عدنان هاشم
استوقفتني حكمة من حكم الإمام علي عليه السلام يقول فيها " الثناءُ بأكثرَ من الاستحقاق مَلَقٌ، والتقصيرُ عن الإستحقاق عِيٌّ أو حَسَدٌ "
والملق هو التملق بان تبدي من الثناء وتبالغ فيه لمن لا يستحقه أو أن ما فيه دون ما تقول.
والعِي هو عجز اللسان عن الكلام أو التعبير الصحيح عن المعنى المراد، وينبغي أن يتعوذ منه الإنسان كما تعوذ منه الشاعر العربي القديم:
أعذني ربِّ من حَصَرٍ وعيٍّ ومن نفسٍ أعالجُها علاجا
والعي في هذه الحكمة توسع في المعنى، وهو عجز اللسان أو القلم عن إبداء ما يستحق الإنسان من شكر وحمد وثناء.
والحسد تمنى زوال شيء محمود في المحسود. وكل هذه من الصفات ممقوتة عند الله وعند الناس، وتدل هذه الصفات إما عن بلاهة أو عجز في التعبير، أو حسد أو لؤم بالطبع.
ما أكثر ما نرى التملق من ضعاف النفوس لمن هو فوقهم منزلة، وكلما علت منزلة ذلك الإنسان وخافوا منه، كلما ازدادت درجة التملق حتى تصل بهم إلى درجة الإسفاف، وحتى قد يصفونه بصفات لا تليق إلا برب العباد، وبلغ التملق درجة أنه صار فينا فنا يجب علينا أن نتقنه ونعلِّمُه، وإلا فقد نعتبر من أهل السذاجة والبساطة.
من أبرز ما قيل من شعر التملق ما أنشده الشاعر ابن هانئ الأندلسي في مدح المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئتَ لا ما شاءت الأقدارُ فاحكُم فأنت الواحدُ القهارُ
وكأنما أنتَ النبيُّ محمدٌ وكأنما أنصارُك الأنصارُ
أو ما قيل في عراقنا قبل بضعة عقود من السنين في القائد الضرورة " لولاك ما طلع القمر، لولاك ما نزل المطر".
والمتملق مهزوز من الداخل لأنه يعلم أنه يكذب، ويعلم باحتقار الناس له، ويعلم أن ممدوحه يزدريه لكذبه، وهو أول المتخلين عن ممدوحه إذا عصفت به الأقدار. وقد تصل بالمتملق الصفاقة أن ينظر إلى من هو دونه باستصغار حتى إذا رأى فيه بصيص منفعة وإذا به ينظر إليه بإكبار، ويبدأ التملق بسيلٍ من المديح الفارغ.
وعلى النقيض يأتي ما عبر عنه علي عليه السلام" التقصير عن الاستحقاق " وما أكثر ما نراه! فكم من كلام جميل أو عمل جليل لا يلاقي إلا صمتا كصمت القبور، فلا يزال قائله أو فاعله يضرب أخماسا لأسداس: هل فعل قبیحا أم قال هَجراً أم أن صمت القبور نتج عن حسد أم بلاهة أم عجز عن الفهم، أم أنها لا أبالية سقيمة! ويظل يضرب أخماسا لأسداس، وكل ما يستطيع قوله: لا يعلم سبب ذلك الصمت المريب إلا الله والراسخون في العلم!
1043 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع