نزار جاف
على طريق الشاه
کان يمتلك خامس جيش في العالم ولديه جهاز سافاك الامني الذي کان يضرب به الامثال، ولديه علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الامريکية والغرب عموما وإتفاقيات عسکرية وأمنية وإقتصادية متباينة، حتى کان يوصف بشرطي واشنطن في الشرق الاوسط، هکذا کان محمد رضا بهلوي، شاه إيران الذي لم يشفع له کل ذلك عندما ثار الشعب بوجهه وسقط نظامه وغادر طهران رغما عنه. واليوم يبدو أن رجال الدين الذين يحکمون إيران بالحديد والنار منذ 43 عاما، يسعون للمشي على طريق الشاه والتمسك بنهجه مع تغيير شکلي، إذ وکما صارت العمامة محل التاج، فإن روسيا والصين قد أصبحتا بدلا من الولايات المتحدة الامريکية!
بعد 43 عاما من حکم إستبدادي قمعي صار يضرب به الامثال ولاسيما بعد أن تمادى في إرتکاب الفظائع في مجال إنتهاکات حقوق الانسان إذ أن المجازر التي إرتکبها هذا النظام في عهد مٶسسه خميني في مدينة سنندج بحق الاکراد وکذلك مجزرة صيف عام 1988، بحق آلاف السجناء السياسيين من أعضاء وأنصار منظمة مجاهدي خلق، وبعد أن وصلت الاوضاع في إيران من مختلف النواحي الى أسوأ مايکون، حيث يضطر المواطن الايراني من أجل مواصلة العيش ليس لبيع أعضاء جسده فقط وإنما حتى لبيع طفله الرضيع بثمن بخس، فإنه وفي هکذا وقت حرج تسبب بإندلاع العديد من الانتفاضات الشعبية الغاضبة بوجه النظام، فإن الاخير ولکي لايلحق بسلفه الشاه، قد بات يطرق أبواب بکين وموسکو ويقدم ولاء الطاعة لهما مع فتح أبواب إيران أمامهما لکي تکون مستباحة"إقتصاديا وعسکريا وأمنيا" وذلك من أجل أن تبقى العمامة ترفرف على جماجم وأشلاء الإيرانيين وتکون الاتفاقيات المبرمة مع الصين وروسيا بمثابة صك بقاء ووقاية للعمامة وعدم السماح بسقوطها کما سقط التاج في 11 شباط/فبراير1979!
ملالي إيران الذين ملأوا الدنيا صخبا بشعارهم"لاشرقية لاغربية جمهوريـة اسلامية"، يبدو إنهم وبعد أن ضاقت بهم السبل وصاروا في وضع حرج لايحسدون عليه، فإنهم قد ولوا وجوههم صوب التنين الصيني والدب الروسي ولو رفع خميني رأسه من قبره لوجد إن خلفه قد ذهب بعيدا جدا بحيث أفرغ شعار لاشرقية ولاغربية من محتواه تماما، وإن إستباحة إيران في إتفاقيات مذلة لإيران، يظهر ليس مدى إستهانة ملالي بالشعب الايراني فقط فحسب بل وحتى خوفهم غير العادي منه فيما لو دارت الدوائر بهم وخصوصا وإن الذي يزيد من درجة ومستوى خوفهم هو إن منصب الولي الفقيه نفسه لم يعد له أية هيبة ولاسيما بعد الهتاف في الانتفاضات الشعبية بشعارات تدعو بالموت له وتطالبه بالخجل وترك المنصب، ولذلك فإن ابراهيم رئيسي، الذي طار الى موسکو متلهفا للإستعجال في إبرام إتفاقية"ذل" شبيهة بتلك التي أبرموها مع الصين، خصوصا وإن النظام الايراني ومن فرط إستعجاله فإنه قد قام بإعداد مسدوة الاتفاقية الايرانية ـ الروسية من جانب واحد على أمل أن يبادر الاخير للمضي قدما بهذا الاتجاه، لکن ثمة ملاحظتين مهمة جدا هنا يجب الانتباه لها؛ الاول إن روسيا لايمکن أبدا إعتبارها بمثابة شريك إقتصادي لإيران کما يطمح ويقول النظام الايراني بهذا الصدد وهذه حقيقة معروفة خصوصا إذا ماعلمنا بأن حجم ومستوى العلاقات الاقتصادية التي تربط إيران بموسکو هي بحجم العلاقات الاقتصادية مع دولة الامارات العربية، ولذلك فإن الاتفاقية ستکون معتمدة على الجوانب الامنية والعسکرية وکلاهما في صالح روسيا! والملاحظة الثانية هە إن بوتين وبدعوته لرئيسي في هذه الفترة الحرجة حيث الازمة الاوکرانية تلوح بينه وبين الغرب والامور المعقدة المرتبطة بمحادثات فيينا، يريد إستخدام النظام الايراني ک"فزاعة خضرة" ضد الغرب من أجل إبتزازهم والحصول على مکاسب وحتما فإن البقية ستأتي وتتوضح أکثر،لکن الغريب والملفت ولأکثر من علامة إستفهام، هو إن رئيسي الذي طار الى روسيا بدعوة من بوتين ولکن لم يکن في إستقباله في المطار لابوتين ولافروف بل وحتى إنه وعند ذهابه الى الکرملين، لم يکن بوتين في إستقباله، مع ملاحظة إن في دعوته من قبل بوتين في هذه الفترة التي تشهد أزمة بين روسيا والغرب بسبب من الاوضاع في اوکرانيا، ثمة توضيح عن واحدة من أهم الاهداف والغايات البوتينية من هذه الزيارة!.
الملاحظة الاهم التي أريد ذکرها في نهاية هذا المقال هي إن لايمکن للإتفاقيات الخارجية أن تنقذ نظاما يرفضه شعبه وإن الصين والروس لن يکونوا بأفضل من الامريکان أبدا بل وحتى أسوأ بکثير والايام ستثبت ذلك.
1882 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع