وفيق السامرائي
يخطئ من يعتقد أن الصراع مع «الإخوان» كان محسوما مسبقا بسبب التباين الشاسع في موازين القوى بين القوات المسلحة والأمنية بكل فروعها وتشكيلاتها، وكتلة حزبية عمرها 80 عاما..
«فالإخوان» منتشرون في كل المدن بكثافة لا يستهان بها، ومنظمون ومشحونون فكريا، ويستندون إلى إمكانات مالية بعضها يرد إليهم من أطراف عربية معلومة لها طمع في مصر، ومنها من له نظرة سلبية تجاه الجنرالات، وهو ما يظهر بوضوح على ألسنة التابعين بطريقة أو بأخرى.. فضلا عن إصرار قيادة «الإخوان» على البقاء في الحكم.
قائد مثل الجنرال السيسي عمل في المعاهد العسكرية والتشكيلات القتالية والأمن وإدارة المخابرات الحربية، لم يكن ليقدم على خطوة عزل الرئيس لولا استناده إلى تقدير موقف شامل، لأن التصدي لـ«الإخوان» كان مغامرة خطيرة من وجهة نظر العديد من المراقبين، لا سيما في ظل إرادة البقاء الصلبة للرئيس المعزول والمرشد والطبقة القيادية في التنظيم. إلا أن الجنرال والقادة وهيئات الركن أثبتوا مهارة في تتبع حركة المعلومات والوصول إلى نتائج حاسمة في تقدير الموقف.. لذلك بقيت النشاطات على الجانبين تحت سيطرة مقبولة.
المعضلة كانت متشعبة، ومنها القلق العام على مدى بقاء عناصر قوة الدولة متماسكة في مجابهة تيار يتكون من مئات آلاف الأشخاص مسندين بمئات آلاف أخرى من المؤيدين والمتعاطفين والمناصرين. وكان اختبار قوة التماسك حالة مميزة عن الجيوش العربية التي تعرضت لحالات مماثلة أو مقاربة، فلم نسمع عن انشقاق جندي واحد وليس ضابطا برتبة صغيرة أو جنرالا.. بينما أخذ الصراع بعدا خطيرا من التماس المباشر في وسط المدن لمدد كانت بداياتها متداخلة.
ضعف «الإخوان» في الثقافة العسكرية، وعدم وجود جيوب مؤيدين لهم في القوات المسلحة والأمن، وكفاءة هيئات الركن ومؤسسات الأمن، ودقة سجلات المعلومات عن قيادات وأسلوب عمل ومخابئ «الإخوان»، جعل سير العمليات ضمن برامج الخطط دون مفاجآت كبيرة، وأربك قيادات الطرف المقابل كثيرا. وفي المقابل، ارتكبت قيادة «الإخوان» أخطاء فادحة عندما حاولت إحباط القيادة العسكرية المدعومة شعبيا، معتقدة أنها ستتمكن، من خلال نشر حالة الاضطراب، من التأثير على وحدة القوات المسلحة وإرادتها، وهو مظهر ثبت نقيضه بتدابير وخطط التصرف خلال الأزمة. وكان من بين أسباب هذا الخلل «الإخواني» عدم وجود قائد عسكري يميل عمليا إلى فكرهم.
عكست صور البث المباشر حركة سيارات صالون بين المدرعات المكلفة بقطع الطرقات، وكان في داخلها عناصر من قوات الأمن تتحرك على ما يبدو في مناطق الاضطرابات الأولية لمتابعة وضع الأهداف المهمة وحركة المعلومات. وهو أسلوب أسهم في تأمين فرصة إنذار مناسبة لقوات الأمن والمدرعات للحركة ولتأمين المقتربات المؤدية إلى المواقع الحساسة، مما ساعد في تأمين حماية تامة للأهداف الأكثر أهمية وحساسية كإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، التي كانت عيون «الإخوان» موجهة إليها، لاعتقادهم بأنها من أهم أذرع الجنرال السيسي، لما لها من تأثير كبير في القوات المسلحة والعلاقات الخارجية أيضا.
وأصيب «الإخوان» بصدمة جراء عدم مبالاة القيادة العسكرية بالموقف الأميركي، وتلقيها دعما خليجيا، وعربيا، من بغداد - حيث اتصل رئيس وزراء العراق بنظيره المصري - إلى اليمن وموريتانيا، عدا محطات مضطربة هنا وهناك. وبقي الخطاب الرسمي هادئا إلى حين احتواء تحركات الجمعة الماضية، حيث بدأت مرحلة العمل لإبعاد «الإخوان» من الحياة السياسية بعد أن لجأوا إلى التصعيد. ولم يكن غريبا أن يصاب سياسيون شاركوا في عملية عزل مرسي بصدمة المواقف والقرارات الصعبة، فتخلوا عن مواقعهم وتوارى بعضهم كليا عن الساحة بطريقة مثيرة، تظهر أن مشاركتهم في «الثورة» على حكم الرئيس مبارك كانت محسوبة طبقا لعزوف الرئيس عن استخدام القوة، وهذه حالة مشخصة في كثير من الثورات والاحتجاجات العربية.
ورغم الصعوبات والتعقيدات التي ستواجه مصر، والضحايا المأسوف على وقوعهم من كل الأطراف، فإن القيادة العسكرية والأمنية تجاوزت على ما يبدو مرحلة الانفلات، استنادا إلى تأييد شعبي كبير، ومؤسسات دولة مدنية، وتماسك عسكري وأمني مميز، وخسر «الإخوان» فرصتهم في الحكم عربيا، إلا أن مرحلة الشد والاستنزاف ستستمر لبعض الوقت. أما حقيقة عدد الضحايا، فلا تتوافر معطيات يعول عليها. وفي كل الأحوال، لا غنى عن الحوار ولا عن التعاطي الإيجابي الهادئ.
974 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع