أ.د. ضياء نافع
أفكار عن غوغول من جامعة موسكو
لم انقطع لحد الآن عن النبع الذي ارتويت منه في شبابي , اي عن كليّة الفيلولوجيا الحبيبة بجامعة موسكو, و ( أغرف !) منها بين فترة واخرى مواضيع متنوعة في كتاباتي حول الادب الروسي , ولا أجد – مع الاسف الشديد - الوقت اللازم للكتابة عن كل جوانب تلك المواضيع الجديدة والطريفة – من وجهة نظري - للقارئ العربي , واود ان اتحدث مع القراء قليلا هنا , كيف اني قد ( غرقت !) قبل أيام بسيل من الافكار حول الكتابة عن الكاتب الكبير غوغول , عندما اطلعت على النشاطات , التي أقامتها كليّة الفيلولوجيا في الذكرى المئوية الثانية لميلاده عام 2009 ( لاحظوا ذلك 2009 !) , اذ اعلنت الكليّة آنذاك عن مسابقة بين طلبتها للكتابة عن غوغول , و أقامت ايضا ندوة عالمية حول تلك الذكرى , شارك فيها اساتذتها ومجموعة من المتخصصين الاجانب في الادب الروسي , وعندما بدأت بقراءة تفاصيل تلك النشاطات , تبلورت لدي مواضيع عديدة ومتنوعة تماما للكتابة عن غوغول وتقديمها للقارئ العربي , منها على سبيل المثال وليس الحصر , علاقة الاجيال الروسية المعاصرة بغوغول ( تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات الروسية , الذين ساهموا في تلك المسابقة الواسعة عن نتاجات غوغول ) , وهو موضوع مهم وحيويّ جدا , اذ اكتشفت ( من جملة ما اكتشفت !) , ان الاجيال الروسية الجديدة لا تتوقف عند نتاجات غوغول الشهيرة مثل رواية (الارواح الميتة) او مسرحية (المفتش) او قصة ( المعطف ) , بل عند نتاجات اخرى لغوغول ( تبدو وكأنها شبه منسية الان بين القراء الروس , وتكاد ان تكون غير معروفة بعمق للقارئ العربي) مثل قصته بعنوان – كيف تخاصم ايفان ايفانوفيتش مع ايفان نيكيفوروفيتش ( والتي شغلت المكان الاول بين أعمال المتسابقين من تلاميذ المدارس باعتبارها النتاج الادبي المفضّل لديهم بين كل مؤلفات غوغول) , وهي قصة طويلة نشرها غوغول اواسط الثلاثينيات ودخلت ضمن كتابه ( ميرغورود ) الصادر في بطرسبورغ عام 1835, وهذه القصة غير معروفة للقارئ العربي بشكل متكامل (رغم انها ضرورية لهذا القارئ , لأنها تدور عن مسألة حادّة و مطروحة بقوة امام مجتمعاتنا , وهي مسألة التفاهة ودورها في الحياة !) . وهذا ( الاكتشاف !) كان يعني بالنسبة لي ايضا , انه يمكن اعتبار غوغول اديبا معاصرا لتلك الاجيال الروسية الجديدة بالرغم من انه ابن النصف الاول من القرن التاسع عشر , وهذا ( الاكتشاف !) طرح طبعا امامي افكارا جديدة اخرى حول مفهوم ( الادب الحديث او المعاصر) , فقد اقتنعت , ان الادب الحديث هو ليس فقط الادب الذي يصدر في الوقت الحاضر( كما يظن الكثيرون!) , وانما هو ايضا , الادب الذي يتفاعل معه القارئ المعاصر بغض النظر عن زمن اصدار ذلك الادب , وينعكس هذا المفهوم على كل آداب العالم , بما فيها ادبنا العربي طبعا , فهل يمكن – مثلا – عدم اعتبار المتنبي شاعرا معاصرا , ونحن نستشهد بقصائده في مسيرة حياتنا اليومية لحد الآن ؟ وهل ان شكسبير قد اصبح ( عتيقا !) بالنسبة للقراء الانكليز وغير الانكليز في عالمنا المعاصر ( تذكرت سامي عبد الحميد ومسرحية هاملت عربيا على مسارح بغداد ) , و تذكرت طبعا تلك الصور الجميلة المطبوعة في اعماق قلبي وعقلي لطلبتي العراقيين في كلية اللغات بجامعة بغداد وهم يؤدّون – وبكل حماس الشباب ومرحه – أدوارهم بمسرحيات تشيخوف الكوميدية ذات الفصل الواحد باللغة الروسية على خشبة مسارحهم الطلابية البسيطة وهم يتقافزون ويضحكون ويتفاخرون ويلتقطون الصور التذكارية ...
ومن جملة المواضيع الجديدة الاخرى عن غوغول , والتي انبثقت من اطلاعي على تفاصيل نشاطات كليّة الفيلولوجيا هي تلك المحاضرات , التي تمّ تقديمها في الندوة العالمية عن غوغول بالذكرى المئوية الثانية لميلاده . لقد ساهم في أعمال هذه الندوة متخصصون كبار من روسيا واوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان وايطاليا وهنغاريا وبلغاريا والمانيا وبولندا وفرنسا وتركيا وصربيا وامريكا ( ولم أجد اي دولة عربية بين المساهمين , وهي ظاهرة متكررة مع الاسف الشديد في الكثير من المؤتمرات العلمية العالمية تقريبا) , ومن جملة المحاضرات التي اطلعت عليها وأثارت انتباهي , محاضرات الوفد الاوكراني , اذ كان التركيز فيها على ( اوكرانية غوغول !) رغم التعبير عنها باللغة الروسية , وهي نبرة بدأت آنذاك وتوسعت لاحقا . وجدت كذلك محاضرة قدّمها ممثل جامعة استامبول التركية بعنوان – ترجمة ابداع غوغول في تركيا , وقلت بيني وبين نفسي , اننا – نحن العرب – ترجمنا ابداع غوغول منذ ثلاثينيات القرن العشرين , اي على مدى قرن تقريبا , ومع ذلك , لا يوجد بيننا من يقف امام هؤلاء ويقول لهم هذه الحقيقة الساطعة , وخلاصة القول , فقد قررت ان اكتب المقالات الآتية – غوغول والاجيال الروسية المعاصرة /// غوغول والادب الروسي الحديث /// غوغول ومسألة التفاهة /// غوغول والازمة الروسية الاوكرانية من جديد /// ترجمة ابداع غوغول في العراق /// ومن المؤكد ان هناك افكار جديدة اخرى حول تلك المقالات , اذ ان المحاضرة التي قدّمها مندوب ايطاليا – مثلا - قد أثارت ضرورة العودة الى الكتابة عن تأثير ايطاليا في ابداع غوغول .... فهل سيسمح الوقت بتحقيق كل هذه الافكار ؟؟؟ أتمنى ذلك ...
1222 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع