغرب المتطورة وكادت تختفي في تلك البلاد، ولكن الساسة الغربيين قد غضوا النظر عما يجري من طرق التعذيب في الدول الأخرى ومنها بلداننا العربية ما دامت لا تمس مصالحهم، وفي كثير من الأحيان تأتي أدوات التعذيب وخبراتها من تلك الدول، وبهذا نرى الإزدواجية طاغية في تعامل الساسة مع هذه المسألة الحساسة ؛ فهم يستنكرونها علنا من جهة ويغضون النظر عنها من جهة أخرى.
إن طرق التعذيب قديمها وحديثها وصمة عار في جبين الإنسانية والتي تعبر عن فشل الإنسانية الذريع في منعها ومعاقبة مرتكبيها، والعبء يقع على النخبة المثقفة وأصحاب الفكر المستنير لتوعية الناس وحث الحكومات والضغط عليها لمنع هذه الطرق الوحشية التي ما تزال تمارس إلى يومنا هذا وذلك بسن القوانين الصارمة ومعاقبة كل من يمارس أساليب التعذيب، فقد ذاق العراقيون بالذات من بشاعتها الكثير في العهد القريب بما تدمع لها العيون وتدمى لذكرها القلوب وتقشعر منها الأبدان.
9 فبراير 2024
1376 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع