سمير عبد الحميد
دلالات القضاء والقدر في القران الكريم
قال تعالى:((وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ))
قال سيد قطب –رحمه الله- في الظلال:( اراد الله ان يعلمهم ان هذا الامر العظيم انما تم بتدبيره وقدره في كل خطوة وفي كل حركة ،ليقضي من وراءه امرا اراده، فلم يكن لهم في هذا النصر وماوراءه من عظائم الامور يد ولاتدبير، وسواء غنائمه الصغيرة واثاره الكبيرة فكلها من فعل الله وتدبيره .انما ابلاهم فيه بلاء حسنا من فضله واراد ان يريهم مدى الفرق بين ما ارادوه هم لانفسهم من الظفر بالعير وما اراده الله لهم من نظرة هذا الدين الى حقيقة مايجري في الارض وفي حياة البشر،لقد كانت غزوة بدر اول وقعة كبيرة لقي فيها المسلمون اعدائهم من المشركين فهزموهم تلك الهزيمة الكبيرة ولكن المسلمين لم يكونوا قد خرجو لهذه الغاية لقد كانوا انما خرجوا لياخذوا الطريق على قافلة قريش، الذين اخرجو المهاجرين من ديارهم واموالهم ،فاراد الله للعصبة المسلمة غير ماارادت لنفسها من الغنيمة ،اراد الله ان تنفلت منها القافلة، وان تلقى عدوها من عتاة قريش، الذين جمدوا الدعوة في مكة ومكروا مكرهم لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغوا باصحابه الذين تابعوه على الهدى، غاية التعذيب والتنكيل والاذى.
لقد اراد الله سبحانه ان تكون هذه الوقعة فرقانا بين الحق والباطل وفرقانا في خط سير التاريخ الاسلامي ومن ثم فرقانا في خط سير التاريخ الانساني. واراد ان يظهر فيها الاماد البعيدة بين تدبير البشر لانفسهم فيما يحسبونه الخير لهم وتدبير رب البشر لهم وللبشرية ولو كرهوه في اول الامر.
ولك ان تتيقن جازما ان الله سبحانة يقضي الحدث ويقدره على البشر في هذه الدنيا ويجريه تجربة ابتلائية:(( ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون)) انتهى كلام سيد رحمه الله
ان حقيقة الابتلاءحقيقة كبرى وهي حقيقة هامة وخطيرة بل انها اخطر الحقائق التي يتحدد بها موقف الانسان خلال وجوده الزماني والمكاني المحدد على الارض وتنمحي به كل شبهة حول علاقته بربه سبحانه والفتنة هنا هي الابتلاء الشديد واذا تساءلنا عن الحكمة التي من اجلها جعل الله الانسان خليفة وجدناها ايضا الابتلاء (هو الذي جعلكم خلائف الارض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما اتاكم ان ربك سريع العقاب وانه لغفور رحيم)فبين سبحانه ان توارث السلطان وامامة البشرية وخلافة الارض الله فيها انما هو للابتلاء حيث ينظر الله كيف يعملون حيال ذلك (ثم جعلناكم خلائف في الارض من بعد لنظر كيف تعملون)وقد جعل الله الانسان كائنا اجتماعيا ليبتلي الناس بالناس حيث ان العلاقات القائمة بينهم على اختلافها ومايترتب عليها من حقوق وواجبات تشكل مواقف وتجارب حقيقية لابتلائهم بعضهم ببعض فيبتلي الرسل باممهم والامم بالرسل ويبتلى الحاكم بالمحكوم والمحكوم بالحاكم ويبتلي القوي بالضعيف والضعيف بالقوي والزوج بالزوجة والاباء بالابناء وهكذا (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة)
فحقيقة الابتلاء هي التي من اجلها خلق الله الكون والانسان وجعل الموت والحياة تعلل الوجود الانساني الارضي وكيفية هذا الوجود كما انها تحدد مصير الانسان الابدي وكيفية هذا المصير.ان الحياة البشرية ليست الا عديدا من التجارب الابتلائية يقدرها الله سبحانه وتعالى ويقضيها عليهم فالحياة في النهاية ليست سوى تجربة ابتلائية كبيرة يجتازها الفرد والجماعة والمجتمع والجيل والامة خلال اجل كل منهم فمن التجارب الابتلائية مثلا التجربة الابتلائية بالسراء والضراء فالابتلاء لغة هو الامتحان والتمحيص والاختبار وحقيقته كما تثبتها الايات القرانية ان الله سبحانه وتعالى يجري على العباد امورا واحداثا وافعالا هي في حقيقتها افعال جبرية ليس للعبد فيها ادنى اختيار وذلك ليبتليهم -كنجاة القافلة واجبارهم خوض المعركة –فدخول العبد التجربة الابتلائية لايمكن الا ان يكون جبريا ومن ثم فالتجربة الابتلائية التي يمر فيها العبد وحقيقة الابتلاء القائمة بالانسان عموما تتضمن حقيقتين كبيرتين عن الفعل الانساني والفعل الالهي
كيف يبتلي الله سبحانه وتعالى العباد فالابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان مثل (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين) وفي قوله ايضا (لتبلون في اموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين اوتو الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا اذى كثيرا وان تصبروا وتتقوا فان ذلك من عزم الامور) فهاتان الاياتان تثبتان الابتلاء بالام الجوع والفقر والموت والمصائب والاذى من الظالمين واضطهاد الكافرين للمؤمنين المستضعفين والتنكيل بهم كما تثبتان كل مايجلب الالم للانسان كما تثبتان حدوث هذه الامور له حدوثا اضطراريا ليس للانسان حياله دفعا اواختيارا . فهو سبحانه الذي يبتلي المؤمنين بالالام كنتيجة لافعال الظالمين الذين ابتلاهم ايضا بالسلطان والقوة لينظر هل يصبر المؤمنون ام يجزعون ودليل ذلك قوله سبحانه (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة.....اتصبرون) وقوله تعالى (وبشر الصابرين )وكما يبتلي الله بالالام يبتلي ايضا بالمتعة والنعيم وكل ما يجلب الرفاهية للانسان فاذا كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا فما جعلها الله كذلك الا ابتلاء للناس (انما اموالكم واولادكم فتنة وان الله عنده اجر عظيم) وهكذا اراد سبحانه ان يخوض الجمع المؤمن معركة بدر بدلا من الاستحواذ على العير ليرى هل يصبرون على هذه التجربة الابتلائية المؤلمة ليثبتوا انهم مؤمنون حقيقية وفعلا لاقولا ورياء كما انهم سوف يرتفعون في الدرجات والمقامات عند الله ولان مجد دين الله الخالد سوف يبنيه رجال صدقوا الله على ماعاهدوه عليه خال من المنافقين والمرجفين فكانوا حقا اهلا لها كما قال سعد ابن معاذ قبل المعركة( فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوًّا غدًا إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
فبالمحصل ان القضاء والقدر جبر محتم على العباد للابتلاء واختيار ميسرمنهم للاجتياز قال تعالى ((لمن شاء منكم ان يستقيم وما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين)) وقال تعالى( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)
2024
1342 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع