بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة - المضيفة الفاتنة /الجزء الاول
جلس مصطفى في قاعة المغادرة بمطار حمد الدولي بالدوحة ينتظر الاعلان عن رحلته ليستقل الطائرة المتوجهة الى لندن عاصمة الضباب ويقضي فيها اجازته السنوية. كان يعلم جيداً انه دخل القاعة مبكراً لذلك استعد نفسياً كي يَتَحَيّن موعد الاقلاع. وبينما هو جالس هناك رأى رجلاً بصحبة زوجته وابنتهما ذات السنتين يجلسان امامه على الكراسي المقابلة. كانت الطفلة تحمل طاقة مدهشة إذ راحت امها تركض ورائها يمين شمال كلما ابتعدت عنها. وكلما ارجعتها كي تجلس على حجرها تصرخ الطفلة وتثير ضجة كبيرة مما كان يزعج مصطفى ويجعله يحمد الله لانه مازال اعزباً ولم يتورط باطفال بعد حتى ينغصوا عليه عيشته. مع انه لم يكن كبيراً في السن لكن الاعراف ببلده تقتضي زواج الشاب عندما يبلغ العشرينات من العمر وهو الآن 32 سنة. على العموم، عليه ان يفكر في بناء مستقبله بشكل سليم اولاً لانه لن يقوى على الاستمرار بالعمل بحقل (دخان البري) مدى الحياة. لكن الذي يحفزه على المضي بعمله هو المرتب الدسم الذي يتقاضاه من جراء الكدح المضني هناك. "لماذا كل هذا التأخير يا ترى؟ لقد عودتنا القطرية على الالتزام بمواعيدها فلماذا نحن متخلفون عن موعد الاقلاع بنصف؟ انه امر عجيبٌ حقاً!". وبينما هو جالس يحاور نفسه سمع اعلاناً في القاعة يطلب فيه من اصحاب الاطفال التوجه الى بوابة المغادرة. وقفت السيدة وزوجها لتمسك بابنتها المتمردة وتسحبها كي تقف بالطابور تتبعهم بعض العوائل الاخرى فيباشروا بركوب الطائرة. ابتسم مصطفى وقال، "ربما هذا هو الامتياز الوحيد في الزواج، ان تدخل الطائرة قبل باقي المسافرين". بقي جالساً بمكانه ينتظر دوره ليؤذن له الالتحاق بالركب. الا ان الموظفة اعلنت ان المسافرين من الصف 34 - 18 يتوجهون للبوابة. نظر الى بطاقة الصعود بيده وقال، "اللعنة، موقعي هو في الصف 2 وهذا يعني انني سادخل بآخر وجبة". بقي جالساً ينتظر دوره حتى سمعها تقول، "ليتوجه باقي المسافرين الى البوابة الآن". حمل مصطفى حقيبته الثقيلة التي تحتوي على حاسوبه النقال من نوع HP وخطى نحو البوابة فوجد نفسه بآخر الطابور. بقي يدب ببطئ شديد حتى جاء دوره فسلم بطاقة الصعود لتقوم الموظفة بقصها وترجع له الذيل. سار بالممشى الزجاجي وهو يفكر، "ارجو ان احقق حلمي واحلام جميع زملائي في موقع العمل بدخان البري". ولما بلغ باب الطائرة عارضته مضيفة شقراء ممشوقة القوام، بغاية الجمال، ترتسم على وجهها ابتسامة عريضة وتنظر بوسط عينه قالت، "مرحباً بك بطائرة الخطوط الجوية البريطانية". اومأ برأسه دلالة على شكره لترحيبها الجميل لكنه بنفس الوقت اصيب بقلق شديد. لقد قالت (الخطوط الجوية البريطانية) مع انه اقتنى تذكرة سفره على الخطوط القطرية. يا ترى هل هو في صدد الصعود بالرحلة الخاطئة؟ لكن الاعلان بالمذياع اعلن عن رحلتهم الى لندن فكيف يكون قد ارتكب ذلك الخطأ الجسيم؟ "هناك شيء عجيب في القضية. ساتحرى الامر لاحقاً. دعني لا ابدو كالاهبل واسأل امام الملأ. ساجلس على الكرسي ثم استفسر فيما بعد". سار صاحبنا بالممشى ما بين صفوف الكراسي حتى جلس على كرسيه في المقعد 2D. وما ان استقر جميع ركاب الطائرة بمواقعهم واغلقت جميع محفظات الحقائب فوق الرؤوس. نظر امامه فوجد المضيفة الشقراء التي رحبت به مسبقاً تنظر اليه فرفع اصبعه كما يرفعه التلميذ عندما يريد ان يسأل معلمته. جائت اليه مسرعةً لتلبي طلبه قالت،
المضيفة : كيف استطيع مساعدتك سيدي؟
مصطفى : انا قلق جداً يا انسة، لانني حجزت تذكرة كي اذهب الى لندن عن طريق الخطوط القطرية لكنني اجد نفسي جالساً بالخطوط البريطانية. فهل هناك امر يستدعي القلق؟
المضيفة : وهل انت مستاءٌ منا سيدي؟ الا يعجبك ان تأتي معنا الى لندن؟
مصطفى : لا ابداً لكنه امر محير ولا اعلم السبب.
المضيفة : السبب هو ان الطائرة القطرية احتاجت الى بعض اعمال الصيانة وإثر اتفاقيات بين الشركات فإن الطائرة البريطانية ستقوم بنقل ركاب الشركة القطرية. هذه الحالة تحصل كثيراً بين شركات الطيران. هذا كل ما في الموضوع لا تقلق.
مصطفى : اجل، اجل فهمت، الامر واضحٌ الآن.
المضيفة : تخيلتك ستكون سعيداً معنا سيدي. صدقني سنعتني بك جيداً.
مصطفى : تعتنين بي شخصياً ام ان تلك المعاملة لجميع الركاب؟
نظرت بوجهه مباشرةً، غمزت له بعينها اليمنى وقالت،
المضيفة : انت وسيم جداً يا راكب. ابقى بمكانك ولا تثير المتاعب.
مصطفى : إذاً دعيني اقول لك انني جداً...
لم تستمع لباقي الجملة، تركته ورجعت الى مكانها كي تبدأ تمثيل اجرائات السلامة والطوارئ امام الركاب. امسكت بحزام الامان وراحت تستعرض على المسافرين كيفية غلقه وفتحه ثم لبست صدرية النجاة الصفراء وهي تحرص على عدم بعثرة شعرها المنظم بشكل جميل وانيق. راحت تنفخ الانبوب الاحتياطي ثم صارت تلوح بيديها الى الامام والى الجانبين لكن عينيها كانتا مرتبطتان بعين صاحبنا مصطفى. وما ان انتهت من ارشادات السلامة توارت عن الانظار كي تجلس على الكرسي المخصص للطاقم وتربط حزام الامان. الا ان مصطفى بقي يترصدها من بعيد ليجد نفسه لا يزال يراها من خلال الفتحة الصغيرة ما بين الكراسي التي امامه ليجدها تنظر اليه وتبتسم بوجهه. "يا الهي إن لم تكن تلك دعوة للتعارف، فماذا تسمّي إذاً؟". بقي ينظر بوجهها وترجع له النظرات والابتسامات فخجل من نفسه قليلاً ثم قال، "انها لا تخجل من متابعتي بعينيها وترسل لي الرسالة تلو الاخرى من خلال نظراتها الجميلة، فلماذا اخجل؟ هل هي التربية التي نشأت عليها وقت طفولتي وانا اتلقى دروس الاخلاق الحميدة من الوالدة حفظها الله في البحرين؟ على العموم، انا سوف لن اترك الفرصة تتبخر من بين اصابعي بسبب الخجل. هذه المضيفة متيمة بي وسوف احبها واتزوجها إن سنحت لي الفرصة. "وجدتها. ساستغل اول مناسبة كي اذهب عندها وادردش معها. ربما ساواعدها ونلتقي بلندن فتصبح ايامنا عسل في عسل! يا سلام كم هي جميلة ورشيقة وانيقة. هل سترضى بواحد مثلي يا ترى فإن سماري شديد ومائلٌ للسواد. كيف، كيف، كيف؟". سارت الطائرة في ارض المطار ثم بدأت تهرول على المدرج كي ترتفع وتحلق بالسماء. نظر الى الاعلى ليلاحظ اشارة ربط الاحزمة قد انطفأت وبامكانه ان يترك الكرسي لذا قرر ان يذهب اليها ويتحدث معها. لا بد ان يستجمع كل شجاعته ويتغلب على خجله فهي فرصة ذهبية لا تعوض، صار يغني بذهنه اغنية "وما نيل المطالب بالتمني". فتح حزام الامان ووقف كي يتوجه نحوها فوجدها تقف هي الاخرى وتترك مجلسها ولكن بدلاً من ان تسير نحوه استدارت وصارت تتحدث مع زميلاتها فغير اتجاهه ليدخل الحمام ويغلق الباب ورائه. نظر الى وجهه بالمرآة وقال، "كم انت غبي يا ابو صطيف؟ هل تعتقد ان فتاة بهذا الجمال بامكانها ان تغرم بوجهٍ مثل وجهك يا جاحظ؟ انظر الى نفسك ملياً. اوف يا مصطفى، لن تقبل بك سوى ابنة بلدك. سوف اطلب من الوالدة حفظها الله ان تجهز لي ابنة الحلال كي اتزوجها وامري الى الله. فانا لم اعد احتمل كل تلك الاثارة التي اتعرض لها في موقع العمل خصوصاً وان زملائي الشباب يجلبون معهم افلاماً اباحية تثير غرائزي كثيراً، مما يدفعني للسفر الى الخارج كي امارس حياتي التي اتوق اليها". جفف وجهه بالمنديل الورقي بعد غسله ثم فتح الباب ليخرج فقابله وجه المضيفة الشقراء. ابتسمت بوجهه وراحت تدفع عربة رصاصية ملئى بزجاجات العصير والمشروبات المنعشة. بقي يسير خلفها ببطئ شديد حتى عبرت كرسيه فجلس ثانيةً ليمس احدهم كتفه. رفع رأسه ليستطلع الامر وإذا بالحسناء ذاتها تقول له،
المضيفة : هل تريد شيئاً مني سيدي؟
مصطفى : لو اخبرتك بما في بالي فهل ستلبين طلبي؟
المضيفة : جربني، ماذا ستخسر؟
مصطفى : اريد قبلة.
المضيفة : انت ولد شقي ومشاغب. انا قصدت هل تريد شيئاً لتشربه؟
مصطفى : اعطني كوكا كولا مع قبلة لو سمحتِ
المضيفة : ساعطيك كوكا كولا مع كيس للفول السوداني. هل ينفعك ذلك؟
مصطفى : حسناً، ماذا نعمل، شيء افضل من لا شيء. اعطني الفول السوداني وامري الى الله.
اعطته علبة كوكا كولا صغيرة وكيس الفول السوداني ثم قالت،
المضيفة : اما باقي الامور فسوف يأتيك لاحقاً سيدي.
هنا اصيب بالذهول وكأنه امسك بسلك كهربائي وراح يرتعش. نظر الى وجهها وقال،
مصطفى : متى واين؟
المضيفة : كن صبوراً يا راكب. فالامور الجميلة تأتي بوقتها. لا تستعجل.
"يا الهي، انها قالت، (لا تستعجل) اي انها حقاً معجبة بي. هل انا احلم ام ماذا؟ اذكر ثرثرة زملائي بموقع العمل عندما كنا نتحدث عن مغامراتنا الغرامية حيث كان كل واحد منا يسرد مغامراته عن عدد المهن للفتيات اللواتي كان يكون معهن علاقة. لكن الجميع اجمع على شيء واحد. هو ان العلاقة العاطفية مع مضيفة الطائرة هو امر مستحيل لانهن صارمات ويخضعن لرقابة مشددة. وأي مضيفة هذه؟ انها اجمل ما رأت عيناي فهي بامكانها ان تدخل مسابقة ملكة جمال بريطانيا لا بل العالم اجمع. اوف لماذا لا تسمح لي بالحديث معها بشكل مطول؟ هل هي تلهو بي وحسب ام انها فعلاً مغرمة بي؟"
تفحص الشبكة التي امامه فوجد فيها الكثير من المجلات ونشرات السلامة واكياس الاستفراغ وما شابه. وقتها تذكر الممثل الكوميدي (مستر بينز) عندما كان جالساً بالطائرة بجانب احد الاطفال وكيف استفرغ الطفل بالكيس فقام هو بفرقعته. هنا قرر ان يخرج حاسوبه المحمول كي يكمل الرد على رسالة بعثها له الشيخ عبد الله من المنامة يدعوه فيها العودة الى البحرين بشكلٍ دائمي والعمل هناك بوكالته لاستيراد المواد الغذائية. كان يريد الاعتذار من الشيخ بطريقة دُبلماسية مهذبة كي لا يجرح مشاعره لان الشيخ يكون خاله وما زال يكن له الكثير من الحب والاحترام الا انه سعيد بوظيفته في العمل بقطاع الغاز والنفط بقطر، خصوصاً وان نظام المناوبة 4x4 يعني انه يعمل لمدة اربعة اسابيع ثم ينزل باجازة مدتها اربعة اسابيع. وبذلك يتسنى له السفر الى جميع بقاع العالم خاصة وان جوازه البحريني محترم من اغلب دول العالم ولا يضطر الى طلب تأشيرة الدخول من اي سفارة. وضع الحاسوب على الصينية التي امامه ثم فتحه وراح يفكر بالكلمات التي جب ان يختارها بتأني كامل مع خاله. بدأ يقرأ النص الذي شرع بكتابته ليلة امس ولما وصل الى نهاية ما كتب صار يضيف عبارات الشكر والتقدير على عرض خاله الكريم وكيف انه يجب ان يمارس اختصاصه الذي درس ببريطانيا من اجله لسنين طويلة. لماذا يدرس هندسة البترول كي يعمل في وكالة استيراد؟ لكنه طبعاً لا يمكن ان يكتب ذلك فقد يجرح مشاعر خاله الذي حل محل والده بعد وفاته. وبينما هو يصوغ الكلمات بتأني كبير مرت الى جانبه المضيفة الشقراء من جديد وقالت،
المضيفة : هل تكتب لي رسالة غرامية؟
رفع رأسه للاعلى ونظر بوجهها فوجدها تغمز باحدى عينيها وتبتسم له فارتبك ولم يجد جواباً ذكياً يرد به عليها لكنه قال،
مصطفى : لو اردتِ رسالة غرامية فدعيني اقف امامك وجهاً لوجه واقول لك كل ما في قلبي قبل ان اقبلك.
المضيفة : هذا كل ما احصل عليه منك، الوعود والوعود فقط.
مصطفى : هل انتِ جادة يا انسة.
نظر الى شارتها ليقرأ اسمها وقال،
مصطفى : هل انتِ جادة يا انّا؟
انّا : هل هو كثير عليّ ان يقبلني شاب وسيم مثلك؟
مصطفى : هذا الوسيم يتوق لتقبيلك باي وقت تشائين.
همست باذنه وقالت،
انّا : إذاً اتبعني بعد خمس دقائق وسيحصل كل ما تريد.
سارت الى مقدمة الطائرة فنظر الى ساعته كي يحسب خمس دقائق كما طلبت منه. كانت تلك الدقائق الخمسة تبدو وكأنها خمس سنين. ماذا جرى؟ لماذا اصبحت عقارب الساعة تدور بخلاف رغبته؟ لماذا اصبحت بطيئةً لهذا الحد؟ هل تتآمر الساعة ضده ام انه اصبح متشوقاً لتقبيل تلك القنبلة البشرية. لا، لا مهلاً انها ليست قنبلة بل هي صاروخ او مفاعل نووي كامل. هيا ايتها العقارب المكروهة تحركي وسيري اسرع ارجوكِ.
بقي يبحلق بساعته حتى اكملت اربع دقائق فوقف وفكر ان يستهلك الوقت بينما يمشي الى مقدمة الطائرة فيقابل انّا. "انه اجمل اسم عرفته بحياتي ولا ينطبق على اي انسانة اخرى سوى تلك الكعكة الانجليزية المغلفة بالكريمه البيضاء والكاستر الذهبي الذي يغطي رأسها". وقف عند المساحة المخصصة للمضيفات فوجدها تصب المشروب في كأس زجاجي قال،
مصطفى : ها قد جئتك يا انّا. ارني ماذا ستفعلين.
انّا : خذ هذا المشروب لك. اعددته خصيصاً للشاب الذي يهواه قلبي.
مصطفى : ارجوك يا انّا اصدقيني القول. هل انت حقاً مغرمة بي؟
انّا : اكاد لا اصدق ان يكون عندي حبيب وسيم مثلك. تعال ودعني اتذوق طعم القبلة من شفتيك.
نظر خلفه ثم الى الجانبين فلم يجد احد بالارجاء، وضع الكأس على الطاولة، اغلق الستارة وتقدم نحوها ممسكاً بذراعها فذابت باحضانه ومالت حتى اصبحت تستند عليه. فتحت شفتيها لتلتقي بشفتيه فيغيبان بقبلة طويلة ساخنة كانت ستودي به الى سكتة قلبية. راح يمسح على شعرها حتى توقفا عن التقبيل فنظر الى عينيها الزرقاء كزرقة السماء وبشرتها الصافية الخالية من كل العيوب لا ينقصها سوى حبه الذي منحها اياه بكل كرم.
انّا : انا لا اصدق انني اقبلك يا مصطفى. لقد تمنيت ان اذوب بين احضانك منذ ان رأيتك وانت تدخل الطائرة.
مصطفى : وكيف عرفت اسمي؟
انّا : لقد تفحصت قائمة المسافرين لاجد اسمك مصطفى عبد السلام. اليس هذا اسمك؟
مصطفى : اجل، اجل انه اسمي وانت؟
انّا : اسمي انّا صدقياني.
مصطفى : لكن الاسم صدقياني ليس بريطانياً. كيف يحصل هذا؟
انّا : انا بريطانية اباً عن جد، لكنني كنت متزوجة من رجل عربي ايراني كان جده محمد صدقياني هل تعرفه؟
مصطفى : اعتقد انه كان وزيراً او شيء من هذا القبيل، اليس كذلك؟
انّا : كلا، لقد كان صحفياً وسياسياً بارزاً بايران. وهو من اصول عربية. تزوجت حفيده محسن صدقياني في لندن لمدة عام واحد فقط ثم تطلقنا بعد ذلك فعاد الى ايران ولم اسمع منه اي اخبار. لكني لم اغير اسمي بعد لانني اصرف معظم وقتي بالرحلات الجوية ولا يتسنى لي الذهاب الى المكتب المدني كي اغيره.
مصطفى : وهل تجيدين الكلام بالعربية؟
انّا : كلا، اعرف بعض الكلمات والجمل فقط. اعرف كيف اقول انا احبك بالعربية.
مصطفى :إذا قوليها لي ودعيني اسمعها منك.
انّا : (انا سيدة ساقطة).
مصطفى : من علمك هذه الكلمات؟
انّا : طليقي محسن.
مصطفى : ارجو ان لا تكرريها بعد الآن لانه علمك الكلام المغلوط. ما قلته بالعربي يعني (انا سيدة ساقطة) بالانكليزية.
انّا : يا الهي كم هو حقير. لقد علمني الكثير من هذه العبارات. هل تريد سماعها؟
مصطفى : كلا، كلا، ارجوك بامكاني ان اتخيل نوع الكلمات البذيئة التي لقنك اياها. ارجوك يا انّا انسي كل ما تعلمت من ذلك الوغد وابقي معي.
انّا : انا لا اريد من الدنيا الآن سواك يا حبيبي. انت ستكون امنيتي بالحياة.
دنا منها وقبلها ثانية فتجاوبت معه وامسكت به بقوة ليشعر بحرارة مشاعرها من خلال قبضتها الشديدة على كتفه.
انّا : الآن، يجب عليك الرجوع الى مقعدك والا فسوف أطرد من عملي.
مصطفى : اجل، اجل، لديك الحق، سارجع الآن.
انّا : وانا ساطل عليك ثانية فيما بعد.
رجع مصطفى الى مقعده وهو بغاية السعادة يتحدث مع نفسه بصوت مسموع قبل ان يستجمع نفسه ويتذكر ان هناك الكثير من المسافرين حوله قد يعتقدون انه مصاب بالجنون. جلس بمقعده واغلق حاسوبه ليخبئه في الحقيبة ويخفيه بالمحفظة العلوية فوق الكرسي ثم يعود الى مكانه. وما ان جلس على الكرسي الا وجائته انّا بكأس من الشمپانيا ووضعته على الصينية التي امامه لتقول،
انّا : المشروب الذي طلبته سيدي.
وضعت الكأس على الصينية امامه ومشت بعيداً تتبختر في مشيتها وتهز بمؤخرتها.
ابتسم مصطفى وامسك بالكاس ليترشف منه فشعر بالفقاعت تلسع لسانه.
كانت الرحلة التي دامت سبع ساعات ونصف تكاد تكون مجرد سبع ثوانٍ بالنسبة اليه. إذ كان ينتهز الفرص كي يذهب الى مقدمة الطائرة ويسترق القبلات من حبيبته الجديدة انّا وهو في غاية السعادة. وفي احدى اللقائات الخاطفة سألته،
انّا : اين ستقيم بلندن؟
مصطفى : لقد حجزت بفندق ذو اربعة نجوم اسمه البوفرت في منطقة كنزنغتون وݘلسي بوسط لندن.
انّا : اسمع مني يا مصطفى. انا ساضطر اليوم للسفر مرة ثانية بعد الهبوط لذلك ابقى انت في الفندق لكننا سنلتقي ببيتي في منطقة هاكني بعد يوم واحد فقط اثر عودتي الى لندن لانني سابقى بلندن 3 ايام متتالية هذه المرة، سنقضيها معاً وستكون بمثابة شهر عسل لنا.
مصطفى : لا اصدق ما اسمع يا انّا. انه اشبه بالخيال.
انّا : ارجع الى مقعدك الآن حبيبي لاننا في صدد الهبوط بمطار هيثرو.
مصطفى : دعيني اقبلك للمرة الاخيرة قبل ان نفترق.
ضمها الى صدره بقوة وكأنهما سيفترقان الى الابد وقبلها قبلة ساخنة جعلها تذوب بين ذراعيه. وعندما افترقت الشفاه قال،
مصطفى : احبك يا انّا من كل قلبي.
انّا : وانا كذلك يا مصطفى. اريدك ان تصبح لي فقط افهمت؟
كتبت له عنوان بيتها على قصاصة ورقية ليضعها بجيبه ورجع الى مقعده وراح يتفقد امتعته فانزل الحاسوب المحمول وجهز معطفه كي يرتديه فور وصول الطائرة الى المطار لان درجة الحرارة بلندن متدنية اكثر بكثير من درجة الحرارة في الدوحة. بقي جالساً على مقعده حتى توقفت الطائرة تماماً بمحطة رقم 4. فُتحت الابواب وصار المسافرون يغادرون ليكون صاحبنا من الاوائل بحكم موقعه في الطائرة. ولما مر بمحاذاة انّا ابتسم بوجهها وقال،
مصطفى : شكراً جزيلاً.
انّا : شكراً لانك اخترت الخطوط البريطانية. نتمنى ان نلتقيك برحلاتنا القادمة.
استغرب مصطفى من ردها، فقد كان رسمياً للغاية. لكنه يعلم جيداً انها لا تستطيع التحدث معه بتودد امام رئيس المضيفين و مساعد الطيار. كان يعلم انها ستتصل به في الغد عند عودتها الى لندن لذلك كان اكثر اطمئناناً على علاقته الجديدة التي التأمت في الجو وستنتهي برابطة عاطفية من نوع مختلف تماماً. سوف يحبها بكل مشاعره وسيجعلها تاجاً فوق رأسه كي تصبح رفيقة دربه وتوأم روحه وحبه الاول والاخير. خرج من قاعة المغادرة فرأى وجوه المستقبلين تبحلق بوجهه لكنه يعلم ان لا احد ينتظره هنا بلندن. خرج الى موقف سيارات الاجرة وركب سيارة اجرة سوداء وقال للسائق،
مصطفى : فندق البوفرت في منطقة كنزنغتون وݘلسي.
السائق : لا مشكلة سيدي اقفز بالداخل.
جلس مصطفى بالسيارة فانطلقت به في الطريق السريع متجهة الى قلب مدينة لندن ثم راح السائق يستعرض مهاراته في الدخول بالشوارع الضيقة والمنحنيات الكثيرة حتى توقف والتفت الى مصطفى قائلاً،
السائق : وصلنا فندق البوفرت سيدي.
نزل مصطفى من السيارة وسحب حقيبته خلفه ليكمل اجرائات الاقامة بالفندق. تسلم مفتاحاً الكترونياً وصعد به الى الطابق الخامس، دخل غرفته ليرمي كل شيء ارضاً ويتعرى كاملاً ثم يدخل الحمام وينعم بدوش ساخن ثم يخرج فيلقي بجسده المتعب فوق السرير. بمساء نفس اليوم استيقظ مصطفى وراح يدور بالغرفة قليلاً ثم اتصل باحد اصدقائه البحرينيين القدامى عن طريق الهاتف فسمع الطرف الثاني يقول،
محمد : من مصطفى؟ كم انا سعيد لانك وصلت سالماً.
مصطفى : شكراً لك يا صديقي الازلي. كيف حالك وكيف هي احوال بتي؟
محمد : نحن بخير وبتي تبلغك السلام. هل انت بالمطار؟
مصطفى : كلا وصلت الفندق واخذت قيلولة قصيرة كي انفض عني وهن السفر. كيف استطيع رؤياك؟
محمد : ساتي اليك الآن لاخذك الى عندي فبتي تريد ان تراك هي الاخرى.
مصطفى : الوقت متأخرٌ وانا يجب ان اذهب برحلة لمدة ثلاثة ايام غداً مساءاً. بامكاننا ان نلتقي بعدها يا محمد.
محمد : هذا كلام بامكانك ان تخبر به بورس جونسون. انت ستأتي معي يعني ستأتي معي. ساصل عندك خلال نصف ساعة. هل انت بنفس الفندق الذي حجزته من الدوحة؟
مصطفى : اجل انه فندق البوفرت في منطقة كنزنغتون وݘلسي.
محمد : اعرفه جيداً. تحضر ولا تأكل شيئاً. ساخرج اليك الآن.
مصطفى : شكراً لك اخي محمد.
اغلق الخط مع صاحبه ورفيق الدراسة وبدأ يرتدي افضل ملابسه ثم فتح حقيبته ليخرج منها هديتين وضعهما باحدى اكياس السوق الحرة ثم نزل الى الطابق السفلي ليجلس بباحة الفندق ينتظر وصول صاحبه. وما هي الا دقائق ودخل محمد من باب الفندق الدوار فلمحه مصطفى ووقف كي يحتضنه ويدعوه للجلوس. الا انه اصر ان لا يجلس وان يأخذ صاحبه معه الى البيت. جلس الصديقان بالسيارة ولم يكفّا عن الحديث واسترجاع ايام الدراسة بالجامعة طوال الرحلة بالسيارة وعندما وصل بيت صاحبه وجد بتي واقفة امام الباب تنتظرهما. سلم عليها مصطفى فاستدعته بداخل البيت مرحبة به بكل حرارة. جلس الثلاثة بالصالة فاخرج مصطفى الهدايا التي جاء بها معه من الدوحة. فتحتها بتي لتجد سلسلة ذهبية انيقة باسفلها قلبين فشكرته بحرارة. اما محمد فقد اعطاه علبة مكعبة فتحها ليجد فيها ساعة فاخرة من نوع بريتلنغ. شكروه كثيراً ثم طلبت منهم سيدة المنزل التحول الى صالة الطعام للبدأ بتناول العشاء. بالرغم من ان الجميع كان منهمكاً بتناول الطعام المميز الذي اشتهرت به بتي الا انهم لم يكفوا عن الحديث والمزيد من الاستفسارات حتى سأل محمد،
محمد : متى سنفرح بك يا مصطفى؟
مصطفى : ليس بعد يا صديقي ولكن ربما هناك عرس بالافق.
محمد : اتقصد مشروع زواج؟
مصطفى : اجل هناك سيدة التقيتها بالطائرة وقد حصل ود وتفاهمٌ كبيرين بيننا.
بتي : هل هي بحرينية؟
محمد : لا اعتقد ذلك، فانا اعرف صاحبي مصطفى. هو لا يحب النساء العربيات ابداً.
مصطفى : هذا صحيح. انها انكليزية وتعمل مضيفة بالخطوط البريطانية اسمها انّا.
محمد : هل تمزح يا ابو صطيف؟ كيف حصل ذلك؟
مصطفى : والله لا اعلم يا صاحبي، ربما هو الحب من اول نظرة. ففور دخولي الطائرة ابتسمتُ بوجهها لترد لي الابتسامة باخرى اكبر منها. بقينا نتبادل النظرات والابتسامات حتى استجمعت ثباتي وشكيمتي فذهبت الى عندها. اردت جس النبض لديها لاجدها هي الاخرى متيمة بي بشكل ملفت للنظر.
بتي : لكنك اذكى من ذلك يا مصطفى، يجب عليك ان تكون حذراً من تلك العلاقات العابرة فربما ستكسر قلبك لانك تعلم المضيفات اليس كذلك؟ بحكم عملهن يلتقين بالكثير من الرجال كل يوم ويكوّنّ علاقات قصيرة خاطفة معهم. لكنها سرعان ما تخبو وتنطفئ بعد مرور وقت قصير.
محمد : كلام بتي صحيح يا ابو صطيف. يجب ان تكون حذراً.
مصطفى : لا، لا انتما مخطئان تماماً. انها انسانة تختلف كثيراً عن باقي النساء فقد كانت متزوجة من رجل ايراني من اصول عربية وقد عانت الامرين منه. لقد اتقدت بيننا شرارة الحب بشكل فوري اثناء الرحلة. على العموم ساخذ بتحذيركم محمل الجد وسوف اتحرى عنها فيما بعد.
قالها مصطفى لكنه كان يجاملهم فقط لانه يعلم ان انسانة مثل انّا سوف لن تخونه ابداً وانها متيمة بحبه كما هو بها تماماً إن لم تكن اكثر منه. فقد التمس صدق مشاعرها من خلال القبل التي منحته اياها.
محمد : هذا جيد جداً. كن على حذر وخذ الامور بتأني.
استمر عشائهم وقتاً طويلاً لانهم كانوا يسترجعون حوادث وقعت لهم عندما كانوا طلاب في الجامعة. إذ انهم تخرجوا بنفس الشهادة ونفس التخصص. هنا سأل مصطفى،
مصطفى : وانتِ يا بتي، هل اصبحت ربة بيت ام انك تعملين الآن؟
بتي : انا اعمل مديرة شؤون المبيعات بشركة بتروبراز. بفرعها بلندن؟
مصطفى : بتروبراز؟ هل هي شركة روسية؟
بتي : كلا انها شركة برازيلية تنتج البترول البرازيلي. ونحن نقوم بتسويقه هنا بمركز الشركة بلندن.
مصطفى : اين يقع مكتبكم؟
بتي : انه على مرمى حجر من ساحة اوكسفورد بلندن.
مصطفى : وانت يا محمد انت لا زلت بعملك بشركة QE مثلي اليس كذلك؟
محمد : اجل مما يعني اننا نعمل بنفس الشركة؟
مصطفى : اجل، نفس الشركة ولكن بمواقع مختلفة انت بلندن وانا بالدوحة.
محمد : والآن اخبرنا المزيد عن انّا تلك المضيفة الجوية الحسناء التي جعلتك تسقط على وجهك مبعثراً من شدة العشق والهيام؟
مصطفى : بالحقيقة لا اعلم كيف حصل ذلك. فقد التقينا عند باب الطائرة واشتعلت شرارة الحب من هناك. بعدها كنا نلتقي بالفسحة المخصصة للمضيفين والمضيفات ونتبادل الحديث والـ...
بتي : القبل اليس كذلك؟ كم هذا شيء رومانسي! يا سلام يا روميو. انت مثل صديقك محمد. جلسنا جنباً الى جنب بقاعة المحاضرات عندما كنا بالصف الاول وكان حديث صاحبك المعسول قد قام بشل جميع دفاعاتي وجعلني اسقط ضحية لحبه.
محمد : ضحية يا مجرمة؟ انا الذي كنت الضحية هنا. فقد كبلتني بسلاسل الزواج بعد عام من لقائنا.
مصطفى : اجل اعرف قصة حبكما تماماً. فقد حضرت جميع فصولها والجميع يحسدكما على العلاقة الرائعة التي تجمعكما. وانا اولهم.
محمد : إذا كانت صاحبتك انّا مثل بتي فانا اتمنى لك حظاً سعيداً. لكنني متيقنٌ ان لا احد يشبه بتي لا من قريب ولا من بعيد فهي ملكة قلبي وسوف تجلب لنا اميرة جميلة بعد ستة اشهر.
مصطفى : يا الهي مستحيل! هل هذا صحيح؟ هل انت حامل يا بتي؟ كم انا سعيد بهذا الخبر. اخيراً ساصبح عماً. واي نوع من الاعمام؟
بتي : هيا إذاً قوّي علاقتك مع انّا ودعنا نفرح بكما ايضاً.
مصطفى : كله يعتمد على لقائنا غداً. فانّا ستأتي من طوكيو بالمساء، سالتقيها ببيتها بهاكني بعد وصولها مباشرةً.
بعد ان قضى مصطفى اجمل الاوقات مع زميليه وتناول افضل وجبة عشاء طلب منهما ان يمنحاه الاذن كي يطلب سيارة اجرة ليغادر الى الفندق لانه يشعر بتعب كبير. الا ان صاحبه محمد اصر على توصيله بالسيارة بالرغم من معارضته الشديدة. وبينما هما في السيارة دار الحديث بينهما بالشكل التالي،
محمد : كنت دائماً اعرف انك حذق مع النساء وشاطر بالايقاع بهن ولكن بالطائرة ومع مضيفة؟ يا لك من زير نساء محترف.
مصطفى : صدقني يا ابو حميد، كل ذلك لم يكن مبرمجاً له ولم اكن اتخيله ابداً. لقد حصل بشكل عفوي. فالفتاة اجمل مما تتصور، انها تشبه تلك الممثلة التي مثلت بالفلم (كيف تتحدث مع الفتيات بالحفلات) لا اذكر اسمها الآن.
محمد : اتقصد نيكول كدمان؟
مصطفى : اجل هي بعينها.
محمد : يا سلام يا ابو صطيف لقد سحبت الورقة الرابحة. ستحسن النسل وسيكون لديك اطفال جميلوا الخلقة يحسنون من نسلك القبيح.
مصطفى : هاهاها كم انت حسود. لقد اخبرتني انّا انني وسيم جداً.
محمد : ربما تعاني صاحبتك من قصر النظر، الم يقولوا ان الحب اعمى؟ على العموم اتمنى لك حياة سعيدة يا صاحبي. قلت انك ستقابلها غداً مسائاً وتبقى معها 3 ايام؟
مصطفى : اجل لانها ستزاول عملها لاحقاً. فلديها رحلة اخرى بعد 3 ايام.
محمد : وهل ستبقى حياتكما بهذ الصورة؟
مصطفى : كلا طبعاً، ستتخلى عن عملها بعد الزواج لانها تريد ان تكوّن معي اسرة.
محمد : وهل ستستقرون بالدوحة ام بالمنامة ام هنا بلندن؟
مصطفى : بالحقيقة، لم نصل الى تلك التفاصيل بعد يا صاحبي. انا لن اتذوق العنب بعد فكيف استطيع الحديث عن كل تلك التفاصيل؟ ساخبرك بعد ثلاثة ايام بعدما نلتقي. تصور يا محمد في الماضي مكثتُ 9 سنوات بلندن ولم اشاهد متحف الشمع المشهور الذي اسمه مدام، مدام، حاجة...
محمد : قصدك مدام توسود. إذاً سنذهب انا وانت الى المتحف غداً صباحاً بينما تعد لنا بتي وجبة رائعة للغداء.
مصطفى : ويحك يا ظالم. انها موضفة في شركة بالنهار والمخلوقة حامل. أتريدها ان تطبخ لك وليمة كذلك؟ كلا ابداً، هذا لن يحصل، ساستدعيكما الى مطعم افتتح مؤخراً لشاب عراقي يدعى فيليب جمعة والده من الموصل بالعراق. يبدو انه يعد افضل الاطباق العراقية. سادعوكما كي نتناول وجبة رائعة هناك. يقال ان الكبة والدولمة العراقية لا يضاهيها شيء.
محمد : اجل لقد اكلنا عنده انا وبتي قبل شهرين. انه فعلاً طباخ ماهر. ستكون الوجبة على حسابي. ولا اريد منك اي نقاش.
مصطفى : كيف ذلك يا ابو حميد وانا الذي دعيتك الى هناك؟ لا تطيل الحديث. ها قد وصلنا الفندق.
محمد : اريدك ان تكون اسداً في مساء الغد وتطول اعناقنا مع صاحبتك الجديدة.
مصطفى : سوف اوافيك بكل الاحداث بالتفصيل الممل يا صاحبي. على العموم سنتطرق الى هذا الموضوع غداً صباحاً عندما نذهب الى متحف الشمع.
باليوم التالي استيقظ مصطفى على رنين هاتف الغرفة، رفعه ليسمع صوت صاحبه يقول،
محمد : هل استيقظت بعد يا صديقي؟
مصطفى : اجل استيقظت الآن تواً على هاتفك المزعج.
محمد : الم تقل انك تريد ان تزور المتحف؟
مصطفى : اجل هذا صحيح، لكني لم اتناول وجبة الافطار بعد. لماذا انت متحمس هكذا؟
محمد : عزيزي ابو صطيف، لدينا فقط هذا الصباح كي نكون مع بعض حتى تأتي صاحبة الجلالة انّا هذا المساء وتأخذك مني. هيا تحرك وبدون كسل، انا انتظرك بباحة الفندق لدى الاستعلامات بالاسفل. ضع بعض الملابس على جسمك وانزل. وان لم يعجبك فلا ترتدي اي شيء لان البريطانيين متعودون على مشاهدة القرود.
مصطفى : ها ها ها دمك خفيف جداً. ساكون عندك في غضون ربع ساعة. ماشي؟
محمد : ماشي عزيزي. ستجدني بالمقهى المقابل للاستعلامات لاتناول القهوة.
مصطفى : اتفقنا. اراك لاحقاً.
بعد مرور 25 دقيقة نزل مصطفى من غرفته فرأى صاحبه جالساً في المقهى يبحلق بفتاتين جميلتين قال،
مصطفى : الا تستحي يا ابو حميد؟ تتطلع الى الفتيات وانت متزوج من ملكة النساء.
محمد : ماذا اعمل، انها الغريزة يا صاحبي. هيا دعنا نخرج.
مصطفى : كلا، لماذا لا نفطر هنا بهذه المقهى ثم نخرج مباشرة الى المتحف؟ السؤال هو، هل المتحف مفتوح لاستقبال الزبائن؟
محمد : انه يفتح من الساعة العاشرة وحتى الثالثة بعد الظهر. لذلك سيكون وصولنا في الوقت المناسب.
مصطفى : إذاً ساطلب هلالات الكرواسون مع شاي وزبدة.
محمد : وانا كذلك.
تناول الصديقان افطارهما ثم خرجا من الفندق وتوجها بسيارة محمد مباشرة الى شارع مارلبون في الشمال الغربي للندن. لكنهم عانوا كثيراً من شحة مواقف السيارات. لذا اضطر محمد ان يوقف سيارته امام احدى العدادات التي بالشارع والتي منحته فرصة ساعتان فقط. قال لمصطفى،
محمد : انا آسف يا مصطفى، سوف لن نتمكن من المكوث بداخل المتحف لاكثر من ساعة و45 دقيقة كي لا احصل على غرامة لسيارتي.
مصطفى : لا عليك يا عزيزي، لا تنسى فاننا سوف نتغدى بمطعم فيليب جمعة مع زوجتك بتي.
محمد : اجل، اجل طبعاً. دعنا نستمتع بالمتحف اولاً.
دخل الصديقان المتحف فاصر مصطفى على دفع ثمن تذاكر الدخول لكنه صدم بدخولية ثمينة جداً فقد كانت الحياة اكثر رخصاً عندما كان يعيش بلندن. صاروا يتجولون بداخل المتحف ويستعرضون التماثيل التي نحتت وكأنها بشر حقيقية. حتى ان مصطفى تقرب كثيراً من تمثال نيلسون مانديلا وصار يبحلق به طويلاً. فالتفاصيل الدقيقة التي بوجهه كانت مذهلة. كذلك اعجب كثيراً بتمثال جمال عبد الناصر وتيتو وگورباݘوف وكندي. بعدها زاروا الرياضيين فشاهدوا الملاكم محمد علي كلاي ولاعب كرة القدم مسي واللاعب مارادونا. ثم اتجهوا الى الممثلين ومشاهير المغنيين والفنانين. كذلك شاهدوا افراد العائلة المالكة الانكليزية الحالية. بعدها زاروا غرفة الملك هنري الثامن فعلق مصطفى وقال، "انه رجل ذكي جداً. تزوج من 6 نساء". آخر ردهة زاروها كانت ردهة سيئي السمعة من الشاهير كالمجرمين والقتلة الذين اشتهروا بجرائمهم المروعة على مر العصور. فهناك شاهدوا الدكتور كريپن الذي قتل زوجته، ورأوا المقصلة التي قتل بها ذلك الدكتور وتمثال لهتلر الذي تسبب بقتل ملايين البشر. وشاهدوا ايضاً الكرسي الكهربائي. بهذه الاثناء نظر مصطفى الى ساعته وقال،
مصطفى : اعتقد ان الوقت قد حان كي نخرج من هنا. هيا يا ابو حميد.
خرج الاثنان وانطلقوا بالسيارة متجهين الى المطعم. بالطريق اتصل محمد بزوجته ليخبرها كي تخرج هي الاخرى وتلتقيهما في المطعم.
وصلوا المطعم فوجدوا بتي قد سبقتهم بالجوس على افضل طاولة تطل على شارع ضيق يعج بالمطاعم لمختلف الجنسيات. جلس الثلاثة وتناولوا الدولمة العراقية. واستمتعوا باجمل الاوقات. وفي النهاية اصر مصطفى على دفع الفاتورة لانه هو الذي دعى الزوجين الى تلك الوجبة. فوقف وقال،
مصطفى : اسمحوا لي يا اصدقائي ان ارحل الآن الى الفندق كي استعد للقاء انّا هذا المساء.
ودعوه وتمنوا له حظاً وافراً. ركب مصطفى سيارة اجرة سوداء وعاد بها الى الفندق. دخل من البوابة وهو بغاية الحماس. توجه مباشرة الى غرفته ليرمي ملابسه على السرير ويدخل الحمام فيحلق ذقنه ثم يأخذ دوشاً ساخناً ثم يغطي جسده بالعطور الباريسية النفيسة. فور خروجه من الحمام سمع هاتف الغرفة يرن بالحاح، رفع السماعة ليستمع لصوت انّا تقول،
انّا : حبيبي مصطفى، معك انّا، هل تتذكرني من الطائرة؟
مصطفى : وهل يعقل ذلك؟ كيف انساك وانا انتظر رجوعك الى لندن بفارغ الصبر. تعالي يا انّا الى الفندق الآن فانا اتشوق للقائك.
انّا : بل تعال انت الى بيتي. سامنحك اوقاتاً لن تنساها ابداً في حياتك فانا لم اعد اتحمل بعدك عني. كنت افكر بك طوال رحلتي الى طوكيو. اريدك ان تكون معي وان تمنحني كل حبك. لا تترك اي شيء ولا تبخل علي بحبك.
مصطفى : لدي عنوانك الذي اعطيتني اياه بالطائرة ومع ذلك كرريه على مسمعي.
انّا : العنوان هو، 109 شارع هايورث، هاكني شمال شرقي 2.
مصطفى : انه مضبوط حبيبتي. متى تريدين ان اتي؟
انّا : الآن فوراُ لا تضيع الوقت فانا ساموت إذا لم التقيك اليوم.
مصطفى : انا قادم يا عمري. اراك لاحقاً.
انّا : اسمع، لا تغلق الخط.
مصطفى : ما الامر؟
انّا : لا تتناول طعاماً او ماشابه، ساعد لك عشاءاً يليق فقط بمقام الملوك والامراء.
مصطفى : سمعاً وطاعة يا صاحبة الجلالة.
انّا : احبك يا عمري. اسرع بمجيئك فانا انتظرك بفارغ الشوق.
اغلق الخط معها وراح يكمل ارتداء ملابسه بسرعة فائقة لم يعتادها بحياته. انه سيقابل اجمل والطف وارق انسانة بحياته، انسانة ستصبح زوجته حتى آخر العمر وسينجب منها 3 اطفال. ستكون اماً مثالية وسيكون هو الاب الحنون المثالي. نزل الى الطابق السفلي وتوجه مباشرة الى خارج الفندق فوجد سيارتي اجرة واقفتين امامه. ركب الاولى واعطى السائق العنوان ثم جلس في الخلف ينتظر وصوله الى حبيبته التي يتوق لرؤياها.
ترى كيف سيجري لقاء مصطفى بانّا؟ هل سينتهي بهما الامر الى مكتب التزويج ام انه سيأخذها معه الى المنامة كي يتزوجا هناك بحضور والدته؟. هل سيسافر معه صاحبه المقرب محمد الى المنامة لحضور العرس؟ ستعرف الاجوبة على كل تلك الاسئلة في الجزء الثاني من هذه القصة.
1650 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع