في نشوء النظرية السياسية في الإسلام: ج ٦ ترادف القاب الحُكم

خالد الدوري

في نشوء النظرية السياسية في الإسلام: ج ٦ ترادف القاب الحُكم

في الحياة الإجتماعية يُستحَب أن يخاطب الناس بعضهم بعضًا بأحب ألأسماء والأوصاف والألقاب والكُنى التي يحبها المُخاطَب مما فيه الدلالة على المدح الإطراء، وهذا أدب شرعي يرقى لأن يكون منهجًا نبويًا. حيث شهد صدر الإسلام القابًا وكُنى للأفراد محببة مثل: الصديق ، الفاروق، ذو النورين، ابو تراب، سيد الشهداء، أمين الأمة ، سيف الله. والعشرات من الكنى والاسماء والألقاب الحسنة.

أما في الحياة السياسية، فيما يتعلق بألقاب الرئيس الأعلى للبلاد، فقد إقتصرنا في الأجزاء السابقة على ذكر أربعة القاب أساسية هي: الخليفة، الإمام، أمير المؤمنين، السلطان. وكلها مصطلحات عربية الأصل، وردت في القرآن الكريم، وفي الحديث الشريف. كونها الألقاب الأبرز في الإستخدام في العصر الأول. وكانت لها دلالة وصبغة دينية. وإيحاء بالصلاح وحمل أمانة الإسلام لمن يُخاطَب بها. والحقنا بالألقاب السابقة لقب السلطان لما له من خصوصية في الفقه السياسي في مُبتدأ ظهوره. ولم نتحدث عن لقب (مَلِك) للقائم بشؤون المسلمين، لأنه لم يظهر أستخدامه في صدر الإسلام زمن الخلافة الراشدة ولا زمن الدولة الأموية. وحديثنا عن لقب (السلطان) ليس ببعيد عن الحديث عن لقب (الملك). قبل أن يأخذ شكله السياسي، كلقب رسمي للحاكم . فقد تساوق اللفظان في الظهور والإستخدام زمن السلاجقة، والحديث عن أحدهما هو حديث عن الثاني، حيث ان لفظ ملك اطلق أولاً على الولاة والأفراد الذين هم دون مرتبة السلطان ألأعلى للبلاد، ليتطور استخدامه لاحقًا ويشتهر كلقب للحاكم الأعلى زمن الدولة الأيوبية وما بعدها.
الفرق بين خليفة وإمام:
في زمن العباسيين ومع توسع رقعة بلاد الإسلام وإختلاطها مع ثقافات وحضارات الأمم الأُخرى، وجدوا أن لكل أُمّة القاب يحملها حكامها وفق تقاليدهم ولغاتهم. فكان هنالك تلاقح وإقتباس وتمازج في الثقافات فدخلت بعض الألقاب غير العربية الى عالمنا، وتعددت في دولة الإسلام التسميات وتنوعت الألقاب والكنى والنعوت الحسنة التي تطلق على أصحاب النفوذ في الإدارة والوظيفة والعلماء والفقهاء والمراتب العسكرية ، منها ماهو فخري، ومنها ما يمنح بمرسوم سلطاني أو ملكي، وكذلك تنوعت الألقاب والنعوت التي أُطلقت على الرئيس الأعلى للبلاد. وما يعنينا هنا هو: تحديد المذهب أو المنظور السياسي للمصطلحات المتعلقة بأعلى هرم السلطة في البلاد، دون غيره من التفصيلات.
مَرَّ معنا فيما سبق محددات لقب "خليفة" ولقب "إمام". والتاريخ يشهد أن الفقهاء والمتكلمين الأوائل قد استعملوا في مباحثهم عند الحديث عن الإمامة هذين اللقبين " خليفة وإمام" بمعنى واحد حيث يطلقان ويراد بهما تسمية الرئيس الأعلى للدولة. وكذلك لفظتي "خلافة وإمامة" بمعنى مترادف يفيد نظام الحكم الاسلامي ومتعلقاته من الإمور الشرعية. والظاهر ان هذه اللألفاظ لم تكن في حينها ذات معانٍ ومدلولات متميزة، بحيث تجعل من يذكرهما في معرض بيانه او نقاشه، ينتقي اللفظة المعبرة اكثر من غيرها عن مقصوده القلبي. ولهذا نجدها مترادفة في أكثر كتاباتهم. ولا أدل على هذا من قول العلامة إبن خلدون وهو يشير الى منصب الحاكم الأعلى للدولة الإسلامية موضحا بأنه: (نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا. به تسمى "خلافة وامامة" والقائم به "خليفة وإماما"، فأما تسميته إماما فتشبيهًا بإمام الصلاة في إتباعه والاقتداء به. ولهذا يقال الإمامة الكبرى. وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في امته، فيقال خليفة بإطلاق، وخليفة رسول الله). (1)
كما يذكر سيف الدين الآمدي اللفظين مترادفين فيقول: (ثبت التواتر من إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على إمتناع خلو الوقت من "خليفة وإمام")(2)
تعدد الألقاب المترادفة والمدلول واحد:
في كتابات المتقدمين نلاحظ بشكل جلي أنهم حين يذكرون مختلف الألقاب يذكرونها كمترادفات، مع وحدة الدلالة. ونجد ذلك واضحًا في تعبير الرحبي الحنفي حيث يقول: (والإمام والخليفة وامير المؤمنين والسلطان: القاب مترادفة لشخص واحد)(3). ويشير بصيغة الترادف الصريحة الذهبي في مختصره لمنهاج السنة النبوية، في اثناء ذكره لصفة ووظيفة الحاكم الاسلامي صاحب السلطة العليا في الدولة بإنه من (كان له السلطان ومعه السيف يولّي ويعزل ويعطي ويحرم ويحكم وينفّذ، ويقيم الحدود، ويجاهد الكفار، ويقسّم الاموال، ذلك من يتصف بكونه -إمامًا وخليفة وسلطان-)(4).
كما أشار الى هذا الترادف علماء مُحدَثون أمثال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه المذاهب الإسلامية فقال: (المذاهب السياسية كلها تدور حول الخلافة، وهي الإمامة الكبرى، وسميت خلافة، لأن الذي يتولاها يكون الحاكم الأعظم للمسلمين، يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في إدارة شئون المسلمين، وتسمى الإمامة، لأن الخليفة كان يسمى إمامًا، ولأن طاعته واجبة، لأن الناس يسيرون وراءه كما يصلون وراء من يؤمهم للصلاة)(5) وجاء عن الشيخ محمد رشيد رضا قوله: (الخلافة والإمامة العظمى وإمارة المؤمنين ثلاث كلمات معناها واحد، وهو رئاسة الحكومة الاسلامية الجامعة لمصالح الدين والدنيا)(6) كما يورد هذا المعنى الدكتور عبد الكريم زيدان ويُلمّح للقب رئيس كأحد الألقاب بقوله:( يراد بالخليفة عند الاطلاق من يتولى إمرة المسلمين أي: رئاسة الدولة الاسلامية، ويسمى أيضا بالإمام فهو رئيس لدولة موصوفه بوصف الإسلام، أي قائمة على أسسه ومصبوغة بصبغته، وتطبق احكامه، والخليفة هو الحارس لبقاء صفتها هذه)(7)
وملخص ما تذهب اليه النظرية السياسية في المصطلحات التي تطلق على الحاكم الأعلى للبلاد، تُجمِله عبارة محب الدين الخطيب، إذ لم يتوقف عند المصطلحات والألفاظ والألقاب المجردة، وإنما نَحا في توضيح الفرق بينها منحا تاريخيا واقعيًا، فقال: (الخلافة والملك والإمارة عناوين إصطلاحية تتكيف في التاريخ باعتبار مدلولها العملي، والعبرة دائما بسيرة المرء وعمله)(8). ومن الطبيعي أن يندرج تحت مفهوم هذه العبارة، شتى ألقاب التعريف والتشريف المتعارف عليها اليوم للحُكّام في عصرنا الحديث، كالرئيس والقائد والزعيم والمشير الى غير ذلك...فلا مشاحَة في إصطلاحات الحكم في النظرية السياسية في الإسلام، وإنما المُعَوّل عليه عمل من يتولى إدارة البلاد، وفق العدل والقوة والأمانة على بقاء صفتها الإسلامية.

المصادر والمراجع:
(1) مقدمة إبن خلدون/ ص151 طبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
(2) غاية المرام في علم الكلام لسيف الدين الأمدي/ ص364 تحقيق حسم محمود عبد اللطيف/ إصدار لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة/ 1391هـ- 1971م ، وقد أكد اجماع المسلمين على وجوب الإمامة العلامة ابن حزم في كتابه الفصل 4 / 87 الا انه استثنى النجدات من الخوارج من هذا الاجماع، والنجدات فرقة مندثرة لم يبق منهم احد الآن.
(3) فقه الملوك ومفتاح الرتاج للعلامة عبد العزيز بن محمد الرحبي الحنفي/ ص 29 تحقيق الدكتور احمد عبيد الكبيسي مطبعة الارشاد بغداد 1973م.
(4) المنتقى من منهاج الاعتدال للحافظ الذهبي/ ص 282-283 "بتصرف يسير" تحقيق محب الدين الخطيب.
(5) تاريخ االمذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة/ ص19 دار الفكر العربي/ القاهره.
(6) الخلافة والأمامة العظمى للشيخ محمد رشيد رضا/ ص10طبعة مطبعة المنار مصر.
(7) اصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان/ ص 194 مكتبة المنار الإسلامي ط 3 / 1976..
(8) محب الدين الخطيب/ من تعليقاته على كتاب العواصم من القواصم صفحة 155/ مراجعة محمد مهدي الاستانبولي/ 1390 هـ - 1971م.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1351 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع