أ.د. ضياء نافع
رسالة بوشكينية الى الشاعر شوقي بزيع
اطلعت – طبعا – على ردك الغاضب بشأن مقالتي ( غير الغاضبة !) حول بوشكين , وقرأت ما قلته لي , وباني لن أكون أرخميدس , وابتسمت ليس الا وقلت الحمد لله , اذ اني اعيش في اجواء روسيا وثلوجها الرهيبة , ولهذا لا يمكن لي ان أخرج مثلما خرج أرخميدس , حتى لو اني ( وجدتها !) , اذ انني عندها سأتجمّد , وقلت ايضا , بيني وبين نفسي , ان الشعراء يقولون ما لا يفعلون , ( وهي نفس الجملة التي قلناها لصديقنا الحبيب وزميلنا في الدراسة بموسكو في الستينيات حسب الشيخ جعفر عندما اطلعنا على كتابه الرومانتيكي الجميل رماد الدرويش الذي أصدره في بغداد ) . لقد اكتشفت - في ثنايا ردك الغاضب - الكثير من المواقف المشتركة معا , والتي يمكن – قبل كل شئ - ان توحّد بيننا , واولها هو هذا الحب الكبير لشمس الشعر الروسي بوشكين , واظن , ان حبنا البوشكيني المشترك هذا هو الذي يمكن ان ( يزيل , او في الاقل , يخفف !) من كل هذا التوتر في بداية تعارفنا معا , واتمنى ان نحقق بعد سوء الفهم هذا روح القول الشهير عن الوئام بعد الخصام , فانا اعشق الشعر واعتبره موسيقى الابداع الانساني , وطبعا احترم الشعراء , الذين يعزفون لنا هذه الموسيقى المدهشة الجمال ( وانت واحد منهم بلا ادنى شك) , احترمهم واسامحهم حتى عندما يغضبوا ..., ولهذا ايضا فاني اسامح صديقي الحبيب الشاعر حسب الشيخ جعفر ( وانت تعرف ماذا اقصد, والمعنى في قلب الشاعر!) ... ولكني أود ان اتوقف قليلا عند موضوع آخر , يرتبط طبعا بصلب هذه الرسالة , وهو نظرتنا , نحن العرب , الى الادب عبر السياسة . لقد اقمنا في روسيا تمثالا نصفيا للجواهري بجامعة فارونش الروسية , باقتراح من مركز الدراسات الروسية – العراقية , الذي أسسته وكنت مديرا له آنذاك , وتم افتتاح هذا التمثال فعلا عام 2009 , وكان هذا العمل (ولا يزال) رائدا وفريدا في مسيرة العلاقات الثقافية العراقية – الروسية , وهو اول تمثال للجواهري خارج العراق لحد الان , ولكني اصطدمت آنذاك باراء مضادة بين بعض الزملاء العراقيين حولي , الذين ( لاموني !) , لاني قمت بهذا العمل , وقالوا لي , انني أقمت تمثالا لشاعر مدح الملوك , وذكروني بقصيدته – ته يا ربيع بزهرك العطر الندي ... , فقلت لهم , ما أجمل تلك الصورة الفنيّة التي رسمها الجواهري , هذا اولا , وثانيا, انه قال بعدئذ – خلفت غاشية الخنوع ورائي , فقالوا , انه كرر هذه المواقف مع الآخرين . لم ارغب بالاستمرار في هذا النقاش معهم , وقلت لهم – لقد أقمت تمثالا لعلم من اعلام الفكر العراقي في القرن العشرين , والجواهري رمز للعراق , وهو يقف الان في جامعة فارونش الروسية , وان تمثال الجواهري هذا قد خلق فكرة اقامة تمثال مقابل له في العراق لرمز روسيا , وهو بوشكين , وهكذا تم اقامة تمثال نصفي لبوشكين في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد , وبمبادرة وتنفيذ من قبل مركز الدراسات الروسية - العراقية بجامعة فارونش والجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية . وتمثال بوشكين هذا هو ايضا اول تمثال له في العراق , وأثار تمثال بوشكين ايضا في بغداد كلام هؤلاء الذين ينظرون بعيون سياسية الى كل ظواهر الادب والفكر , وقال فلان كذا وقال فستان كيت . لقد انعكس اقامة تمثال الجواهري في روسيا وتمثال بوشكين في العراق بشكل واضح في وسائل الاعلام الروسي , الا انه لم ينعكس هكذا في وسائل الاعلام العراقي , وهذا هو الفرق الجوهري والكبير بين وسائل الاعلام عندنا وعندهم , اذ ان وسائل الاعلام عندهم قد تحررت من تلك النظرة السياسية الى كل شئ , كما كان الامر سابقا , وهي نظرة احادية طبعا , وذلك الان شئ واضح المعالم لكل متابع في الشؤون الفكرية الروسية , أما عندنا , فليس الامر هكذا بتاتا , ولا اريد الخوض في التفاصيل , ولكني اريد فقط ان نحترم ارآء الروس لنظرتهم الى ادبهم الروسي , وان لا نقول لهم , ان ...فرائص القيصر الروسي واتباعه ترتعد من مواقف بوشكين المناهضة للطغيان ...اذ ان ذلك يتنافى مع الحقائق ...
549 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع