عبدالكريم ابراهيم
سينما علاء الدين وتسريحة أميتاب باتشان
تشكل دور السينما فيما مضى محطات استقطاب وجذب لمختلف شرائح المجتمع العراقي، ولعل الأفلام الهندية كان لها النصيب الأكبر من الحضور لدرجة أن بعض الدور اختصت بهذا النوع من الأفلام. ويعد نجم السينما الهندية أميتاب باتشان من أكثر الممثلين في نفوس الشباب في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وأكثر ما يثير اهتمام تسريحة شعره التي ينز منها الدهن، وحركاته الراقصة وملابسه الجميلة التي تستهوي اغلب الشباب في تقليده ومتابعة أخبار أفلامه حتى أصبحت صوره تعلق في الغرف وعلى الكتب المدرسية.
تعد سينما علاء الدين في مدينة الثورة ( الصدر حاليا) واحدة من داري السينما بعد الرافدين، وكانت هذه الدار يجتذب الكثير من أبناء المدينة بما تعرضه من أفلام لاسيما الهندية ذات التأثير في المباشر في النفوس لدرجة التناقض حيث تُجتمع الدموع مع الفرح والرقص مع الموت والغناء مع رائحة البارود فضلا على مبالغات التصوير والخُدع السينمائية. هذه المشاهد تثير محبي هذا النوع من الأفلام في الحصول على تذكرة في السطر الأول، ولكن هذه الغاية دونها أهوال ومصاعب لابد من فدائي شجاع تتخطى الصفوف حتى شباك التذاكر مع خسائر بسيطة من تمزيق الملابس والخروج بفردة حذاء واحدة وغيرها من خسائر معركة شباك التذاكر. وقد يكون فيلم الشعلة الهندي (من أخراج راميش سيبي ومن بطولة أميتاب باتشان،دارمندرا ديول،سانجيف كومار،هيما ماليني،أمجد خان ، انتاج سنة 1975) من أكثر الأفلام مشاهدةً لدرجة أن الكثير عمدَ إلى مشاهدته أكثر من مرة. حفظ هؤلاء الشباب حركات الفيلم وأغانيه فضلا على اسم (جبارسنك) الشخصية الشريرة التي نالت حظها من حقد وانتقام الجميع. وفي اغلب الأوقات تكون مقاعد السينما مشغولة مما يضطر بعض محبي أميتاب إلى افتراش الأرض متحملين بقايا (تكريز الحب) الذي يسقط كالمطر على الروؤس والأكتاف. مع هذه الأجواء يسود الهدوء لدرجة انك عندما تلقي بإبرة تسمع صوتها، ويكسر هذا الصمت عامل السينما ومع مصباحه باحثاً عن مكانٍ فارغٍ لأحدهم الذي حضر متأخراً. الكل مشدود مع الفيلم الذي ينتهي بتفاعل ودموع تنهمر من العيون، وهم يتابعون موت البطل وكيف ضحى في سبيل صديقه، وأحياناً يفقد احدهم شعوره، ويخرج عن صمته عندما يشاهد الرجل الذي قطع (جبار سنك) كلتا يديه، وكيف اختراع حذاءً ذو مسامير تنغرس في جسم الخصم. انه السلاح السري الجديد الذي ابتكرته معركة الخير ضد الشر. رجل قوي البنية، وشر يتطاير من عينيه وآخر بلا يدين هذه من مبالغات السينما الهندية التي تزل كالبلسم على الجروح.
سينما علاء الدين التي تقع خلف سوق الأولى كانت منصة للمشاهدة الأفلام تحولت إلى غرضٍ تجاري آخر، لتطوى فترة مهمة من تاريخ السينما استطاعت أن تكون سلوى للكثير الذين يهربون من التلفزيون الأسود والأبيض وما يعرضه من أفلام ما خلا الفيلم العربي في الساعة الرابعة عصراً في يوم كل جمعة حيث تعد الأسر نفسها لاقتناص لحظة حلوة يراد لها أن تكون حاضرة في ذاكرة الأجيال.
اليوم شاخت دور السينما وهجرها روادها، وتحولت إلى مخازن وأغراض أخرى، وفي حين عششت العناكب وغبار الزمن في أركانها، وتحول أميتاب الشاب الأسمر ذو الشعر الأسود المُسرح اللماع لكثرت الدهن إلى عجوز وقد كسا الشيب لحيته ورأسه، وأصبح غير قادر على القيام بتلك حركاته المبهرة التي كانت ضربا من المستحيل، انه الزمن الذي يفني كل الأشياء، ولكن لا يمحو الذكريات الجميلة .
1213 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع