الفريق الركن الدكتورعبد العزيز عبد الرحمن المفتي
محاضرة -جذور المشكلة الكوردية
قلنا أن معركة جالديران عام 1514 كانت فاصلة في التأريخين الصفوي الفارسي والعثماني التركي. وإذا ما كان للكورد أن يفخروا به إنهم قاتلوا مع السلطان العثماني "سليم الأول" الملقب "بسليم ياوز" أي (الصارم).؟ وكانت مشاركتهم الكورد على أساس المذهب الديني الاسلام السني الذي يتبعهُ الكورد ضد المذهب الشيعي للشاه إسماعيل الصفوي.
وقد لا يكون المذهب السني هو السبب المباشر الذي أخذ به المقاتلين الأكراد للانحياز إلى الدولة العثمانية ... حيث أن الواقع أن الإمارات الكوردية وهي وراثية كانت تحت سيطرة الاقطاعيين والأغوات الكورد الذين زينوّا لرجال الدين أن الضرورة تقضي لمعاونتهم في بسط السيطرة على العموم من الناس لنيل الحقوق القومية للكورد. وأمام سطوة الإقطاعيين والأغوات الكورد المتنفذين، كثيراً ما اشتكوا للسلطان العثماني سليم الاول أن بعض أمراء الإمارات الكوردية هم من "القزلباش الآذريين" الشيعة الذين يتبعوهن المذهب الشيعي الصفوي الطائفي، وهي النقطة المركزية التي حمّلت السلطان العثماني سليم الأول لإعادة الاعتبار للأمراء الكورد (السنة)، وبقاء الحكم الوراثي مقابل دفع الرسوم السنوية كرمز لعائدية هذه الإمارات الكوردية للدولة العثمانية، وأن يشارك الامارات الكوردية في القتال إلى جانب الجيش العثماني في فتوحاته، وعليهم ذكر اسم السلطان العثماني سليم الاول على المنابر (في المساجد) خلال خطبة صلاة الجمعة كما كان عليه من زمن الخليفة العباسي الجالس على عرش الخلافة في بغداد.
ولكن وبعد مرور أربعة عقود من زمن الفتوحات العثمانية في الشرق والغرب، ظهرت التحديات الأوروبية للدولة العثمانية بعد محاصرة العثمانيين "فينا" عاصمة النمسا عام 1529، وتوغل الأساطيل البحرية البرتغالية والهولندية والفرنسية في الخليج العربي بين 1500 – 1750، وهناك دعّوة برتغالية لمعاونة الملك أو الشاه الفارسي الصفوي لضرب "مكة" قبلة المسلمين وضريح النبي محمد (ص) في المدينة المنورة. وتلك ما دعت روسيا القيصرية التي وجدت الفرصة لحماية الأرمن لغرض التدخل في شوؤن الدولة العثمانية. وتبعتها إنجلترا الاستعمارية باعتبارها الوسيط الموثوق لحل المشاكل وذلك لمنع الجهاد الإسلامي ضدها في منطقة الخليج.
وفي الشرق، واجه السلطان العثماني تحدي آخر تمثل في دولة المماليك وحاكمها "قانصوه الغوري" في بلاد الشام ومصر. وحسب قول اسطنبول، أن رسائل كثيرة وردّت إلى السلطان العثماني تدعوهُ لبسط السيطرة على بلاد الشام ومصر بعد انتشار الفساد وظلم الشراكسة الحاكمين، والضرائب التي أثقلت كاهلهم. واعتبرها السلطان العثماني أن في شريعة الإسلام تفرض عليه أن يقاتل الأعاجم الذين يتحكمون على رقاب المسلمين، فهاجمهم الجيش العثماني (المماليك وحاكمها قانصوه الغوري) في معركتي "مرج دابوق" قرب حلب 1516، و"الريدانية" على أطراف القاهرة 1517 .
وأمام حجم التحديات والحروب المستمرة ضد سلطة سلاطين الدولة العثمانية، وجد السلطان العثماني سليمان القانوني أن عليه أن يتفاهم مع الشاه الفارسي الصفوي "طهماسب" حول مناطق النفوذ العثمانية ومنها مدينة "تبريز" عاصمة الصفويين للتوقيع على معاهدة "أماسيا" عام 1555م. وكانت على حساب الكورد في مناطق كوردية (كوردستان) مثل شهرزور وقارص، وبايزيد. واستمر النزيف العثماني من جراء المعارك على جبهة أرض بلغت (20) مليون كم2 تمتد من أوربا إلى مراكش، الأمر الذي جعل السلطان العثماني "مراد الرابع" التوقيع على معاهدة "زهاو" عام 1639 لتنظيم الحدود بينهما (الدولة العثمانية التركية والدولة الفارسية الصفوية)، وكانت هناك قبائل كوردية على جانبي الحدود بينهما في كوردستان على ولاء مع الشاه الفارسي الصفوي أو السلطان العثماني التركي حسب مقتضيات القوة، أو الغلبة بينهما لهذا الطرف أو ذاك. وبإدراك فارسي صفوي لما تحملتهُ الدولة العثمانية التركية من نزيف بالأموال والدماء، ظهرت معاهدة ارضروم الأولى 1823، والثانية 1847، واتفاقية طهران عام 1911. والدولة العثمانية في معارك متواصلة مع الروس حول شبه جزيرة القرم عام 1854، وأماكن أخرى على الحدود بهدف تقويض حكم الخلافة العثمانية الإسلامية وتعطيل الجهاد الإسلامي في خانات آسيا الوسطى الإسلامية.
واستدرك أمراء الكورد أن حرب الدولة العثمانية مع خصومها الفرس والروس، والأرمن، وبلدان أوربا الشرقية (دول البلقان) قد أخذ من قوة الكورد الكثير، فهي أي الدولة العثمانية تريد أن يشتبك الكورد مع الأرمن، كما هي العثمانيون تشدّد باسم الدين الإسلامي ومذهبه السني ضرورة مقاتله الصوفيين ولكن في النهاية هي (العثمانيين) ليست على استعداد لإعطاء أي حقوق للقومية الكوردية. وزاد الطين بّله عندما وقعت الدولة العثمانية مع بلاد فارس اتفاقية الـحدود المعروفة "قصر شيرين / زهاب عام 1639 وهي كافية لإحباط أي توجــه كوردي في كوردستان إيران وإحباط أي توجه كوردي في كوردستان العثمانية في تركيا ...
* جذور المشكلة الكوردية في العصر الحديث
بدأت المشكلة الكوردية بصورة واضحة في العصر الحديث عند اصطدام الدولتين الصفوية الشيعية والعثمانية السنية عام (1514م) في معركة جالديران التي كانت كبيرة وغير حاسمة، كان من نتائجها تقسيم كوردستان عمليًّا بين الدولتين الصفوية والعثمانية.
فقد كانت كوردستان قبل سنة (1514م) تسود فيها إمارات كوردية مستقلة مشغولة بتنظيم شئونها الداخلية، لكن سوء معاملة الشاه إسماعيل الصفوي، إضافةً إلى الاختلاف المذهبي بينهم جعل سكان إمارات الأكراد وبلاد الجزيرة الكوردية في انتظار من يخلصهم من الحكم الصفوي، بالإضافة إلى جهود الشيخ إدريس البدليسي الذي ندبه السلطان العثماني لإقناع أمراء الأكراد ورؤساء العشائر الكوردية وحكام المقاطعات بالانقلاب على حكم الشاه اسماعيل الصفوي؛ لكل هذا بدأت المدن الكوردية في كوردستان تثور على الحكم الصفوي الفارسي مثل: ديار بكر، وبدليس، وأرزن، وميافارقين، وكركوك، وأردبيل.
* تقسيم كوردستان
في عام (1515م) بعد معركة جالديران بعام قام العلامة إدريس البدليسي، بعد تفويضه من قبل السلطان العثماني سليم الاول، بعقد اتفاقية مع الأمراء الأكراد في كوردستان العثمانية، يتضمن اعتراف الدولة العثمانية بسيادة تلك الإمارات الكوردية في كوردستان العثمانية، وبقاء الحكم الوراثي الكوردي فيها، ومساندة الأستانة لها عند تعرضها للغزو أو الاعتداء مقابل أن تدفع الإمارات الكوردية رسوم سنوية كرمز لتبعيتها للدولة العثمانية، وأن تشارك تلك الامارات الكوردية إلى جانب الجيش العثماني في أية معارك تخوضها الإمبراطورية العثمانية، إضافة إلى ذكر اسم السلطان العثماني والدعاء له من على المنابر في خطبة الجمعة.
وقد تضمن هذا الاتفاق اعترافًا من الدولة العثمانية بالسلطات الكوردية في تلك الامارات الكوردية في كوردستان العثماني، ولم يكن ذلك شيئًا يسيرًا في مسيرة الأكراد؛ إذ قدَّم لهم اعترافًا بوجود المشكلة الكوردية، يقتضي حلها، حتى لو كان الحل وقتيًّا!!
ومنذ ذلك الحين تغيرت مخططات الأكراد لمستقبلهم في كوردستان، وصاروا يتطلعون إلى الانفصال المنطقة الكوردية (كوردستان) عن كل الدول التي يعيشون فيها، وإقامة دولة كوردية مستقلة في كوردستان وتقوم على وحدة العِرق الكوردي، وليس على أية رابطة أخرى، ومن ثَمَّ الانفصال الكوردي عن الخلافة الإسلامية الكبرى القائمة في عصرهم وهي الخلافة العثمانية.
ولكن في عام (1555م) عقدت الدولتان العثمانية والصفوية اتفاقية ثنائية بين السلطان العثماني سليمان القانوني والشاه الصفوي طهماسب عُرِفت باتفاقية "أماسيا"،1555 وذلك بعد ثلاث حملات عسكرية قام بها السلطان العثماني سليمان القانوني، واستولى فيها على مدينة تبريز عاصمة الصفويين، وعديد من المدن؛ ولكن في كل مرة كان الصفويون يستغلون عودته (السلطان العثماني سليمان القانوني) لبلاده، ويهجمون الصفويين على هذه المدن مرةً أخرى، وفي آخر حملة وصلته رسل الشاه طهماسب الصفوي وهو في مدينة أماسيا التركية؛ فقبل أن يوقع المعاهدة هناك رغبةً في التفرغ للميادين الأخرى التي كان يواجه فيها صعوبات شتىّ، وتُعدُّ هذه المعاهدة اماسيا 1555 أول معاهدة رسمية بين الدولتين. وتمَّ بموجبها تكريس تقسيم كوردستان رسميًّا وفق وثيقة رسمية، نصت على تعيين الحدود بين الدولتين، وخاصة في مناطق كوردية (كوردستان) مثل شهرزور، وقارص، وبايزيد (وهي مناطق كوردية صرفة) في كوردستان؛ مما شكَّل صفعة لآمال الأكراد في الحصول على استقلالهم في كوردستان.
وقد تمَّ توقيع عدة معاهدات تالية لتلك الاتفاقية؛ اماسيا 1555منها معاهدة "زهاو" أو تنظيم الحدود عام (1639م)، وتم التأكيد على معاهدة أماسيا عام 1555 بالنسبة لتعيين الحدود؛ مما زاد من تعميق المشكلة الكوردية في كوردستان، ثم عقدت بعد ذلك معاهدات أخرى مثل معاهدة "أرضروم الأولى" (1823م)، و"أرضروم الثانية" (1847م)، واتفاقية طهران (1911م)، واتفاقية تخطيط الحدود بين الدولتين: الإيرانية والعثمانية عام (1913م) في الأستانة، وكذلك بروتوكول الأستانة في العام نفسه 1913.
اتفاقية أماسيا 1555 هي أول معاهدة رسمية بين الدولتين الصفوية والعثمانية، وتم بموجبها تعيين الحدود بينهما، وتقسيم كوردستان في مناطق كوردية مثل "شهر زور" و"قارص" و"بايزيد" وهي مناطق كوردية تماماً. كما حددت المعاهدة اماسيا حدود قواطع بغداد وتبريز وأذربيجان.
وجاءت بعد هذه المعاهدة اماسيا 1555 معاهدات أخري منها معاهدة قصر شيرين (زهاب) ومعاهدة أرضروم الأولى والثانية وصولاً لاتفاقية طهران 1911 واتفاقية تخطيط الحدود عام 1913 وكل هذه المعاهدات كرست تقسيم كوردستان ثم كانت اتفاقية سايكس بيكو مايس 1916، التي حطمت آمال الأكراد بتدويل القضية الكوردية.
أسهمت هذه المعاهدات اعلاه في تكريس تقسيم إقليم كوردستان، وقد زاد من حدة مشاعر الغضب الكوردية بدء الأفكار القومية الكوردية في الانتشار في الشرق مع بدايات القرن التاسع عشر؛ حيث بدأت الدول الأوروبية تحتك بكوردستان عن طريق الرحّالة الأجانب والإرساليات التبشيرية، وكذلك عن طريق بعض القنصليات، وأهـمها البريطانية والروسية والفرنسية ثم الأميركية.
وقد مارست كل هذه الجهات أدوارًا مهمةً في تحريض العشائر الكوردية في كوردستان ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يحصلوا (الدول الاوربية) على مزيد من الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية خاصة؛ وذلك بغية تحقيق هذه الدول الأوروبية مآربها في إثارة القلاقل داخل الدولة العثمانية؛ لتتمكن من إضعافها عن طريق إثارة المشاكل الداخلية.
دخلت القضية الكوردية في كوردستان منعطفًا جديدًا مع اشتداد الصراع الدولي في المنطقة، وخاصةً بين بريطانيا وروسيا؛ إذ أخرج هذا الصراع القضية الكوردية من الحيز الإقليمي إلى النطاق الدولي، فقد بدأت روسيا ثم بريطانيا في وقت مبكر اتصالاتهما بالأكراد في كوردستان كما حاولت فرنسا الأمر ذاته.
كما كانت أمريكا موجودة في المنطقة/كوردستان على عكس ما كان شائعًا من تطبيقها لمبدأ "مونرو" الذي يؤكد على عدم التورط في المشاكل السياسية خارج حدود أمريكا.
في ذات الوقت التقت رغبات الدول العظمى بمحاولات بعض الأكراد التقرب من الأجانب، من أجل البحث عن حلٍّ للقضية الكوردية في كوردستان؛ حيث كانت جهود الدبلوماسي الكوردي شريف باشا السليماني واضحة في هذا المجال، إذ حاول الاتصال بالإنجليز عام (1914م) لكي يعرض خدماته، لكن الحكومة البريطانية لم تستجب له.
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914م لم يكن للأكراد مصلحة فيها، وبرغم ذلك وجد الأكراد في كوردستان أنفسهم وقد جرفتهم أحداث الحرب العالمية الاولى للاشتراك في القتال على الجبهتين: القوقازية والعراقية؛ فقد انضم الأكراد إلى جانب تركيا في الحرب العالمية الاولى، حيث تمكن العثمانيين الأتراك من توجيههم لقتال الأرمن والأثوريين (الأشوريين) الذين خانوا تركيا العثمانية، وتمردوا عليها، وانضموا إلى جبهة الحلفاء المعادية. وقد أُصيب الأكراد بخسائر فادحة شأنهم في ذلك شأن الشعوب الأخرى التي تورطت في الحرب العالمية الاولى، ولكنهم قد أثبتوا أنهم مفيدون للعثمانيون الأتراك في أداء المهمات التي أُنِيطت بهم.
ضُرِبَت الجهود الكوردية للاستقلال في كوردستان على إثر اتفاقية سايكس بيكو مايس عام (1916م)؛ حيث اجتمع وزراء الخارجية الروسية والبريطانية والفرنسية، ودارت بينهم مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية (سايكس-بيكو) تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كوردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها (كوردستان) التقسيم، وهذا الوضع الجديد عمَّق بشكل فعّال من تعقيد المشكلة الكوردية في كوردستان؛ حيث تُعَدُّ معاهدة سايكس- بيكو1916 أول معاهدة دولية اشتركت فيها ثلاث دول كبرى (بريطانيا وروسيا وفرنسا)، وحطمت الآمال الكوردية في تحقيق حلمهم في تقرير المصير في بلادهم ووطنهم كوردستان.
* ما بعد الحرب
تحرك الأكراد لاستثمار الظروف الدولية وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل مطالبهم والاستفادة من مبادئ الرئيس الأمريكي ويلسون بحق الشعوب في تقرير المصير، وقد تحرك الأكراد وبذلوا جهودًا مضنية لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام (1919م)، ولا سيما بعد أن صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية (ويدرو ويلسون) بحق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة، ولم يكن للأكراد في كوردستان كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسميًّا في ذلك المؤتمر (مؤتمر الصلح في باريس 1919)، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خَوَّل الشعب الكوردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية الكوردية شريف باشا السليماني لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكوردية المشروعة.
بدأ الأكراد في كوردستان يركزون جهدهم لمطالبة الهيئات الدولية التي احتلت الأستانة بتوحيد المناطق الكوردية في كوردستان ومنحها حكمًا ذاتيًّا؛ فراجعوا اللجان الأوروبية والأمريكية التي تكونت لاستفتاء الشعوب التي انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية لهذا الغرض، كما رأى مفكرو الأكراد وجوب الاتجاه بمساعيهم الوطنية إلى خارج الدولة العثمانية بعد أن رفضت وزارة فريد باشا التركية منح الاستقلال الذاتي للأكراد. وقد ركز الأكراد اهتمامهم نحو مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس في اذار/ مارس 1919م، خاصة وأن هذا العام 1919 قد حفل بالآمال بالنسبة للأكراد في كوردستان والعرب والأرمن، فقد أقبلت هذه السنة 1919 ومعها وعود الرئيس الامريكي ويلسون بتقرير مصير الشعوب.
وقد أصدر الحلفاء بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر في باريس (مؤتمر الصلح) قرارًا في شهر يناير1919م نص على ما يأتي: "… إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكوردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية".
وانطلاقًا من هذا القرار في (مؤتمر الصلح في باريس1919) قدم الممثل الكوردي شريف باشا السليماني مذكرتين مع خريطتين لكوردستان إلى المؤتمر الصلح في باريس، إحداهـما بتاريخ (21/3/1919م)، والأخرى يوم (1/3/1920م). كما طلب من القائمين على شئون المؤتمر (مؤتمر الصلح في باريس) تشكيل لجنة دولية تتولى تخطيط الحدود بموجب مبدأ القوميات، لتصبح كوردستان وهي المناطق التي تسكن فيها الغالبية الكوردية، وإضافة إلى ذلك فقد جاء في المذكرة الأولى للممثل الكوردي شريف باشا السليماني "إن تجزئة كوردستان لا يخدم السلم في الشرق…".
كما جاء في المذكرة الثانية للممثل الكوردي شريف باشا السليماني "إن العثمانيين الترك يتظاهرون علنًا بأنهم مع المطالب الكوردية في كوردستان العثمانية، وأنهم متسامحون معهم اكراد كوردستان تركيا، لكن الواقع لا يدل على ذلك مطلقًا…". كما طلب شريف باشا رسميًّا من رئيس المؤتمر (مؤتمر الصلحقي باريس1919) جورج كليمنصو رئيس وزراء فرنسا أن يمارس نفوذه مع حكومة الأستانة العثمانية لمنع اضطهاد الشعب الكوردي في كوردستان العثمانية، وجاء في رسالته إلى رئيس المؤتمر جورج كليمنصو/رئيس وزراء فرنسا: إنه منذ أن تسلمت جماعة الاتحاد والترقي (العلمانيون) الترك السلطة في استانة، فإن جميع الذين يحملون آمال الحرية القومية قد تعرضوا للاضطهاد المستمر، وإنه من الواجب الإنساني في المجلس الأعلى للتحالف أن يمنع إراقة الدماء مجددًا، وإن السبيل لضمان السلم في كوردستان هو التخلي عن مشروع تقسيم هذه البلاد (أي كوردستان).
ودل كل ذلك على أن المشكلة الكوردية تقدمت خطوة كبيرة إلى الأمام في أعقاب الحرب العالمية الاولى. وعندما رأى شريف باشا السليماني أن تعاطف الدول الأوروبية كبير نحو القضية الأرمنية - ربما بسبب الانتماء الديني للأرمن- استطاع شريف باشا السليماني عقد معاهدة ائتلافية بينه وبين نوبار باشا رئيس الوفد الأرمني في كانون الاول/ ديسمبر سنة 1918م بباريس لحل المسائل المتنازع عليها بين الأكراد والأرمن حلاًّ سلميًّا بدون ترك فرصة للتدخل فيها من القوى الأخرى، وعلى أساس أن تكون كوردستان دولة كوردية مستقلة عن الدولة الأرمنية المزمع تأليفها.
* الأكراد من القرن السابع حتى القرن العاشر الميلادي
* قبائل أكراد في الجبال خزستان، لورستان وفارس
في منطقة الجبال كانت تدخل المناطق الكوردية" كوردستان ايران" المعاصرة، وجزء من "كوردستان العراق". وكما هو الحال في الوقت الحاضر، كان الأكراد يعيشون في السلاسل الجبلية الواقعة إلى الشمال من همذان وحتى حدود أذربيجان، ويدعى الإقليم الواقع بين كرمانشاه وأذربيجان (لقليم آردلان) الكوردية، في عهد الإسلام الأول كانت ديناور مع دارتا معروفة ب"ماه الكوفة" ونهاوند بـ"ماه البصرة" ويكتب الأكاديمي ف. ف. برتولد بهذا الصدد انه في عهد السيادة الساسانية شكلت آردلان ونهاوند الكورديتين إقليم "ماه" (منطقة ميدي القديمة) الكوردية التي كانت مقسمة في عهد الإسلام الأول، بين ولاة الكوفة والبصرة العرب. لهذا فان القسم الشمالي من اقليم ديناور أصبح يدعى بـ" ماه الكوفة" أما القسم الجنوبي بما في ذلك نهوند فيدعى بـ "ماه البصرة".
لعب الأكراد في حياة منطقة الجبال دوراً نشطاً، ويذكر المؤلفون العرب للقرنين العاشر والحادي عشر أكراد شهرزور (قرماسين)، (هـمذان، نهوند)، ومناطق أخرى.
كانت مدينة شهرزور الكوردية، في المرحلة المعينة، كانت تعد مركزاً عسكرياً وسياسياً للمنطقة الكوردية (شهرزور) التي تحمل نفس الاسم شهرزور و الذين كان سكانها، بحسب شهادة المؤلفين العرب يتألفون من الأكراد وكان الإقليم (شهرزور) يقع بين أربيل وهمذان، لقد نشط أكراد شهرزور في القرنين التاسع والعاشر الميلادي لدرجة أنهم لم يكونوا يخضعون للسلطة المركزية، ويذكر أبو دلف انه قد قضى فصل الشتاء هناك في شهرزور الكوردية ان ستمائة ألف أسرة من قبال أكراد الجلالية اليبسان (عند ياقوت الحموي) البسيان الحكمية والسلفية التي امتلكت كذلك حقولاً للزراعة في شهرزور، وفق معطيات الجغرافيين العرب تضم مدناً وقرى كوردية، وأكبر مدينة مركز من الأقاليم شهرزور، حسب معطيات أبي دلف، في القرن العاشر كانت تسم غزراي (أي شهرزور) وقد كان أهل هذا المركز لا يخضعون للخليفة. كانت المدينة شهرزور واقعة في الصحراء وكان عرض أسوارها ثمانية أذرع أما ما يخص التسمية فإنها تعود لأصل إيراني. فمن المعروف أن الفرس كانوا يطلقون على شهرزور اسم نيم راه (نصف الطريق) وذلك أن المدينة شهرزور كانت تقع في منتصف الطريق بين العاصمة الساسانية مثل طيسفون وشيز، حيث يوجد في شيز الواقعة في جنوب اذربيجان، معبد النار الرئيسي للزرادشتية الذي يحتفظ حتى الآن بأطلاله "تخت سليمان" ويذكر ابن حوقل والأصطخري أن شهرزو مدينة كوردية صغيرة. كان الأكراد يملكون مناطقها المجاورة حتى حدود العراق (عراق العرب) ولم يكن لديهم أمير على الرغم من أن هذا الإقليم شهرزور كان غنياً مترامي الأطراف وجميلاً .
كانت مدينة (سُهْرَوَرد) تقع إلى الشمال من هـمدان في الطريق إلى الزنجار ويكتب ابن حوقل أن هذه المدينة سهرورد كانت تشبه مدينة شهرزور وهي في الأساس مدينة كوردية. أما سكانها الكورد فقد كانوا من الخوارج ثم يضيف الجغرافي ابن حوقل قائلاً ان جبالاً عالية تمتد من شهرزور وحتى أميد وأذربيجان في الجزيرة الكوردية فالموصل ذات الاغلبية الكوردية، و فوق مساحات الأراضي هذه. حسب اعتقاده، (ابن حوقل) كانت تقطنها "الحميدية" "العومة" أو (العلوية) "المهرانية" وقبائل أخرى من أكراد شهرزور .
في هذه المرحلة تميزت القبيلة الشهرزورية الكوردية المحاربة "الجلالية" بنشاطها الحيوي التي كثيراً ما كانت تظهر في المناطق المجاورة. فكما سبق القول، ففي النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي، اشتركت هذه القبيلة الكوردية الجلالية مع القبيلة الشهرزورية "الشمرولية" الكوردية في حركة الخوارج في الموصل.
في شهرزور الكوردية، مثلما هو الحال في كل إقليم الجبال/كوردستان، كان انتشار القبائل الكوردية كبيراً جداً، حيث كان مشروطاً بالأساس بمتطلبات تربية الماشية. ففي هذه المرحلة أضحت معروفة لنا كذلك قبائل كوردية كانت تعيش في مناطق قرماسين، شهرزور، ديناور، نهوند، وفي أذربيجان المجاورة لجبال، وهذه القبائل الكوردية هي "البرزيفيــــة" (أو البرزِكــــان) "العيشانية" "المشزيجان" الكوخية "وقبائل كوردية أخرى. بالإضافة إلى ذلك يخبرنا ابن حوقل أن الأكراد في القرن العاشر الميلادي قد نشروا على مدينة أبهار والمناطق الواقعة بين قزوين وزنجان.
تتحدث المصادر عن وجود الأكراد في خزستان منذ الفتوحات العربية الاسلامية وحتى القرن العاشر الميلادي، فهنا غالباً ما تذكر قبيلة "اللورية" الكوردية والتي يستخدم المؤلفون العرب بخصوصها مصطلح "كورد". بهذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن أصل اللوريين وكذلك البختياريين، هم من الأصل الكوردي. فكما يبدو أن هذه القبائل الكوردية التي كانت تعيش في هذه الأصقاع الكوردية من كوردستان كانت من أصل كوردي قبل الفتوحات العربية الاسلامية و في حديثهم عن لورستان الكوردية يذكر الجغرافيون العرب إنها دخلت أولاً في حدود خزستان ومن ثم ضمت إلى إقليم الجبال كوردستان ويكتب ابن حوقل الإدريسي أن لورستان الكوردية بلاد غنية حيث يعيش فيها الأكراد ويذكر الجغرافي الشهير ياقوت الحموي أيضاً أن "اللور"هم من قبائل كوردية تعيش في جبال أصفهان - خزستان. هذه المناطق الجغراقية الكوردية (كوردستان)، كما يؤكد ياقوت الحموي، تدعى باسم قبيلة (اللور) - بلاد اللور - أو لورستان الكوردية ويخبرنا أبو الفداء وغيره عن أكراد لورستان (اللور) كل هذا، برأينا، قد مثّل سبباً لأن يذكر شرف خان بدليسي اللوريين الكورد بمثابة واحدة من أربع مجموعات كوردية أثنولغوية على الرغم من أن بين أخبار الجغرافيين والمؤرخين العرب معطيات عن فقدان الوحدة اللغوية بين اللوريين الكورد و الأكراد. (وثبت عدم صحة ذلك بالدراسات والبحوث والوثائق الحديثة).
ويسوق ابن حوقل والأصطخري معلومات عن لغات سكان خزستان فيذكرون أنهم كانوا يتكلمون الكوردية والعربية والفارسية ولغة يقال لها "اخوزي" وهذه كانت تعد لغة مستقلة وكانت منتشرة في خزستان المقدسي ويطلق عليها "لغة الشياطين" ويتضح، من أخبار المؤلفين العرب، أن مصطلح "كورد" في أقاليم خزستان ولورستان (اللور) الكوردية، لم يكن يستخدم على الدوام كمصطلح إثني، فهو يحمل معنىً اجتماعياً.
يشير إلى البدو الرُّحَل مربي الماشية، وعن إطلاق هذا المصطلح على بعض القبائل الكوردية البدوية الجبلية في كرمان، والمصادر تذكر أن هذه القبائل الكوردية"جنس من الأكراد" التي بلغ عددها عشرة آلاف إنسان عدا عن ذلك فان المصادر العربية تدعو البلوجيين والكوفيين بالأكراد (حرفياً "كالأكراد") إن هذه الدلائل تشير إلى التشابه بين الأكراد والقبائل البدوية الإيرانية في رعاية اقتصادها ونوعية أعمالها. أن المصادر العربية كثيراً ما تذكر أن الأكراد عند صياغة أحداث القرون السابع - العاشر الميلادي في الإقليم التاريخي العراق - فارس، والذي كان يتألف من خمس مناطق .
فوفقاً لأخبار المؤلفين العرب في القرنين التاسع والعاشر تم إحصاء خمس مستوطنات كوردية في هذه المنطقة الكوردية من كوردستان الكبيرة. التي يدعونها بـ ("روم" أو "رام") الأكراد (جمع: رموم الأكراد) وزم. الأكراد (جمع "زموم" الأكراد) هذه المستوطنات الكوردية في كوردستان لم تصبح حتى الآن موضوعاً للبحث .
إن ف. ف. مينورسكي في مقالته "كوردستان والأكراد.." وكذلك بعض المؤلفين الآخرين قد تعرضوا سطحياً لهذه المسألة في أعمالهم التي استندت إلى أخبار المصادر العربية فتفسير مصطلح "زمْ" لأول مرة يقابل عند الجغرافي الإيراني الذي يتحدث بالعربية ابن خرداذبه "زم" برايه تعني "مستوطنة كوردية" ونفس الأمر يتكرر أعمال ابن الفقيه والإدريسي مثل هذا التفسير نجده كذلك عند المؤلفين الآخرين، فمثلاً يؤكد ياقوت الحموي في قاموسه الجغرافي أن ("روم و"عزه رام) باللغة الفارسية تعني مستوطنات وقـرى كورديـة ويـذكر الدمشقي كذلك أن هذه الكلمة تعني "منطقة - إقليم - ناحية"، إن المصطلح المشار إليه لا نجده في مؤلفات علم المعاجم القروسطية، مما يمكننا تفسيره وفق كل الاحتمالات، ففي المصادر العربية، كما سبق القول، يظهر المصطلح المذكور على شكلين، "رم" و " زم" ويكتب ف . ف. مينورسكي أن الأصح هو "رم" التي يزعم إنها كلمة فارسية تحمل معنى "جماعة" معشر وعند حديثه (مينورسكي) عن الأكراد يذكر العالم العربي جرجي زيدان في كتابه ( تاريخ التمدن الإسلامي) إن "زم". حسب رأيه - ترجع في أصلها إلى الكلمة العربية زمام "قيادة، رقابة وهلمجراً" وآخذين بعين الاعتبار أن مثل هذه التحريفات والتصنيفات في كتابة حرفي "ر" و "ز" ظاهرة عادية في المخطوطات العربية .
يمكن الافتراض أن الكلمة في البداية كانت "زوم" وعند فقدان النقطة من على حرف "ز" في بعض المخطوطات تحولت الكلمة إلى "روم" منشئة في نفس الوقت تصنيف جديد للكلمة، لذا فمن حق "دي-غويه" أن يقارب الكلمـــة المشار إليها بالمصطلح الكوردي"زوما" و الاعتــراف في نفس الوقت بشكـــل "زوم" كأول شكل ظهر للكلمة وباتفاقنا مـــع رأي (دي-غويه) نزعم انه يجب أن نضيف الى الكلمـــة "زوما" مؤسســـة اجتماعية معروفة في الواقع الكوردي، مرتبطة بشكل محـــدد بممارسة الاقتصاد الرعوي.
ويذكر مصطلح "زوما" في أعمال م. م.بيازيري، س. يفيازاروف وآخرين وفي الوقت الراهن فان كلمة "زوما" ترادف مصطلح "أوبا" ذا المنشأ الكوردي. زد على ذلك أن المصطلح الأول تقابله فقط عند (الذي يدين) الذين احتفظوا بنمط الحياة القديم، ويمكن الافتراض أن زوما التي أضحت فيما بعد مؤسسة رعوية، كانت شائعة عند الأكراد منذ القدم، وصارت تفقد بالتدريج معناها الأول بعد الفتوحات العربية، وبدأت تظهر في المصادر بمعنى وحدة اقتصادية وإدارية.
إن معلومات المصادر العربية عن عدد المستوطنات الكوردية في فارس، والتي كانت تدعى بأسماء زعمائهم وقبائلهم، متناقضة. بعضهم يكتب عن أربع مستوطنات في نفس الوقت الذي يؤكد فيه آخرون عن وجود خمس مستوطنات.
يورد ابن خرداذبه قائمة بأربع "زموم" "زوم" الحسن ابن جَيلْويُة الذي يدعى البازنجان على بعد أربعة عشر فرسخاً من شيراز "زوم" أروم ابن جواناح على بعد ستة وعشرين فرسخاً من شيراز "زوم" الحسين بن صالح والذي يدعى الصوران على بعد سبعة فراسخ من شيراز واستناداً على ابن خرداذبه يورد ابن الفقيه أيضاً أسماء أربعــــة زموم باختـــلاف لا يُذكر ويذكر المؤلفـــون الأكثر تأخـــراً، الإدريســــي والدمشقي، انه في فارس وجدت أربع مستوطنات كوردية. بيــد أن أسمـاء الرمـــوم، أو "الزموم" التي يوردها الإدريسي في قائمته، تتميز عــن الأسماء التي دونها ابن خرداذبـه وابـن الفقيه.
ووفق معطيات الأصطخري وابن حوقل والمقّدسي وآخرين فقد عاشت في فارس خمس مستوطنات كوردية، ويكتب الأصطخري ان أكبرها كانت مستوطنة الجيلويه والتي كانت تدعى الزنجان (عند الإدريسي - الراميجان) والمستوطنة الأكبر حجماً كانت تدعى مستوطنة أحمد بن ليث، التي كانت تدعى اللزالجان، ثم تأتي مستوطنات الحسين بن صالح-روم الديوان (يضيف الإدريسي أنها تدعى كذلك "روم الصوران") ثم روم الشهريار والتي كانت تدعى كذلك روم الباذنجان (عند الإدريسي الحازنجان). وأخيراً، روم أحمد بن الحسن، التي كانت تدعى بروم القرينة (الفرنية). ويتحدث المقدسي كذلك عن خمس زموم كوردية في فارس بيد أنه يورد فقط أسماء ثلاثة منها وحسب أخبار المصادر العربية فان مستوطنات الأكراد في فارس، والتي نتعرض لها بالبحث كانت تتألف من قرى مختلفة ونقاط سكنية. وكان الزعيم الكوردي يقوم بجمع الضرائب. وكان يعنى برخاء دائرته ويحافظ على الطرق وتنقل القوافل.
بالإضافة إلى ذلك تشير المعلومات التي وصلتنا إلى أن المستوطنات الكوردية كانت تدعى"مماليك"- ممتلكات وهي متناثرة في كل أنحاء إقليم فارس. يقول الأصطخري أن مالكي (زعماء) الزموز (الروم) الكوردية كان لهم حرس دائم يبلغ قوامه ثلاثة آلاف رجل. ويتحدث عن نشاط هؤلاء المالكين فيذكر أن روم الجيلوية، على سبيل المثال، يحمل اسم زعيم روم الجيلويه الذي ترأس "روم" بعد موت سالم بن الرزبية. ويلاحظ الأصطخري أن زعيم روم الديوان كان المدعو آزادمرد بن كشهاد الذي انتفض ضد الخليفة ومن ثم هرب إلى عمان وتوفي هناك. وانتقلت السلطة بعده إلى حسين بن صالح وأولاده الذين كانوا أكراداً أيضاً. لكن الحاكم "عمرو بن صَفر انتزع منهم هذه المستوطنة وسلمها للكوردي ساسان بن قزوان الذي ظل يحكم هناك حتى أيامنا، كما كتب الأصطخري.
بالاعتماد على أخبار المصادر العربية وبصفة رئيسية على ما أورده الاصطخري يمكن القول أن زعماء كل المستوطنات الكوردية كانوا كورداً وغالباً ما أُطلقت أسماؤهم على هذه أو تلك من المستوطنات الكوردية وكانوا يجبون مختلف الضرائب من "الزوم الكوردية" الخراج مقاسمة. المساحة .. الخ واستناداً إلى ما تم قوله، من الصعب الاتفاق مع رأي الأكاديمي ف. ف. برتولد في أن المستوطنات الكوردية في فارس قد حملت قطعاً طابع البداوة و تربية الماشية. وبهذا الصدد يكتب ف.ف.برتولد: أن جغرافيي القرن العاشر الميلادي يوحدون كل البدو الرحل الإيرانيين تحت تسمية "الأكراد" وفق اسم اكبر القبائل كوردية عدداًن ومثل الدوائر الخمس الكوردية للسكان المستقرين كانوا يميزون في فارس خمس دوائر للبدو الرحل على الرغم من أن حدود كلا النوعين من الدوائر لم تكن متطابقة، أن أماكن ترحال كل قبيلة كان يجب أن تشمل منطقة واسعة جداً.
ذلك أن كل القبائل كانت تمضي فصل الصيف في الجبال، والشتاء على شاطئ البحر ولتحديد معنى دائرة البدو الرحل كان يستخدم مصطلح "زوم". توجد كل الأسس للاعتقاد أن مستوطنات الأكراد في فارس، حيث زرعوا مختلف أنواع المزروعات كانت في جوهرها ممتلكات إقطاعية، ومن حيث الشكل كانت تحمل تسمية قديمة تعني وحدة مربي المواشي "زوما" على الرغم من أن تربية الماشية بالطبع، لعبت دوراً كبيراً في الحياة الاقتصادية لهذه المستوطنات.
ويسمي المؤلفون العرب في كتاباتهم مربي الماشية والبدو الرحل لإقليم فارس ببساطة أكراداً، مستخدمين أثناء ذلك مصطلح "حي" فكل الجغرافيين، وعلى رأسهم ابن حوقل والأصطخري كانوا يكتبون عن أحياء الأكراد المائة. ويضيفون أن في كل أنحاء فارس كان يعيش أكثر من خمسمائة ألف أسرة (خيمة) كوردية، زد على ذلك أن في كل خيمة كان يعيش حتى عشرة أشخاص(من الرجال).
في مؤلفات الجغرافيين كانت ترد قائمة بأسماء الأحياء الثلاثة والثلاثين الكوردية التالية:
الكرمانية، الرامانية، مدثر، محمد بن بشر، البقلية، البندادمهرية، محمد بن اسحاق، الصباحية، الإسحاقية، الأذركانية، الشهركيّة، الطهمادهنية، الزبادية، الشهروية، البندادكية، الخسروية، الزنجية، الصفرية، الشهريارية، المهركية، المباركية، الاشتامهرية، الشاهونية، الفراتية، السلمونية، الصيرية، الآزاددختية، البرازدختية، المطلبية، الممالية، الشاكانية، الكجتية، الجليلية، يكتب الأصطخري انه في كل حي بلغ عدد الفرسان المسلحين نحو مائة فارس وبحسب رأي ابن حوقل ألف فارس.
خلاصة القول: لا يـمكن نفي وجـــود الأكـــراد فــي خزستان ولورستان وفارس بالرغم مـــن أن عدهم الوارد في المصادر يثيـــر الارتباك. ويستنتج انه في فارس في القـــرن العاشر بلغ عدد الأكراد نـحو عـــدة ملايين وهو العدد الذي يتجاوز العــدد الكلي لسكان الإقليم فــي الـوقت الـراهــن لا شك أن عداد السكان الأكراد وخاصة في فارس مبالغ فيـه، وهو ما يفســـر دور المصادر الشفهية للمعلومات وعدم سعة اطلاع ناقلي هذه المعلومات.
* الكورد وكوردستان في العهود الإسلامية
هؤلاء الطغاة
أصحيحٌ يا ربي
أنهم مروا من بين أنامِلك الشفيفةِ
وتحملتهم؟!
عدنان الصائغ
قصيدة من ديوان تأبط منفى( )
1. الكورد في العهد العباسي:
تم فتح أو احتلال المنطقة الكوردية (كوردستان) في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب. فبتوجيه منه أرسل سعد بن أبي وقاص جيشاً بقيادة هاشم بن عتبة لاحتلال جلولاء الكوردية في كوردستان العراق ( ). ويشير السيد صلاح الدين الجوزي فيقول: "دخل الكورد في الإسلام بعد فتح بلادهم على يد الصحابي الجليل عياض بن غنم رضي الله عنه الذي فتح معظم بلاد الكورد في كوردستان من جهة الجزيرة الكوردية (سنة 18 هجرية)، وكان القعقاع بن عمرو رضي الله عنه قد فتح حلوان الواقعة في جنوب كوردستان قبل ذاك (سنة 16 هجرية)"( ). ولم يكن الفتح العربي الاسلامي سهلاً ولا المقاومة الكوردية ضعيفة، إذ دافع سكان هذه المناطق الكوردية في كوردستان عن أرضهم بصلابة فائقة قدموا الكثير من التضحيات. وكان الفاتحون العرب المسلمون والمحتلون العرب الجدد قساة على سكان هذه المناطق الكوردية من كوردستان بسبب دفاع القبائل الكوردية عن أرضها وارض الاباء والاجداد، تماماً كما حصل في المعارك التي قادها خالد بن الوليد في العراق وفارس.
وتشير الكاتبة (جغالينا) إلى حقيقة المقاومة ضد المحتلين الجدد من العرب المسلمين بقولها: "لم يتقبل الكورد الدين الإسلامي مباشرة. فقد قاوموا الفتوحات العربية الاسلامية بقوة، بالرغم من أن هذا الدين الاسلامي الجديد قد راق وأعجب المحاربين الكورد. كما أعجب من قبلهم الكورد القاطنين على أراضي القبائل العربية. وأصبح الإسلام يحاصر تدريجياً المعتقدات الدينية التي كانت سائدة في الأوساط الكوردية قبل ذلك"( ). ومنذ بدء احتلال هذه المنطقة الكوردية من كوردستان وقعت معارك دامية وكثيرة، بما فيها العديد من الانتفاضات الشعبية والمسلحة في محاولة من سكانها الكورد للتخلص من الهيمنة التي فرضت عليهم وجور الحكام، وخاصة في العهود التالية لحكم الخلفاء الراشدين. وتدريجاً، وعبر عمليات وإجراءات كثيرة دخلت النسبة الأكبر من الكورد في الدين الإسلامي بعد أن كانت تدين بالزرادشتية، كما في ديانة الكثير من الشعوب الإيرانية حينذاك، في حين حافظ الكورد الأيزيديون على ديانتهم (الأيزيدية) التي تعتقد بالثنائية في الواحد بخلاف الديانة الزرادشتية التي تفصل بين الاثنين، أي بين الخير والشر، بين أهورامزدا وأهريمان، باعتبارهـما قطبين متناقضين ومتقاطعين وتنظر إليهما بشكل مستقل عن بعضهما. وأصبحت المنطقة الكوردية أو كوردستان الحالية بكل أجزائها تقريباً خاضعة للدولة الأموية، ومن ثم للدولة العباسية. وفيما بعد كان الصراع حولها (كوردستان) بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية دموياً وقاسياً عانى منه بشكل خاص الشعب الكوردي الأمرين، إذ كانت ساحته الأساسية كوردستان بالذات ووقوده الشعب الكوردي ذاته. وفي الوقت نفسه عانت القوميات والطوائف الدينية الأخرى كثيراً من الحكم العثماني أو الحكم الفارسي، بسبب السياسيات الشوفينية والعنصرية مرة والدينية المتعصبة مرة أخرى أو الاثنين معاً وكانت المعاناة عندها أشد وأقسى.
وفي العهد العباسي تسلم العديد من المرشحين للخلافة العباسية قبل توليهم الخلافة العباسية الولاية على هذه المنطقة الكوردية الحساسة في كوردستان مثل أبو جعفر المنصور، الذي ولي على الجزيرة وكوردستان وأذربيجان في زمن الخليفة العباسي أبو العباس السفاح. أما الخليفة العباسي المهدي فنصّب هارون الرشيد والياً على كوردستان وأذربيجان وسائر البلاد الغربية.( ) وكانت هذه المنطقة الكوردية من كوردستان مليئة بالأحداث. وكان الكورد يشكلون الغالبية العظمى من السكان مع قوميات مختلفة وخاصة الآشورية والكلدانية التي كانت تؤمن بالمسيحية، وهم /الاكراد من سكان البلاد كوردستان الأصليين أيضاً، إضافة إلى وجود العرب والفرس. وكانت غالبية سكان البلاد (كوردستان)، وقبل الاحتلال العربي الإسلامي لها، تؤمن بالديانات العراقية والفارسية والكوردية القديمة، ومنها العقيدة البابلية والآشورية والزرادشتية والزرفانية والأيزيدية والمثنوية والمانوية، التي سادت مناطق كوردستان إيران وأجزاء من كوردستان العراق الحالي حينذاك قبل دخول الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية إلى المنطقة الكوردية (كوردستان)، إضافة إلى استمرار الديانة الأيزيدية. ولهذا السبب كان المدونون لتلك الحقبة الزمنية يتحدثون عن التداخل والتشابك في العادات والتقاليد والطقوس الدينية التي كانت تمارس من قبل السكان في كوردستان.( ) وجدير بالإشارة أن الميديين الكورد، وهم كما أشرنا سابقاً من القبائل الكوردية القديمة، كانت تؤمن بالزرادشتية وكانت تفصل كما هو الحال عند الفرس في حينها بين الخير والشر. وتشير المؤرخة جغالينا استناداً إلى المؤرخ الإيراني رشيد ياسيمي إلى "أن الكثير من التقاليد التي يتميز بها الزرادشتيون، وترتبط بعبادة النار، لا تزال موجودة في الأوساط الكوردية حتى يومنا هذا. ولا تزال عبادة الأشجار المقدسة والأصول تمارس حتى الوقت الحاضر في أوساط الكورد المسلمين. فهناك العديد من الأشجار تتدلى منها قطع أقمشة صغيرة (خليع)، ويتردد الناس عليها ليصلوا لها ويتباركوا منها، كما أن غالبية السكان في المناطق الكوردية في كوردستان إيران لا تراودها الشكوك في صحة الطابع المقدس لمثل هذه الأماكن".( ) ويمكن تأكيد ذلك بالنسبة لكورد كوردستان العراق وكوردستان تركيا وكوردستان إيران. فمن عاش هناك ومرَّ بالمناطق الجبلية والغابات في كوردستان سيجد على بعض الأشجار هذه الظاهرة المتوارثة عبر الأجيال أيضاً. وعند بقية المسلمين في بقية أنحاء العراق يجد الإنسان الكثير من العادات والتقاليد الدينية العراقية القديمة منذ عهود السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين والكلدانيين ما تزال مستخدمة وتتداخل مع الطقوس الإسلامية دون أن يميز الإنسان في ما بينها وكأنها متكاملة مع بعضها البعض.
وقبل دخول الإسلام المنطقة الكوردية كوردستان كانت اليهودية والمسيحية قد وجدتا طريقيهما إلى المنطقة أيضاً حيث اعتنق الآشوريون والكلدانيون الديانة المسيحية على تنوع مذاهبها فيما بعد، في حين حافظ الكورد على ديانتهم القديمة (الزرادشتية). وعند دخول الإسلام إلى المنطقة الكوردية من كوردستان اعتنقت غالبية الكورد وعلى مدى سنوات طويلة وبطرق مختلفة الديانة الإسلامية واحتفظت غالبية المسيحيين بديانتها، كما احتفظت غالبية الكورد الأيزيديين على ديانتها القديمة اليزدية التي ما زالت عليها حتى يومنا هذا، رغم الإجحاف الكبير والاضطهاد اللذين تعرض لهما أتباع هذه الديانة القديمة المتداخلة عند أتباع الديانة الأيزيدية( )، والتي تعبر عن قدم وأصالة السكان الكورد في المنطقة الكوردية (كوردستان). وفي فترات مختلفة حتى الوقت الحاضر نجد في كوردستان ديانات ومذاهب وطرق دينية أخرى كثيرة مثل الكاكائية (أهل الحق)، والـ"علي اللهية" أو الشبكية، على سبيل المثال لا الحصر.( )
كان سكان هذه المناطق من الكورد وغيرهم يعانون من صعوبات العيش ومن الاستغلال. وكان بعض حكام المنطقة الأقوياء يحاولن انتزاع حقهم في الحكم في منطقتهم الكوردية من كوردستان والاستقلال عن الخلافة العباسية. وفي مقابل هذا كان الخلفاء العباسيون يشنون الحروب ضدهم وينزلون عند تحقيق النصر أقسى العقوبات بالحاكم وبالقوى الكوردية التي ساندته. وغالباً ما منح الحكام الكورد في كوردستان الأمان للعباسيين ليستسلموا للمنتصر، ولكنهم تعرضوا لأبشع ميتة بعد تسليم أنفسهم. ويقدم كتاب شرفنامة أمثلة صارخة على ذلك. كما كان الكورد يتمردون على الحكم العباسي لا بهدف فرض الاستقلال الكوردي فحسب، بل لرغبتهم في عدم دفع الضرائب العالية التي كانت ترهق كاهلهم، وقبل ذاك كاهل الناس الفقراء. وشهدت هذه المنطقة الكوردية من كوردستان حركات سياسية تمردية وثورية كوردية كبيرة، كما كان بعض المتمردين الكورد يقطعون الطرق على المارة بين بغداد والموصل أو بين مختلف المدن الكوردستانية أو باتجاه كوردستان فارس أو كوردستان تركيا، تماماً مثلما كانت تقوم به العشائر الأخرى غير الكوردية في المناطق الأخرى. ويمكننا هنا الإشارة إلى بعض من تلك الحركات الكوردية التي لازمت حكم العباسيين من بدايته حتى نهايته، وكانت في الوقت نفسه السباقة لمواجهة اجتياح المغول وحكم العائلة الإيلخانية في العراق.
يشير (محمـد أميـن زكـي) فـي كتابـه "خلاصـة تاريخ الكورد وكوردستان"، استناداً إلى الكثير من المصادر، على أن الكورد اشتركوا "في الثورات والقلاقل التي نشبت في كوردستان وهـمذان أيام (أبي جعفر المنصور)"( ) وثار الكورد في عهد (المعتصم) في المناطق المحيطة بالموصل بقيادة جعفر بن مهر حسن (مير حسن) في عام 225 هجرية/ 840 ميلادية وكذلك في عهد (المقتدر بالله) أو في فترة (حكم البويهيين).( ) ووقعت في هذه المناطق معراك غير قليلة بين جيوش الخلافة العباسيه وقوى الكورد.( )
وكان القادة العسكريــون العباسيون ينظمـــون أبشع الجرائـــم ضـــد الكورد المنتفضين والثوار بعد اندحار تلك الحركات الكوردية بأمل تلقين الكورد في كوردستان درساً قاسياً وشرساً يكفون بعدها عن القيام بأعمال مماثلة. وبرهنت الأحداث على أن الكورد لم يكفوا عن ذلك واستمروا في المقاومة ورفض الهيمنة العباسية عليهم، كما أن الحكام المستبدين لم يتعلموا من إصرار الكورد على طلب الحرية وضرورة تمتعهم بها، بل واصلوا فرض الهيمنة بالقوة وتنظيم الحملات العسكرية والمجازر الدموية ضد السكان الأكراد في كوردستان.
وعند تتبع الخاصة بفترة (حكم آل بويه) يلاحظ بأنه لم يكن للكورد عهد راحة واستقرار، بل تميز باشتداد الخلافات والتوترات مع مركز الخلافة العباسية. كما أن الاختلاف المذهبي بين (البويهيين الشيعة الزيدية والكورد السنة) لعب دوره في تشديد تلك النزاعات ونضال الكورد ضد الهيمنة البويهية الشيعية. يشير محمد أمين زكي في هذا الصدد نقلاً عن ابن الأثير إلى أن مقاطعة شهرزور كانت مسرحاً للقتال والفتن مرات كثيرة أرسل على أثرها (معز الدولة) جيشاً بقيادة سبكتكين في عام 344هـ 954م وحاصرها فترة غير قصيرة ثم اضطر إلى رفع الحصار عنها. وتكرر إرسال الجيش إلى كوردستان والاستيلاء على مدنها من جانب عضد الدولة في عام 368هـ/ 978م ودحر قوات أبي تغلب (فضل الله بن ناصر الدولة بن حمدان) والذي قتل في عام 369 هجرية (978م). كما أرسل عضد الدولة جيشاً آخر لمحاصرة شهرزور في عام 369 هجرية (978م) من أجل الفصل بين الكورد وعشيرة بني شيبان العربية التي كانت متفقة مع الكورد ومختلطة بهم، والتي انتهت بهرب بني شيبان وتعقبهم. وقتل منهم خلق كثير، كما يشير إلى ذلك ابن الأثير. وبعد عام واحد فقط (370 هجرية) 979م أرسل عضد الدولة جيشاً للقضاء على إمارة حكاري الكوردية، إذ حاصر الناس الكورد فيها ثم تفاوض مع المحاصرين الكورد و"أعطاهم الأمان والمواثيق والعهود للتسليم والخضوع وبعد أن خضعوا حسب الشروط وغدر بهم عضد الدولة العباسي وقتلهم عن بكرة أبيهم( )، وهو ديدن غالبية الحكام المستبدين والمحتلين. وعن صفات هذا الحاكم المستبد الجائر والسفاح عضد الدولة العباسي يتحدث ابن الأثير وكأنه لا يتحدث عن سفاح بل عن "إنسان سويّ السيرة فاضل السلوك" حيث يقول: "كان عاقلاً فاضلاً حسن السياسة كثير الإصابة شديد الهيبة بعيد الهمة ثاقب الرأي محباً للفضائل وأهلها باذلاً في موضع العطاء مانعاً في أماكن الحزم ناظراً في عواقب الأمور".( )
وفي الفترة الواقعة بين 990-1096م أقيمت الدولة المروانية الدوستكية الكوردية في القسم الشمالي من كوردستان وكانت عاصمتها ميافارفين (سليفان اليوم)( )، وكذلك الدولة الحسنوية البرزيكانية الكوردية في القسم الشرقي من كوردستان (من نهاوند شرقاً إلى شهرزور غرباً في الفترة الواقعة بين (950- 1096)، وكانت عاصمتها دينور.( )
* الجذور التاريخية للكورد
السؤال الجدلي حول منشأ الأكراد الذي كان ولا يزال موضوعا ساخنا للنقاش تدور حول فرضيتين:
• جذور الأكراد نشأت من الشعوب الهندو - أوربية.
• جذور الأكراد نشأت من شعب مستقل ليست هندية ولا أوروبية وتسمى شعوب "جبال زاكروس الكوردية" التي كانت تقطن كوردستان منذ فجر التاريخ وهم شعوب كوردية من "لولو، كوتي، كورتي جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايري" وإنظم الى هذا الشعب الكوردي حسب اعتقاد هذا التيار الشعوب الهندو- أوربية التي هاجرت إلى كوردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كوردستان مع شعوبها الكوردية الأصلية السابقة هناك وهم "الميديين والكاردوخيين" الكورد.
من المفارقات في تأريخ هذا الجدل إن الغرض الأساسي منه لم يكن أكاديميا بل سياسيا حيث كان الهدف منه إثبات إن منشأ الأكراد يرجع إلى مناطق خارج بعض الدول التي يستوطنوها في الوقت الحاضر ونتيجة لانعدام الغرض العلمي في هذه المناقشات الغير مثمرة فقد نشأت 3 تيارات فكرية:
• تيار مكون من القوميين العرب و أصحاب حضارة وادي الرافدين القديمة وبعض المستشرقين والمؤرخين مقتنعون بأن أصول الأكراد هي الهندو أوربية وإنهم قدموا من مناطق خارج البقعة الجغرافية التي يقطنونها حاليا (كوردستان).
• تيار مكون من القوميون الأكراد مقتنعون إنهم شعب كوردي مستقل بذاته ولهم خصائص تميزهم عن بقية الشعوب وقد حافظوا على جميع مظاهر هذه الخصوصية من الزي واللغة والعادات والتقاليد الكوردية وعلى الرغم من التشابه في بعض النواحي اللغوية مع الشعوب المجاورة ويورد الأكراد الاحتفال بعيد نوروز كمثال فبالرغم من احتفال الشعوب المجاورة بهذا العيد إلا إن الأكراد لهم مفهوم مختلف تماما عن هذا العيد/نوروز مقارنة بمفهوم إيران وأفغانستان ألبانيا وباكستان لهذا العيد/نوروز(عيد راس السنة)عند الاكراد.
• تيار مكون من الأكراد أنفسهم مقتنعون بأن أصول الأكراد الهندو أوربية وهذا التيار نشأ كردة فعل لما اعتبره هذا التيار تهميشا ومحاربة من قبل الشعوب المجاورة فولد هذا التيار الذي يحاول إرجاع أصول الأكراد إلى عروق آرية أو أوروبية.
لإتباع المنهج الأكاديمي في البحث عن جذور الأكراد لجأ الباحثون وعلماء الآثار والباحثين إلى البحث عن شعوب قديمة في المناطق التي كانت مسكونة من الأكراد منذ القدم وفكرة البحث كانت التعرف على الشعوب التي كانت مستقلة من ناحية اللغة وكانت تربط أفرادها خصائص مشتركة تميزهم عن بقية الشعوب المعروفة في بلاد ما بين النهرين وتم من خلال هذه الأبحاث والدراسات التعرف على بعض الشعوب التي قد تكون عبارة عن الجذور القديمة للأكراد, وهذه الشعوب الكوردية هي:
• الشعب الكوردي الذي سكن منطقة (تل حلف) التي كانت موقعا لمدينة - الدولة الآرامية غوزانا وتقع هذه المنطقة شمال شرق سوريا (كوردستان سوريا)، في محافظة (الحسكة الكوردية) وتعود تأريخها إلى العصر الحجري الحديث وتقع بالقرب من نهر خابور. توجد مخطوطات في أرشيف الملك الآشوري عداد نيراري الثاني أن هذه المدينة - الدولة كانت مستقلة لفترة قصيرة إلى أن سيطر عليها الملكة الآشورية سميراميس في سنة 808 قبل الميلاد.
• الهوريون أو شعب هوري الكوردي الذي كان يقطن شمال الشرق الأوسط في فترة 2500 سنة قبل الميلاد ويعتقد إن أصولهم كانت من القوقاز أو ما يسمى القفقاز التي هي منطقة آسيو - أوروبية بين تركيا وإيران والبحر الأسود وبحر قزوين وسكنوا هؤلاء الاكراد الهوريون أيضا بالقرب من نهر خابور وشكلوا لنفسهم ممالك كوردية صغيرة من أهـمها مملكة ميتاني الكوردية في شمال سوريا عام 1500 قبل الميلاد. ويعتقد إن الهوريون الكورد إنبثقوا من مدينة أوركيش الكوردية في كوردستان سوريا التي تقع قرب مدينة القامشلي في كوردستان سوريا. استغل الهوريون الكورد ضعفا مؤقتا للبابليين فقاموا بمحاصرة بابل والسيطرة عليها في فترة 1600 قبل الميلاد ومن هذا الشعب الهوري الكوردي انبثق من الميتانيون الكورد أو شعب ميتاني ويعتبر المؤرخ الكوردي محمد أمين زكي (1880 - 1948) في كتابه "خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان" شعبي (هوري وميتاني) الكوردي من الجذور الأولى للشعب الكوردي. كانت نهاية مملكة شعب هوري الكوردي على يد الآشوريين.
• ذكر المؤرخ اليوناني زينوفون (427 - 355) قبل الميلاد في كتاباته شعبا وصفهم "بالمحاربين الأشداء ساكني المناطق الجبلية /كوردستان" وأطلق عليهم تسمية الكاردوخيين الكورد الذين هاجموا على الجيش الروماني أثناء عبوره للمنطقة الكوردية (كوردستان) عام 400 قبل الميلاد وكانت تلك المنطقة (كوردستان) استنادا لزينوفون جنوب شرق بحيرة وان الواقعة في شرق تركيا/كوردستان تركيا الحالي. ولكن بعض المؤرخين يعتبرون الكاردوخيين الكورد شعوبا هندو-أوربية انضمت لاحقا إلى الشعب الكوردي الذي باعتقاد البعض يرجع جذوره (الكاردوخيين) إلى شعوب جبال زاكروس الكوردية الغير هندو-أوربية.
* تاريخ الأكراد كما ورّد في موسوعة ألمانية
الأكراد هم شعب مستقل بحد ذاته. يبلغ عدد نفوسهم حوالي 45 إلى 50 مليون نسمة. وعدد الأكراد الذين يعيشون في كوردستان تركيا يتراوح ما بين 20 إلى 23 مليون نسمة. ويعيش منهم 13ملايين نسمة في كوردستان إيران و 10 ملايين في كوردستان العراق و 4.5 مليون في كوردستان سوريا و 1.7 مليون نسمة أوروبا الغربية و 1,2 مليون نسمة في دول الإتحاد السوفييتي السابق. كما يعيش عدد قليل من الأكراد في لبنان وإسرائيل.
* أصل الأكراد
يحتمل أن أجداد (أسلاف) الأكراد سكنوا أثناء الحركة (الهجرة الثانية )الكبيرة للآريين الهندوجرمانيين في حدود الألفين سنة قبل التاريخ الميلادي في منطقة غرب إيران (كوردستان ايران) التي أطلق عليها فيما بعد كوردستان.
يتكون الشعب الكوردي من عدة شعوب وقبائل كوردية، وان ثقافتهم ولغتهم وأساطيرهم الكوردية متأصلة او متقاربة بالثقافة الإيرانية /الفارسية.
توجد ثلاث نظريات حول منشأ و أصل الأكراد مع مراعاة اختلاط الشعوب الذي حصل طيلة هذه الفترة الزمنية.
1- أسس أجداد الهوريين (الحوريين) الكورد مملكة ميتاني Mittani الكوردية سنة 1500 قبل الميلاد تقريبا، أطلق عليها الإسم: خورّي أو كوري Churri وتبعا لهذه النظرية، إشتق منها الإسم الكوردي. إن منطقة إستيطان الهوريين مطابقة بالضبط مع حدود كوردستان.
2- والمنشأ الثاني من الميديين، الكورد حيث اشتقت كلمة كورانج من كور/كورد ومانج لميدي. ومعظم الأكراد يعتبرون أنفسهم من سلالة الميديين الكوردية. تعززت هذه النظرية من خلال الكلمة الميدية تورد/كورد والتي تعني "قوي". يجد المرء هذه الصيغة في الكورمانجية، إحدى اللهجات الكوردية، على أن الترجمة الميدية تكون" ميدي قوي".
3- أما النظرية الثالثة فإنهم من أصل الإسكيتيين Skythen الكورد.
يذكر كسونوفون Xenophon الإغريقي الفيلسوف والمؤرخ المولود في أثينا عام 444 قبل الميلاد، وهو أحد تلاميذ سقراط – (الباحث) في كتابه عن حملته العسكرية من البحر إلى الأراضي الآسيوية المرتفعة الذي أصبح فيما بعد عملا تاريخيا بعنوان الرقي أو الصعود Anabasis، المجلد الثالث صفحة 5، 15، أن أصلهم (الكورد) من الكاردوخيين Karduschen الكورد.
إلا أن معظم المؤرخين وعلماء الآثار يشكون عن صحة هذه المعلومات القائلة أن أغلب الإسكيتيين سكنوا في المنطقة التي ظهر فيها الشعب الكوردي، لأن وطن (بلاد) الإسكيتيين كان في كازاغستان وفي جنوب روسيا وأوكرانيا. فلم تثبت صحة هذه النظريات علميا. أن الاسم الجغرافي لكوردستان ظهر للمرة الأولى في المراجع و المصادر العربية و السلجوقية.
* تاريخ الأكراد منذ فجر التاريخ
فمن وجهة نظر الأكراد، كان العصر المزدهر لهم في القرن السابع قبل الميلاد في مملكة الميديين الكوردية. وفي القرن الثاني عشر أسس صلاح الدين الأيوبي من قبيلة هه دبياني الكوردية، الدولة الأيوبية في سوريا.
امتدت هذه الدولة الايوبية إلى شرق وغرب كوردستان وخراسان ومصر واليمن. ولم تكن الدولة الأيوبية مملكة كوردية بأي حال من الأحوال، حيث كان معظم سكانها عربا وشعوبا أخرى. إنها كانت دولة إسلامية، لأن سكانها كانوا يطلقون على أنفسهم مسلمين، وليس كعرب وأكراد.
* القرون الوسطى (العصر الوسيط)
إن المعركة جالديران في سنة 1514م عند مدينة جالديران Caldiran بالقرب من فان Van بين العثمانيين والصفويين كانت نقطة تحول كبيرة، حيث خضع شاه إسماعيل الأول الصفوي تحت حكم (إمرة) السلطان العثماني ياوز سليم ألأول Yavuz Selim I وبعد ذلك أصبحت كل منطقة شرق الأناضول (كوردستان العثمانية /التركية) تحت سلطة العثمانيين. وفي غزوته على شرق تركيا قتل السلطان العثماني سليم الاول عند مدينة سيواس Sivas أربعين ألفا من العلويين الذين أغلبهم يشكلون مجموعات تركية وكوردية (أغلبيتهم من الأتراك) إحتمالا لمنعهم من العمل مع الصفويين.
وفي سنة 1596 ألف شرف خان Serefhan أمير منطقة بيدلس (بيتلسBitlis ) وابن إدريس البتليسي سفرا تاريخيا بخط رائع عن تاريخ الأكراد من ملاطيا (ملاتياMalatya ) إلى بحيرة أُومرية Umriasee إن صحة تواريخ الأحداث لهذا السفر التاريخي يشك فيها.
* القرن العشرين:
تميز الوعي الكوردي قبل الحرب العالمية الأولى بالانتماء إلى القبائل الكوردية من ناحية و من خلال المذهب السني من ناحية أخرى. كما تأثر الأكراد بأفكار الأوروبيين وتطور شعورهم القومي الكوردي الذاتي. ومن خلال قوات الحلفاء المنتصرة التي وعدتهم بادئ الأمر بإنشاء دولة كوردية مستقلة (كوردستان). غير أن منطقة استيطانهم كوردستان وزعت (قسمت) على خمسة أقاليم لدول مختلفة التي منحتهم حقوق سياسية قليلة واعترفت بهم بأنهم من أقليات الكوردية صغيرة.
وفي تركيا قذفوهم و نعتوهم - أي أطلقوا عليهم اسم (أتراك الجبل)، ولم يسمحوا لهم باستعمال اللغة الكوردية إلى وقت قريب.
وفي ايران وبتاريخ 22/1/1946 تأسست الجمهورية الكوردية في شمال غرب إيران،/كوردستان ايران عاصمتها مهاباد وكان رئيسها القاضي محمد.
وفي الإتحاد السوفييتي كان يهدف من خلال تأسيس كوردستان وأذربيجان على الأراضي الإيرانية أن يؤثر في المنطقة.
وبعد انسحاب السوفيت من كوردستان إيران تمت إعادة السيطرة على الجمهوريتين (كوردستان واذربيجان) من قبل الجيش الإيراني.
بعد مرور ثلاثة عشر شهرا تم بتاريخ 31 مايس 1947 إعدام القاضي محمد مع وزراء آخرين في ساحة جوار-جرا Car Cira Platz التي منها أعلنت الجمهورية الكوردية/مهاباد.
وفي العراق تمتع الأكراد بجزء من الإدارة الذاتية (الحكم الذاتي) في كوردستان العراق والمشاركة بالحكم في العراق في الفترة الواقعة مابين 1970 ولغاية 1974.
وبعد حرب الخليج الثانية 1991 حددت الأمم المتحدة في كوردستان العراق منطقة آمنة شمال خط عرض 36 درجة للأكراد.
وقد شاركت القوات الكوردية (البيشمركة) في حرب الخليج الثالثة عام 2003 مع أمريكا لاحتلال المدن العراقية الشمالية (كوردستان العراق). ومنذ ذلك التاريخ يتمتع الأكراد العراقيون بصفة خاصة كحلفاء لأمريكا.
بيد أن هدف الأكراد العراقيين في كوردستان العراق للحصول على حكم ذاتي أكثر استقلالا و تأثيرا، يجابه باستنكار ورفض من تركيا، لأن تركيا تخشى أن يؤثر هذا الحكم الذاتي الكوردي المستقل في كوردستان العراق على الأكراد في كوردستان تركيا.
* الجذور القومية الكوردية
يمر الأكراد بفترة إعادة يقظة عميقة لوعيهم القومي الكوردي كشعب كوردي. بالتأكيد أصبحوا مدركين لأنفسهم كشعب ومجتمع كوردي لأكثر بكثير من آلاف السنين – لغوياً مختلفين بشدة عن جيرانهم العرب والأتراك والفرس اوفرع لغوي مختلف بين الشعوب الإيرانية المتعددة. في أواخر القرنين التاسع عشر والعشرين طالب أكراد كوردستان العراق وإيران وتركيا في أوقات مختلفة بحقوقهم القومية أو المحلية الكوردية/كوردستان. دخل أكراد كوردستان تركيا (إضافة إلى أكراد كوردستان العراق وكوردستان إيران) مرحلة جديدة من وعي قومي كوردي.
أنبعث الإصرار الشعبي الكوردي في سياق الدولة الكوردية الوطنية من العالم الحديث,حيث انتشار حقوق الإنسان وحق تقرير المصير والديمقراطية, وزيادة الاتصال بين الأكراد أنفسهم, وزيادة التوقعات السياسية. وانبثاق صحوة ذاتية سياسية كوردية هذا تطور سياسي كبير لا رجعة فيه: فالمرء لا ينسى بسهولة انتمائه العرقي الذي تعلمه.
* انبعاث قومي كوردي متأخر
لماذا يكون الأكراد، والذين يشكلون أكبر كتلة عرقية بعد العرب والفرس والأتراك في الشرق الأوسط, نسبيا متأخرين في تطوير حركة قومية حديثة؟؟ طبعا الكورد عايشت شعوبٌ عديدة ونماذج مُختلفة من النمو القومي, بما يتوافق مع ظروفها التاريخية والجغرافية. نتجَ تأخر الكورد في تطوير حركةٍ قومية كوردية من عوامل عديدة. تترأسها الجغرافية كشعبٌ يسكن منطقة جبلية بالأساس (كوردستان), وكان الأكراد مبعثرين ومنعزلين بعضهم عن بعض, وبدون بنية دولة مركزية قوية كتلك التي تطوَرت في السهول الكبرى لنهري دجلة والفرات أو في وادي النيل في مصر. عَززت الجغرافية وأسلوب الحياة البدوية لفترات طويلة تشعب لهجاتٍ كوردية متعددة، العديد منها غير مفهوم بشكل متبادل بين الكورد أنفسهم بسهولة اليوم.
وفي الظروف السياسة, على الأقل إلى السنوات المائة الأخيرة, قـُسَم الكورد بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية, إما في التسعين سنة الماضية فقد قسُموا أكثر وذلك بين دول تركيا إيران العراق سوريا. هذه التقسيمات السياسية, بدون مبالغة, شاملة أكثر, وبنفس الوقت كانت الدول المعنية تبُيَتُ بشكلٍ واضح نية تثبيط القومية الكوردية داخل حدودها.
كما إن الأكراد عاشوا عموما في المناطق الأكثر عزلة في أكبر الإمبراطوريات مثل الفارسية وأثناء الخلافة العباسية لبغداد والعثمانية, أيضا الانعزال عن مراكز الإمبراطوريات أبطأ تطورهم كشعوب غير متحدة أو مدركة بقوة لوعيها الذاتي.
ساهـمت العزلة ونمط الحياة الريفي في العديد من المناطق الكوردية (كوردستان) لتطور بنية قبلية وعشائرية الكوردية والتي بدورها كرَست التقسيمات المناطقية والسياسية. وخلال فترة السلطنة العثمانية, كان الأكراد, جنبا إلى جنب بقية المسلمين جزءا من نواة إسلامية سنية واسعة ضمن الإمبراطورية المتعددة الأعراق. كانت الإمبراطورية العثمانية مدركة تماما لأقلياتها - لكنها عَرفتهم وفق شروط الدين, وليس الأثنية. وهكذا بالتالي أعُترِفَ قانونيا بوجود أقليات مسيحية ويهودية كبيرة .
بالنسبة للمجموعات الأثنية المسلمة, على أية حال, فأنه حقاً لم يوجد مفهوم حالة أقلية ضمن شروط قانونية: كانت النواة الإسلامية الدينيـــة والاجتماعية للإمبراطوريـــة العثمانية مكونة من ترك وعرب وكورد ...الخ. حتى لو اختلفت ثقافاتهم ولغاتهم, فأن مفهموهم بشكل أساسي لم يختلف: كان جميع السنة متساوون، وبعبارة أخرى: كانوا بشكل متساوي (مسلمين ومؤمنين), كانت الاختلافات الأثنية واللغوية بينهم بدون أهـمية قانونية .
كان الأكراد, كجزء من المجتمع السني للإمبراطورية العثمانية, قد عُملوا مسبقا كمجموعة متمايزة من قبل السلطان العثماني في القرن السادس عشر, عندما كانت مجموعة من الإمارات الكوردية المستقلة مُؤسَسة, والتي اُستعملت من قبل السلطان العثماني لضمان ثبات استقرار الحدود, كانت هذه الإمارات الكوردية مستقلة في كوردستان في شؤونها الذاتية والداخلية. وفي مقابل هذه الاستقلالية، اشترطوا تأمين الجنود والضرائب للسلطان العثماني, بالرغم من إن العلاقة بين الأمراء الكورد والسلطان العثماني لم تكن تخلوا من مشاكل, أستمر هذا النظام إلى القرن التاسع عشر( ).
بالتأكيد كانت هذه العشائر والقبائل الكوردية مُدركة بشكلٍ جيد لتمايزها الثقافي واللغوي, ولكن ذلك لم يكن ذلك العصر الذي كانت فيه مفاهيم "القومية" قد تكونت بشكلها الحالي, أيضا لم يكن القادة الأكراد المستقلين عطوفين بشكل خاص مع سكان أماراتهم. الكوردية
بشكل عام, عُرَف الأكراد مع المجتمع العثماني الأكبر، لكن, الأكثر أهـمية بكثير, على المستوى المحلي عُرَف حدوده مع جماعات دينية مختلفة أو مجموعات قبائلية. هذه التجمعات العشائرية الكوردية كانت غالبا في صراع مع بعضها البعض، مشكلة أنماطا متغيرة من الاتحادات, وعجباً فهو قانون الانشقــاق الاجتماعــي البدائـــي بيـــن القبائـــل المتحاربــة والفلاحين المتحضرين( ).
بحلول القرن التاسع عشر، رسخت عوامل جديدة التغير الاجتماعي السياسي التدريجي في العلاقة بين الأكراد والإدارة العثمانية. زيادة التدخل الاستعماري في المناطق الكوردية من كوردستان, وفرض الجندية القسرية, بسبب الحرب بين روسيا, إيران, والإمبراطورية العثمانية والتي كانت المناطق الكوردية /كوردستان مسرحا لها وزيادة التحديات لامتيازات الأسياد الأكراد والنموذج الخارجي للعصيان ضد الحكم التركي في كل مكان من الإمبراطورية (كالصربي والبلغاري)( ). قـُبلتَ محاولات الإمبراطورية العثمانية في تثبيت المركزية بإضرابات متزايدة في المناطق الكوردية/كوردستان, بعض منه كان نتيجة لتهور من قبل زعامات العشائر الكوردية والتي كانت عازمة على مواصلة توسعها من بين هؤلاء الزعماء المتمردين مير محمد باشا الرواندوزي وبدرخان بك في جزره كانت الأكثر شهرة. قـُمِعَت هذه الثورات الكوردية على حساب أرواح كثيرة من الشعب الكوردي. وكان هناك ما مجموعه 50 عصيانا مُسلحا كورديا ضد الدولة العثمانية. شارك فيها العديد من أكراد كوردستان العراق الحالي( ).
على أية حالة, هذه الثورات الكوردية, لم تكن ذات طابع قومي في الخصائص وفي قمعها قادت إلى تقوية قيادات المشايخ والطرق الصوفية (TARIKATLAR)، والذين فيما بعد سوف يلعبون دورا مهما في كمد (استمرار) ثورات كوردية جديدة إلى حد كبير. الأمراء الإقطاعيين التقليدين في المناطق الكوردية من كوردستان, الأغوات, اعتبروا أنفسهم "بالأساس رعية مسلمين سنة من إمبراطورية إسلامية عثمانية وليس لهم مصلحة في كيانٍ كوردي لا يمكن التنبؤ به" والذي يمكن من خلاله أن يتغير وضعهم الخاص نحو الأسوأ( ). فأن تبدد ثروات الإمبراطورية العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر إضافة للنشاطات القومية للأرمن في الأقاليم التي يسكنها الأكراد وبعض الأسباب الأخرى لخيبة الأمل الكوردية. مع صعوده للعرش في 1876, سعى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني لترسيخ أرضية الدولة العثمانية من خلال التأكيد على طابع الهوية الإسلامية للإمبراطورية العثمانية. وبين هذه الأمور يجب اختيارها كانت الزعامات والنخبة الكوردية. حتى الآن, وبنفس الوقت أيضا كانت بذور الفرقة تزرع من قبل الدولة العثمانية بين الاكراد في كوردستان, وبين أولى الأمثلة للفرقة والتدخل المباشر في المنطقة الكوردية/كوردستان من قبل الدولة الامبريالية في استانبول كانت إنشاء الألوية الحميدية في 1891 المرتزقة الأكراد أو الموظفين أو ما عرف بـ الفرق الحميدية في زمن السلطان عبد الحميد الثاني. ُصِمَمت هذه الالوية الحميدية للحفاظ على النظام العثماني في المقاطعات الكوردية الشرقية/كوردستان العثمانية, واستخدمت هذه الكتائب الكوردية الحميدية في نهاية المطاف من قبل الدولة العثمانية في حملتها ضد الأرمن. في غضون ذلك, أصبحت الكتائب (الألوية الحميدية) المنظمة عشائريا والمسلحة مصدر للشقاق الذي ترعاه الدولة ضمن المجتمع الكوردي كون هؤلاء الأكراد يستفيدون من رعاية سلاح الدولة وسوف يخاصمون و يقمعون هؤلاء الذين لم يأتمروا بما تمليه الدولة العثمانية. أيضا سيمثلون محاولة غير مقصودة من قبل الدولة العثمانية من الممكن لزرع الشقاق بين الأكراد وغير الأكراد, بما فيهم الأتراك( ). قوّت قوات الفرق الحميدية، تماما بشكل مشابه لنظام حماة القرى بعد قرن من الزمان, الروابط العشائرية بين الكورد( ) ولئن كانت هناك مناقشة حول درجة الوعي الأثني من قبل الأكراد خلال الجزء الأخير من القرن السابق, وذلك بزيادة النشاطات السياسية في استانبول وغيرها, فأنه من الواضح أن شيئا ما كان على قدم وساق, كانت الإمبراطورية نفسها تعاني من هزة في الصميم, كانت لجنة الاتحاد والترقي التركية بدأت تطالب وتتكاتف لعودة الحكم الدستوري الذي كان السلطان العثماني قد ألغاه. وكانت خلال هذه الفترة أن أول صحيفة كوردية قومية (كوردستان)KURDSTAN ، كانت مطبوعة في مصر عام 1898 من قبل منفيين أكراد في القاهرة (بدرخان), حيث انتقلت فيما بعد إلى جنيف ثم إلى انكلترا, وبالفعل, انتقل الكثير من النخبة الكوردية إلى المنفى في أجزاء مختلفة من الشرق الأوسط, تركيا, وأوربا( ). ومع ثورة الشباب الأتراك في 1908 ظهر اتجاهان متناقضان: من جهة استعيضَ بالتركيز على الإسلام بالعلمانية ونظام الحكم الدستوري, وفي خضم الجو الناشئ عن الليبرالية ازدادت النشاطات "الكوردية" عندما رأها العديد من المفكرين الأكراد والذين فقدوا الأمل في جدية الليبرالية العثمانية والحكم الدستوري كأفضل وسائل لتحقيق الحقوق القومية الأكبر. ازدهرت المجتمعات الثقافية والسياسية الكوردية, ليس فقط في اسطنبول أيضا في المدن الكبيرة للجنوب الشرقي الكوردي.
كانت المنظمة القومية الأولى, (الجمعية الكوردية) للنهوض والتقدم, مشكلة في 1908. لكن ُقمَع "ربيع القسطنطينية" بسرعة في 1910. ومن الجهة الأخرى وبينما خَدمَ الرجوع إلى الدستورية العناصر الأكثر عصرية للنخبة الكوردية, فإنها قادت إلى رد فعل معادي للنظام بين المشايخ والطرق الدينية الأكراد. البعض منهم انخرطوا في عصيان مفتوح. تحول نظام تركيا الفتاة، واجداً نفسه محاصرا داخليا ودوليا, بشكل مفرط إلى نظام قومي تركي الطابع كوسيلة لترسيخ سلطته, وفي النهاية, عندما جَرَ الشباب الأتراك (تركيا العثمانية) الإمبراطورية العثمانية إلى الحرب العالمية الأولى, أثبت الكورد كونهم رعية مخلصين فقاتلو معاً والى جانب الجيوش العثمانية.
أوجدت هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى عام 1914-1918 وتوقيع معاهدة سيفر في 10 اب 1920 نقطة تحول للأكراد. فقد أحتل الحلفاء المنتصرين على أجزاء كبيرة من الإمبراطورية العثمانية بغرض تقطيع أوصالها. معاهدة سيفر 1920 نفسها لم تكن فقط تعني إقامة دولة أرمنية موعودة تستخرج من أراض مستقطعة من الإمبراطورية العثمانية لكن أيضا "تصور لحكم ذاتي مؤقت للمناطق ذات الأغلبية الكوردية من كوردستان تركيا مع احتمال استقلال تام إذا أراد سكان الاكراد لتلك المناطق الكوردية من كوردستان تركيا هذا" (ولاية الموصل الكوردية)( ).
هذا, بطبيعة الحال, لم يطبق لأن الحركة القومية التركية, بقيادة مصطفى كمال أتاتورك, انقلبت على السلطان العثماني والقوى الغربية المحتلة. وفي تقدم هذا العصيان, كان مصطفى كمال أتاتورك ناجحا في تجنيد الأكراد في مسعاه. في بداية حرب الاستقلال (لتركيا الحديثة)، ناشد مساواة الكورد والترك, والتشارك في النضال, وإخوة كلا الشعبين( ). في خطابه الأول للبرلمانيين المنتخبين حديثا في 1920, تحدث مصطفى كمال اتاتورك بأن البرلمان لم يكن مكونا من ممثلين للترك, الكورد, الشركس, اللاز, ولكن بالأحرى ممثلا لمجتمع إسلامي موحد بشكل قوي. حتى إن مصطفى كمال أتاتورك تخيل, بحسب بعض تعليقاته لخطاباته وحديثه للصحفيين, بأن: في أي مكان يكون الأكراد فيه أغلبية سوف يحكمون أنفسهم ذاتيا( ). لم يستطع مصطفى كمال اتاتورك وقواته الثائرة, مواجهين نقص الرجال والعدة تحمل ذلك أن ينفر الأكراد بذلك: احتاجوا للتعاون الكوردي لينفذوا الحرب ضد الغزاة الأجانب. بذل الأكراد جهودهم على أساس وجود قضية إسلامية مشتركة ضد التدخل الغربي, وأن دولة مستقبلية ذات أثنية تركية/كوردية مشتركة سوف تنبثق. ومع ذلك, ثار بعض الأكراد ضد مصطفى كمال أتاتورك: بين هؤلاء الثورات, كانت الأكثر أهمية تلك التي في kocgirin في 1920, كونها أجبرت مصطفى كمال ليحول قواته من ساحة العمليات الرئيسية للحرب ليتعامل مع ما كان يمكن (بشكل كامن) أن يقود إلى تقسيم جدي ضمن الصف الكوردي/ التركي.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز عبد الرحمن المفتي
عمان، نيسان، 2013
3134 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع