قصة مقصوصة

                                  

                       علي السوداني

لم أعد أتذكر تفاصيل تلك القصة المدهشة . كنتُ قرأتها قبل ثلاثين سنة . وقع هذا في تمام بغداد العباسية . قد أُبدِّل وجهَ الجمل الثلاث الفائتات ، وأُبقي على الجوهر والمهوى ، نشداناً لدقة الواقعة ، ولذّة الوجع المعمول ، من عصير الذاكرة ، وسخمة الليلة.

سأكتبُ أنني لم أعد أتذكّر من تلك القصة المدهشة ، سوى خيالات مغبّشة ، مثل حلم عزيز . كان عنوان القصة القصيرة هو " قبو البصل " وهي من نتاج الألماني الفذّ ، غونتر غراس . لم تكن طويلة جداً ، لكنها ليست من الجنس الذي يسميه النقدة الغاوون ، قصة قصيرة جداً . أظنها ساحت على خمس صفحات مسوّدات بخطِّ يدِ غراس . هذا التعديل الشكليّ ، يتّصل بالجملة التي تشيل فوق تائها المربوطة ، ألرقمَ واحد . أمّا ألجملة الثانية القائمة قبل سبعة سطور ، فهي تشير إلى زمن قراءة النصّ . أقصد وقت قراءتي وفروغي من قصة قبو البصل المذهلة . لا أعتقد أنَّ ثلاثين سنة ، قد تراكمت ونامت وتعفّنتْ فوق تلك الواقعة . أعني حادثة قراءة القصة المقصوصة . قد يكون الأمر ، هو محض دسيسة ، أزرعها اللحظة ، من أجل تعتيق وتخمير النصّ . أقصد نصّي الذي أُحاول بناءه الليلة ، بتحفيزٍ من سياط ذكرى بعيدة . سأدمغ أنني كنتُ قرأتها ، قبل سبعٍ وعشرين سنة . ربما كانت أزيد من عشرين ، وأقلّ من ثلاثين . هكذا أكون قد أعطيتُ المسألة ، بُعداً أخلاقيّاً ، يسترها من التزوير . في هذا المفصل المُفَصَّلْ ، أشعر أنّكم قد كرهتموني . قد يرغب أحدكم ، في منظر بعير قويٍّ ، يدبكُ فوق صدري ، وقد يقول قائلٌ منكم ، إنَّ الولد الكاتب الإبتدائي ، سيذهب بنا إلى الشطِّ ، ويُعيدنا منه عطاشى أو تحت الأبط ، وقد يسوء الأمر ويتردّى ، فتتوقّف كثرة منكم ، عن مواصلة قراءة النصّ ، إمعاناً في إهانة وتتفيه الكاتب الإبتدائي الذي يتوسَّلكم الليلة ، أن تصبروا عليه وتصابروا . على الجملة التي تحمل فوق دالها الرقم ثلاثة ، سأُجري كثير تعديلات ، تستدعي عظيمَ صبر وجَلَد . سأُنعشُ أمخاخكم ، وأُخفّف عنكم ، وعثاء ووحشة الرجوع صوب أول الحكي ، وأُعيد عليكم في هذا الموضع النابت ، رسمَ الجملة الثالثة ، كما إنولدتْ أولَ مرة . كنتُ كتبتُ في مفتتح القصِّ :-

وقَعَ هذا في تمام بغداد العباسية . سأمحو مفردة " تمام " وسترون أنّ جملتي الحلوة الفائرة مثل صبية ناهدة ، لم تنثلم . كان عليَّ منذ البدء ، أن أكتبَ أنني قرأتُ قصة غراس ببغداد العبّاسية ، لكنَّ سلطان مفردة " تمام " قد أغواني . قبل ثلاثة سطور مسطّرات من الآن ، وعدتكم بأنني سأُدخل الكثير من التبديلات والإزاحات والنقشات والقفشات والرسمات ، على جسد الجملة الثالثة . بغداد مدينة عظيمة . أقصد شاسعة وكبيرة . سأكتفي بمفردة " كبيرة " لأنّ شاسعة هي أُخت كبيرة ، وإنَّ ترك المفردتين نائمتين معاً ، فوق جسد النصّ ، قد يُدخله في باب الحشو والترقيع والمطّ والّلغو الزائد . بودّي أن أكدح وأكدّ على أعتاب هذا المنعرج ، لكنْ ثمة مراسيل خفية ، مزعجة ومريبة ومتلفة ، أكاد أتعثّر بها ، وهي تنزخُّ على أوشال ليلتي . مفردة " أوشال " ذكّرتْني بكأسي الفارغة . سأهجرُ النصَّ قليلاً ، وأٌيمّمَ خلقتي صوب المطبخ . عندي قارورة شراب ، شيوعيّ طعمهُ وهواه ، إسمه " فودكا " وهو من الصنف الذي حدّثني عنه ، حِسَب الشيخ جعفر ، بباب رحلته الموسكوية الماجدة . ألزجاجة عظيمة ، وإنْ شفطتُ نصفها ، سينفلت من بين يديَّ ، ألخيط والعصفور والقصة ، لذا سأقتنع بكأسٍ

أخيرة ، سمينة مخلوطة بمطرة عصير ، إسمه الإفرنجي " كريب فروت " وتشتله الناس البغادلة ، تحت مسمّى " سندي " وهو من فصيلة الحمضيّات ، ألتي منها ، النومي الحامض والنومي الحلو والبرتقال ، وقد يكون السنديّ ، نتاج عملية تنغيل وتطعيم مهولة ، وهو لا يخلو من لذعة مرارة محبّبة ، وقد يصل حجمُ واحدة من مقطوفاته المتأخرات ، حجم بطّيخة سامرائية مبروكة . في طريق عودتي من المطبخ إلى الشرفة المشرفة ، إنولد سطر الكمال ، ألذي سأربط فيه حابل ما فات من القصة ، بنابل ما سيأتي لاحقاً .

كأسي شائخة . فكرتي تائهة . أنا مرتبك مثل فاضل الخياط . أظنني فعلتُ هذا بكم من قبل . ربما مرة . سبع مرات تامّات . آسف جداً . ألمخلص علّوكي . عمّان حتى الآن . عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عمّان حتى الآن

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع