محي الدين محمد يونس
مفارقات من الحياة ٦ــ "كل عقدة ولها حلال"
تخرجنا أنا وزميلي حسين علي العبوسي من كلية الشرطة في عام 1969 (الدورة 23) ومنحنا رتبة ملازم شرطة وبعد تخرجنا من كلية القانون في الجامعة المستنصرية وحصولنا على شهادة البكالوريوس في القانون عام 1971 تم تنسيبنا للعمل في شعبة المشاور القانوني في مقر آمريه قوة الشرطة السيارة في بغداد وكان مدير الشعبة ضابط برتبة مقدم حقوقي وكان رجلاً هادئاً ولطيفاً وكنا منسجمين معه في علاقتنا والعمل إلا في مسألة كانت تسبب لنا الضجر وعدم الارتياح عندما كان يتصل بنا في اغلب صباحات الأسبوع ليطلب منا ارسال الشرطي كاظم والذي كان يعمل في خدمتنا (يسمى في العرف العسكري مراسل) ويقوم بدوره بأرساله على مسكنه ليقوم بمعاونة زوجته في انجاز الاشغال المنزلية في الطبخ وغسل الصحون والملابس وتنظيف المنزل وكنت وزميلي حسين نبقى في حيرة من امرنا حيث نبقى بدون معيل ومن يقضي لنا حاجاتنا في الدائرة وتلبية طلباتنا وتمشية امورنا الضرورية وكانت الحاجة تدفعنا في كثير من الأحيان للاعتماد على انفسنا في هذا الشأن او نكلف البعض من المنتسبين الكتبة في شعبتنا، وبعد ان أصبحت الحالة والاستمرار فيها لا تطاق اقترح عليَّ زميلي حسين ان نقابل مدير الشعبة ونطرح عليه معاناتنا وشقائنا من جراء بقائنا بدون مراسل في أغلب أيام الأسبوع وأن يترك مراسلنا ويعفيه من هذه المهمة التي استمر عليها دون توقف، طلبت من زميلي حسين التريث وتأجيل مواجهة المدير تجنباً لإغاظته وابتغاء للحفاض على أواصر العلاقة الحسنة معه وان يمنحني الفرصة لتنفيذ خطة جهنمية تجول في فكري لحل هذه المشكلة مع المدير وعلى الفور استدعيت كاظم والذي حضر امامنا بادرته بالقول ... كاظم انت رجال لو لا... اجابني غاضباً ليش سيدي آني شمسوي حتى تعتبرني مو رجال اجبته ... لا تزعل اعمالك خلتني احجي وياك بهذا الشكل ... تروح لبيت المدير وتشتغل شغل النسوان تنظف البيت وتكنسة وتطبخ وتغسل المواعين والملابس... اترك هاي الشغلة عيب عليك وكان زميلي حسين يؤيدني في كلامي، كانت إجابة كاظم قوية جداً حين قال ... زين انتو ضباط اثنين وآني اشتغل عدكم وانتو ما تكدرون تفاتحون المدير أن يتركني وما تكدرون ترفضون طلبة ... زين آني الشرطي الفقير المكرود شلون اكدر ارفض اوامرة اجبته كاظم كلامك صحيح مية بالمية بس المشكلة بيك انت تروح لبيت المدير تشتغل بكل جد وإخلاص وتلبي وتنفذ كل طلبات مرت المدير بدون كلل او ملل. سيدي لعد شسوي ... كاظم خربط بالشغل نظف هنا وصخ هناك... اكسر حاجة كلما تروح عدهم حتى
صورة تجمعني مع الزميلين على يميني عبد الهادي ثم حسين عام 1972 في مقر قوة الشرطة السيارة في بغداد
يضوجون منك ويرجعوك للدائرة ويجوزون من تكليفك بهاي الشغلات اللي ما تليق بيك.
في اليوم التالي ومع بدايات الدوام الرسمي جاءنا اتصال هاتفي رد عليه زميلي حسين وكان من ظاهر الحال يدل بأنه المدير، وضع زميلي السماعة وضغط على الجرس ليدخل كاظم الى الغرفة ليقول له... كاظم المدير طالبك وكاظم يحدق النظر لي وانا أقول له خوما نسيت... التعليمات مال البارحة ... حافظ على سريتها وطبقها والنصر حليفنا.
انصرف كاظم وكانت المفاجئة عودته مبكراً في الساعة الحادية عشر من صباح ذلك اليوم خلاف الأيام السابقة حينما كان يكلف بهذه المهمة وما كان يعود الا في اليوم التالي ودخل الغرفة وأدى التحية العسكرية بكل قوته لم نألفه يؤديها بهذا الشكل، بادرناه ها كاظم اليوم راجع من وكت شنو القصة اجابنا ... الله يستر.. ليش شكو شصار موجهاً كلامه لنا ... سيدي كسرت الكنتور مال بيت المدير ومرته صارت عصبية ورزلتني وطردتني ...
زميلي حسين، غضب على راسك هسة انت ما لكيت شي تكسره الا الكنتور
سيدي – كلت ويه نفسي لوما اكسر شي لو اكسر شي يسوه وعندما طلبت مني مرت المدير تحويل الكنتور إلى غرفة ثانية رفعته وضربتة بالكاع تفصخ وصار وصلة وصلة والمرايات صارت ميت وصلة..
بعد عودة كاظم من دار المدير الذي اتصل بنا وطلب إعادة كاظم الى فصيل الواجبات واستبداله بشرطي آخر، من حسن حضنا كان آمر فصيل الواجبات الملازم صبيح وكنت والأخ حسين على علاقة وطيدة معه افهمناه بفحوى الحكاية ورباط الفرس فأصر على عدم وجود بديل للشرطي كاظم وبعد رد ورد استمر في العمل لدينا ولم يطلبه المدير للعمل في مسكنه مرة أخرى. قد يتساءل البعض عن كيفية تلقيننا لكاظم للقيام بهذا المخطط الجهنمي وعدم اخذنا بنظر الاعتبار افشاء هذا السر لمديرنا من قبل كاظم باعتبار عمل المدير وتصرفه يشكل مخالفة صريحة للقوانين والتعليمات التي لا تسمح باستخدام الشرطة في دور مرؤوسيهم من الضباط، ومحاسبتنا والشرطي كاظم تكون تداعياته أكثر ضرراً وتأثيراً عليه.
ومع كسر الكنتور من قبل كاظم نكون قد وصلنا الى نهاية حكايتنا هذه والتي نأمل أن تكون قد راقت لكم.
وقبل ذلك فاتني ان اتطرق الى زميلنا المفوض عبد الهادي الباوي الذي كان يعمل معنا في نفس الشعبة وكان طيباً ومؤدباً إلا انه كان بخيلاً بدرجة لا توصف (عص) وكانت جيوبه مليئة بالنقود على طول الخط في حين كنا انا وزميلي حسين نقضي على رواتبنا في بداية كل شهر ونضطر للاستدانة منه بعد ان نتحرش به ونعرضه لأنواع المقالب ... وأخيراً اترككم في حفظ الله ورعايته.
3037 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع