بقلم /الكاتبة والشاعرة هدلا القصار
بروفايل الحلقة العاشرة والأخيرة من ساحات لا تحتمل أقلام كهنة الشعر
من سيميائيات المهجرإلى "فينو مينولوجيا" الشاعر الجزائري المهجري "ميلود حميدة"
قال سقراط، " أن الشعراء لا يختلفون عن الأنبياء والكهنة اللذين ينطقون الكلام الحسن.."، ويقول الشاعر الاسترالي اليوت مور، " أن القسم الأكبر من عناء الشعر، حيث تكتب القصيدة من عناء نقدي يرتكز على الوصول إلى الغربلة والتنقيح، كما الوصول إلى تراكيب وبرهان وكل ما تقوم عليه معرفتنا وعلومنا .." .
ومن هذه الفلسفة نتجه إلى الأديب الشاعر والناقد والمترجم الجزائري ميلود حميدة، المقيم في اسبانيا، لنفتح نوافذ أفكار تجربته، وحيثيات أعماله الأدبية والشعرية، والكتابات النقدية، وقدرته على تذوق الأدب في تفرده الغني برسائله البيداغوجية، و تياراته الفكرية، والوجدانية والإنسانية، وما يؤثر على رؤيته الإيديولوجية، الجامعة بين الغرب وعبقرية الشاعر، وانشغالاته السيسيولوجية، الموظفة في تجلياته التأملية، وأطروحات نظرياته الشعرية والعلمية الهادفة لأدراك ماهيات الشعور الخاص، ووضع أسس الأدب عامة، وجميع المعارف والعلوم الممكنة في حياة المتلقي والمبدع ..، من خلال خطه الشعري، وقدرات رؤيته السرمدية، في قراءة الواقع الموقد موضوعات الشاعر ميلود حميدة، المتنقل بين الوطن والمواطن وبين الشرق والغرب، للوصول إلى ما يمكن إدراك تقنيات المتجهة إلى التصور المنهجي والتحليل التطبيقي بشكل بيداغوجي، متجدد في آليات إدراكه وإنتاجه، وكيفية توصيل نتائج تطلعاته المتنقلة من مستوى إلى آخر .
يتمتع الأديب ميلود حميدة، بقدر كبير من الخيال، وتراكيب الكلمات، وحسن الصياغة، وجزالة الجمل في كتاباته القائمة على التعامل الجوال، في بحثه عن جوهر الحكمة في علوم الغرب والشرق، واستحضار علومهم الشاملة، والمترصدة لجميع اتجاهات الحركة الأدبية المؤثرة على إنتاج عناصره المتميزة بالعمق الفلسفي والجوهري... لتطوير تجربته التي مكنته تلك ثقافة العالمين، في صيغته الخطابية المتحكمة بإثارة المعنى، وكشف الزوايا العميقة.... بطريقة منطقية ودلالية، من خلال حمولات أدواته المقارنة بالوصف والتحليل والتفسير والاستشهاد، وإبراز التناقضات والايجابيات، " فمثل هذه العلوم لم نعد نجدها في إلا عند القليل من المبدعين في هذا الزمن " .
انه أشبه بعقل الفرد الذي يتلقى الوحي من كهنة الأدب ومؤثراتهم قديما وحديثا، لينسج موال مفرداته التي برزت الكثير من التفاصيل التي ساهمت في تشكيل الأدب الشامل، وخاصة الذي كان فيما مضى يمثل لغزاً .
كما في حمولة الشاعر وموسيقى فطرته البارعة في اختيار الموضوعات وانتقاء قريحته، وجليل إسهام إبداعاته... فهو يستحق بجدارة أن ينتمي لشعراء العالم العربي والعالمي، لإبحاره في بوتقة موهبته الساكنة رؤيته، ورسائله الذات طابع " متافيزيقي" الشمولي ، وما يمهد للمستقبل أنسنة الوعي الإبداعي عند القارئ والمبدع الذي يمثل ارتباطه بالفرد والمجتمع الأدبي، من خلال تلاقح ثقافته المحملة بقيمة ونوعية إبداعاته ...
لنقترب أكثر من فنون وإبداعات الأدب عند الأديب والشاعر ميلود حميدة، وأعماله الإبداعية، كونه يستقطب رؤيته من الواقع...،كإطار حضاري يصب في رؤاه المعبر ة عن موقفه من الإبداع في العالم الذي يتغير بطريقة ديالكتيكية .
لذا لا يتوانى شاعرنا حميدة من تحذير العالم مما قد يسيء للإبداع، بوصف تجربته تعني بمضمون الشعر وأدب العالمين الذين يعكسا مظهرا حضاريا مستحدثا لشتى أنواع الخطابات الشعرية، والترجمات الأدبية المعاصرة، وما يحدث في التوجه الثقافي بشكل احترافي .
إذا تعتمد تجربة حميدة، وكتاباته على الطرح الفلسفي، الذي يحرك العقل و الإحساس بمفاهيم حديثة وأفكار راقية، بدخوله إبداع العالمين حتى الأجيال القادمة، بسعيه لتقديم إبداع يفوق الأجيال السابقة، و لدعم القطاع الثقافي المستقل في العالم العربي ، ولتنشيط الحوار بين المثقفين والأدباء وعلاقتهم بالمحيط الأدبي الشامل ، والإنساني والاجتماعي والسياسي ومواكبة الأحداث ....
من هنا تكمن ثراء تجربة حميدة، الذي يسجل رؤيته وتطلعاته العميقة على أنواع الأدب الشرقي والغربي معا، ومقارنتهم بما يتناسب مع المنهج الأدب المصقول باحتراف ممزوج بالوعي وغيابه، لارتقاء ما يبهر طواف المعبد الكهني، المنخرط بأدق تفاصيل الأدب، والخوض فيه بسلاسة، لتفكيك التفاصيل العادية التي وظفها في نصوصه المتنقلة داخل عقول فلاسفة العصر قديما وحديثا، لنكشف عما يدور داخل أعالمه الشعرية والنقدية وترجماته، من رؤيا وحدس و أسئلة قد لا نجد لها إجابة إلا في واقع تداخلت فيه أزمنة ثقافية، مبنية على الفكر العام ، والمعالجة للأمور الإبداعية، والقضايا الوطنية والقومية والعالمية، وما سبقه من عصور، للإلمام بثقافة وطنه وأمته واستقلالها الذي يوحد جدل الإنسان في مجمل الأدب ... القائم على النزعة الواقعية، مع الحفاظ على علاقاته بالحركة الأدبية العربية والعالمية .
وبما أننا أردنا التأكيد أن عامل مجهود اللغة البسيطة، هي التي تدعم دراسة تلك التواصل الأدبي المستخدم في الشعر المتنوع المذاهب والاتجاهات في مختلف الخطابات، من كلم ولغة وتعابير موجهة إلى المتلقي، والتركيز على الاستقراء الذي يحمل عدة نماذج أدبية منتشرة في صفحات كتابات الشاعر حميدة ، في بحثه عن الأدب المعاصر قديما وحديثاً وربطهما بنقاط الفوارق التي لا يجب الابتعاد عنها .
فهو يستدعي المتلقي وما يوازي رسائله، وصوته الذي لم يتوقف عند قيود تحد تواصل نظرياته، ومشاركة القارئ في صور الأدب ومتغيراته، وإمكانية التواصل في كتاباته النوعية التي تعني بمثابة إنذارا للبشرية ، والعودة إلى الفكر والقراءة والتطلع إلى المعرفة، والعلم، والخيال، والإلهام المجتمعين بأقلام تسم خرائط الأدب على مدى مساره الحافل بتفاصيل المكان والزمان، الذي صنع من تأملاته شريط يستند إلى رؤية المبدع المستقبلية الحديثة، ويمكن للمتلقي قراءتهاً بجميع إشكالاته الذهنية المتشابكة بين هويته وهوية الإنسان عامة من داخل الأدب وخارجه للنهوض والالتحام بكل معرفة .
ليبقى الشاعر ميلود حميدة، المرتبط بمبدأ تأمل ولادة تطور ومفهوم الأدب والثقافة ، والأهداف المواكبة أحوال العصر الذي يستحق الوقوف والتفرد لولاداته، كشاعر وباحث وقارئ ومترجم، يعج بآلاف الأفكار والصور وأرصفة الخواطر المخاطبة عقل الفرد ، للمساهمة في معالجة الكثير من المنغصات بإدراك منفتح، وروح مرحة .
هكذا استطاع الشاعر الجزائري ميلود حميدة أن يعمل على توعية المتلقي من أطياف تجربته وأفكاره التي تدلنا على مكانته المحورية، للبرهنة على أن مثل هذه النموذج الأدبي الذي يحمل قدرة تتوالد أكثر من لغة في أعماله النوعية، وتوغله في فهم فلسفة العالم المحيط به، ومن يبحث عن عالم أدبي يسكنه، أو يتذوقه...
من هذه النقاط تم رصد تجربته التي فتحت لنا مجالاً خصباً للقراءة والاطلاع على أصالة ثوب الحداثة في ظل التحولات الأدبية العالمية، ونزعاته التجديدية ، قياساً للسياقات الزمنية والفنية التي تحمل عمق الفواصل، بين الذات العربية المقيدة، ولغة الحياة وأصالتها ...، ولنتعرف أيضاً على ثقافات الغرب وحضاراتهم المسافرة في كتابات الشاعر، ونصوصه إلى ابعد من فهم عالم ضيق الأفق .
هذا ما تمكنا رصده من عالم رسائله المتقاربة من إعمال وكتابات وأفكار الشاعر الاسباني بيكر، " الباحث عن عالم أكثر بعداً من العالم الحقيقي..." كما في تجربة الأديب والشاعر ميلود حميدة، وما تسنى لنا معرفة بحور عقله، وتأثره بملامح الحركة الحداثية عن بعد، وتعرفنا على ثقافاته الجامعة دروب الأجناس الأدبية، وما يترتب عليها من آثار في البنية التعبيرية " الهيموغلافية" المتمثلة بتجربة الشاعر في نتاجه، وأحكام منهجه الواضح في كتاباته الإرشادية...، لتزويد المتلقي والمبدع بإمكانيات البحث عن مرايا الذات السكونية، المستوطنة في أجواء الشاعر وتجربته ألافتة للنظر في مجمل إبداعاته، أو بجمال نصوصه المجردة من الفذلكة .
ليجد المتلقي نفسه في قبضة علومه الإبداعية، ونظرياته، وأطروحاته...، لذا فما كان منا إلا أن نبحر بحرية تامة بين مئات المواضيع الثقافية المتوفر تناولها ، والتي تعود على القارئ بالمتعة والفائدة، وإعطاءنا مساحة واسعة للإبحار في الفكر العربي التقدمي من جديد ، ولم يبقى لدينا سوى أن نقرا هذه ماذا ينحت الريح بأصابع الشاعر :
"ينحت الرياح خوفا من يوم جديد"
( .. و أَنَا تَبعتك .. كُنتُ أَعرفُ أَنّنا
مَا بَينَ مِشنقتينِ نَحفرُ بِئرَ مَاءٍ فِي حبالِ المِشنقَة
مَا بَينَ مِقصلتينِ نَسكنُ محرَقَة .. ) الشاعر الراحل معين بسيسو
هَذَا الرَّحِيلُ يَعْزِلُ الرُّؤيَا إِلَيكِ .. إِنَّنِي
مَا كُنْتُ غَيرَ غَيمٍ
شَذَّ عَنْ سِرْبِ الوَرَقْ ..
هَذَا الرَّحِيلُ .. إِنَّنِي فِي بُردَتِي مُغَرَّبٌ
لِلْغَائِبِيْنَ أُمْنِـيَاتٌ مِنْ غَسَقْ ..
وَ لِي أَنَا قَبْلَ الرَّحِيلِ
لُغَةٌ قَدْ سَادَهَا عُمْقُ السَّرَابِ
تُفْرِغُ المَـنفَى عَلَى المَعْنَى تَداعيَات لسَرِيرِ خَيبَةٍ
وَ شَذَراتٍ مِنْ شَخِيرِ ضَيعَةٍ
وَ وَهمَ امْرَأةٍ قَد لاَحَ مِنْ نُورِ الشَّفَقْ ..
يَا أَنَا .. كُلّي احْتَوَى المَجِيءَ وَحدَهُ ..
ثُمَّ احتَوَى الرَّحِيلَ كُلّهُ ..
وَ عُدْتُ مِنْ فَصْلِ الشّتَاءِ خرقَةً لِشَخصٍ
ضَاعَ فِي كَفْنٍ غَرِيقْ ..
قَدْ خُلِقتُ مُفْرَغَاً عَلَى الجُدْرَانِ
فِي غَيمِ السَّمَاءِ .. فِي يَدَيْكِ ..
كُلّمَا حَلَّ الغُرُوبُ .. يَا أَنَا ..
أَهِيمُ مَشْدُودًا إِلَيكِ ..
يَا أَنَا .. فَكَ الغَزَالُ مَطمَعِي
وَ شَذَّبَ اللّقَاءَ فِي عُمقِ الزُّجَاجَةِ البَيْضَاءِ
فِي البَّحرِ المُعَجَّمِ المَهْوُوسِ
فِي عَينَيْكِ ..
مَنْ تُرَاهُ يُرجِعُ الذِي مَزَّقَهَا استِبَاحُ عُمْرِهَا
الذِي كَوَّمَهَا احتِرَاقُ حُلمِهَا ..
مَا رَآنِي فِي انعِرَاجِ العُمرِ غَيْرَ
أَحْدَبٍ ، يُخَادِعُ المُتُونَ ثُمَّ يَمضِي فِي غِنَاءِهِ
وَ يَسْحرُ الطُّيُورَ كَي تُزَجَّ فِي أَعشَاشِهِ
وَ يَنْحَتُ الرّيَاحَ خَوفَا مِنْ يَومٍ جَدِيدْ..
الجلفة
انتهى
للراغبين الأطلاع على الحلقة التاسعة:
https://algardenia.com/maqalat/50968-2021-10-03-16-19-03.html
2188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع