بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة (گودة) -الجزء الثاني
من لم يتسنى له الاطلاع على الجزء الاول فبامكانه مراجعته من خلال هذا الرابط
https://algardenia.com/maqalat/56375-2022-11-16-09-08-44.html
عند وصول المحقق سلمان الى مركز الشرطة وجد سيارة الدكتور اكرم الخاصة جاثمة بموقف السيارات فابتسم بداخله وقال سابلغه شفهياً بكل ما جمعت من ادلة اليوم. دخل المركز ليجد الدكتور اكرم جالساً مع عبد الخالق رئيس المخفر فحياهما وجلس ليتلو عليهما كل ما استجد معه بخصوص القضية وعندما اكمل تقريره قال رئيس المخفر،
عبد الخالق : لقد انتقلت گودة بشكل مؤقت الى بيت خالي عبد الله لان زوجته ام سعدون تطوعت كي تعتني بها شخصياً.
د. اكرم : هذا شيء يسعدني جداً، بارك الله فيها. على العموم هي قريبة منا بالعوينات وبالامكان الاتصال بها متى ما شئنا.
عبد الخالق : اجل، اجل انها ليست بعيدة. وماذا عن نتائج استجواب سهيلة؟
د. اكرم : لقد قمت بالتحقيق بنفسي في بغداد وهددتها بالاعدام لكنها لم تنطق بشيء. على ما يبدو انها خائفة من ردة فعل الوحش إذا ما عرف بانها افصحت عن اسراره. وهذا يدل على انه شخص متنفذ ولديه سلطة كبيرة بالدولة. لكنني اكدت لها بان السيد رئيس الجمهورية حفظه الله منحنا كامل الصلاحيات حتى لو كان الفاعل واحداً من اولاده. الا انها اصرت على ان تتكتم عن شخصية الوحش وتلتزم بالصمت.
المحقق سلمان : ربما لو ان سيادتك تقوم باستعمال المعلومات التي حصلت عليها اليوم بخصوص المختار ابو فرات وبيتها القديم. فقد تحفزها بتلك المعلومات وتبدأ بالحديث عن الوحش.
د. اكرم : ساحاول ذلك بالطبع. سارجع الى بغداد غداً واستجوبها من جديد.
انفض الاجتماع ورجع المحقق سلمان الى الفندق كي يريح بدنه من ذلك المشوار الطويل المضني. وبنفس اليوم اتصلت ام سعدون وتحدثت مع عبد الخالق آمر المخفر لتخبره بانها تريد زيارة اختها في بغداد وانها سوف تأخذ گودة معها كي ترفه عنها قليلاً لان اختها ام لثلاثة فتيات شابات كلهن قريبات من عمر گودة. فابدى موافقته على ان تكون مستعدة لاعادتها للعوينات إذا ما طُلب منها ذلك، فوافقت على شرطه. وبنفس الامسية سافرت ام سعدون مع گودة الى بيت اختها ام حليمة بمنطقة زيونة في بغداد. فاستقبلتهما استقبالاً حافلاً وعرفتها ببناتها الثلاثة حليمة، هدية واميرة. فرحت گودة بصحبة الفتيات الثلاثة لانهن كنّ قريبات من عمرها وتستطيع ان تتفاعل معهن بشكل سلس. وعندما جاء وقت النوم، فرشت ام حليمة فراشاً على الارض كي تنام عليه گودة في غرفة بناتها. الا ان بناتها رفضن ان ينمن على اسرّتهن الثلاثة بل فرشن ثلاثة فرش على الارض ونمن بجانب ضيفتهن گودة التي كانت في غاية السعادة لانها اجتمعت ببنات بسنها لاول مرة في حياتها. لم تغفوا اعينهن فور دخولهن الفرش لانهن كن يتحدثن عن كل شيء ويتهامسن ويقهقهن كثيراً حتى ساعات متأخرة من الليل.
<<<<<<<<<<
بعد مرور اربعة ايام وفي الصباح الباكر استيقظت ام حليمة واختها ام سعدون ورحن يهيئن وجبة الافطار سوية حين قامت ام حليمة باستدعاء الفتايات للطعام لكن حليمة تأففت عندما رأت الخبز البائت، لذا قالت لها امها،
ام حليمة : حسناً، اذهبي الى حانوت ابو تحسين واجلبي لنا بعض الخبز الطازج على جناح السرعة.
سمعت ام سعدون حديثها فرن جرس مدوي برأسها وبدأت تفكر وتعاود الاسم ابو تحسين ابو تحسين ما هذه الصدفة العجيبة؟ لقد ورد هذا الاسم بالتحقيق في قضية الفتاة، هذا ما قالته گودة. يا الهي، هل يمكن ان يكون نفس الدكان الذي اعتادت التسوق منه قبل ان تُختطف؟ لا مستحيل. الطفلة مختطفة في مدينة العوينات ونحن الان في بغداد. لكن ماذا لو ان الوغد لم يختطفها من العوينات بل من بغداد وأتى بها فيما بعد الى العوينات كي تقوم سهيلة بحراستها وتدريبها ليزورهما هو بين الحين والآخر كي يفعل بها اعماله المشينة. يا الهي لا اصدق ذلك. لا يمكن لاي انسان ان يكون بهذه الخسة والدنائة. يجب ان اتصل بعبد الله واخبره بالامر، ربما سيهزأ مني لاننا في بغداد وإن الاحتمالية غير واردة مطلقاً. وبينما كانت تفكر في الاتصال به سمعت صراخاً هستيرياً مرتفعاً يشبه صفارة الانذار يأتيها من غرفة الاستقبال ركضت الى مصدر الصوت واذا بها ترى گودة واقفة بوسط غرفة الاستقبال تصرخ وتلطم على وجهها وتعود فتصرخ من جديد بصوت اعلى. شعرت بخوف كبير على الشابة فقامت باحتظانها محاولة تهدئتها لكن گودة لم تهدأ ولم تكِنّ ابداً بقيت تصرخ وتضرب وجهها بشدة. حاولت تهدئتها من جديد وصارت تمسح على وجهها وتقبلها وتقول لها،
ام سعدون : ما الامر يا حبيبتي؟ ما الذي يزعجك؟ هل تشاجرت مع احدى الفتيات؟ هل قرصتك حشرة؟ ما الذي يبكيك؟ اخبريني يا عمري.
ولما هدأت قليلاً اشارت الى التلفاز باصبعها فنظرت ام سعدون الى التلفاز وقالت،
ام سعدون : لا تخافي يا عمري، انه جهاز تلفاز. انه بالضبط مثل الجهاز الذي عندنا ببيتنا بالعوينات. الم تري تلفازنا بالبيت؟
لكن الطفلة بقيت رافعة اصبعها صوب التلفاز ثم فتحت فمها وقالت،
گودة : الوحش. هذا هو الوحش، هذا هو الوحش.
ام سعدون : من هو الوحش حبيبتي. انهم يتلون نشرة الاخبار وليس فيها وحوش على الاطلاق. اهدئي وتمالكي اعصابك.
صرخت باعلى صوتها هذه المرة وقالت،
گودة : الــــــــــــــــذي بداخل التلفاز اقول لك انه الوحش، الوحش، الوحش.
نظرت اليه فسمعت هدية تقول،
هدية : يا خالة ام سعدون هذا وزير بالدولة، اسمه السيد خالد الشيخ يفتتح احدى المشاريع.
نظرت ام سعدون الى گودة مجدداً وسألتها،
ام سعدون : هل هذا هو الوحش؟
فهزت رأسها بالنفي وتوجهت صوب التلفاز لتلمس الشاشة باصبعها مشيرة الى شاب يقف خلف الوزير.
تفحصت ام سعدون وجهه وقالت،
ام سعدون : يا ترى من يكون هذا الشاب؟ اهو احد المرافقين او الحماية للوزير؟
فاجابتها هدية وقالت،
هدية : لا يا خالتي، هذا ابن الوزير واسمه صلاح خالد الشيخ. تظهر صوره دائماً بالمجلات والجرائد. والبنات بمدرستنا يهمن به لانه وسيم جداً.
نظرت ام سعدون وسألت گودة،
ام سعدون : هل انتِ متأكدة منه يابنتي؟ فهذا ابن وزير ولا يمكن ان يفعل كل هذه الافعال الشريرة.
گودة : اقول لك انه الوحش. لقد بقيت معه طوال تلك الفترة. كم حلمت انني اطعنه بالسكين واقتله. كل احداث حياتي كانت تدور حوله وحول الخالة فاطمة. انا متأكدة مما اقول.
ام سعدون : حسناً، حسناً حبيبتي، اهدأي الآن، سوف اتصل بعبد الخالق آمر المخفر واخبره بكل شيء.
رفعت سماعة الهاتف وطلبت الرقم فرد عليها عبد الخالق قالت،
ام سعدون : ابني عبد، انا زوجة خالك ام سعدون. ساخبرك بشيء مهم جداً بخصوص القضية.
عبد الخالق : تفضلي يا خالتي انا اسمعك.
ام سعدون : گودة لم تختطف في العوينات. لقد كانت تسكن ببغداد بمنطقة زيونة وقد اختطفها المجرم بالقرب من بيتها هنا.
عبد الخالق : أيعقل هذا؟ هل اخبرتك ذلك بنفسها؟
ام سعدون : كلا يا ابني. لقد عرفتُ ان هناك دكان لبيع المواد الغذائية هنا بزيونة وصاحبه يدعى ابو تحسين.
عبد الخالق : اوه، هذا لا يكفي يا خالتي. هناك الكثير ممن يسمون اولادهم تحسين.
ام سعدون : وماذا عن الملعب؟
عبد الخالق : ماذا تقصدين؟ اي ملعب هذا؟
ام سعدون : لا تنسى ان ملعب الشعب يقع بالقرب من منطقة زيونة وتقام فيه المباريات بين الحين والآخر.
عبد الخالق : اجل لكن هناك الكثير من الملاعب الرياضية بالعراق وهي منتشرة بجميع المحافظات.
ام سعدون : اسمع مني يا عبودي، اليوم شاهَدَتْ گودة المجرم الذي اسمه الوحش بالتلفزيون وصارت تصرخ بشكل هستيري. تعبنا كثيراً حتى هدأناها.
عبد الخالق : هل هو مطرب؟
ام سعدون : كلا، اخبرتني هدية ابنة اختي ان اسمه هو صلاح ابن الوزير خالد الشيخ.
عبد الخالق : اجل اعرف خالد الشيخ جيداً، انه وزير بالدولة. ولكن...
ام سعدون : اجل، اجل هو كذلك.
عبد الخالق : ولكن الطفلة يجب ان تكون متأكدة، لان ذلك سيسبب لنا مشاكل كثيرة إن أخطأت في تشخيصها.
ام سعدون : والله يا ابني بصراحة يبدو انها متأكدة مئة بالمئة.
عبد الخالق : المحقق سلمان جالساً الى جانبي الآن، ساخبره بما قلتِ على الفور.
وما هي الا ربع ساعة وانطلق المحقق سلمان بسيارة من العوينات الى بغداد متوجهاً الى العنوان الذي اعطاه له عبد الخالق رئيس المخفر. ومع الغروب وصل امام بيت ام حليمة ليدق الجرس فخرجت اليه ام سعدون وتستقبله وتدعوه ليدخل البيت. دخل الصالة فوجد النساء جالسات على الارائك ينتظرن قدومه. حياهن جميعاً وجلس امامهن فقدموا له الشاي والبسكويت. فتحت الحديث ام حليمة إذ قالت،
ام حليمة : بعد ان اتصلنا بك في الصباح جهزنا جهاز الفديو ووضعنا به شريطاً فارغاً للتسجيل تحسباً لاحتمالية اعادة بث الخبر الذي شاهدت فيه گودة الوحش. وفي تمام الواحدة بفترة نشرة الاخبار الثانية قاموا ببث المقطع الذي ظهر فيه الوحش في الصباح فقمنا بتسجيله هذه المرة. والآن سنعرضه عليك.
اومأت برأسها لابنتها هدية كي تقوم بتشغيل الفديو فظهر الوحش على الشاشة قال المحقق، "اوقفوا الشريط لو سمحتم اريد ان القي نظرة جيدة على وجهه". فاوقفت هدية المقطع وكان وجه الوحش بوسط الشاشة الا ان الصورة كانت تتأرجح وتهتز كثيراً فقامت بتسيير الشريط قليلاً ثم اوقفته ثانية ليكون وجهه بوسط الشاشة ولا التباس فيه ابداً. نظر سلمان الى گودة وقال،
المحقق سلمان : انظري الى هذا الوجه من جديد يابنتي. وتأكدي جيداً. هل هو نفسه الوحش؟
گودة : اجل، اجل انا متأكدة. لماذا لا تصدقوني؟ والله العظيم انه الوحش.
المحقق سلمان : نحن نصدقك لكن المرء يخطأ احياناً حينما تتشابه عليه الوجوه.
گودة : انا متأكدة، متأكدة، متأكدة.
المحقق سلمان : اريد ان اختلي بگودة لو سمحتم.
خرج الجميع من غرفة الصالة واغلقوا الباب ورائهم. تقرب المحقق من گودة وهمس في اذنها،
المحقق سلمان : هل لديه علامات فارقة؟
گودة : ماذا تقصد؟ ما معنى فارقة؟
المحقق سلمان : اقصد انظري الى يدك هذه. هناك شامة على يدك اليسرى بالقرب من معصمك وهذه الشامة بنفس المكان ليست موجودة بيد اي واحد من الناس وهذا ما نسميها بعلامة فارقة.
گودة : اجل، اجل كان لديه حفرة باعلى فخذه الأيسر قال انها اثر رصاصة اصابته في الماضي.
المحقق سلمان : هذا دليل مهم جداً. وهل لديه علامات اخرى؟
گودة : اجل لديه علامة اخرى غير موجودة عند اي انسان. لقد رسم جمجمة وعظمتين فوق... فوق... فوق... انت تعرف ماذا اقصد.
المحقق سلمان : اتقصدين فوق عضوه الذكري؟
اومأت برأسها خجلاً دلالة على التأكيد وقالت،
گودة : كنت عندما اراى تلك العلامة اخاف كثيراً واعرف انه اصبح جاهزاً لان يفعل بي ما يفعل.
المحقق سلمان : إذاً لدينا اقوى دليل الآن. بامكان باقي النساء العودة الى غرفة الاستقبال.
وقفت گودة وفتحت الباب لتستدعي النساء بالعودة الى غرفة الاستقبال فدخلن ورجعن الى مقاعدهن. فسأل،
المحقق سلمان : هل تأذن لي باستعمل الهاتف؟
اقتادته حليمة الى خارج الصالة وتركته يجري المكالمة. فرفع السماعة واتصل بالدكتور اكرم قال،
المحقق سلمان : السلام عليك سيدي. انا آسف لانني اتصل بك بهذه الساعة المتأخرة.
د. اكرم : وعليك السلام سلمان، لا تبالي فالوقت الآن هو الثامنة مساءاً. ما الامر؟
المحقق سلمان : اعتقد انني توصلت الى شخصية الوحش بشكل لا يقبل الشك.
د. اكرم : هل تستطيع ان تأتي الى بيتي الآن فانا متحمس لان اعرف التفاصيل. انا اسكن بحي العدل.
المحقق سلمان : انا اعرف عنوانك سيدي، ساتي الى عندك الآن.
د. اكرم : انا في انتظارك.
شكر سلمان النساء ووعدهن خيراً ثم انطلق باتجاه حي العدل. استقبله الدكتور اكرم واجلسه في الصالة واحضر له مشروباً بارداً ثم طلب منه ان يبدأ الحديث. قص سلمان على مسامعه كل ما دار ببيت ام حليمة وكيف شاهد شريط الفديو وما دار بينه وبين گودة سراً بخصوص العلامات الفارقة. ولما فرغ من الحديث كان د. اكرم يستمع اليه وهو مشدوهاً لا يصدق ما يقال له. نظر اليه ثانية وسأل،
د. اكرم : هل استنسخت شريط الفديو؟
المحقق سلمان : لا ليس بعد لكنني احظرت معي النسخة الاصلية.
اخذ الشريط منه ووضعه بجهاز الفديو ثم ضغط على زر التشغيل فشاهد المقطع الذي يظهر فيه صلاح ابن الوزير خالد الشيخ. ابتسم وقال،
د. اكرم : سوف نصدر مذكرة اعتقاله صباح الغد بعد ان نتحدث مع القاضي. اريدك ان تقوم باستنساخ هذا الشريط مفهوم؟
المحقق سلمان : مفهوم سيدي.
د. اكرم : والآن خذ معك الشريط وتصبح على خير.
المحقق سلمان : تصبح على خير سيدي.
خرج سلمان من بيت د. اكرم ينتابه شعور بالنصر المؤزر على ذلك الوحش الدنيئ. ركب سيارته وعاد الى بيته. وفي صباح اليوم التالي انطلق الى مكتبه بوزارة الداخلية ودخل القسم التقني ليطلب منهم استنساخ الشريط ليعملوا منه اربعة نسخ فقاموا بفعل ذلك تحت اشرافه لهم لانه لم يشأ ان يغيب الشريط عن عينه ولو للحظة واحدة. ثم اخذ الاشرطة الخمسة جميعها وعاد بها الى مكتبه. فور دخوله المكتب سمع هاتفه يرن فرفعه واذا به د. اكرم،
د. اكرم : يا سلمان هل استنسخت الشريط؟
المحقق سلمان : اجل سيدي عملت منه اربع نسخ.
د. اكرم : اجلب لي نسخة واحدة الى مكتبي ودعنا نطلب من القاضي كي يجهز مذكرة الاعتقال.
دخل المحقق سلمان المكتب وصاروا يعدون العدة كي ينقضوا على الوحش كما ينقض الصقر على فريسته ولما اتمّوا كل الاستعدادات. خرجوا بسيارة واحدة تتبعهم سيارتين من رجال الشرطة ليقفوا امام منزل الوزير خالد الشيخ ودقوا الجرس ففتحت لهم خادمة المنزل وسألت،
الخادمة : تفضل سيدي، من تريد؟
د. اكرم : اريد صلاح خالد الشيخ.
الخادمة : سيدي صلاح ما زال نائماً في غرفته في الطابق العلوي.
د. اكرم : رجاءاً ايقظيه ودعيه ينزل الى الاسفل ليتحدث معنا.
الخادمة : من اقول له؟
د. اكرم : قولي له ان اللواء اكرم الكبيسي يريد التحدث اليه.
دخلت الخادمة الى المنزل وبقي الرجلان واقفان بالخارج ينتظران خروجه. وبعد وقت ليس بقليل وقف شاب بمنتصف الثلاثينات امامهم يرتدي بيجامة حمراء من حرير ولا يقوى على فتح عينيه الا بصعوبة قال،
الشاب : نعم ماذا تريدان؟
د. اكرم : اردنا التحدث مع صلاح خالد الشيخ. هل انت هو؟
الشاب : اجل انا هو، ثم ماذا؟ لماذا تزعجوني من الفجر؟ اليس لديكم احساس؟
د. اكرم : لدي مذكرة القاء قبض عليك بتهمة الخطف والاعتداء الجنسي. اي كلمة تنطق بها بامكانها ان تستخدم ضدك بالمحكمة.
صلاح : أجننت يا رجل؟ هل تعرف من اكون؟ انا صلاح ابن الوزير خالد الشيخ. هل تنازلت عن حياتك؟
د. اكرم : استدر الى الخلف وامدد يديك رجاءاً.
صلاح : خسئت، كل غائط، سوف لن ادع ايديكم القذرة تلامسني.
اومأ د. اكرم لسلمان كي يستعمل القوة ويضع الاصفاد على معصمي المتهم. فتقدم نحوه وامسك بكتفه واداره الى الخلف ليضع الاصفاد عليها ثم سحبه ليخرجه خارج الدار. وبهذه الاثناء جائهم والده خالد الشيخ يركض ومعه زوجته فصرخ باعلى صوته،
الوزير خالد الشيخ : توقــــــــــف يا اكرم، ماذا تفعل؟ اتهينني في عقر داري؟ كيف تجرأت على اعتقال ابني دون ان تطلب اذناً مني؟
د. اكرم : يا سيدي لدي مذكرة اعتقال اصوليه بحق ابنك صلاح وكل شيء نفعله قانوني. لدينا اوامر من القاضي والسيد رئيس الجمهورية كي نلقي القبض على الفاعل.
الوزير خالد الشيخ : ما ادراك انه الفاعل؟ وماذا فعل اصلاً؟ انا لا افهم لماذا اتيتم الى هنا. ما هي تهمته؟
د. اكرم : سوف يقدم ابنك للتحقيق. سيخلى سبيله إن وجدناه بريئاً من التهمة الموجهة اليه. لكننا الآن يجب ان نأخذه معنا وسيقوم عناصر الشرطة بتفتيش دارك.
الوزير خالد الشيخ : حسناً دعهم يفتشون، وانا سأتي معكم.
د. اكرم : كلا سيدي، هذا لا يجوز، بامكانك ان تتبعنا بسيارتك الخاصة.
سحبا المتهم صلاح من كتفه وادخلاه السيارة لينطلقا به الى مقر التحقيقات الجنائية. وفي الطريق كان المتهم يسمعهم اوسخ الكلامت النابية واحطها قيمةً لكنهم اهملوه ولم يبالوا بشيء. ادخلوه المقر وبدأوا يأخذون بصماته ثم طلبوا منه ان يخلع ملابسه. فخلعها جميعاً ما عدى سرواله الداخلي. فبان لهم اثر الرصاصة على فخذه الايسر. هنا امره الدكتور اكرم بخلع سرواله الداخلي ايضاً. فخلعه ليروا وشم القراصنة الذي تحدثت عنه گودة. قال،
المحقق سلمان : هذا هو الدليل القاطع. ارجوك صوره يا عريف سميسم.
فبدأ المصور سميسم يلتقط الصور لجسد صلاح العاري من كل الزوايا وعندما فرغ من ذلك امر د. اكرم باحضار گودة كي تتعرف عليه. جاء المحقق سلمان بگودة وادخلها غرفة مظلمة لتشاهد ثمانية رجال واقفين خلف مرآة يحملون بطاقات كتبت عليها ارقام كبيرة بارزة. قال لها المحقق،
المحقق سلمان : يا گودة خذي وقتك وانظري الى الرجال الذين امامك الواحد تلو الآخر ولا تستعجلي، هل ترين الوحش بينهم؟
تقربت گودة من المرآة وصارت تتفحص الوجوه امامها ثم بدأت ترتعد وقالت،
گودة : اجل انه ليس الاول بل ثاني رجل من هذا الطرف.
واشارت بيدها اليمنى.
قال سلمان بالمذياع، "ليتقدم الرقم 2 خطوتان الى الامام". فتقدم صلاح الى الامام. سألها ثانيةً،
المحقق سلمان : هل هذا هو الوحش يا گودة؟
اومأت رأسها بالايجاب. فسألها من جديد وقال،
المحقق سلمان : يجب ان تقوليها بفمك.
گودة : اجل هذا هو الوحش، هذا هو الوحش.
قال سلمان للشرطي،
المحقق سلمان : سجل يا فوزي، لقد تعرفت على المتهم صلاح خالد الشيخ بوضوح تام وبدون شك.
بعدها امر بنقله الى زنزانة خاصة للتحفظ عليه لحين يستدعى ثانية. دخل والده المبنى وهو بغاية الغضب فامسك به د. اكرم واقتاده الى مكتبه ليجلسه على كرسي ويجلس هو خلف منضدته قال،
د. اكرم : يا سيادة الوزير اريدك ان تتحلى بالهدوء رجاءاً.
خالد الشيخ : اود ان اعرف بالضبط ماذا فعل ولدي كي تأخذوه بهذا الشكل المهين؟ حتى لو كان قاتلاً لما عاملتموه بهذه القسوة والاهانة.
د. اكرم : اتمنى لو كانت تهمة ابنك القتل لكانت الامور سهلة وروتينية جداً. الا انه اقترف ما هو اكبر واعظم من ذلك بكثير.
خالد الشيخ : ما هو الذنب الذي يعد اكبر واعظم من القتل؟ هل خان العرق؟ هل هو جاسوس للعدو الصهيوني او العدو الفارسي؟
د. اكرم : ابنك يا سيدي قام باختطاف طفلة عمرها 4 سنوات واحتجزها ببيت في غابة بمنطقة نائية بالقرب من العوينات واحضر امرأة سيئة السمعة (قوادة) كي تعيش معها وتبقيها سجينة بداخل ذلك البيت.
خالد الشيخ : كل ما عليكم فعله الآن هو ارجاع الطفلة الى اهلها وتعويضهم ببعض المال وينتهي الامر.
د. اكرم : يا سيادة الوزير، الفتاة لم تعد طفلة. الآن اصبح عمرها 14 سنة. اي ان ابنك ابقاها بذلك البيت 10 سنوات. كان يغتصبها منذ ان كانت طفلة ذات الاربع سنوات. ويضربها ضرباً مبرحاً. لقد عثرنا على بصمات اصابعه في مكان وقوع الجريمة بداخل البيت.
خالد الشيخ : ماذا لو كانت الطفلة تكذب؟
د. اكرم : الطفلة وصفت لنا الندبة التي على فخذ صلاح.
خالد الشيخ : هذا ليس دليلاً لانه كان يسبح بالمسابح العمومية وبامكان اي انسان ان يرى الندبة على فخذه.
د. اكرم : اجل ولكن ليس كل انسان بامكانه ان يرى عضوه الذكري.
خالد الشيخ : وكيف عرفت ذلك؟ هل وصفت لكم عضوه الذكري ومواصفاته؟
د. اكرم : لقد وصفت لنا الوشم الذي رسمه ابنك صلاح بالمنطقة التي تقع فوق عضوه الذكري. لا يستطيع ان يشاهد ذلك الوشم سوى من كان يراه عارياً تماماً.
كان ذلك الحديث بمثابة صفعة قوية ومدوية على وجه الوزير خالد الشيخ. بقي مشدوها ولم ينبس ببنت شفة فقط أخفض رأسه للاسفل وراح يبكي بحرقة. وبعد ان هدأ قليلاً رفع رأسه ونظر للدكتور اكرم ليسأل،
خالد الشيخ : كم تعتقد انه سينال من حكم؟
د. اكرم : ساكون جداً متفاجئ لو انه لم ينل حكم الاعدام. ولا اعتقد ان احداً يستطيع ان يتدخل في تخفيف الحكم ولا حتى انت يا سيادة الوزير. فالسيد رئيس الجمهورية هو الذي يتابع القضية بنفسه.
خالد الشيخ : حسناً. هل بامكاني ان ارى ابني قبل ان تأخذوه؟
د. اكرم : اجل بكل تأكيد لديك 5 دقائق فقط. ولكن بما انه متهم فسيدخل معك المحقق سلمان ليدون حديثكما.
خالد الشيخ : لا مانع لدي، ليدون ما يدون.
خرج الدكتور اكرم ونادى على المحقق سلمان ليتحدث معه ثم عاد وقال،
د. اكرم : تفضل يا سيادة الوزير. بامكانك ان ترى ابنك الآن.
دخل الوزير الزنزانة التي وقف فيها ابنه صلاح فركض صلاح الى والده واحتضنه من وراء القضبان وصار يبكي ويقول،
صلاح : ابي حبيبي، انا خائف. صدقني يا ابي، انا لم افعل اي شيء مما يقولونه انا بريئ. كله افتراء وتلفيق. انهم يريدون النيل منك فقط يا والدي. انها تهمة سياسية.
خالد الشيخ : وماذا عن الوشم؟
صلاح : ربما قام رسام الوشم باخبارهم عنه فاستعملوها حجة كي يوقعوا بي.
خالد الشيخ : حسناً ساطرح تلك الاحتمالية على الدكتور اكرم.
المحقق سلمان : الوقت قد انتهى سيدي يجب ان تغادر.
قبّل الوزير ابنه من وراء القضبان وغادر الزنزانة. ثم اتجه نحو الباب الخارجي لكن الدكتور اكرم لحق به وناداه قائلاً،
د. اكرم : هل تسمح بان تعود الى مكتبي يا سيادة الوزير؟
فرجع الوزير ودخل مكتب الدكتور اكرم ليسأل،
خالد الشيخ : ماذا هناك يا اكرم؟
د. اكرم : لقد رجع عناصر الشرطة للتو بعد ان فتشوا منزلك. انظر ماذا وجدوا في غرفة المحروس ابنك.
اشار الى صندوق كارتوني كبير يحتوي على عشرات المجلات. تقدم الوزير وصار يخرج المجلات من الصندوق الواحدة تلو الاخرى ويتفحصها واذا بها مجلات اباحية لتصاوير أطفال عراة يمارس معهم الجنس. قال،
د. اكرم : انها مجلات متخصصة بالپيدوفايل Paedophile . اتعرف من هو الپيدوفايل يا سيادة الوزير؟ انه الشخص البالغ الذي يتلذذ بممارسة الجنس مع الاطفال. أما زلت تعتقد ان ابنك بريء؟
لم ينطق الوزير بكلمة واحدة لكن الدكتور اكرم عرض عليه مفتاحاً نحاسياً واضاف،
د. اكرم : لقد وجدنا هذا المفتاح بغرفته بداخل بيتك، وهو مطابق للمفتاح الذي يُحكِم اغلاق باب المنزل بالغابة الذي احتجز به ضحيته لمدة 10 سنوات.
هنا بدأ الوزير بالبكاء من جديد وقال،
خالد الشيخ : لقد كنا نعتقد انه غريب الاطوار قليلاً لكننا لم نتوقع ابداً انه سيصبح متحرشاً بالاطفال. يبدو اننا قصرنا في تربيته ومنحناه امتيازات ما كان ليستحقها. لقد ثبتت كل الادلة عليه فهو يستاهل الاعدام. انه وحش كاسر وانا اتبرأ منه امام الله وامام الملأ.
<<<<<<<<<<
خرج المحقق سلمان وقصد سجن النساء ليتحدث الى سهيلة التي كانت شريكة الوحش بالجريمة. ولما وصل السجن دخل وانتظر بقاعة المقابلات حتى أحضرت له سهيلة. نظر اليها والابتسامة مرسومة على وجهه قال،
المحقق سلمان : اليوم القينا القبض على الوحش.
سهيلة : انت تكذب يا سيادة المحقق. ولو كنت صادقاً فما هو اسمه الحقيقي؟
المحقق سلمان : ماذا جرى لك يا سهيلة؟ هل فقدت الثقة بي الآن؟ حسناً ساخبرك الآن: اسمه الحقيقي هو صلاح خالد الشيخ ابن الوزير خالد الشيخ. انه قيد الاعتقال الآن.
هنا علمت سهيلة ان التستر على المجرم لم يعد مجدياً وان عليها ان تنجو بنفسها لان السفينة شارفت على الغرق قالت،
سهيلة : اسمع مني سيدي، انا مستعدة لان اقول لك كل شيء. فارجوك حاول ان تخفف العقوبة عني.
المحقق سلمان : قولي ما عندك، انا اسمعك.
سهيلة : اتعدني بالبرائة؟
المحقق سلمان : في هذه المرحلة انا ليس لدي الصلاحية لان امنحك ذلك الوعد ولكن قولي ما عندك ربما سيوافق القاضي على تخفيف الحكم إذا زودتيني بمعلومات عن اهل الطفلة وعنوانهم.
سهيلة : اسم الفتاة الحقيقي هو مروة عبد الحميد. كان والدها ضابطاً متقاعداً في الجيش ويسكنون في منطقة زيونة ببغداد. لكنهم منذ ان فقدوا ابنتهم مروة انتقلوا الى الكرادة الشرقية.
المحقق سلمان : باي شارع بالكرادة الشرقية؟
سهيلة : شارع مثنى الشيباني بالقرب من شارع النضال.
المحقق سلمان : حسناً ساتحقق من ذلك.
سهيلة : وماذا عن تخفيف الحكم؟
المحقق سلمان : لا اعلم، سوف اخبر القاضي بالمعلومات هذه وهو سيقرر بعد ذلك اي منحى سيتخذ.
خرج المحقق من السجن واتجه مباشرة الى العنوان الذي زودته به سهيلة فلم يجد صعوبة في العثور على البيت. ضغط على زر الجرس ليخرج له رجل خمسيني بدين يرتدي دشداشة بيضاء قال،
الرجل : تفضل سيدي، من تبغي؟
المحقق سلمان : ابحث عن رجل اسمه عبد الحميد.
الرجل : انا العقيد متقاعد عبد الحميد تفضل.
المحقق سلمان : انا المحقق ملازم اول سلمان الزبيدي من وزارة الداخلية. اريد التحدث معك.
عبد الحميد : يا ساتر يا ربي، ما الامر لقد اقلقتني كثيراً. انا لم افعل شيئاً صدقني.
المحقق سلمان : لا، لا تقلق سيدي، انا احمل اليك بشرى جميلة وخبراً ساراً. لقد عثرنا على ابنتك المفقودة.
عبد الحميد : ماذا؟ عثرتم على ابنتي؟ عثرتم على مروة؟ هل انت صادق يا اخي؟ اليست هذه مزحة او كامرة خفية؟
المحقق سلمان : انها ليست مزحة سيدي. لقد عثرنا عليها وهي في امان. انها هنا ببغداد.
عبد الحميد : هل بامكاني ان اراها؟ ارجوك دعني اراها.
التفت الرجل الى الخلف وصار ينادي، "يا ام علاء يا علاء تعالوا الى هنا. تعالوا واسمعوا الخبر. لقد عثروا على مروة. انها على قيد الحياة. انها حية ترزق حمداً لك يا ربي حمداً لك يا ربي". خر على ركبتيه وصار يبكي بكاءاً اختلطت فيه الفرحة مع الحزن. خرجت زوجته تركض مرتدية لباس نوم ومعها شاب في العشرينات من العمر. كان المنظر مؤثراً جداً بالنسبة للمحقق سلمان فقد رأى في اعينهم الحزن والاشتياق لابنتهم التي فقدوها منذ 10 سنين. بقيت الام تسأله وتقول،
ام علاء : ارجوك خذني اليها. خذني لابنتي من فضلك اريد ان اراها.
المحقق سلمان : ساحاول ان احضرها اليكم باسرع وقت.
ام علاء : اين هي الآن يا اخي؟
المحقق سلمان : هي عند اناس طيبين في زيونة يحبونها ويعتنون بها جيداً.
ام علاء : خذنا اليها الآن ارجوك. اتوسل اليك، دعني اقبل يديك ارجوك.
المحقق سلمان : حسناً تفضلوا معي ساخذكم اليها الآن.
ركب جميع افراد العائلة بسيارته وانطلق بهم الى بيت ام حليمة بمنطقة زيونة. اوقف السيارة ونزل الجميع منها، كان الحماس بادياً عليهم الا ان المحقق سلمان غمرته السعادة وكأنه تسلم جائزة نوبل للسلام. لقد حقق ما كان يصبو اليه ليرد المسكينة الى اهلها. ضغط على جرس الباب فخرجت له السيدة ام حليمة ورحبت بهم قال لها،
المحقق سلمان : اختي ام حليمة، لقد عثرنا على عائلة گودة واسمها الحقيقي هو مروة، مروة عبد الحميد وهذا هو والدها السيد عبد الحميد وهذه امها ام علاء والذي يقف هناك اخوها علاء.
ام حليمة : إذاً تفضلوا جميعاً سانادي على گودة اقصد انادي على مروة.
جلس الجميع في صالة الجلوس فغابت ام حليمة قليلاً ثم عادت مع مروة ممسكة بكتفيها وهي مشدوهة لتقف امامهم وتقول لها،
ام حليمة : حبيبتي گودة، هذه امك وهذا هو ابوك وهذا الذي يجلس الى جانبهم هو اخوكِ.
وقف الجميع مندهشين ينظرون الى ابنتهم مروة ولا يعرفون كيف سيتصرفون معها. فهي الآن فتاة شابة جميلة بعد ان تركتهم طفلة صغيرة. بقيت مروة تنظر الى عائلتها وهي مصدومة ومعقودة اللسان. فسألتها امها،
ام علاء : الا تتذكرينني يا حبيبتي؟ انا امك.
سارت مروة نحو امها وتلمست وجهها وتقاطيعها باصابعها ثم قربت انفها من شعر امها واستنشقت طويلاً لتشم رائحة امها ثم دنت من والدها ونظرت اليه مطولاً تتفحص تقاطيع وجهه الذي امتلأ بالدموع، بعدها اصبحت وجهاً لوجه امام اخوها فقالت بصوت خافت جداً يكاد لا يسمع،
مروة : علاء اهذا انت يا علاء؟ يا الهي انت لم تتغير.
انفجر الجميع بالبكاء وصاروا يقبلونها فقد تذكرت اسم اخوها علاء. كان الجميع يبكي واولهم المحقق سلمان. ذهب والدها الى المحقق وصار يقبله ويشكره لانه تمكن من ارجاع ابنته اليه. صار الجميع يحتظنها ويتحدث اليها لكنها كانت مشوشة الذهن لا تعرف إن كان ما تمر به هو حلم ام حقيقة. كيف تمكنت من الافلات من مخالب ذلك السافل وكيف عادت لاحظان عائلتها وكيف وكيف وكيف. كل هذه التساؤلات اختلطت بالفرحة والدموع والندم على اللحظات الجميلة الزائغة.
هنا سألتها والدتها،
ام علاء : والآن الا تأتين معنا ببيتنا؟
قربت مروة من امها وقالت،
مروة : انا اعرف انك امي الحقيقية فقد تذكرت رائحتك ولكن ارجوك دعيني ابقى هنا اليوم وساتي اليكم غداً.
المحقق سلمان : دعيها تبقى هنا اليوم فهي تحتاج الى بعض الوقت لتستوعب ما جرى لها انها الآن تعرفكم لكنها إذا اختلت الى نفسها فسوف تراجع كل شيء وسيستقر رأيها بعد ان تهدأ عواطفها.
ام علاء : كما تشائين يا عمري.
خرجت عائلة ابو علاء وركبوا السيارة مع المحقق سلمان ليرجعهم الى بيتهم ثم يذهب هو الى سجن النساء. دخل مكتب مأمور السجن وطلب مقابلة السجينة سهيلة من جديد فاحضروها وخرج الحرّاس من المكتب كي يختلي بها المحقق قال،
المحقق سلمان : كيف حالك يا سهيلة؟
سهيلة : انا في السجن، كيف سيكون حالي؟
المحقق سلمان : لقد ذهبت الى العنوان الذي نعتيني عليه فوجدت عائلة مروة وهذا امر ساذكره للقاضي عندما تبدأ محاكمتك. ربما سيمنحك حكماً مخففاً. والآن جئتك كي اطلب منك اي معلومات تستطيعين ان تضيفيها للقضية وستَنْصَب في مصلحتك.
سهيلة : ماذا تريد ان تعرف؟
المحقق سلمان : اخبريني كيف تمت عملية اختطاف مروة.
سهيلة : ساقص عليك كل شيء من البداية وحتى النهاية.
بدأت سهيلة تقص على المحقق كيف ان اهل الحي الذي كانت تسكن فيه بالعوينات كانوا يضايقونها ويمنعونها من الارتزاق بعملها (حسب قولها). وكيف جائها يوماً احد زبائنها صلاح واخبرها ان جميع فتياتها العاهرات جميلات لكنهن كبيرات في السن بالرغم من انها اكدت له ان اكبر واحدة فيهن كان عمرها لا يزيد عن 20 سنة لكنه كان يريد اصغر من ذلك بكثير. حتى جائها يوماً وقال انه خطف فتاة يريدها ان تنتقل معها كي تعتني بها وانه سوف يغمرها بالمال. فذهبت معه لترى مروة لاول مرة. في بادئ الامر اشفقت عليها لكنها تعلم ان ذلك ليس ذو اهمية وان ما يريده صلاح هو الاهم. اخبرها وقتها ان جميع الاسماء يجب ان تتغير وان اسمه الجديد سيكون الوحش واسمها سيصبح فاطمة. وقتها سألته عن اسم الطفلة قال سنغيره الى گودة. ولما سألته عن ذلك الاسم قال انه اسم افضل جبنة كان يأكلها بعد تناول كل وجبة طعام عندما كان يدرس بالمانيا. وبذلك سيستمتع بگودة بعد كل وجبة طعام. بقيا يسمونها گودة حتى نسيت اسمها الاصلي وصارت تستجيب لاسمها الجديد. لذلك كانت سهيلة تعلمها كل شيء كي توفر لصلاح المتعة وتبقى هي في ذلك الكوخ بمأمن من مضايقات الجيران ومن ثورات العاهرات الدائمة لزيادة الاجور. وفي المنزل كانت هي سيدة الموقف لان گودة تعلمت شؤون المنزل جميعاً وبقيت هي المديرة عليها. هنا سألها،
المحقق سلمان : هل قمت بضربها وتأنيبها؟
سهيلة : اجل لقد طلب مني صلاح ان افعل ذلك كي تبقى مروة تطيعنا وتتبعنا كالكلب ولا تثور علينا.
المحقق سلمان : لكنك كنت تضربينها حتى بغياب صلاح، اليس كذلك؟
سهيلة : اجل لان يدي اخذت على ذلك.
المحقق سلمان : وكيف عرفت اسمها الحقيقي ومكان اقامة اهلها الجديد؟
سهيلة : بيوم من الايام سمح لي صلاح ان اخذ يوم واحد اجازة لازور صديقتي ببغداد وقال انه يريد ان يبقى طوال اليوم مع گودة. فذهبت الى بغداد والتقيت بصديقتي.
المحقق سلمان : ما اسم صديقتك؟
سهيلة : اسمها ام اعتماد.
المحقق سلمان : وماذا تعمل؟
سهيلة : تعمل استاذة بالجامعة تدرس القانون. هاهاها ماذا تريدها ان تعمل؟ هي تعمل بنفس مهنتي (قوادة) ولكن كان لديها مشتمل مؤجر بشارع 52 تستقبل فيه الزبائن. التقت ام اعتماد يوماً باحدى السيدات في سوق رخيتة بالكرادة داخل لتحكي لها نبأ اختطاف طفلة ذات الاربع سنوات والتي كانت ابنة احد الضباط الكبار بمنطقة زيونة. وكيف اصيب اهلها باليأس من العثور على ابنتهم فانتقلوا الى الكرادة الشرقية. بذلك اليوم ذهبتُ الى الكرادة الشرقية وصرت اسأل هناك حتى استدليت على العنوان. اردتُ ان اعرف البيت فقط ليكون لدي معلومة قد تفيدني في ساعة مثل هذه اليوم. راقبت البيت لما يقارب الساعة حتى سمعتُ امها تتحدث مع اخوها وتقول له، "الله يرحم اختك مروة". ولما قرأت اسم والدها على باب المنزل علمت باقي المعلومات التي اعطيتها لك.
المحقق سلمان : حسناً سانقل كل تلك الافادات الى القاضي واضيفها الى شهادتي كوني انا المحقق بالقضية.
سهيلة : شكراً لك سيدي. وإذا قمت بالحصول على عفو من القاضي فسوف اجلب لك اجمل الفتيات لتتمتع بهن.
المحقق سلمان : ستبقين قوادة يا سهيلة. لعنك الله.
بصق على الارض وخرج من السجن ليعود الى مكتب الدكتور اكرم ويبلغه بكل ما دار بينه وبين سهيلة. فقال د. اكرم ان احتمالية تبرئة سهيلة سيكون امراً شبه مستحيل.
<<<<<<<<<<
وبعد مرور ثلاثة اسابيع ذهب المحقق سلمان والدكتور اكرم الى منزل العقيد المتقاعد عبد الحميد بالكرادة ففتح لهما الباب وادخلهم الى صالة الجلوس وفجأة دخلت مروة وراحت تركض نحو المحقق سلمان، احتظنته ورحبت بالدكتور اكرم. فسأل والد مروة،
عبد الحميد : كيف جرت التحقيقات مع ذلك الوغد؟
المحقق سلمان : لقد اجريت تحقيقاً مطولاً معه. في البداية كان ينكر كل شيء ولم يعترف بجرمه ويتصرف بعنجهية مقززة. لكنني عندما واجهته بكل المعلومات التي تحصلت عليها عن اختطاف الطفلة بمنطقة زيونة واسم گودة الحقيقي واعترافات سهيلة عنه وعثورنا عليكم اقصد انتم عائلة مروة وبصماته التي رفعناها من منزل الاختطاف هذا بالاضافة الى المفتاح الذي عثرنا عليه بغرفته بمنزل والده والمجلات الاباحية التي تحصلنا عليها بغرفته. وقتها خر على الارض واجهش بالبكاء ولم يبقى له امل يتشبث به فصار يتوسل ويقول انا لا اريد ان اموت، لقد كنت اتسلى وحسب. كان يترجاني كي اتوسط له لدى القاضي حتى يخفف عنه الحكم.
بعد ذلك بدأت المحاكمة ولم تدم طويلاً لكثرة الادلة.
التفت سلمان الى مروة وسألها،
المحقق سلمان : ماذا كانت امنيتك بخصوص الوحش يا مروة؟
مروة : كنت اود لو اطعنه بالسكين واقتله عدة مرات حتى يموت.
المحقق سلمان : اليوم أعدم صلاح خالد الشيخ وسهيلة منجد المحلحل في سجن بغداد المركزي بحضور السيد نائب رئيس الجمهورية والوزير خالد الشيخ والد صلاح الذي اعفي من وظيفته واحيل الى التقاعد. وبذلك طويت صفحتهم الاجرامية. الآن انت حرة مئة بالمئة وبامكانك ان تمارسي حياتك الطبيعية.
گودة : ولماذا لم تستدعوني كي اشاهد الاعدام؟
المحقق سلمان : بالحقيقة، انت عانيت الكثير من هذه العصابة ولم نرغب ان نعرضك للمزيد من الاحزان لان لديك حياتك كي تبدأي من جديد وتتطلعي لمستقبلك.
العقيد متقاعد عبد الحميد : وهل قاموا بترفيعكَ، فانت صاحب الفضل الاكبر بالعثور عليها؟
د. اكرم : اجل، لقد امر السيد رئيس الجمهورية بترفيعه الى رتبة عقيد.
العقيد متقاعد عبد الحميد : الف مبروك سيادة العقيد.
نظر المحقق الى مروة وسأل،
المحقق سلمان : كيف تقضين وقتك يا مروة؟
مروة : انا يا عمو اصبحت اذهب الى مدرسة محو الامية وازور الخالة جورجيت ثلاث مارت بالاسبوع.
نظر المحقق سلمان الى والدها بقلق وسأل،
المحقق سلمان : من هي الخالة جورجيت؟
العقيد متقاعد عبد الحميد : انها طبيبة نفسية عينتها لنا وزارة الشؤون الاجتماعية كي تساعد مروة على العودة للحياة الطبيعية.
امسك المحقق سلمان مروة وقبلها من جبينها ثم مد يده الى والدها ليصافحه الا ان العقيد لم يأخذ بيده وبدلاً من ذلك وثب نحوه واحتظنه بقوة وصار يبكي بحرقة ويشكره على ارجاع الحياة لبيته من جديد. هم المحقق سلمان والدكتور اكرم بتركهم بامان والخروج من الدار الا ان مروة لحقت بهم وقالت،
مروة : توقف يا عمي.
وقف سلمان ونظر الى مروة ليسأل،
المحقق سلمان : ماذا هناك يابنتي؟
مروة : اريدك ان تبلغ شكري وامتناني للعم عبد الخالق والعم عبد الله والخالة ام سعدون. وان تخبرهم بانني سازورهم عن قريب بالعوينات. كذلك اريد ان اعانقك مرة ثانية لانك انقذتني.
فعانقته بقوة ثم خرج من الدار وهو يكفكف دموعه.
-- تمت --
1373 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع