ديوان " باب المنفى " لوحة أبدع في رسمها شاعر وفنان

                                               

                             علي المسعود

   

  

ديوان " باب المنفى " لوحة أبدع في رسمها شاعر وفنان

صدر عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع الديوان الشعري " باب المنفى " للشاعر العراقي المقيم في السويد رياض محمد .

يتألف الديوان من مائة وثمانين صفحة ومن القطع المتوسّط . القصائد مزينة بتخطيطات رائعة ومعبرة بأنامل الفنانة العراقية سعاد هندي التي تناغمت مع ايقاع القصائد وسحرها . نصوص القصائد موزعة بين الاغتراب الذي عاشه الشاعر و الحب والشوق والحنين المغلف بنوتات الألم التي صادفها ومحاولاً من خلالها ملامسة مواضيع ترتبط بشفافية الحب في مفهومه الواسع .

الشّاعر رياض محمد في قصائده التي بالرغم من أنها تنزف وجع الغربة لكنها تبوح بالعاطفة الجيّاشة ، تكمن اوجاع الشاعر في فراق الاحبة وكذالك الخيبة في وطنه بعد سقوط الديكتاتورية ، في اغلب قصائده نلمس إنكسار في الروح ، نهر من الوجع يسري في الروح بعد أن صارت الأماني البيضاء الى كوابيس والرايات السود زرعت في قلب الوطن الابيض ، فيقول في إحدى قصائده :
كان لنا وطنّ
نخل وحقولّ
لكننا أضّعنا مفاتيح جِناننا
حينً أسلمنا رؤسًنا اليانعة .. للسيّاف
وحين أفقّنا
وجدنا البلاد كلها .. مقطوعة الرّؤوس ..!!
يفتتح الشاعر ديوانه بقصيدته " باب المنفى 1 " والتي طبع الشاعر عنوان الديوان عليها . كأنها تمهد للقارئ أن كل مايجول في هذه الصفحات من أفكار وإرهاصات هو وليد لقلب وعقل حمل بين طياته جنينا من الهموم الشخصية الممزوجة بهموم الوطن وقضاياه ، بل هموم الإنسان بصفة عامة في كل زمان ومكان ، في هذه قصيدة يقول :

لاتترك ظلك وحيداً
ستهرسه الوحشة
ولا ترحلّ أيها المتبقي لنا
لاترحل ..
لقد غادرً الاصدقاء
بصمت لايشبه أرواحهم
نعبر بقصائد الديوان فنجدها امتزجت بالعزلة والخيبات والدروب الطويلة والدمع والعتمة والخوف ولكن بين كل هذه المشاعر وألاحاسيس يشرق الحب بكل ألقه وكذالك الأحلام . ليس باب المنفى هو الباب الوحيد الذي يفتحه لنا الشاعر نحو عالمه الذي أمتزجت فيه مشاعر الحب مع الغربة فهناك باب الوجع ، باب الجرح ، باب الورد ، باب الذكرى ، في قصيدة ( باب الجرح ) يقول :
لاتفتح جُرحك أيها العراقي
وأنت ترقبُ موتك اليومي
موتك المغروز مثل علم بلادكً
على سارية حزنك الابدي
أحتل المكان حيّزًا شاسعّا من قصائد الشاعر واشتملت على الأماكن القريبة من قلبه، وفيها حمل هموم الوطن والأرض، والحنين للأماكن الغالية على قلبه ؛ مثل مدينته الحلة ، أو محلة الوزيرية في بغداد وشوارعها ، حيث دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة ، في قصيدة شناشيل الحلة يقول :
المدينة نهرّ للمسرات
والحلة تغفو على ضفاف فراتنا
نورّ ينسابمع الماء
والبيوت التي تشبه أهلها
في كل شئ ..!!
ولأنه شاعر مفعم بالآحساس المرهف ، لابد للحب أن يفرض حضوره الدائم في قصائد الشاعر المولع بالموسيقى الداخلية و الايقاع للحرف و الجملة الشعرية ، في قصيدة (شجرة الكمثرى) يقول :
لطعمِ الكرز في شفتيكِ
لملمس نهديكِ النافرين
نقطف الكمثرى معا
ثم نقشرها لتصبح اكثر طراودة وحلاوة
ثم نغيب في دهشة وذهول..
لكنَّ قصائدَه الوجدانيةَ التي يرسلها لحبيبته لها حضورٌ خاصٌّ، وقصائد الديوان الوجدانية ليست مكرسةً لعشق امرأة وإن كانت حاضرةً، في هذه القصائدِ تحضرُ الغربةُ أيضاً، في قصيدة ( وحشة المساء ) يقول :
معتم شباكً حبيبتي
لا نور يُرشدني
ولا عينين دامعتين
لقد رحلت ....تركت قلبها
وبعض الذكريات
سرقت مفتاح روحي
ثم غادرت دون وداع ...
في قصيدة (شجر النار) يقدم الشاعر" رياض محمد " تعبير صادق عن أحاسيس مختمرة في الذات العاشقة (عشق للروح، عشق للآخر، عشق للحياة) بعمق أنين المواجع والمأساة الإنسانية ،
بين شهقة واخرى
نذوب في القبلِ
وجهك يشبه القمر السكران
وعيناك شموس مجرات
ومازالت تشرق كل صباح ...
يختم الشاعر ديوانه بقصيدة ( باب المنفى 2 ) ، ومابين الباب الاول للمنفى والثاني عمراً أمتد لثلاثين عاماً ، تلك هي سنوات إغترابه عن وطنه وأهله ومحبيه ، لكن في "باب المنفى " تترك الخيبة اثارها على روحه حين يقول :
أي بلاد تركتُ أيها العاشق ؟
وأيّ بلادِ تستقبلك الآن ؟
ثلاثون عاماً
كنتُ تٌحصي ..ثوانيها ، دقائقها ، ساعاتِها
ترسم الوجوه التي غيبتها المحطات
تتطلع في العيونِ الغريبة
علّك تُبصر وطنُك ..مختبئاً في بياضها ،
ثم يعود الشاعر ليرسم صورة جديدة للبلاد عند عودته لها بعد تلك الغيبة الطويلة ، يرسل الشاعر ( رياض محمد ) هنا رسائل او ( مسجات ) وهي ان الحروب و دمارها و بساطيل الغزاة و زحف الموت والخراب على مدينته او وطنه بعد كانت في ذاكرته مسورة بالمحبة و الخضرة تركت في داخله انكسار وخيبة مستديمة، وأخترت من هذه القصيدة المقطع الشعري حين يقول :
أية بلاد هذه التي تتمددّ أمامنا
مثل قطيع بلا رؤوس
الريح غبار الحروب .. البيوت كئيبة
والموت هنا مزروع في النشرات
وفي الشارات الضوئية.. والمنعطفات
هنا مرّ الوطن ...قبل ثلاثين عاماً
مرّ وأختفى ...!!
تضمن الديوان أيضاً قصائد يستحضر الشاعر فيها اسماءاُ من ألاهل والاحبة الذين تركوا وشماّ في القلب، ومنهم والدة الشاعر التي أهداها ديوانه الاول ، وأعاد استذكارها في قصيدة مهداة لها وبعنوان ( في ذكرك يُزهر الربيع) ، إضافة الى قصيدة ( الاشجار تشبه ألامهات ) ، هناك نص فيه استذكار للوالد وكان في قصيدة ( ذاكرة معطوبة ) ، ولم ينسى أخيه (علي )الذي غادر مبكرا وكان حضوره في قصيدة (وحيدا يرقص النور ) ، أما أخية الشاعر المعروف موفق محمد فقد رسم لنا غرفته من خلال قصيدته ( غرفة الشاعر ) . وكان لأصدقائه حصة في الديوان ، مثل صديقه حسن الذي كتب له قصيدة (نصف قمر) ، وأهدى قصيدة الى روح الفنان المسرحي الراحل غانم بابان وعنوانها ( كأس فارغة ) ، و قصيدة أخرى الى أحد الاصدقاء الذي أشار له بحرف " ميم" في قصيدة ( الى صديقي" م" في محنته ) .
( رياض محمد ) شاعر مولع في الموسيقى الداخلية والخارجية في نصوصه الشعرية ما يجعل قارئ شعره ينفعل به ويطرب. نجح الشاعر في رسم الصورة الشعرية الرائقة لأنه يستند على خزينه المعرفي وتجربته الحياتية والفنية والادبية . وأخيراً ، ديوان " باب المنفى" هو بمثابة لوحة أبدعها شاعر وفنان، رسمها بمشاعره الرقيقة وبألوان حروفها المتزنة ومساحات تعبيرية يغلب عليها الأسلوب البسيط والمرن، الذي يجعل المتلقي يهيم في شلال من الأشواق والحنين النابع من قلب نابض بالحياة والروح المرهفة بالمشاعر الحساسة التي تتدفق ألما وودهشةً ووجعاً .
أبارك للشاعر رياض محمد هذا ألانجاز واتمنى له المزيد من العطاء والإبداع .

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

937 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع