البطرك ساكو يؤكِّد: يونان النبي (يونس)، أسطورة قذيفة أخرى للبطرك ساكو في مرمى السريان المتأشورين

                                       

                      موفق نيسكو

البطرك ساكو يؤكِّد: يونان النبي (يونس)، أسطورة
قذيفة أخرى للبطرك ساكو في مرمى السريان المتأشورين

يصادف هذه الأيام ذكرى صوم نينوى للمسيحيين الشرقيين عموماً خاصة السريان بطوائفهم، وهو ثلاثة أيام، يُسمَّى بالسريانية الباعوثة أي الطلبة، ودرجت العادة عند أغلب الكنائس توجيه بيان أو منشور للمؤمنين بهذه المناسبة يحثهم على الصوم، وطبعاً الاعتقاد السائد لدى عامة الناس البسطاء هو أن هذا الصوم هو المذكور في سفر النبي يونان (يونس في الإسلام) صاحب قصة الحوت، وقطعاً ذلك ليس صحيحاً، ففي سنة 576م انتشر مرض الطاعون المُسَمَّى شرعوط في السريانية، في شمال العراق، مثلث كركوك، الموصل وتكريت، في عهد جاثليق الكنيسة السريانية النسطوري، حزقيال (570-581م)، (الكلدان والآشوريين حالياً)، وبسبب ارتفاع الموت اقترح مطران كركوك سبريشوع على الجاثليق حزقيال الصوم ثلاثة أيام، فاستحسنه الجاثليق وأمر به، وهناك أكثر من رواية لذلك.

ومعروف أن الآشوريين والكلدان الحاليين هم سريان آراميون نساطرة المذهب، ولغتهم سريانية (آرامية)، ولا علاقة لهم بالكلدان والآشوريين القدماء مطلقاً، وقد انتحل لهم الغرب (روما والإنكليز) حديثاً اسمي الكلدان والآشوريين لأغراض سياسية استعمارية عبرية، والكلدان انفصلوا عن السريان النساطرة سنة 1553م وثبت اسمهم كلداناً في 5 تموز 1830م، ثم قام الإنكليز بتسمية القسم الذي بقي نسطورياً، آشوريين، واشتعلت الحرب بينهما وبقي التنافس بين الاثنين إلى اليوم، كل يريد أن يثبت اسمه المنتحل ضد الآخر وكل يريد أن يعتبر اسمه قومياً، إلاّ أني يجب أن أُقرُّ أن الكلدان كانوا هادئين إلى سنة 2003م، وربما تعصبهم القومي بعد هذا التاريخ نابع من ردة فعل ضد الآشوريين، والمهم أن الاثنين على باطل واسمهم مزور.

وفي العقود الأخيرة خاصة بعد سنة 2003م بدأ السريان الذين سمَّاهم الإنكليز آشوريين يستغلون اسم هذا الصوم ويربطونه بصوم يونان ونينوى القديم لأغراض سياسية ودعائية آشورية مزيفة، ومنهم كهنة النساطرة، أي كنيسة من يُسمَّون أنفسهم اليوم آشوريين، حيث كانوا ينشرون بهذه المناسبة مقالات حقيقتها هي دعائية آشورية بحجة إن هذا الصوم هو صوم الآشوريين الوارد في سفر يونان النبي، إلى أن تصديت لهم وفنَّدت ادعاءهم، وعموماً توقف الكهنة النساطرة عن ذلك منذ حوالي 5 سنوات، لكن العلمانيين لا يزالون مستمرين بذلك.

وقبل أكثر من سنتين نشرت بحثاً تفصيلياً بعدة أجزاء، عن يونان النيس، ولأن اهتمامي وبحثي وهدفي هو تاريخي، لا إيماني، فإني طرحت مسالتين، الرمزية والحقيقية، وقلت: إن سفر وقصة يونان النبي (يونس) في الكتاب المقدس هي، إمَّا رمزية، أو حقيقية، وإن كانت حقيقية، فأكَّدتُ أن كاتب السفر ليس يونان النبي، وأن يونان النبي لم يصل إلى نينوى، بل المقصود بنينوى هو مدينة أخرى، حماة أو دمشق أو غيرها، ومعلوم أن الكتاب المقدس دائماً يستعمل أسماء رمزية، أو يخلط الأسماء أحياناً، فهو مثلاً يُسمِّي روما بابل، ويُسمِّي مملكة سبأ بالحبشة، أي إن هدفي من البحث كان تاريخياً وليس إيمانياً والبحث في أعجوبة يونان والحوت، بل إثبات أن يونان لم يصل العراق، حيث أن هذه القصص الرمزية أو الأسماء الوصفية مثل قصة يونان وأور الكلدان التي تعني مدينة السحرة والمنجمين والمشعوذين والتي هي حاران في الرها (أور هاي، أورفا) وليس العراق، تستغل من الآشوريين والكلدان الحاليين الجدد لإثبات زور ادعائهم. وقد نشرت البحث مفصلاً في كتابي: اسمهم سريان لا آشوريون ولا كلدان، بعنوان: هل وصل يونان النبي إلى نينوى؟.

واليوم وبمناسبة هذا الصوم، يذهب البطريرك ساكو في بيانه أكثر مني فيؤكِّد أن القصة هي أسطورة رمزية (درامة)، وكاتب سفر يونان ليس يونان النبي، إنما يونان آخر متمرد مجهول، واسم يونان بالحقيقة هو كلمة نينوى معكوسة، وسفر يونان يناقض التاريخ، وقد كتب بعد سقوط نينوى، ونينوى لا تقع على بحر، وصوم نينوى الباعوثة ليس له علاقة بنينوى.

والحقيقة إن بيان البطرك ساكو يبدو عادياً للإنسان البسيط، لكن في حقيقته هو قذيفة موجّه للآشوريين، في الحرب المشتعلة بينهم منذ سنة 1553م التي لا يلاحظها إلاَّ المهتمون، وقد نوهت أنا قبل مدة قصيرة إلى ذلك عندما هاجم البطريرك ساكو طقس الآشوريين.

ومع أن كثيراً من المعلومات التي ذكرها البطرك ساكو في بيانه صحيحة، لكن ما دخل سفر يونان ونقده في البيان إن كانت قصة رمزية أم لا، أو أن سفر يونان كاتبه ليس النبي يونان؟، فهو يصدر بياناً يحث المؤمنين على الصوم، وبسبب جائحة كورونا ممكن للبطرك ساكو أن يُذكِّر المؤمنين بصوم نينوى الذي بدأ سنة 576م والذي أُقرَّ بسبب مرض الطاعون، ولكن تطرقه إلى أن رمزية السفر وبأن كاتبه غير النبي يونان وهو يناقض التاريخ..إلخ، هو رسالة موجه للآشوريين مفادها أن استغلالكم لهذا الصوم هو باطل، لذلك فإن فقرة (ثمة فرقٌ بين يونان النبي ويونان “السِفْر“ المتمرد) والى فقرة (ممارسة الباعوثا في الكنيسة) في بيان البطرك ساكو، هي فقرة زائدة، وهي القذيفة الموجهة للآشوريين.

بيان البطرك ساكو:
https://saint-adday.com/?p=41211

والحقيقة إن كلام البطرك ساكو صحيح، لكن بما يخص استغلال الآشوريين للكتاب المقدس فقط، أما بخصوصه هو كبطرك كلدان، وبعض طائفته من المتعصبين، فهم بدورهم يستغلون الكتاب المقدس أيضاً لدعم اسمهم الزور فهم يستغلون زوراً عبارة أور الكلدان على أنها في الناصرية في العراق وهي مسقط رأس إبراهيم أبو الأنبياء، والحقيقة: إن أور الكلدان هي آرام نهرين أو حاران أو الرها (أورفا) في تركيا وليست أور العراق، وإبراهيم نفسه في سفر (تكوين 24: 1-10)، يقول، إنها مسقط رأسه، وكلمة أور معناها، مدينة، والكلدان معناها، المنجمين والسحرة والعرافين، لذلك الآشوريون بدورهم يعتبرون كلام الكلدان أن أور الكلدان هو استغلال.

وهنا يُذكِّرني البطرك ساكو لطرفة مع أحد الأصدقاء الكلدان ورئيس جمعية كلدانية، فمعروف أن الكدان والآشوريين يتمتعون بسمعة سيئة في الكتاب المقدس، وتوصف مدينتا نينوى وبابل بأبشع الصفات، مثل الزانية ومصدر العهر ومدينة الكذب والدماء..إلخ (انظر مثلاً سفر ناحوم وسفر الرؤيا 18)، وفي إحدى المرات قلت لصديقي الكلداني اعلاه إن أحد أصدقائي الآشوريين اقترح علي بالقول: أخي موفق: بحكم علاقتك مع رجال الدين ومكانتك الثقافية، أرجو أن تتكلم مع رجال الدين لتغيير الكتاب المقدس وحذف كل ما يُسيء للآشوريين، وكان جواب صديقي الكلداني لي: والله فكرة جيدة أخي موفق، ولكن بحذف ما يُسيء للكلدان فقط.

فهل صدق بطريرك الكلدان عمانوئيل دلي سنة 2005م ونتيجة صراع الكلدان والآشوريين سياسياً، حين قال: إن عبارة كلدو وأثور ستجعلنا أضحوكة للعالم؟.

عن مثل هذه الشعوب الشرقية قال عنها الفيلسوف Eugen Kamenka: إنها شعوب مُقلِّدة للقومية، وهي شعوب مُتخلِّفة تشعر بالحاجة إلى إحداث تحول في أحوالها فتحاول رفع مستواها، وهي لن تستطيع أن تكون قومية ما لم تعترف بتخلفها وتتغلب عليه.
وشكراً/ موفق نيسكو

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1911 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع