السيد نور الياسري (١٨٣٤- ١٩٥٣ ) وصناعة الفكرة الوطنية في العراق

                                                

                      ا.د. ابراهيم خليل العلاف
        استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

      

السيد نور الياسري (١٨٣٤- ١٩٥٣ ) وصناعة الفكرة الوطنية في العراق

    

أمس ليلا السبت 26 من حزيران -يونيو الجاري 2022 طرق باب داري احد الاصدقاء وسلمني هدية السيد الاستاذ عادل الياسري كتابه الضخم والقيم والكبير الموسوم ( جهاد السيد نور الياسري في ثورة العراق التحررية 1920 وصناعة الوطنية ) ، والكتاب وثائقي بامتياز ذلك انه دراسة في وثائق دوائر الاستخبارات البريطانية ، وقد صدر عن (الدار العربية للعلوم ناشرون ) ببيروت ..ولا اكتمكم سرا انني فرحت بالكتاب الوثائقي الجميل هذه الهدية الثمينة وانا ممتن منه واشكره جدا وسبب فرحي اننا اليوم بحاجة الى دروس في الوطنية بعد ان ضعف الوازع الوطني العراقي واصبح الكثيرون - مع الاسف الشديد - يتحدثون عن (المكون ) ووجوب حماية المكون مع انهم يعرفون ان هذه جريمة بحق الشعب العراقي الذي لم يعرف مثل هذه الاصطلحات الخبيثة وغير الواقعية ؛ فالعراقيون عندما ثاروا على العثمانيين ثوراتهم العديدة ، وعندما ثاروا على الانكليز ثوراتهم العدية والتي توجت بالثورة الكبرى ثورة العشرين ، لم يكونوا يفكروا بمثل هذه الافكار الخاطئة وكانوا يعملون عربا وكردا وتركمانا مسلمين ومسيحيين شيعة وسنة وصابئة ويزيدية جنبا الى جنب ، رفعوا شعار الاستقلال ، ونجحوا في اقامة دولتهم الحديثة 1921 والتفوا حول مؤسس دولتهم الملك فيصل الاول 1921-1933 .

الكتاب الذي بين يدي ويحلو لي ان اسميه ب( السيد نور الياسري وصناعة الفكرة الوطنية في العراق ) يقع في (863) صفحة من القطع الوزيري موزعة على (32) فصلا يتناول دور السيد نور السيد عزيز الياسري هذا الرجل الوطني الكبير في تكوين العراق الحديث منذ سنة 1908حتى وفاته سنة 1935 .والسيد نور بن السيد عزيز بن السيد محمد ثم يستمر نسبه الى ان يتصل بجده السيد ياسر (الثاني) شيخ السادة آل ياسر ولد كما يقول الاستاذ حميد المطبعي في قرية الياسريين بالديوانية وثقف نفسه بنفسه ولمع بين قومه بحيث اصبحت له مكانة عليا في المجتمع وكان له ديوان عامر كان واحدا من الرجالات المصلحين المتنورين انشأ مدارسا وعمر مساجدا كان اسطورة زمانه في الكرم والطيبة والتواضع والعطاء والسلام وقد ورد ذكره في تواريخ زمانه على انه من اقطاب الثورة العراقية الكبرى وله مواقفه الوطنية الصريحة ومنها موقفه من الثورة العربية الكبرى 1916 وموقفه من مبايعة الشريف حسين بن علي ملكا على الحجاز وموقفه من الحركة الوهابية وموقفه من مطالبة تركيا بولاية الموصل وقبل ذلك موقفه من الاحتلال البريطاني وموقفه من تشكيل الدولة العراقية وموقفه من المرجعية الدينية وموقفه في مجلس الاعيان والاهم من كل ذلك دوره في صناعة وترسيخ (المدرسة الوطنية العراقية) .
قيمة هذا السفر الكبير الذي انجزه الاستاذ عادل الياسري وهو من احفاد السيد نور الياسري تكمن في اعتماده على الارشيف البريطاني وخاصة تقارير الاستخبارات واستفادته من كل ما كتب عن ثورة 1920 وكان المؤلف يعتمد مبدأ الدراية قبل الرواية فالتاريخ اولا وآخرا دراية ورواية .
شيء جميل ان يكتب اليوم كتاب موسوعي عن السيد نور الياسري العلم الوطني العراقي الكبير وشيء جميل ان يعتمد المؤلف على ما في صندوق السيد نور من اوراق وشيء جميل ان يوجهه اي يوجه المؤلف شيخنا واستاذتنا السيد عبد الرزاق الحسني ولكن فقط اريد ان اقول للمؤلف انه لم يكن موفقا في موقفه من المؤرخين العراقيين والاجانب في استخدامهم للوثائق واتهامه لهم او لبعضهم بالانتقائية من الوثائق او عدم التركيز على دور السيد نور واراه قد ظلمهم فالمنهج العلمي التاريخي الذي تعلمه هؤلاء المؤرخين المحترفين يقوم على اساس اعادة تفكيك الوثائق ومن ثم اعادة تركيبها وفق منهجية البحث كما ان طبيعة بحوثهم وعناوين موضوعاتهم كبيرة احيانا لا تقتضي الوقوف عند مسمى واحد او حادث واحد او شخصية واحدة وانما اعادة تشكيل الحدث كما وقع والوصول الى نتائج علمية تتيح لهم الحصول على الشهادة العلمية ولو كان هو مثلهم وفي ظروفهم لفعل الشيء نفسه ونفذ ما كان يوجهه اليه الاستاذ المشرف والا فسوف يكون بعيدا عن نيل الشهادة الاكاديمية .وهو في كتابه اليوم حر، وغير مقيد بأية قيود علمية صارمة ، لديه شخصية يجمع عنها الاف الصفحات ، ويكتب عنها بعدد من الصفحات يعادل اربع اطروحات دكتوراه ، ولا أحدا يعترض عليه ، ولا احدا يلزمه بأية قيود اكاديمية .
فقط اقول له ان المرحوم الاستاذ الدكتور عبد الله الفياض في رسالته للماجستير عن (الثورة العراقية الكبرى سنة 1920)والتي قدمها للجامعة الامريكية ببيروت سنة 1953 وتحولت الى كتاب نشر وطبع في مطبع الارشاد ببغداد سنة 1963 ذكر السيد نور الياسري سبع مرات وقال في الصفحة (14) ان السيد نور كان من اهم العاملين في الحركة الوطنية سياسيا وعسكريا في منطقة النجف الاشرف والشامية .وانه فوض مع عدد من الرجالات لمفاوضة الحكومة بإسم الشامية والنجف وان مجموعة تقارير الحكام السياسيين في العراق سنة 1918 اشارت الى تأثير السيد علوان السيد عباس ممثل الشامية في مجلس الولاية العثماني " ، وهو رجل ذو نفوذ يمكن ان يكون اكثر الناس نفوذا في الشامية وله تأثير على السيد نور ويجب ان نراقب فعالياته ولا نثق به " وفي الصفحة (242) قال ان السيد نور الياسري كان حاضرا في الاجتماع الذي عقد في دار الامام الشيرازي مع جعفر ابو التمن وآخرين في 15 شعبان 1338 هجرية -1919 ميلادية .وفي الصفحة (264) قال ان السيد نور الياسري من ابطال النهضة العراقية واشار الى مؤتمر العشائر في الشامية والخبر الذي نشرته جريدة (الفرات ) النجفية في 28 ذي القعدة سنة 1338 هجرية -1919 ميلادية من انه كان حاضرا مع عدد من الرجالات ومنهم السيد محسن ابو طبيخ والسيد عبد الواحد الحاج سكر والسيد هادي زوي والسيد علوان الياسري ومؤتمر الشامية اظهر من ضروب السياسة ما ندر ان يكون له مثيل في تاريخ الفرات وان التاريخ سيحفظ له هذا الجهاد السياسي الذي عرقل مساعي الانكليز . وفي الصفحة (275) تحدث عن تحرير النجف الاشرف وتأسيس الادارة المدنية فيها وتعيين السيد نور قائمقاما للنجف الاشرف تعاونه اربعة مجالس .وفي الصفحة ( 326) قال الاستاذ الدكتور عبد الله الفيض استاذي الذي درسني في كلية التربية -جامعة بغداد سنة 1968 " ان السيد نوري الياسري من بين الذين انفقوا مبالغ كبيرة على تمويل الثوار في ثورة 1920 كما ان السيد هادي مكوطر انفق اموالا كبيرة لتمويل الثورة في السماوة " وجاء ذلك بعد ان " افتى العلماء بصرف الحقوق الشرعية من اجل الثورة ".وكل هذه الاموال واعترف الانكليز بذلك استخدمت لشراء السلاح والعتاد .رحم الله استاذي الفياض فهل نريده ان يكتب اكثر من هذا في رسالة جامعية ؟
ارجو ان يتسع صدر صديقنا الاستاذ عادل الياسري لسماع هذا منا وفقه الله وبارك في جهده ورحم الله السيد نور السيد عزيز الياسري قطب ثورة 1920 وأحد صناع الفكرة الوطنية العراقية بعيدا عن العنصرية والطائفية والمكوناتية والمذهبية والدينية والعشائرية .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3090 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع