نزار جاف
رأينا المرج قبل أن يذوب الثلج
(إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولادنيا لمن لم يحيي دينه)، هکذا قال محمد إقبال في رائعته"حديث الروح"، وقبله تحدث جمال الدين الافغاني عن التجديد والحداثة في الفکر الديني، وفي الامرين ثمة علاقة واضحة ذلك إن إحياء الدين بالمعنى الذي يقصده إقبال هو بعثه من جديد، والتجديد والحداثة التي يتحدث عنها الافغاني هي قطعا إسباغ طابع المعاصرة على الدين، أي جعله مناسبا ومتلائما مع روح العصر، لکن کل ذلك مع إحتفاظ بروح الاصالة للدين ذلك إن مخاطبة العالم بالمنطق الديني في هذا العصر بما کان سائدا في عصر الخلافة مثلا، فإنه سيکون حديثا غير مجديا ولن يٶتي أکله کما يرجى له بل وحتى يمکن أن يحدث العکس من ذلك تماما.
بطبيعة الحال فإنه ومنذ أواسط النصف الثاني من الالفية الماضية وتحديدا منذ العقدالسابع منه، ساد الحديث عن التجديد والحداثة في الفکر الديني وظهر رجال دين وحرکات وتنظيمات دينية تزعم أنها تبشر بذلك، ولکننا وعندما نلقي نظرة متفحصة على ماقد نجم عن کل ذلك، فإننا نجد الحصيلة آتون من الضباب والضياع والتناقضات الفکرية الحادة الناجمة عن الخط العام للافکار والمبادئ الرئيسية التي تم طرحها بهذا الصدد.
عندما نراجع ماقد حدث في العقد الثامن والتاسع والاخير من الالفية الماضية وفي بدايات الالفية الجديدة من أحداث وتطورات تتعلق بالسياق الذي نتناوله، فإننا نجد أنفسنا أمام معمعة تشبه المعمعات التي حدثت في عصور تراجع وإنحطاط وسقوط الخلافات الاسلامية حيث تسود الفتن والصراعات الدموية والمذهبية بطرق وأساليب وأشکال شتى وتظهر طرق واساليب الاستغلال المتباينة للعامل الديني ببعده المذهبي بشکل خاص، والاهم من ذلك إن کل هذا لايمکن أن نجد له من تفسير سوى ماقاله أبن خلدون بهذا الصدد من إن:"الفتن التي تتخفي وراء قناع الدين تجارة رائجة جدا في عصور التراجع الفكري للمجتمعات."، إذ أن تلك العصور والفترات التي نتناولها تکاد أن تشترك بنفس الموضوع وأقصد هنا تحديدا العقد السابع والتاسع من الالفية الماضية وبشکل خاص بعد الثورة الايرانية التي فتح الباب للأسف لأسوء نظام ديني إستبدادي في العصر الحديث.
قيام نظام ولاية الفقيه في إيران وتأسيس نظام طالبان في أفغانستان وإنهياره وعودته من جديد وإعلان دولة الخلافة الاسلامية من جانب داعش، ثلاثتها"شاءت أم أبت" عاشت وتعيش في حالة من الاغتراب والانعزال الفکري عن المجتمعات الاسلامية التي تأسست فيها، وثلاثتها صارت مضربا للأمثال من حيث تماديها في الاستبداد والقمع وإرهاب ليس في مجتمعاتها فقط بل وحتى في العالم، فهذه التجارب الثلاثة صارت للمجتمعات الاسلامية قبل غيرها بمثابة قصصا لإثارة الخوف والرعب تتشابه تماما مع تلك التي کانت الامهات الاوربيات يروينها للإطفال بخصوص الاتراك في عهد الدولة العثمانية.
السٶال هو؛ هل إن هذه النماذج الثلاثة تمثل إحياءا وتجديدا في الفکر الديني وهل إنها مناسبة للمعاصرة في هذه الفترة الزمنية؟ ماهو الجديد الذي أتت به هذه النماذج؟ هل جاءت بغير الاحتراب والتصارع وإثارة الحروب والانقسامات وبث الخوف والرعب بکل أنواعه؟ وقد يعترض البعض بأن ينبرون للدفاع عن نظام ولاية الفقيه والقول بأنه يدعو للوحدة بين المذاهب الاسلامية وجعل العالم الاسلامي قوة متوحدة، ولکن، أية وحدة قد حدثت بين المذاهب الاسلامية على يد هذا النظام؟ ولکم في تجاربه العملية التي قام بها في العراق ولبنان وسوريا واليمن خير مثال ولاسيما إذا ماتذکرنا عمليات الذبح والابادة التي جرت بعد تفجير مرقدي الامامين العسکريين في سامراء عام 2006! ناهيك عن إن الاختلاف قد زاد بعد مجئ هذا النظام وليس قد قل أو إنتهى، بل وإن الذي نراه ونلمسه بعد مجئ هذا النظام هو إنتشار مفاهيم ومصطلحات من قبيل(الاستبصار)، أي يصبح السني شيعيا و"الاسلام المحمدي الاصيل"، أي الاسلام کما يطرحه ويدعو إليه نظام ولاية الفقيه، و"الاسلام الامريکي"، وهو الاسلام الذي ألفته بلدان العالم الاسلامي وتتعبد وفق طقوسه التي ألفناها أبا عن جد.
دولة الخلافة الاسلامية الداعشية قد تلاشت غير مأسوفا عليها، أما دولة طالبان فتعيش حالة من التقوقع الذاتي حتى تکاد أن تکون معزولة عن العالم لا من أجل شئ إلا في سبيل بقائها وإستمرارها بل وحتى إن وجودها يکاد يشبه عدمها، أما نظام ولاية الفقيه، فإنه مستمر لحد الان بسبب من عاملين أولهما؛ ممارساته القمعية الاستبدادية التي تفوق بها على سلفه نظام الشاه وثانيهما بسبب من أذرعه في بلدان المنطقة والتي تقاتل نيابة عنه وتتصرف تماما مثل المثل القائل:" أکل زيد الحصرم وتضرس أسنان عمر"! فهذه الاذرع تحملت وتتحمل کل الآثار والتداعيات السلبية لما تقوم به من دور في تنفيذ المخططات وکذلك حروب بالوکالة وصولا الى الحرب الضروس في غزة والتي يسعى هذا النظام بمختلف الطرق والوسائل لتوجيهها وتوظيفها لصالحه، فيما يقطف ذلك القابع في جماران ثمار هٶلاء المتضرسة أسنانهم، والانکى من کل ذلك إن وسائل الاعلام الرسمية للنظام تصفه ب"ولي أمر المسلمين"!!!!
3357 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع