موفق نيسكو
بعد أور السومرية، ساكو يقترح بغداد العباسية، كلدانية
اقترح البطرك ساكو بتاريخ 17/3/2021م: تسمية كنيسته (كنيسة بغداد للكلدان) بدل كنيسة بابل للكلدان، ويقول إن السبب هو عدم وجود علاقة لكنيسة الكلدان ببابل، وقوله بعدم علاقة كنيسته ببابل والكلدان صحيح طبعاً، ويبدو أنه يتعرض لأسئلة عن معنى كنيسة بابل الكلدانية، حيث يقول: كثيراً ما يسألني بعض الكرادلة والأساقفة الغربيين عن تسمية بطريرك الكلدان ببابل.
لقد ذكرت مراراً أن كنيستي الكلدان والآشوريين، سريانيتان نسطوريتان لا علاقة لهما بالأشوريين والكلدان القدماء مطلقاً سوى أنهما نتيجة الانقسامات الكنسية في القرن السادس عشر وبعده، انتحل لهم الغرب اسمين من أسماء حضارات العراق القديمة لأغراض سياسية، فسمَّت روما الطرف المتكثلك كلداناً، ثم سَمَّى الإنكليز الطرف الذي بقي نسطورياً، آشوريين، وذكرتُ في مقال مفصل (أسماء مدينة بغداد وسبب تسمية طائفة من السريان النساطرة بالكلدان)، ومنذ انقسام 1553م قامت عداوة بين الطرفين، المتـاشورين والمتكلدنين، وعلى أساس عقائدي، نسطوري-كاثوليكي، وكان الصراع قد خفَّ كثيراً إلى سنة 2003م، ثم برز الصراع على الاسم هذه المرة، فالآشوريون يقولون للكلدان منذ عهد أبونا آدم الجميع آشوريون، فانتم آشوريو القومية والكلدانية هي اسم مذهب للمشتغلين بالتنجيم والسحر، والكلدان بدورهم يقولون للآشوريين، انتم كلدان واسم آشوري مزيف ومنقرض لأن الكلدان قضوا على الآشوريين سنة 612 ق.م.، والطريف أن الاثنين يتصارعان منذ عهد أبونا آدم إلى سقوط دولة نبوخذ نصر سنة 539 ق.م.، ثم القفز مباشرةً إلى القرن 16 وإلى اليوم، أمَّا بين الحقبتين، فلا يملكون وثيقة واحدة تقول إنهم كلدان وآشوريون.
وقد بقي البطرك ساكو إلى سنة 2015م معتدلاً، واقترح أن يكون اسم الاثنين هو آراميين أو سريان (سوريا)،لكنه بعدها بدأ يخضع للمتشددين من طائفته الذين يعتبرون أنفسهم قومية، ويدعون أن العراق كلداني منذ أبونا آدم، وآخر حكم وطني هو نبوخذ نصر، وجميع الأقوام بعده وإلى اليوم غرباء ومحتلين، والأمر الطريف أن أشهر وأول وآخر ملوك بابل، حمورابي الأموري ونبوخذ نصر الآرامي، أصلهما من غرب الفرات، سوريا الحالية، واسم الكلدان هو صفة المشتغلين بالتنجيم والسحر والشعوذة أطلقه اليهود والنبي دانيال على دولة نبوخذ نصر في الكتاب المقدس فقط، ومنه سرى إلى الآخرين كاليونان فيما بعد الذي شهَّروا الاسم، وأكثر مؤلفين استهجنوا باسم الكلدان في التاريخ هم أسلاف من يُسمُّون أنفسهم اليوم كلداناً، قبل أن يتكلدنوا، علماً أنه لا توجد كلمة كلدان في النص العبري، بل كسديم، ولا يوجد نص واحد من زمن دولة نبوخذ نصر يقول إنهم كسديم أو كلدان، وبعد 2015م بدأ ساكو يزور في كتبه السابقة ويروج للاسم الكلداني، ويتهجم على الآشوريين، آخرها قبل زيارة البابا بمدة قليلة، وساكو هو الذي أقنع البابا بضرورة زيارة أور الناصرية السومرية استناداً لخرافة وجود بيت إبراهيم فيها، وأنها أور الكلدان الواردة في العهد القديم، علماً أن أور الكلدان هي مدينة الرها–حاران وليست أور العراق، ولأنه فشل في تسويق ذلك، حيث انتبه لهذا الزعم الباطل أغلب المختصين بالتاريخ والآثار إلى اللعبة السياسية.
نتيجة دخول البطرك ساكو لعبة السياسية، بدأ يتخبط بالتاريخ المدني والديني ولا يعرف ما يريد بالضبط، فجاء بفكرة جديدة وطريفة، هي تسمية كنيسته (كنيسة بغداد للكلدان) بدل كنيسة بابل، والسبب كما يقول: عدم وجود علاقة لكنيسة الكلدان ببابل، لكن أرجو قراءة مقاله جيداً وملاحظة التناقضات والأخطاء التاريخية فيه، فمرة يقول إن يوحنا سولاقا +1555م هو أول بطرك كلداني، ومرة يوسف مروكي1757م، وتارةً اسم كنيسته الجغرافي هو ساليق وقطسيفون (المدائن)، وتارة ليس لها اسم جغرافي، وتسمية كنيستنا بالسريانية ضاربة في القدم والكلدانية والآشورية تسميات حديثة ولغتنا هي السريانية، لكن نريد الكلدانية قومية، ولماذا لا يُسمونا كرسي توما باسم مؤسس..إلخ، والمهم أن اقتراحه هو كنيسة بغداد للكلدان هو سياسي بحت، فإذا كانت أور السومرية الواردة في الكتاب المقدس أنها كلدانية قد فشلت في تثبيت اسم الكلدان، وكذلك فشل اسم بابل المقترن بالكلدان تاريخياً ولم يستطع التشفع بإثبات أنهم كلدان، والسؤال: إذن هل ستنجح بغداد العباسية في تثبيت اسم الكلدن؟.
https://saint-adday.com/?p=42249
وللرد على أخطاء البطرك ساكو التاريخية وألغامه السياسية التي حاول تمويه الناس البسطاء بها، أقول: إن اسم الكلدان لم يُطلق سنة 1340م كما ادعى، بل تلك السنة كانت محاولة كثلكة بعض السريان النساطرة بدون التطرق لاسم الكلدان أبداً، كما لم يُطلق اسم الكلدان سنة 1451م، بل في 7/ أيلول/ 1445م على السريان النساطرة العراقيين في قبرص الهاربين من حرب المغول، وتكثلكوا بزعامة مطرانهم طيمثاوس، كما في الوثيقة الأصلية المرفقة، ثم ارتدوا إلى النسطرة، وسنة 1450م كتب البابا نيقولاوس5 رسالة إلى طيمثاوس وجماعته يطالبهم العودة إلى الكثلكة، لكنهم رفضوا، لذلك فعلاً وكما قال ساكو لم يُستعمل اسم الكلدان إلاَّ بعد الاتحاد الثاني سنة 1553م لسولاقا، لكن سولاقا وخليفته عبديشوع الجزري لم يلقبا بكلدان، بل تردد اسم كلدان من عهد يوسف الأول+1696م، ويوسف مروكي +1757م (أي ليس جميع البطاركة لقبهم كلدان)، وثبت اسم كلداني سنة 1830م مع البطرك يوحنا هرمز، وإلى اليوم.
أمَّا عن الاسم القومي فيقول ساكو بفمه: سُمِّيت كنيستنا، كنيسة السريان المشارقة ولغتها سريانية، سُمِّيت أيضاً كنيسة فارس، وهي تسميات ضاربة في عمق بلاد الرافدين، أمّا تسميات الكلدانية والآشورية متأخرة نسبياً ولها أسبابها، وتسمية الكلدانية سرَت رويداً رويداً وتغلبت على التسميات الأخرى وثبتت في شخص يوحنا هرمز في 5 تموز سنة1830م، باسم بطريرك بابل على الكلدان، علماً أنه لا توجد علاقة للكنسية الكلدانية ببابل، وكرسي كنيستنا كان في المدائن (ساليق وقطسيفون) أي بغداد، وربما يعود هذا التبني إلى كونها (بغداد عند روما هي بابل) عاصمة الكلدان، وأول اعتراف بالكلدان كان سنة 1844م، والطريف أن البطرك ساكو يضيف قائلاً: إن كنيسة الآشوريين الحاليين تنحدر من خط سولاقا الكاثوليكي (ممن يُسمون اليوم كلداناً) في حين أن كنيسة الكلدان تنحدر من خط النساطرة (ممن يُسمُّون اليوم آشوريين)، أي عكس المطلوب تماماً.(ساكو، خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ص4-5، 24، 38، 41. 48-49)، والسؤال المهم لساكو وكل من يدعي أنه آشوري أو كلداني: منذ بداية المسيحية وإلى البطرك برماما قبل انفصال سولاقا: هل كان البطاركة كلداناً أم آشوريين؟؟؟؟؟؟
- عندما عينت روما سولاقا اعتقدت أن بطرك الموصل قد توفي، وهو كان لا يزال حياً، وروما لم تلقب سولاقا وخليفته الجزري بطرك الكلدان بل بطرك أثور، والمقصود الموصل (الأثوريين، الموصليين) لأن أحد أسماء الموصل الجغرافية الكثيرة بالسريانية وعند اليهود بالعبرية وعند الغربيين أيضاً هو، أثور، مثلما بغداد اسمها بابل، وراجع مقالنا (تَخبُّط روما باسمي الكلدان والآشوريين المُنتحلين)، وهذه وثيقة تعيين سولاقا من أرشيف كنيسة الكلدان، ووثيقة الجزري من أرشيف الفاتيكان.
- أول وكيل لبطريركية بابل للكلدان لدى روما، هو الأب شموئيل جميل، في 21 أيلول 1895م، وبراتب شهري 35 فرنكاً.
- أول وكيل لرهبنة كلدانية لدى روما هو الأب بولس داود سنة 1902م.
- أول قاصد رسولي من روما للكلدان في التاريخ، هو الأسقف اللاتيني تريوش وتلقى التهاني في 5 آب 1937م.
يقول بطرك الكلدان عمانوئيل دلي +2014م: أُطلق على كنيستنا عدة أسماء منها كنيسة السريان المشارقة، وبقي لقب بطريرك الموصل، أثور (الذي أُطلق على سولاقا) مستعملاً حتى أواخر القرن 16، وعندما بدأ الرحَّالة الغربيون يجوبون بلادنا ويطلعون أكثر على تراثها كتبوا تقارير عما اطلعوا عليه من معلومات تاريخية ودينية وجغرافية، جاء فيها الغث والسمين، فأخطأوا عندما ظنوا أن بغداد هي بابل القديمة، وبطريرك دير هرمز في ألقوش قرب آشور، حالياً الموصل، هو في ديار بابل، فخلطوا الحابل بالنابل والجنوب بالشمال، وهكذا قليلاً فقليلاً تغلب اسم بابل على بقية الأسماء لأنه قديم ومشهور في الكتاب المقدس، وعاصمة الكلدان، فباشرت روما استناداً إلى التقارير التي تصلها وتحمل اسم الديار البابلية تُطلق اسم، بطريرك بابل على الكلدان، وهي ألقاب ناجمة برأينا عن قلة خبرة العاملين في دوائر روما آنذاك، ولقب البطريرك الحالي ليس جيداً ويجب تغييره لأن مدينة بابل لم تكن يوماً مركزاً للكرسي البطركي، ومع أن اسم الكلدانية استقر في التقويم الحبري لروما، لكن في ثلاثينيات القرن العشرين اقترح القانوني الأب كوروليفسكي، أن يكون لقب رئيس الكلدان (مطران ساليق وقطسيفون رئيس أساقفة المشرق جاثليق بطريرك بابل على الكلدان)، لكنه بعد سنتين غيَّرَ رأيه بلقب آخر هو "جاثليق بطريرك المدن الكبيرة ساليق وقطسيفون رئيس أساقفة المشرق" (دلي، المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق، ص5، 144–147).
أمَّا محاولة البطرك ساكو إقحام توما كمؤسس كنيسته، فغير صحيح، وأقدم سلسلة لبطاركة كنيسته هي لمطران دمشق النسطوري إيليا الجوهري 893م، وتبدأ بمؤسسها، أدّي ثم ماري، وأول من أقحم اسم توما هو عبدالله بن الطيب +1043م، وهذه المخطوطة الأصلية.
وشكراً/ موفق نيسكو
1364 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع