ذو الفقار
سفراء ودبلوماسيو الزمن الأغبربعد عام ٢٠٠٣/ الجزء السابع
ملاحظة
عطفا على مقالاتنا السابقة، نستكمل الحديث عن الدبلوماسية العراقية بعد الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق بعد ان استعرضنا الدبلوماسية العراقية في اوجها الباهر خلال الحكم الوطني السابق، وما افرزته من سفراء ودبلوماسيين لامعين كانوا مصدر فخر واعتزاز على المستوين العربي والعالمي، مثل وسام الزهاوي، ونزار حمدون، وعبد الجبار الهداوي، ووهبي القره غلي، ووداد عجام، ورياض القيسي، واكرم الوتري، وفؤاد الراوي والعشرات غيرهم.
من المؤسف ان وزارة الخارجية العراقية أخفقت في إدارة جميع الأزمات الحالية سواء مع دول الجوار أو العالم العربي والخارجي، فقد فشلت في التفاوض مع الدول العربية والمجاورة في الكثير من الملفات العالقة، مثلا في إدارة أزمة المياه مع تركيا وسوريا. وفشلت في إدارة أزمة شط العرب والتجريف في الخليج العربي لصالح النظام الإيراني
كما فشلت في ملف الحفاظ على ثروة النفط التي تنهبها الجارتان إيران والكويت في جنوب العراق، وفشلت في ملف الأسرى العراقيين الذين مازالوا في سجون الجارة المسلمة للنخاع رغم مرور اكثر من ثلاثين عاما على انتهاء الحرب العراقية الإيرانية! وفشلت في إخراج العراق من جميع فقرات البند السابع من قرار مجلس الأمن، علاوة على ملف خور عبد الله التميمي والتجاوز على الأراضي العراقية، سيما ان هناك عدد من الزعماء والنواب مستعدون لبيع العراق اقساطا الى الدول المجاورة، صحيح ان العمالة درجات تبدأ بالنذالة والخسة وتنهي بالأكثر نذالة وخسة، وتختلف من عميل لآخر فهناك عملاء من الوزن الثقيل كعملاء ايران وعملاء من الوزن الخفيف كعملاء الكويت وتركيا. بل يمكن القول ان الوزارة فشلت في سبر أغوار الاتفاقية الأمنية المجحفة التي وقعها الزيباري مع إدارة الاحتلال، وهي اتفاقية تذكرنا بقول الرصافي:
نشروا المعاهدة التي في طيها قيد يعض بأرجل الآمال
قـد أبلعونا حبة استعبادنا لكن مموهة بالاستقلال
والعهـد بين الانكليز وبيننا كالعهد بين الشاة والرئبال
من ذا رأى ذئب الذئاب مصاحبا بتودد حمل من الأحمال
كان بإمكان العراق الاستفادة من تلك الاتفاقية في المجالات العلمية والثقافية والتربوية والعسكرية، على اقل تقدير تعمير ما خربته قوات الاحتلال بحربها الغاشمة، كما فعلت مع اليابان وألمانيا.
كما فشلت الخارجية في إعادة الهيبة والمكانة المميزة للعراق في المحافل الدولية، و فشلت في تعميق الروابط الأخوية مع الأشقاء العرب بسبب تأثير النظام الإيراني على الزعماء الشيعة لأبعاد العراق عن حاضنته العربية، فالعروبة والقومية بالنسبة للولي الفقيه الخامنئي لا تختلف عن السم الزعاف الذي شربه خلفه الخميني المقبور حتف أنفه. وهذا أمر بديهي طالما أن الدستور أخرج العراق من العالم العربي، معتبرا شريحة العرب فقط جزءا من الأمة العربية! والجزء بطبيعة الحال لا يمثل الكل.
كما فشلت الوزارة في دعم مساعي الجامعة العربية تماشيا مع توجيهات ملالي طهران بغية الانفراد به تمهيدا لافتراسه وهذا ما حصل فعلا في اجتماعات الجامعة العربية ورفض الإشارة الى احتلال ايران للجزر العربية الثلاث وغيرها من القرارات. كما فشلت في تعزيز التضامن الإسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، رغم إن الأحزاب الحاكمة تحمل اسم الإسلام جزافا! وتلك أحدى مكامن الخلل الرئيسي في العمل، الحقيقة ان جميع الأحزاب الدينية التي تحمل اسم الله والإسلام هي الابعد عن الله والإسلام، والواقع الحالي شاهد حي.
ان الافتقار إلى الخبرة والكفاءة في العمل الدبلوماسي وعدم توفر قاعدة للمعلومات بسبب حرق أرشيف الوزارة الذي أداره (الحاج محمود مالو) لنصف قرن بنجاح كبير وامانة عالية، من قبل عملاء الاحتلال وعناصر عربية واجنبية في بداية الغزو، وعدم معرفة القانون الدولي والمعاهدات والصكوك الدولية من قبل السفراء والدبلوماسيين الرضع، علاوة على الافتقار لأبسط قواعد البروتوكول والجهل المطبق بفن التفاوض وهو من أهم عوامل النجاح الدبلوماسي، في غضون تطبيق قاعدة الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب حسب نظام المحاصصة المقيت الذي رسمه عراب الاحتلال بول بريمر، والفساد المالي والإداري الذي ينخر سقف الوزارة وبعثاتها في الخارج تحت ظلال الترميمات والنثريات وبمشاركة ومباركة مفتشي الوزارة، إضافة الى أن معظم السفراء والدبلوماسيين (حوالي 90% منهم) متجنسين بجنسيات أجنبية وولائهم لغير العراق، كل هذا أدى إلى شلل الوزارة وعدم تمكنها من إدارة السياسية الخارجية للبلد، ففقدت البوصلة وضيعت معظم حقوق العراق.
الحقيقة ان التعصب الطائفي عند السفراء الشيعة والقومي عند السفراء الكرد قد دمر السفارات، تصوروا السفير العراقي في استراليا علاء الجوادي ظهر كصاحب موكب عزاء في احتفال رسمي في السفارة وهو يرتدي عباءة وغترة خضراء اشبه بمنظر الائمة الاثني عشر ـ تنتشر في العراق بعض الصورة المستوحاة من وحي خيال البعض من الفرس وهي تطبع في ايران ـ.
كنا نأمل من وزراء الخارجية ان ينصفوا الموظفين الأكفاء الذين أجتثهم هوشيار زيباري واحمد الجلبي وعلي اللامي بهيئتهم المشبوهة والمرتبطة مباشرة بنظام الولي الفقيه فهناك عناصر يمكن الاستفادة منها ومازالت قادرة على العطاء وخدمة العمل الدبلوماسي تمتاز بالمهنية والخبرة والكفاءة. علاوة على إعادة النظر في ملفات ضحايا السفراء العنصريين والطائفيين الذي اجتثوا دبلوماسيين في غاية الوطنية والنبل والخبرة والكفاءة كما جرى في سفاراتنا في اليونان والنمسا ورومانيا ونيويورك والدنمارك وجنيف وآخرين تعرفهم الوزارة جيدا. كذلك إعادة تقييم إداء الوزارة خلال السنوات الماضية وتشخيص أسباب الفشل ووضع الحلول المناسبة لتلافي تكراره. كذلك إعادة هيكلة السفارات والقنصليات العراقية في الخارج التي أصبحت وبالا على الجاليات العراقية من جانب، وفشلت في كسر الجمود في العلاقات الثنائية من جانب آخر. كذلك العمل بموجب قاعدة (المقابلة بالمثل) مع الدول التي تسيء للعراق وشعبه، وان يحترموا سفراء العراق المعتمدين فيها، وأن لا يتجاوزوا صلاحياتهم كما فعل السفراء الإيرانيون، والسفيرة الامريكية الحالية في العراق. فليس من المنطق ان يعرقل دخول العراقيين إلى دول العالم في حين البلد مفتوحة ابوابه أمام من هبً ودًب بلا ضوابط! وأن لا تقف الوزارة عاجزة مكتوفة الأيدي امام التجاوزات الخطيرة على حدود العراق ومياهه الإقليمية وانتهاك المتبقي من سيادته المتآكلة بصدأ العمالة وتنفيذ الاجندات الخارجية للزمر الحاكمة.
الفضيحة الكبرى
كما اسلفنا فضائح الوزارة لا تغطى بغربال، وكان آخرها ادعاء وزير الخارجية فؤاد حسين بأن العراق قدم شكوى للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الحالي عن العدوان الإيراني على منزل رجل اعمال في اربيل واستشهاد عدد من المدنيين بينهم طفلة لم تبلع العام الواحد من عمرها، جاء في بيان في بيان أن " العراق تقدم بشكوى الى مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، تتعلق بالعدوان الصاروخي الإيراني الذي استهدف مدينة أربيل وأدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين الأبرياء وإصابة آخرين وتسبب بأضرار في الممتلكات العامة والخاصة. رفعت شكوى بموجب رسالتين متطابقتين إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن الدولي عبر الممثلية الدائمة لجمهورية العراق في نيويورك أكدت فيهما أن هذا العدوان يُعد انتهاكا صارخا لسيادة العراق وسلامته الإقليمية وأمن الشعب العراقي". سبق روج الاعلام الرسمي والمأجور لهذه المهزلة الدبلوماسية التي تدل على مستوى الاسفاف والفشل الذي وصلت اليه سياسة العراق الخارجية، وقد كشفها احد الصحفيين عندما سأل رئيس مجلس الأمن عن تسلم شكوى من العراق بشأن الهجوم الإرهابي الإيراني، فأجاب بأنه لم يستلم اية رسالة من العراق!!!
بعد الفضيحة نشرت وزارة الخارجية الرسالة دون الإشارة الى تأريخ تسليمها، بمعنى انها سلمت في الأيام الأخيرة من شهر كانون الثاني 2024.
ملاحظة:سيكون المبحث القادم عن العمل القنصلي في زمن الاحتلال الأمريكي الإيراني للعراق.
للراغبين الأطلاع على الجزء السادس:
https://www.algardenia.com/maqalat/61927-2024-01-20-21-59-05.html
515 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع