مصطفى محمد غريب
اين نُقلتْ المليارات والعراق أصبح بمصاف الدول الفقيرة؟
من المحزن أن نقرأ ما وصل اليه العراق من تدهور وتدمير وأصبح في عداد الدول الفقيرة والاسوأ في الفساد والاضطراب الأمني والسياسي وفي الوقت نفسه نسمع تبريرات مقصودة حول الوضع المأساوي، والتحجج بحجج خادعة دون وضع اصبعنا على الداء المزمن الذي أبتلى به منذ بداية الاحتلال الذي حظى بموافقة البعض من القوى التي استطاعت الهيمنة على الحكم وأسست المحاصصة الطائفية والفساد المالي والإداري، لن نتفق مع أي سياسي أو ديني أو محلل أو مفسر أو داعية يحاول تسفيه الاحتجاج الجماهيري الواسع بالضد من المحاصصة والفساد والقتلة والتبعية قبل انطلاقة انتفاضة تشرين وما بعدها، وهو واقع ملموس ليس من الخيال أو التهويل لأن الأسباب في تدهور عموم الأوضاع في البلاد بسبب الفساد والفاسدين باتت معروفة، وواقع الأحوال السيئة اكثر من معروفة، وإن ادعوا الوطنية والقومية والتدين والحرص على الوحدة الوطنية!! محاولين تضبيب الوعي والتفكير في أهمية البحث عن الحرامية الكبار وتعريتهم أمام الرأي العام ( للعلم مثلما أشرنا نحن لا نعمم وانما نعتمد على اثباتات واقعية ملموسة) .
لمجرد العودة إلى قضايا الفساد والسرقات "والقومسيونات" تحت الطاولات والتلاعب بقوت الشعب سوف نصل إلى قضايا عديدة منهاً مثلاً واقع البطاقة التموينية ونقارنها مع السابق عندئذ سنصل إلى الحرامية الكبار واتباعهم الموزعين في مرافق الدولة وهم يفبركون طائلة من الأكاذيب والخداع بينما تئن الملايين من المواطنين الفقراء من سرقة أكثرية المواد التموينية التي كان يحصل عليها المواطنين لسد رمقهم والمساعدة في المعيشة ولو المتدنية، ولو واصلنا البحث سنجد البطالة الكبيرة ونسب الفقر غير المعقولة " وتشير الإحصاءات، إلى أن نسبة الفقر في العراق وصلت " إلى 41,2% في المناطق التي حررت من داعش الإرهاب و 30% في المناطق الجنوبية، و23% في الوسط و 12,50% ، في إقليم كردستان" والزيادة الهائلة في الاسعار في جميع المجالات المعيشية والسكنية والصحية والخدمية وغيرها ونرى بالعين المجردة إما المخفي فهو أعظم، تلك القوى المستفيدة التي تتمتع بمباهج المال والحياة الجديدة والغنى الفاحش ثم بؤس ما قيل ويقال " الفقر في العراق كذبة .. الصحة بلاش .. المدارس بلاش .. تعليم بلاش .. كلشي بلاش .. بطاقة تموينية بلاش .. كهرباء بلاش .. ماء بلاش" !! ومن هنا نتحدث بإصرار عن البعض الذي يحاول طمس الحقائق ويتمتع بحماية وحصانة لا تقل عن حصانة أعضاء البرلمان والحكومة وغيرهم وخلفهم ميليشيات مسلحة قيد التنفيذ ، البعض يضع كل الموبقات والأسباب على عاتق القوى الخارجية وإن صح البعض منها لكنهم يحاولون ذر الرماد في العيون عن دهاقنة الداخل الذين لم يسرقوا الأموال فحسب بل استولوا على عقارات المسؤولين السابقين وعقارات وأبنية الدولة والأراضي والبساتين والمناطق الزراعية مثال "جرف الصخر" وغيرها وأكثرها سيطرت عليها المليشيات المسلحة وهي معروفة لا يمكن إخفائها أو الهيمنة عليها بالقوة أو شراؤها بأثمان بخسة ، ويبرز السؤال التالي الملح
ـــــــ أين أصبحت واردات النفط ؟ التي قدرت من قبل هيثم الجبوري عضو اللجنة المالية النيابية " أن حجم واردات النفط منذ عام 2003 لحد عام ( 2015 ) بلغت 624 مليار دولار" وإحصائيات أُخرى قدرتها بـ "850" مليار دولار، أما الآن ومنذ عام 2015 حتى 2021 فكم تقدر كمية الواردات من الأموال التي نهبت أو تم تهريبها وتبيضها، ؟، وأكد عليها أحد الخبراء المعروفين المتخصصين في المجال الاقتصادي إن " الفساد واللصوصية لم تبق إمكانية لإعادة بناء مدارس الدولة وليس بناء مدارس جديدة أو لبناء مجمع سكني متواضع " تأخذ اثمانه بالتقسيط أو مجاني يوزع على الفقراء من الموظفين والمستخدمين والعمال والكسبة، ثم ما هذا الاستهتار بتسهيل السرقات لبعض دول الجوار أو التعامل معها بدون تحديد مصالح العراق الاقتصادية والمعيشية وكأنها هبات بطرق قانونية مخادعة أو حتى استغلال الثغرات لتمرير مخططات الاستيلاء التي تكلف المليارات من الدولارات وكان يعني هذا الخبير "ايران وتركيا والولايات المتحدة الامريكية "ولقد هوجم هذا الخبير وأعتبر من المعادين الذين يقفون في صف الإرهاب وهدفه تخريب العملية السياسية، لا نتفق مع القول إن عدم وجود مخلصين سياسيين في العراق ولا يوجد سوى السراق والحرامية فهو قول ينافي الحقيقة فهناك الكثير والكثير من المخلصين الشرفاء الذين تَزْخَرُ بهم البلاد ولديهم الإمكانيات الاختصاصية والأكاديمية والسياسية الكبيرة لقيادة البلاد وانقاذها من المحاصصة والفساد المالي والإداري ومنع التلاعب بمقدرات البلاد والكشف عن مجرمي الاغتيالات وعن الذين يسخرون المال السياسي لمصالحهم الضيقة، هؤلاء المخلصين سيتمكنون من حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء مخططات الميليشيات الطائفية والإرهاب لإضعاف هيبة الدولة وعدم تطبيق القوانيين وملاحقة الفاسدين الذين ابتكروا عشرات الطرق في غسل الأموال المسروقة وايداعها في البنوك الخارجية .
إن الفساد والحرامية أمر معروف لا يمكن إنكار وضعهما في البلاد وهما مستمران حتى في التأثير على الانتخابات القادمة لأن المال السياسي الذي جاء عن طريق السحت والطرق غير القانونية ومن " معونات الخارج المشبوهة!": وثبت خلال الحقب السابقة التي تلازمت مع الانتخابات وأثرت على نتائجها وفعلت المستحيل على إبقاء قانون الانتخابات الجائر الذي قسم العراق إلى دوائر عديدة والذي تدعمه البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية وتمانع أن يكون العراق دائرة واحدة وخاضت الصراعات غير المبدئية لإبقاء مفوضية الانتخابات التابعة وعدم تجديدها وتخليصها من تأثيرات القوى المتنفذة، وهو ما كشف عنه انتقاد منار الشديدي عضو لجنة الخدمات النيابية يوم الثلاثاء 31 / 8 / 2021 هذا الانتقاد الواضح يكشف جزء من الحقيقة خلال تصريحات صحفية " الصمت الحكومي والبرلماني وكذلك مفوضية الانتخابات" حيال الخروقات الانتخابية التي يمارسها مسؤولون تنفيذيون في الدولة العراقية ثم قولها أن "نصف المشاريع وموارد الدولة استحوذ عليها محافظون ومسؤولون تنفيذيون في عموم المحافظات لأغراض ودعايات انتخابية" أليست هذه التصريحات وغيرها من قبل نواب في مجلس النواب وغيرهم من المسؤولين الذي ينتقدون الفساد ويفضحون الحرامية دليل على ما نذهب اليه بخصوص السرقات واللصوصية وليس هي أوهام أو اتهامات باطلة؟
ـــــ أليست الأرقام الفلكية لمليارات الدولارات المهربة خارج البلاد وتبيضها بمختلف الطرق الحلزونية من قبل كبار الحرامية التي نشرتها وتنشرها وسائل الإعلام ومن خلال فضحها من قبل البعض من المسؤولين وقد كشف رئيس الجمهورية برهم صالح " عن أن 150 مليار دولار*، قد هربت من العراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، جراء الفساد" عبارة عن سرقات للمال العام وما وصلت إليه الدولة من مشاكل اقتصادية وأموال مهدورة بسبب الفساد المالي والإداري؟ هذا الفساد الذي أصبح "علمٌ فوقه نارُ " في طرق وأساليب حديثة حسب الظروف المستجدة التي ساعدت على ضياع مليارات الدولارات من البلاد وبخاصة الضعف الملازم للرقابة القانونية والشعبية، ان المعلومات الأخيرة المكتشفة من قبل مكتب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تشير أنه "بعد تحقيقات فنية دقيقة للأجهزة التحقيقية، وبإشراف مباشر من القضاء تمكنت الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على عدد من المتهمين في مجموعة حاولت تزوير الانتخابات باستثمار علاقات لهم مع موظفين في مفوضية الانتخابات". وأضاف مكتب رئيس الوزراء أن "ذلك جاء بهدف إثارة الفوضى المعلوماتية والسياسية في العراق" وفور الإعلان عن ذلك طالب القضاء رئيس الوزراء بالكشف عن الأسماء وأكد " لحد الآن توجد أسماء يتداولها الإعلام لكنها ليست مؤكدة، وننتظر الإعلان عن هذه الأسماء، وعن الجهات التي تقف وراءها" .
كل ذلك وغيره جزء بسيط مما جرى ويجري يؤكد مدى تأثير الحرامية والفاسدين على الأوضاع في البلاد وهو يفند حجج التبريرات التي تحاول مثلما يقال " حجب نور الشمس بغربال" لكن هيهات فأكثرية المواطنين الواعين يعرفون الحقيقة ولا بد من أن يأتي ذلك اليوم الذي يدرك فيه المخدوعين الذين ظلل وعيهم بالأكاذيب والتلفيقات السياسية والدينية والطائفية وانه يوم قريب جداً، لن ينقذ العراق من محنته إلا المخلصين الشرفاء ذوي الأيادي البيضاء وليس الحرامية والفاسدين الطائفيين الذين استولوا على ممتلكات الدولة وغيرها وسرقوا الأموال العامة وهربوها الى الخارج مع ميليشياتهم المسلحة .
-------
هامش
* اشارت هيئة النزاهة في بيانها الخميس 2 / 9 / 2021 إن "الأموال العامَّة التي اسْتُرْجِعَت أو التي كشفتها وتمَّت إعادتها إلى حساب الخزينة العامة، بلغ مجموعها (253,586,273,259 ديناراً) مئتين وثلاثة وخمسين ملياراً وخمسمئة وستة وثمانين مليوناً ومئتين وثلاثة وسبعين ألفاً ومئتين وتسعة وخمسين ديناراً، و (4,920,096.137 دولاراً) أربع مليارات وتسعمئة وعشرين مليوناً وستة وتسعين الفاً ومئة وسبعة وثلاثين دولاراً خلال هذه المدة حصراً"
1703 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع