أ.د. ضياء نافع
هديتي لعام ٢٠٢٣- كتاب صادرعام ١٩٦٣
ما أجمل هديّة زملائي الروس في الدراسة بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو بمناسبة حلول العام الجديد 2023 , اذ قدّموا لي كتابا صادرا عام 1963 , وقالوا لي , انهم اختاروا هذا التاريخ بالذات , باعتباره رمزا لتلك السنوات الطلابية الجميلة التي قضيناها معا قبل اكثر من 60 عاما بالتمام والكمال , عندما كنّا ندرس اللغة الروسية وآدآبها في كليّتنا الحبيبة . لقد تقبّلت طبعا هذه الهدية الرمزية الرائعة بحب كبير وامتنان , واريد ان اتحدث لكم قليلا عن هذه الهدية الثمينة جدا وقيمتها الجمالية بالنسبة لي , وأظنّ ( رغم ان بعض الظنّ اثم) , ان الهدية ذات الطبيعة الثقافية المرتبطة بالادب الروسي يمكن ان تكون – بعض الاحيان - موضوعا طريفا للقارئ العربي , الذي يتابع هذا الادب وشعابه و تفرعاته العديدة .
عنوان هذا الكتاب – الهديّة هو ( المعاصرون ) , وتحت ذلك العنوان يوجد عنوان ثانوي هو ( بورتريتات و دراسات ) , والكتاب صادر عام 1963 ضمن سلسلة كتب ( حياة الاعلام , او , حياة المشاهير , او , حياة الناس الرائعين حسب الترجمة الحرفية) , ويقع الكتاب في( 700) صفحة من القطع المتوسط , وقد تمّ طبع( 100 ) الف نسخة منه في حينها ( كما تشير الى ذلك الصفحة الاخيرة ) , ومؤلف الكتاب هو الاديب الروسي و السوفيتي والناقد الادبي والمترجم والصحافي كورني ايفانوفيتش تشوكوفسكى ( ولد في القرن التاسع عشر عام 1882 بمدينة بطرسبورغ في روسيا الامبراطورية وتوفي في القرن العشرين عام 1969 بمدينة موسكو في الاتحاد السوفيتي ) , والمؤلف معروف بشكل جزئي للقراء العرب من خلال بعض كتبه المترجمة الى العربية في ادب الاطفال ( وهو طبعا أحد عمالقة هذا الادب في الاتحاد السوفيتي , وفي روسيا الاتحادية و لحد اليوم ) , وعلى غلافي الكتاب ( اي الغلاف الاول والاخير) عدة صور لمجموعة من الادباء والفنانين الروس المعاصرين للمؤلف , والذين يرسم تشوكوفسكي صورا قلمية لهم ( بورتريتات) ويكتب دراسات طريفة وعميقة وتفصيلية عنهم كما يشير العنوان الثانوي , وهم ( حسب فهرس الكتاب ) كل من-
تشيخوف // كورولينكو // كوني // غارين // بوريس جيتكوف // كوبرين // ليونيد أندرييف // غوركي // سوبينوف // ساشا تشورني // لوناتشارسكي // ألكساندر بلوك // ماياكوفسكي // يوري تينيانوف // كفيتكو // ماكارينكو // ايليا ريبين .
أكثرية هذه الاسماء معروفة – بشكل او بآخر وبمستويات مختلفة - للقارئ العربي المتابع للادب الروسي , وكل تلك الاسماء طبعا معروفة – وبكافة أبعادها الفكرية – للقارئ الروسي , ولكن كورني تشوكوفسكي رسم صورهم القلمية بشكلل جديد ومبتكر , ولهذا , فقد جاءت هذه (البوريتريتات ) تنبض حيوية , اذ انه تناولها من جوانب اخرى , ورسمها ( على غرار الرسّامين في الفن التشكيلي) وهم تحت شعاع شمسه الخاصة به , اي , وجهة نظره الذاتية وآرآئه النقدية ومعرفته المعمقة عنهم , ولا يمكن طبعا التوقف عند كل اسم من هذه الاسماء اللامعة والتحدث عن خصائص الصورة الجميلة التي رسمها تشوكوفسكي له , الا اننا نود هنا ان نشير الى ملامح وجيزة عن تشيخوف وغوركي ليس الا , اذ ربما يمكن لتلك الملامح الخاطفة والملاحظات الدقيقة والصغيرة عنهما ان تقدّم للقارئ صورة تقربية لهذه البوريتريتات الفنية المدهشة , التي رسمها تشوكوفسكي لمجموعة كبيرة من هؤلاء الاعلام الذين عاصرهم في حياته الطويلة ( اذ انه عاش حوالي 90 سنة تقريبا) .
نبتدأ بتشيخوف , الذي كتب المؤلف عنه اربعة فصول باكملها ( من ص 5 الى صفحة 122 ) , فقد ربط , مثلا , وقائع طريفة ومحددة من سيرة حياة تشيخوف ببعض نتاجاته الادبية , واستشهد بمقاطع من رسائل تشيخوف نفسه لاثبات تلك الوقائع , وتحدّث بعمق عن تواضع تشيخوف , وأشار الى رسالته , التي ذكر فيها , ان الرقم واحد بين مشاهير الادب والفن الروسي يرتبط بتولستوي , والرقم الثاني بالوسيقار تشايكوفسكي , اما هو ( اي تشيخوف ) فقد حدد لنفسه الرقم( 887) في سلسلة هؤلاء المشاهير.
ونتوقف قليلا عند غوركي , الذي كتب تشوكوفسكي عن ذكرياته الشخصية حوله , اذ تحدّث كيف كان غوركي يلقي كلمة عن تولستوي , وعندما وصل الى جملة (... ومات تولستوي... ) , لم يستطع غوركي لفظ هذه الجملة , فتوقف وترك المنصة , فذهب اليه تشوكوفسكي ووجده يقف عند النافذة وهو يبكي , ويسرد مؤلف الكتاب كيف عمل مع غوركي في عشرينيات القرن العشرين بمشروع ترجمة مختارات من مكتبة الادب العالمي , وهو مقترح غوركي , الذي تبنته الحكومة السوفيتية آنذاك , كي يطلع القارئ الروسي على افضل مصادر الادب العالمي , وكان غوركي يرأس اجتماعات لجنة انتقاء الكتب ومترجميها اسبوعيا , وكان تشوكوفسكي احد اعضاء تلك اللجنة ( عن المكتبة الانكليزية والامريكية ) , وكان من جملة اعضاء اللجنة الاكاديمي المستشرق الكبير كراتشكوفسكي (عن المكتبة العربية ) , والشاعر والمترجم غوميليوف ( عن المكتبة الفرنسية ) , وغيرهم , علما ان هذا المقترح الرائع لغوركي لا زال قائما لحد الان , وتنفّذه اكاديمية العلوم الروسية .....
شكرا لزملائي الروس على هديتهم الثمينة , والتي يجب ان ارجع لها حتما , اذ ان الافكار الموجودة على صفحاتها حول الادب الروسي تتماوج فكرة بعد فكرة مثل امواج البحار.....
1191 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع