هادي جلو مرعي
في السودان تحظى الأبقار بأهمية كبيرة ،فهي تعيش وتعتاش في بلد يسمونه (سلة الغذاء العربي) ،
وفي الهند تختلف مكانة البقرة فهي كائن شبه مقدس له حرية الحركة والفعل دون حسيب أو رقيب ، ربما يذكرني ذلك بالناقة التي تلد عشر بطون فتكون ( بحيرة) ترعى دون أن يمنعها أحد من الخوض في ممتلكات الغير ،وكان ذلك في زمن الجاهلية التي كانت تعصف بالجزيرة العربية ،وليتها بقيت لكنا اليوم في حال أحسن ، فقد كنا كعرب نمجد الحيوانات ونحترم حضورها ،وصرنا اليوم نسابقها على فعلها ،فنحن نلدغ كالأفعى ، ونعض مثل الكلاب ، وننهش مثل الكواسر ، وننطح مثل العجول ،ونفعل ماتعجز عن فعله الحيوانات فاقدة العقل والإدراك الواع.
في بعض البلدان العربية المتخلفة ،بالطبع لك أن تعيش بالطريقة التي تفرض عليك، وليس لك من حق في الإختيار لنمط العيش والوجود والتفكير فأنت مسير ، لامخير، وعليك أن تطيع لشيخ العشيرة حتى لو كان بلاعقل ، ولرجل الدين حتى لو أودى بك الى الهلكة ، وللسياسي حتى لو سرق الخزينة العامة والخاصة، وهوى بنفسه والبلاد الى وهدة سحيقة لاقرار لها ،وعليك أن تطيع لكثير من العناوين والتسميات دون نقاش وفق شعار ( نفذ ولاتناقش)..وهذا الحال هو عنوان لحياتنا ووجودنا ، فكل من يحكمنا متخلف ، وليس له من الإدراك سوى مايلبي سلطته بغض النظر عن المسميات والعناوين حتى ليندب المثقف الواع والمدرك حظه أن يعيش في بيئة مطلوب منه ان يرضخ فيه لسلطة الجهل والتخلف والإنحطاط والترد .
وفي عود لحكاية البقر فأنا بصراحة أكتشف كل يوم شيئا جديدا في بيئة فقيرة بالحيوانات المشهورة كالزرافة والأسد والنعام والحمار الوحشي والأفاع العملاقة والفيلة والكركدن والتماسيح والطيور الجارحة وغير الجارحة ،وليس من حظ لهذا البلد لتكون فيه هذه المسميات فبقي بلدا للحمير المرهقة والمعذبة ،وللأبقار المهانة ،وللأفاع الغدارة ،وللعقارب الموجودة في كل العالم ،وللكلاب العاوية اللاهثة بلاقرار ،وللماعز والأغنام التي قد تنقرض يوما ما فلا يعود من حيوانات في بلد يرى البعض من سكانه إنهم يعيشون في ظروف غاية في الصعوبة ،لاتتوفر لهم الخدمات التي تشعرهم بكرامتهم وإنسانيتهم فصاروا يرون في الحيوانات عالما أفضل حالا منهم ،وربما حسدوا الحيوانات التي تعيش في بلاد أخرى.
للبقرة تلك ولرفيقاتها من البقيرات في الشاحنة الكبيرة تلك الشكر كله والعرفان والإمتنان كله، فقد كنت من يومين أمر بنقطة تفتيش عسكرية مزدحمة للغاية ،وكان الحر على أشده لايتحمله حمار لكني تحملته لأن قرار الإستحمار والتحمل ليس بيدي وعلى وفق شعار ( مكره أخاك لابطل ) ،وكان الشارع لايصلح لمرور السيارات ولا الحيوانات ،كانت تملؤه الحفر والمطبات والعوائق والحواجز والتراب ،وكان الرصيف في ذمة التاريخ والفساد ووووو ولم أعرف كيف أمر، وكان هناك طريق جانبي تمر منه الأرتال العسكرية وسيارات ومواكب المسؤولين ويسمح للشاحنات الكبيرة المرور منه عندما يشتد الزحام ،وفي الأثناء جاءت شاحنة تحمل ثلاث بقرات ضعاف ومرت من الطريق الخاص ،وحينها فكرت وفكرت وقررت اللحاق بشاحنة الأبقار وتعقبتها بسرعة ومررت خلفها مباشرة حتى إني لم أترك مجالا للشرطي أن يعترضني ،وكنت جهزت الجواب لو سائلني، حيث كنت سأجيبه ، أنا مع الأبقار !!
1000 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع